نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-238-2
ISBN الدورة:
978-964-357-238-0

الصفحات: ٦٥٦

قال المرتضى : هذا على مذهبنا ظاهر ، لأنّ المعتبر قول المعصوم ، فإذا فرض الإجماع على أحد القولين فقد فرض دخول الإمام فيه فيكون حقّا ، إنّما الإشكال عند المخالفين لقولهم بصحّة الاجتهاد. (١)

احتجّ المانعون بأنّ الإجماع واقع من الطائفتين على جواز الأخذ بأي القولين كان إذا أدّى الاجتهاد إليه ؛ فلو أجمعوا على أحدهما كان الإجماعان حقّين ، فيكون المتأخّر ناسخا للمتقدّم ، لكن نسخ الإجماع والنسخ به باطل على ما مرّ ، ولأنّه لو جاز ذلك لجاز أن يتّفق أهل عصر على قول ويتّفق أهل العصر الثاني على خلافه.

والجواب منع إجماعهم على الأخذ بأي القولين كان ، لأنّ أحدهما لا بد وأن يكون خطأ ؛ لقوله عليه‌السلام : «إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران» (٢) ، ولا يجوز إجماع الأمّة على الخطأ.

سلّمنا ، لكن مطلق أو (٣) بشرط عدم الاتّفاق ، الأوّل ممنوع والثاني مسلّم ، لكن الاتّفاق قد وقع فيزول المشروط بعدمه.

سلّمنا ، لكنّهم جوّزوا الأخذ بأحد القولين ، فإذا أجمعوا عليه كان موافقا لاجماعهم ، وموافق الإجماع صواب لا خطاء ، ولأنّه لو اتّفق أهل العصر إلّا واحدا على حكم وخالفهم عليه ذلك الواحد لم يمتنع أن يظهر له ما ظهر لنا في العصر وأن يؤدّيه اجتهاده إلى تصويبهم وأنّه قد كان على

__________________

(١) الذريعة إلى أصول الشريعة : ٢ / ٦٣٠.

(٢) تفسير ابن كثير : ٣ / ١٩٦ ؛ شرح صحيح مسلم للنووي : ١١ / ٩١.

(٣) في «أ» : و.

٢٠١

الخطاء ، فإن منعناه من المصير إليه لزم إيجاب الخطاء عليه ومنعه من الحكم بالدليل الذي ظهر له ولباقي الأمّة وإلزامه بما يعلم بطلانه ، وهو باطل قطعا ، وإن لم يمنعه منه فقد حصل الوفاق بعد الخلاف.

وأجاب بعض المخالفين : بأنّا لا نحرّم عليه الرجوع إليه لكنّا نقول : إنّه يستحيل ظهوره عليه لا من جهة العقل ، بل من جهة السّمع ، وهو ما يقضي إليه من تعارض الإجماعين.

وليس بجيد ، لاستلزامه التكليف بالمحال ، لأنّه تعالى كلّفه إصابة الحق ، فإذا نصب عليه دليلا ومنعه من الوصول إليه لزم المحال ، وتعارض الإجماعين مدفوع باشتراط الأوّل كما تقدّم ، والفرق واقع بين الاتّفاق والخلاف ، ونحن جوّزنا الإجماع عقيب الاختلاف لا عقيب اتفاق مخالفه له على أنّهم منعوا من الإجماع عقيب الإجماع ولم يمنعوا منه عقيب الاختلاف ، وليس لنا الحكم عليهم ، بل أمرنا بمتابعتهم فيما أجمعوا عليه.

تذنيب

لو اختلفوا في المسألة على قولين هل يجوز لهم الاتّفاق على ثالث؟

الوجه التفصيل ، وهو أنّهم إن نصّوا على عدم الثالث لم يجز ، وإلّا فالوجه الجواز ، لما تقدّم عند المخالفين ، أمّا عندنا فلا يجوز ، لأنّه إحداث لقول ثالث ، وقد تقدّم تحقيق القول فيه.

٢٠٢

البحث الرابع : في جواز اتّفاق أهل العصر الثاني

إذا اختلف أهل العصر الأوّل على قولين هل يجوز لأهل العصر الثاني الاتّفاق على أحدهما؟

الحق ذلك ، فإنّه يكون إجماعا يحرم مخالفته ويمتنع على المجتهد المصير إلى القول الآخر.

وهو قول المعتزلة وكثير من أصحاب الشافعي وأبي حنيفة ، وقال أبو بكر الصيرفي من الشافعية وأبو الحسن الأشعري والجويني والغزّالي وجماعة من الأصوليّين بامتناعه.

لنا : انّ إجماعهم ممكن للعلم بعدم استحالة صيرورة كلّ مجتهد الى ما صار إليه الآخر لظهور دليله عنده ، وإذا جاز ذلك للواحد جاز للجميع والعلم به ضروري ، وإذا جاز وقوع الإجماع كان حجّة لثبوت المقتضي وهي أدلّة الإجماع السالمة عن معارضة مانعية سبق الخلاف ، لتناول الأدلّة حال سبق الخلاف وعدمه ، ولأنّه إجماع حدث بعد ما لم يكن فيكون حجّة ، كما إذا حدث بعد تردّد أهل الإجماع فيه حال الفكر ، وهذا المقيس عليه ينقض أكثر أدلّة المخالف.

وبالجملة فالنزاع في ذلك ضائع ، لأنّه إمّا في وقوع الإجماع وإمكانه ، ولا شك فيه ولأنّه المقدّر ، وإمّا في كونه حجّة وأدلّة الإجماع تتناوله قطعا.

٢٠٣

واستدلّ قاضي القضاة أيضا على ذلك بوجهين اعترضهما أبو الحسين (١).

١. قوله عليه‌السلام : «لا تجتمع أمّتي على خطأ» فلا يكون قول أهل العصر الثاني خطأ.

لا يقال : نسلّم أنّه ليس خطأ ، لكن يجوز لمن بعدهم المخالفة.

لأنّا نقول : أجمعوا على أنّه لا يجوز أن نخالفهم.

اعترضه بمنع الإجماع فيه ، لأنّ الأمّة مختلفة في اتّفاق أهل العصر على أحد القولين هل يجوز مخالفته أم لا؟

وأيضا فيه نظر ، لأنّ ما ذكره لا يدفع الاعتراض ، فإنّ السائل يقول يجوز مخالفتهم في هذا الإجماع.

٢. الإجماع المبتدأ لا يجوز مخالفته ، وكذا إذا اختلف الصحابة ، ثمّ اتّفقت فيجب مثله في التابعين إذا اتّفقوا بعد اختلاف الصحابة.

اعترضه بأنّه إن أوجبتم ذلك لدخول اتّفاقهم تحت أدلّة الإجماع فذلك رجوع إلى الأدلّة السابقة ، وإن كان للقياس فأين العلّة؟

لا يقال : العلّة انّه إجماع.

لأنّا نقول : ليست هذه علّة معلومة ، والأصل في الجماعة جواز اتّفاقهم على الخطأ ، وانّما منعنا من ذلك للأدلّة (٢) فيجب اعتبارها دون القياس ، لأنّه

__________________

(١) راجع المعتمد في أصول الفقه : ٢ / ٥٤ ـ ٥٥.

(٢) في «أ» : الأدلّة ، في «ب» : للدلالة.

٢٠٤

لا نظفر من ذلك بعلّة معلومة ، وليس لكم أن تجعلوا العلّة في الأصل كونه إجماعا أولى من أن يجعلها كونه إجماعا مبتدأ ، على أنّه قد حكى قاضي القضاة في الدرس عن قوم أنّهم قالوا : اتّفاق الصحابة بعد اختلافهم لا يحرّم الخلاف.

واحتجّ المخالف بوجوه (١) :

الأوّل : قوله تعالى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ)(٢) أوجب الردّ إلى كتاب الله عند التنازع ، وهو حاصل ، لأنّ حصول الاتّفاق في الحال لا ينافي ما تقدّم من الخلاف ، فوجب فيه الردّ إلى كتاب الله تعالى.

الثاني : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهديتم» جوّز الأخذ بقول كلّ واحد من الصحابة وأطلق ، وهو يتناول ما حصل بعده إجماع وما لم يحصل.

الثالث : اختلافهم على قولين يتضمّن الإجماع على الأخذ بأيهما كان ، فلو انعقد الإجماع الثاني تصادم الإجماعان.

الرابع : لو كان قولهم إذا اتّفقوا حجّة لكان قول إحدى الطائفتين إذا ماتت الأخرى حجة ، والتالي باطل ، لأنّ الموت لا يصيّر ما ليس بحجّة حجّة ، فالمقدم مثله ، والشرطية ظاهرة ، لأنّ المقتضي وهو كون المجمعين في العصر الثاني كلّ المؤمنين موجود في الطائفة الباقية.

__________________

(١) ذكرها الرازي والأجوبة عنها في المحصول : ٢ / ٦٧ ـ ٦٩.

(٢) النساء : ٥٩.

٢٠٥

الخامس : لو كان اتّفاق العصر الثاني حجّة لكان قولهم لدليل وإلّا لكان خطأ ، والتالي باطل ، لأنّه لو وجد لما خفي على أهل العصر الأوّل.

السادس : أهل العصر الثاني بعض الأمّة ، فلا يكون إجماعهم وحده حجّة.

السابع : قد ثبت أنّ أهل العصر الأوّل لو اختلفوا على قولين لم يجز لمن بعدهم إحداث ثالث ، وأهل العصر الأوّل لما اختلفوا لم يكن القطع بذلك الحكم قولا لواحد منهم ، فيكون القطع بذلك إحداث الثالث (١).

الثامن : الصحابة كالأحياء ، ولهذا تحفظ أقوالهم ويحتجّ بها وعليها ، وإذا لم ينعقد الإجماع مع تلك الأقوال التي اختلفوا فيها حال حياتهم ، فكذا لا ينعقد بعدهم.

التاسع : لو كان هذا الإجماع حجّة لوجب ترك القول الآخر ولما انعقد به حكم حاكم ووجب نقضه بعد الإجماع على خلافه ، لوقوعه على ضد الدليل القاطع ، والتالي باطل ، لانعقاد إجماع العصر الأوّل على نفوذ هذا القضاء ، فنقضه على خلاف الإجماع.

والجواب عن الأوّل : أنّ التعلّق بالإجماع ردّ إلى الله تعالى وإلى الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولأنّ الشرط وهو التنازع مفقود في العصر الثاني.

وعن الثاني : بعد تسليم الحديث انّه مخصوص بتوقّف الصحابة في

__________________

(١) في «أ» : أخذا بالثالث.

٢٠٦

الحكم حال الاستدلال مع أنّه لا يجوز الاقتداء به في ذلك بعد انعقاد الإجماع ، فوجب تخصيص محلّ النزاع فيه ، ولأنّه مخصوص بالصحابة ، ولأنّه محمول على ما إذا لم يخالفه أحد ، أمّا مع المخالفة فلا يمكن الاهتداء بقول أيّهما كان بل بالمصيب.

وعن الثالث : بما مر أنّ الإجماع على الأخذ بهما كان مشروط بعدم الاتّفاق عند القائلين بأنّ كلّ مجتهد مصيب ، ولأنّه منقوض باتّفاقهم حالة الاستدلال على تجويز الأخذ بأي قول ساق الدّليل إليه وعلى الوقف مع عدم الدّليل ، ولأنّه إذا جاز أن لا يكون اتّفاق أهل العصر الثاني حجّة جاز أن لا يكون اتّفاق أهل العصر الأوّل حجّة لعدم الأولوية ، وإذا لم يكن الأوّل حجّة لم يلزم محذور من الاتّفاق الثاني ، فقد ثبت تناقض هذه الحجّة ، ومن يجعل المصيب واحدا يحتمل (١) إجماع الفريقين على الأخذ بقول أيّهما كان ، لأنّ الحقّ واحد وأنّ عليه دليلا والمخطئ غير معذور فيه.

وعن الرابع : أنّا نتبيّن بموت إحدى الطائفتين أنّ قول الثانية حجّة ، (لا أنّ الموت نفسه هو الحجة). (٢)

وعن الخامس : أنّه لم يخف عن بعضهم ولا يجب عدم خفائه عن الجميع. (٣)

__________________

(١) في «أ» : يحيل ، وفي «ب» : يختل.

(٢) في النسخ الّتي بأيدينا : لأنّ الموت هو الحجّة. وما أثبتناه من المحصول : ٢ / ٦٩.

(٣) يعني : أنّه لا يجوز أن يخفى ذلك الدليل على كلّهم ، لكن يجوز خفاؤه على بعضهم. راجع المحصول : ٢ / ٦٩.

٢٠٧

وعن السادس : لو كان أهل العصر الثاني بعض الأمّة لم يكن إجماعهم ، إذا لم يسبقه خلاف ، حجّة.

وعن السابع : نمنع كون القطع ليس قولا لأحد على ما سبق.

سلّمنا ، لكن لا يجوز إحداث الثالث لو انعقد الإجماع على عدم جوازه مطلقا ، أمّا إذا كان مشروطا بشرط فإنّه يجوز عند عدم ذلك الشرط ، كما قلنا من إجماعهم على التوقّف حالة الاستدلال مع أنّه لا ينافي إجماعهم بعد ذلك.

وعن الثامن : إن عنيتم ببقاء أقوالهم بعدهم كونها مانعة من انعقاد الإجماع فهو المتنازع ، وإن عنيتم علمنا بأنّهم ذكروا هذه الأقوال فليس مانعا من انعقاد الإجماع ، وإن عنيتم ثالثا فبيّنوه.

وعن التاسع : أنّا لا ننقض الحكم لصيرورته مقطوعا به في زمان عدم هذا الإجماع ، وانّما ننقض لو حكم حال قيام الدلالة القاطعة على فساده.

تذنيب

لو انقسم أهل العصر إلى قسمين ثمّ مات أحد القسمين كان قول الباقين حجّة. أمّا عندنا فلوجوب بقاء المعصوم ؛ وأمّا عند المخالف ، فلأنّ الموت كشف عن اندراج ذلك القسم وحده تحت أدلّة الإجماع ، وكذا لو كفر أحد القسمين. (١)

__________________

(١) وهو رأي الرازي أيضا في المحصول : ٢ / ٧٠.

٢٠٨

البحث الخامس : في أنّ انقراض العصر هل هو شرط أم لا؟

اختلف الناس في ذلك فذهب الإمامية إلى أنّه ليس بشرط ، وهو مذهب المعتزلة والأشاعرة وأكثر أصحاب الشافعي وأبي حنيفة ، وقال أحمد بن حنبل والأستاذ أبو بكر بن فورك : إنّه شرط ؛ وفصّل بعض الناس فقال : إن كان اتّفاقهم عن قول أو فعل أو عنهما لم يكن شرطا ، وإن كان عن قول بعضهم وسكوت الباقين كان شرطا.

لنا : وجوه :

الأوّل : قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)(١) وصفهم بالعدالة ، وهي تنافي الإجماع على الخطاء.

وكذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تجتمع أمّتي على الخطأ» ، وقوله تعالى : (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ)(٢) من أدلّة الإجماع.

الثاني : الإجماع إنّما يتحقّق لو دخل المعصوم فيهم وقوله حجة فلا يشترط غيره.

الثالث : لو اعتبر انقراض العصر لم يستقر الإجماع ، لأنّه قد حدث في زمن الصحابة مجتهدون من التابعين فيجوز لهم مخالفتهم لعدم انقراض العصر ، ولا ينعقد إجماع الصحابة مع مخالفة المتجدّدين ، ثمّ الكلام في

__________________

(١) البقرة : ١٤٣.

(٢) النساء : ١١٥.

٢٠٩

عصر التابعين كالكلام في عصر الصحابة فجاز أن لا ينقرض عصرهم حتى يحدث تابع التابعين فيكون إجماعهم مشروطا بموافقته ، وهكذا.

لا يقال : يشترط انقراض عصر المجتهدين عند حدوث الواقعة لا من تجدد فلا يلزم اعتبار عصر التابعين إذا حدث فيهم مجتهد بعد الواقعة.

لأنّا نقول : على تقدير أن يحدث في التابعين واحد من المجتهدين قبل انقراض عصر المجتهدين من الصحابة عند الواقعة ، وكذا يحدث في تبع التابعين قبل انقراض عصر من كان مجتهدا من التابعين ، وهلمّ جرّا إلى زماننا ، يلزم عدم تحقّق الإجماع على ذلك التقدير ، وهذا الاحتمال متحقّق في كلّ إجماع فلا ينعقد إجماع ما.

اعترض أبو الحسين (١) بأنّ من اشترط انقراض العصر اختلفوا في إدخال من أدرك من التابعين في إجماعهم فقال أحمد بن حنبل (٢) : لا مدخل للتابعي في إجماع أهل ذلك العصر مع أنّه يشترط انقراض العصر ، وفائدته تجويز رجوع المجمعين أو بعضهم عمّا أجمعوا عليه ، وحينئذ يندفع الإشكال. وبتقدير تسليم دخول التابع لهم في إجماعهم فلا يمتنع أن يكون الشرط هو انقراض عصر المجمعين عند حدوث الحادثة ، واعتبار موافقة من أدرك ذلك العصر من المجتهدين لا عصر من أدرك عصرهم ، فيندفع الإشكال.

وفيه نظر ، فإنّ المجتهد التابعي المتجدّد يجوز له المخالفة إذا لم يسبقه

__________________

(١) المعتمد في أصول الفقه : ٢ / ٤٢.

(٢) ذكره الآمدي في الإحكام : ١ / ٣١٨ ، المسألة السادسة عشرة.

٢١٠

إجماع مخالف له هو حجّة عليه ، وإنّما تسوغ المخالفة لو احتمل كون قول المجمعين خطاء ، إذ لو لاه لم يجز له المخالفة وانقراضهم لا يوجب تصويب قولهم وصيرورته حقّا قطعا ، فقول أحمد ليس بجيّد ، وعدم اشتراط انقراض عصر التابعي ـ مع أنّه من أهل الإجماع وقوله شرط فيه ومعتبر في تحقّقه واشتراط انقراض غيره ـ تحكّم محض ، لأنّ المقتضي لاشتراط الانقراض هو إمكان رجوع بعضهم عن قوله إلى ما يخالفه لظهور دليل عنده ثابت هنا.

الرابع : لا خلاف في أنّ الإجماع حجّة بعد انقراض العصر ، والحجّة ليست في انقراض العصر وإلّا لكان حجّة من دون الاتّفاق ، وهو باطل قطعا ؛ ولا في مجموع الأمرين ، وهو اتّفاقهم وانقراض العصر ، وإلّا لكان موتهم مؤثرا في كون أقوالهم حجّة ، وهو محال كما في موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالمؤثر في كونه حجّة هو الاتّفاق لا غير.

اعترض بجواز كون اتّفاقهم حجّة بشرط عدم المخالف لهم في عصرهم.

احتجّ المخالف بوجوه (١) :

الأوّل : قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ)(٢) ، فلو لم يسوغ لهم الرجوع عمّا أجمعوا عليه لكانوا شهداء على أنفسهم.

الثاني : سئل علي عليه‌السلام عن بيع أمّهات الأولاد؟ فقال : «كان رأيي ورأي

__________________

(١) ذكر الآمدي هذه الوجوه والجواب عنها في الإحكام : ١ / ٣١٩ ـ ٣٢٢.

(٢) البقرة : ١٤٣.

٢١١

عمر أن لا يبعن فرأيت بيعهنّ» فقال له عبيدة السلماني (١) : رأيك في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك ، فدلّ قول عبيدة على حصول الإجماع مع مخالفة علي عليه‌السلام.

الثالث : كان أبو بكر يرى التسوية في القسم ولم يخالفه أحد في زمانه ، ثمّ خالفه عمر بعد ذلك.

الرابع : المجتهد ما دام حيّا يبحث ويتفحّص عن الأدلّة ، ويكون في التأمّل والنظر ، فلا يستقر الإجماع.

الخامس : قول المجمعين لا يزيد على قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإذا كان موته شرطا في استقرار الحجّة في قوله ، فاعتباره في أهل الإجماع أولى. (٢)

السادس : الإجماع ربّما كان عن اجتهاد وظن ، ولا حجر على المجتهد إذا تغيّر اجتهاده وإلّا كان الاجتهاد مانعا من الاجتهاد ، وهو باطل ، لأنّ الرأي الأوّل مذموم ، لقوله تعالى : (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ)(٣) فلا يكون مانعا من الثاني.

__________________

(١) هو عبيدة بن عمرو (أو قيس) السلماني المرادي ، تابعي ، أسلم باليمن أيام فتح مكة ولم ير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان عريف قومه ، وهاجر إلى المدينة في زمان عمر ، وحضر كثيرا من الوقائع ، وتفقّه وروى الحديث. من أصحاب علي عليه‌السلام ، وعدّه البرقي من أولياء أمير المؤمنين عليه‌السلام. روى عن عبد الله بن مسعود ، وروى عنه عبد الله بن سلمة. وقال ابن حجر في تقريبه : عبيدة بن عمرو السلماني بسكون اللام ، ويقال بفتحها ، المرادي أبو عمرو الكوفي ، تابعي كبير مخضرم ، ثقة ثبت ، مات سنة ٧٢ ه‍ أو بعدها. الأعلام : ٤ / ١٩٩ ؛ معجم رجال الحديث : ١٢ / ١٠٤ برقم ٧٥٤٧.

(٢) ذكر الرازي أيضا هذه الوجوه الخمسة والجواب عنها في المحصول : ١ / ٧٢.

(٣) هود : ٢٧.

٢١٢

السابع : لو لم يعتبر المخالفة في عصرهم لبطل مذهب المخالف ، لهم في عصرهم بموته، لأنّ من بقي بعده كلّ الأمّة ، وهو خلاف الإجماع.

والجواب عن الأوّل : لا يلزم من كونهم شهداء على غيرهم أن لا يكونوا شهداء على أنفسهم إلّا من حيث المفهوم وليس حجّة ، بل قبول شهادتهم على أنفسهم أولى لعدم التهمة ، وفائدة التخصيص التنبيه بالأدنى على الأعلى ، كما قد يقبل إقرار المرء على نفسه ولا تقبل شهادته على غيره ، ولأنّ المراد كونهم شهداء يوم القيامة على الأمم بإبلاغ أنبيائهم إليهم ، فلا يكون حجّة في صورة النزاع.

وعن الثاني : قول عبيدة (رأيك في الجماعة) لا يدلّ على أنّه إجماع ، وإنّما أراد انضمام القولين أرجح من الانفراد ، على أنّ قول عبيدة ليس حجّة ، وقول علي عليه‌السلام لا يدلّ على الإجماع ، بل على أنّ قوله وقول عمر خاصة ثمّ انفرد هو عليه‌السلام. على أنّ الإمامية منعوا هذا الحديث بالكلّية لأنّ عليا عليه‌السلام لم يكن يقول بالرأي.

وعن الثالث : نمنع الإجماع على قول أبي بكر فإنّ عمر نازعه في التسوية وقال له : أتجعل من يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله كمن دخل في الإسلام كرها؟! فقال أبو بكر : إنّما عملوا لله وإنّما أجرهم على الله تعالى وإنّما الدنيا بلاغ.

وعن الرابع : إن أرادوا بنفي الاستقرار عدم حصول الاتّفاق ، فهو باطل ، لأنّ كلامنا في أنّه لو حصل لكان حجّة ، وإن أرادوا أنّه لا يكون حجّة بعد حصوله فهو المتنازع.

٢١٣

وعن الخامس : أنّه جمع بين الموضعين بغير دليل مع ظهور الفرق ، فإنّ قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في معرض النسخ ، وهو إنّما يكون بوحي قاطع ، ورفع القاطع بمثله على طريق النسخ جائز بخلاف رفع حكم الإجماع القاطع بالاجتهاد.

وعن السادس : أنّ الإجماع عندنا يشترط فيه قول المعصوم فلا يكون عن اجتهاد فلا يجوز الرجوع عنه ، وعند المخالف لا يجوز الرجوع عنه أيضا ، لأنّ كلّ واحد وإن ذهب إلى الحكم عن اجتهاد وظن ، ولكن بعد اتّفاقهم على الحكم لا يجوز الرجوع عنه بالاجتهاد ، لصيرورته بعد الإجماع قطعيا ، فلا يجوز الرجوع عنه بالظّني بخلاف الرجوع عن الاجتهاد الظني بمثله.

وعن السابع : قال بعضهم ؛ نعم يبطل قول المخالف بموته وينعقد الإجماع بقول من بقي ، وقيل (١) : إنّما لم يبطل مذهبه ولا ينعقد إجماع بعده ، لأنّ من بعده ليسوا كلّ الأمّة بالنسبة إلى هذه المسألة التي خالف فيها الميّت فإنّ فتواه لا تبطل بموته.

وفيه نظر ، لأنّهم لو أجمعوا بعد موته على حكم آخر لكان حجّة ، لأنّهم كلّ المؤمنين وكلّ الأمّة ، وهو وصف حقيقي لا يعتبر بالنسبة إلى فتوى أو حكم ، فكذا في صورة النزاع.

__________________

(١) وهو القول الّذي أيّده الآمدي في الإحكام : ١ / ٣٢٢.

٢١٤

تذنيب

ذهب كثير ممّن لم يعتبر انقراض العصر في الإجماع القولي إلى اعتباره في السكوتي ، لاحتمال رجوع سكوته إلى التفكّر في الحكم ، فإذا مات عرف أنّ سكوته كان عن رضا.

وليس بشيء ، لأنّ السكوت إن دلّ على الرضا وجب أن يحصل ذلك قبل الموت ، وإلّا لم يحصل بالموت ، لاحتمال موته على ما كان عليه قبل موته. (١)

البحث السادس : في أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة

اختلف الناس في ثبوت الإجماع بخبر الواحد ، فأجازه جماعة من الشافعية والحنفية والحنابلة ، وهو الحق ، ومنعه جماعة من الحنفية والغزّالي من الشافعية.

لنا : إنّ خبر الواحد دليل شرعي تثبت به الأحكام وتخصّص به العمومات ويقيّد المطلق ، فجاز أن يثبت به الإجماع كغيره من الأحكام ، ولأنّ ظن العمل به حاصل فيجب دفعا للضرر المظنون ، ولأنّ الإجماع نوع من الحجّة فيجوز التمسّك بمظنونه كمعلومه قياسا على السنّة ، ولأنّ أكثر الناس ذهب إلى أنّ أصل الإجماع ظني فتفاصيله أولى ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نحن

__________________

(١) ذهب الرازي إلى هذا الرأي في المحصول : ٢ / ٧٣.

٢١٥

نحكم بالظاهر والله يتولّى السّرائر» (١) فيدخل فيه الإجماع المنقول بخبر الواحد لكونه ظاهرا ظنيا ، ولأنّ نقل الظني موجب للعمل فالقطعي أولى.

احتجّ المخالف بأنّ الإجماع أصل من أصول الدين فلا يثبت بخبر الواحد لكونه ظاهرا ظنّيا ، ولأنّ الإجماع المنقول آحاد أصل من أصول الفقه ، كالقياس وخبر الواحد عن الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك ممّا لم يرد من الأمّة فيه إجماع قاطع يدل على جواز الاحتجاج به ، ولا نصّ قاطع من كتاب أو سنّة وما عدا ذلك فمن الظواهر غير محتجّ بها في الأصول وإن احتج بها في الفروع.

والجواب : كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصل من أصول الدين ، وقد قبل فيه خبر الواحد.

وبالجملة فالمسألة دائرة على اشتراط كون دليل الأصل مقطوعا به ، وعلى عدم اشتراطه ، فمن اشترط القطع منع من كون خبر الواحد مفيدا في نقل الإجماع ، ومن لم يشترط ذلك كان الإجماع المنقول على لسان الآحاد عنده حجّة.

والظهور في هذه المسألة للمعترض من الجانبين ، إمّا من جهة النافي فإن يقول : لا نسلم أنّ نقل كلّ ظنّي موجب للعمل بمقتضاه ، وإمّا من جهة المثبت فإن يقول : لا نسلم امتناع إثبات الأصول بالظواهر.

__________________

(١) شرح صحيح مسلم للنووي : ٧ / ١٦٣. لم أعثر على هذا النص في كتب الحديث المشهورة ، لكنّه اشتهر بين الفقهاء والأصوليين ، وقد جزم الحافظ العراقي والمزي بأنّه لا أصل له ، وقال الزركشي : لا يعرف بهذا اللفظ. راجع كشف الخفاء للعجلوني : ١ / ١٩٢ ـ ١٩٣.

٢١٦

البحث السابع : في أنّ إجماع العترة حجّة

اختلف الناس في ذلك ، فذهب إليه الإماميّة والزيدية وأنكره الباقون.

لنا : وجوه :

الأوّل : ما ثبت من عصمة الإمام.

الثاني : قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(١) ، والخطاء رجس ، فيكون منتفيا عنهم ، وقد أكّد الله تعالى ذلك بوجوه :

أ. لفظة (إِنَّما) الدالّة على الحصر والتأكيد.

ب. لام التأكيد في (لِيُذْهِبَ.)

ج. الإتيان بلفظ الإذهاب الدالّ على الإزالة بالكلّية.

د. الإتيان بالماهية التي يستلزم نفيها نفي جميع الجزئيات.

ه. الإتيان بلفظ أن يذهب الدال على تحقّقه في كلّ حال دون الإذهاب الصادق (٢) بعد تقضّي الفعل ، فالفرق بينهما فرق بين أن يفعل والفعل.

__________________

(١) الأحزاب : ٣٣.

(٢) في «أ» : الصادر.

٢١٧

و. تقديم لفظة (عَنْكُمُ) الدالّة على شدّة العناية.

ز. الإتيان بما يدلّ عليهم لا بأسمائهم تعظيما لهم.

ح. البداء على وجه الاختصاص ، نحو : نحن العرب أقرى الناس للضيف.

ط. تأكيد ذلك بلفظ التطهير الدالّ على التنزيه عن كلّ دنس.

ي. تأكيد التطهير بالمصدر.

اعترض (١) بحمله على الزوجات ، لأنّ ما قبلها وما بعدها خطاب معين. (٢)

والجواب من وجوه :

أ. لو كان كذلك لقال عنكنّ ويطهركنّ ، كما تقدّم.

ب. أهل البيت هم علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، للإجماع على أنّه لمّا نزلت هذه الآية لفّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم كساء وقال : «هؤلاء أهل بيتي». (٣)

ج. لمّا قالت أمّ سلمة : ألست من أهل البيت؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها : «إنّك على

__________________

(١) منهم : الرازي في المحصول : ٢ / ٨١ ، المسألة الخامسة ؛ والآمدي في الإحكام : ١ / ٣٠٧ ، المسألة الحادية عشرة.

(٢) في «أ» : معهود ، وفي المحصول : معهن.

(٣) صحيح مسلم : ٧ / ١٢٢ ـ ١٢٣.

٢١٨

خير» (١) ولم يجعلها منهم ، فلو كان راجعا إلى الزوجات لدخلت فيهن ولأجابها بنعم.

د. لفظة «إنّما» للحصر فهي دالّة على أنّه تعالى ما أراد أن يزيل الرجس عن أحد إلّا عن أهل البيت ، لكنّه غير جائز ، لأنّه تعالى أراد زوال الرجس عن الكلّ ، وإذا تعذّر حمله على ظاهره وجب حمله على زوال [بعض] الرّجس عنهم ، لأنّ ذكر السبب لإرادة المسبب جائز ، وزوال الرجس هو العصمة ، فهي دالّة على عصمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وكلّ من قال ذلك حصر المراد في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، فلو حمل على غيرهم لزم خرق الإجماع.

ه. مراد الله تعالى واجب الوقوع مطلقا عندهم وعندنا في أفعاله ، فيكون وقوع الرجس عنهم محالا ، وهو إنّما ثبت في حقّ المعصومين لا الزوجات لوقوع الذنب منهن.

__________________

(١) روي هذا الحديث في تفسير الطبري (جامع البيان) : ٢٢ / ١١ برقم ٢١٧٣٢ وص ١٢ برقم ٢١٧٣٦ و ٢١٧٣٩ عن أم سلمة قالت : لمّا نزلت هذه الآية : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فجلّل عليهم كساء خيبريا ، فقال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي ، اللهم اذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا» قالت أم سلمة : ألست منهم؟ قال : «أنت إلى خير».

وروى هذا الحديث أيضا الترمذي في سننه : ٥ / ٦٦٣ برقم ٣٧٨٧ ، باب مناقب أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ وابن الأثير في جامع الأصول : ١٠ / ١٠٠ ـ ١٠٣ ؛ والسيوطي في الدر المنثور : ٥ / ١٩٨ ـ ١٩٩ ؛ والواحدي النيسابوري في أسباب نزول الآيات : ٢٣٩ ؛ والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل : ٢ / ٣٧ و ٣٨ و ٣٩ و ٥٢ و ٦٢ و ٦٣ ؛ والقرطبي في تفسيره : ١٤ / ١٨٣ ؛ وابن كثير في تفسيره : ٣ / ٤٩٢ و ٤٩٣ و ٤٩٤ ؛ وأبو يعلى الموصلي في مسنده : ١٢ / ٣١٣ و ٤٥١ ؛ والطبراني في المعجم الكبير : ٣ / ٥٤ و ٥٥ ، وج ٩ / ٢٦ ، وج ٢٣ / ٢٨١ و ٣٣٣ ، وغيرها كثير.

٢١٩

اعترض (١) على أ : بأنّ التذكير يمنع من قصر الخطاب عليهم لا من دخولهن فيه.

وعلى ب : بما روي عن أمّ سلمة أنّها قالت : قلت : يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ فقال : «بلى إن شاء الله» (٢).

ولأنّ أهل البيت حقيقة فيهنّ لغة ، فتخصيصه بغيرهن خلاف الأصل.

وعلى ج : نمنع دلالة الآية على إزالة كلّ رجس ، لأنّ المفرد المحلّى بلام التعريف لا يفيد العموم.

والجواب عن أ : أنّ الخطاب المتناول للمذكورين حقيقة لا يندرج فيه المؤنث إلّا بدليل ولم يوجد ، وقد سبق في باب العموم ، ولأنّ دخولهنّ في الخطاب ممتنع لعدم العصمة في حقّهن.

وعن ب : أنّ الرواية ما قلنا ، وهو قوله عليه‌السلام : «إنّك على خير» (٣) ، ونمنع

__________________

(١) المعترض هو الرازي في المحصول : ٢ / ٨٢.

(٢) مناقب الخوارزمي : ٦١ ؛ السنن الكبرى : ٢ / ١٥٠ ؛ شواهد التنزيل : ٢ / ٩٢ ؛ مناقب ابن المغازلي : ٣٠٦ ح ٣٥١.

(٣) أمّا الحديث الّذي وردت مصادره في الهامش السابق وهو ما احتجّ به المخالف فقد ورد عن طريقين لا ثالث لهما :

الأوّل : ينتهي إلى الحاكم النيسابوري ، وفي سنده عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، وهو ضعيف ومطعون في حديثه. راجع تهذيب التهذيب : ٦ / ١٨٧ برقم ٤٢٢ ، وميزان الاعتدال : ٢ / ٥٧٢ برقم ٤٩٠١ ؛ والجرح والتعديل : ٥ / ٢٥٤ برقم ١٢٠٤.

الثاني : طريق ابن المغازلي ، وفي سنده أنس بن عياض الليثي ، وهو مطعون فيه وكثير الخطأ كما عن ـ

٢٢٠