نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-238-2
ISBN الدورة:
978-964-357-238-0

الصفحات: ٦٥٦

وليس المراد من نسخ الآية نسخ رسمهما لعدم التفاضل بين الآيات في الخيريّة ، لتساويها كلّها في كونها خيرا ، بل نسخ حكمها.

وجاز أن يكون حكم السنّة الناسخة خيرا من حكم القرآن المنسوخ ، ويكون أصلح في التكليف ، وأنفع للمكلّف.

والله تعالى هو المتمكّن من تبديل الحكم وإزالته ، والإتيان بخير منه ، سواء كان ظهوره بالقرآن أو السنّة ، وهو المنفرد بالقدرة عليه.

وعن الثاني : النسخ نوع من البيان ، كما أنّ التخصيص نوع منه ، لتشاركهما فى مطلق التخصيص.

وأيضا ، تحمل «لتبيّن» على معنى «لتظهر» لكونه أعمّ من بيان المجمل والعموم ، لأنّه يتناول كلّ شيء حتى المنسوخ ، وإظهار المنسوخ أعمّ من إظهاره بالقرآن.

ولأنّ وصفه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه «مبيّن» لا يمنع من كونه ناسخا.

والتحقيق أن نقول : النسخ إمّا أن يكون بيانا أولا ، فإن كان الأوّل اندرج تحت العموم ، وإلّا جاز صدوره عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّ الآية مختصّة بما يحتاج إلى البيان.

وعن الثالث : أنّ المبدّل هو الله تعالى سواء كان بالقرآن أو السنّة. (١)

والتحقيق أنّه لا حجّة في هذه الآية لدلالتها على الملازمة بين التبديل

__________________

(١) لاحظ المحصول للرازي : ١ / ٥٥٧.

٨١

وقولهم بالافتراء ، وليس فيها دلالة على أنّ النسخ إنّما يكون بالآية.

وعن الرابع : أنّها لا تدلّ على امتناع نسخ القرآن بالسنّة إلّا أن تكون السنّة لم ينزل بها روح القدس ، وهو ممنوع ، لأنّها من الوحي وإن كانت لا تتلى.

ولأنّ من يتّهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشكّ في نبوّته ، ومن تكون هذه حاله ، فالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مفتر عنده ، سواء نسخ الكتاب بمثله أو بالسنّة ، والمزيل لهذه التهمة هو التمسك بمعجزاته.

وعن الخامس : أنّها تدلّ على أنّه لا ينسخ إلّا بوحي ونحن نقول بموجبه ، لأنّ السنّة منه.

وعن السادس : أنّ النفرة زائلة ، لقوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى)(١).

وعن السابع : أنّ السنّة لم ينسخ أصلها بل غيره ولا امتناع فيه.

ولأنّ القرآن ، دلّ على وجوب اتّباعه ، فإذا حكم بنسخ الآية وجب اتّباعه فيه.

ولأنّ السنّة ، لم ترفع القرآن بل حكمه ، وحكمه ليس أصلا لها ، فالمرتفع ليس الأصل.

وعن الثامن : أنّ ما ذكروه لا يمنع من نسخه ، كما لو تعارض عموم الكتاب وخصوص السنّة ، فإنّه يجب تقديم خصوص السنّة على عموم

__________________

(١) النجم : ٣.

٨٢

الكتاب ، وكذا لو تعارض [دليل] عقليّ وعموم آية ، فإنّ العقل يقدّم ، وكذا الإجماع وخبر الواحد.

على أنّ السنّة الناسخة ليست منافية للقرآن ، بل مبيّنة ومخصّصة للأزمان.

المبحث الرابع : في نسخ السنّة المتواترة بمثلها وبالقرآن

اتّفق القائلون بالنسخ على جواز نسخ السنّة المتواترة بمثلها ، لتساويهما في الدلالة وقوّتها ، ووجوب الرجوع إليها.

وأمّا نسخ السنّة بالقرآن ، فذهب إليه أكثر الناس من الأشاعرة والمعتزلة ، والإماميّة ، والشافعي في أحد قوليه ، ومنع في الآخر من جوازه عقلا ، ووقوعه سمعا.

لنا وجوه :

الأوّل : أنّهما دليلان من الله تعالى قطعيّان ، فكما جاز نسخ أحدهما بجنسه ، جاز بغيره ، لتساويهما.

الثاني : التوجّه إلى بيت المقدس ، كان واجبا في ابتداء الإسلام بالسنّة ، لعدم قرآن يدلّ عليه ، إلّا قوله : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ)(١) وليس دليلا عليه ، بل على التخيير بين الجهات.

__________________

(١) البقرة : ١١٥.

٨٣

اعترض (١) : بجواز وجوبه بقرآن نسخت تلاوته ، أو أنّ نسخه بالسنّة أيضا ، ولا يلزم من ثبوت التوجّه إلى الكعبة بالكتاب أن يكون التحويل عن بيت المقدس بالكتاب ، لأنّ الظاهر أنّه حوّل عن بيت المقدس ، ثمّ أمر بالتوجّه إلى الكعبة ، ولهذا كان تقلّب وجهه في السّماء ، لانتظار ما يؤمر بعد التحويل.

وأجيب (٢) بأنّ تجويز ذلك يسدّ باب إثبات النسخ بشيء من الأدلّة لشيء منها ، إذ ما من ناسخ إلّا ويجوز فيه أن يكون النسخ تقدّمه بدليل آخر ، وما من دليل منسوخ إلّا ويكون المنسوخ دليلا غيره يوافقه في حكمه.

وإنّما حكمنا بالنسخ في الآيات الّتي اعتقدنا النسخ فيها ، للصلاحيّة والاقتران ، لأنّها طريق صالح للارتفاع ، وقد قارنها الارتفاع ، فيسند إليها.

وفيه نظر : لأنّ الطرق الدالة على معرفة الناسخ والمنسوخ إذا وجدت في شيء ، حكمنا بثبوتهما فيه ، ولا ينسدّ الباب ، وأمّا المنسوخ فإنّه متى وجد ما ينافيه من الأدلّة ، حكم بأنّه منسوخ وإن استند الحكم إلى غيره.

الثالث : قوله تعالى : (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ)(٣) نسخ لتحريم المباشرة بالليل على الصائم في ابتداء الإسلام ، وقد كان ثابتا بالسنّة.

__________________

(١) المعترض هو الرازي في محصوله : ١ / ٥٥٤.

(٢) المجيب هو الآمدي في الإحكام : ٣ / ١٠٣.

(٣) البقرة : ١٨٧.

٨٤

الرابع : نسخ صوم يوم عاشوراء بصوم رمضان ، وكان صوم عاشوراء ثابتا بالسنّة.

الخامس : صلاة الخوف وردت في القرآن ناسخة لما ثبت بالسنّة من جواز تأخيرها إلى انقضاء القتال ، حتّى قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الخندق ، وقد أخّر الصلاة : «حشا الله قبورهم نارا» (١) لحبسهم له عن الصلاة.

السادس : قوله تعالى : (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ)(٢) نسخ ما كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد صالح أهل مكّة عام الحديبيّة على أنّ من جاءه مسلما ردّه ، حتّى أنّه ردّ أبا جندل وجماعة من الرّجال ، فجاءت امرأة ، فأنزل الله تعالى : (فَلا تَرْجِعُوهُنَ) والسؤالان المذكوران واردان هنا.

السابع : لو امتنع ، فإمّا من حيث القدرة والصحّة ، أو من حيث الحكمة ، والقسمان باطلان :

أمّا الأوّل : فبأن يقال : إنّه تعالى لا يوصف بالقدرة على كلام ناسخ لسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو لو أتى بكلام هذا سبيله ، لم يكن دالّا على النسخ ، وهما باطلان ، لأنّه تعالى قادر على جميع أقسام الكلام ، ولا يجوز خروج كلامه عن كونه دليلا على ما هو موضوع له.

وأمّا الثاني : فبأن يقال : لو نسخ الله تعالى كلام نبيّه ، لنفّر عنه وأوهم أنّه

__________________

(١) صحيح مسلم ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب التغليظ في تفويت صلاة العصر ١٣٠٦ و ١٣٠٨ و ١٣١٠ ؛ مسند أحمد بن حنبل : ١ / ١١٣ و ١٣٧ ؛ مجمع الزوائد : ١ / ٣٢٣ (وفي المصادر المذكورة : ملأ الله قبورهم نارا).

(٢) الممتحنة : ١٠.

٨٥

لم يرض بسنّته. وهو باطل ، لأنّ النسخ يرفع الحكم بعد استقرار مثله ، وذلك يمنع من هذا التوهم ، لأنّه لو لم يرض بها سنّة لم يقرّ عليه ، على أنّ ذلك لو نفّر عنه لنفر نسخ سنّته بمثلها.

احتج الشافعي بقوله تعالى : (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)(١) ، وهو يدلّ على أنّ كلامه بيان للقرآن ، والناسخ بيان المنسوخ ، فلو كان القرآن ناسخا للسنّة ، لكان القرآن بيانا للسنّة ، فيكون كلّ منهما بيانا لصاحبه.

والجواب : لا دلالة فيه على أنّه لا يتكلّم إلّا بالبيان.

سلّمنا ، لكنّ البيان [هو] الإبلاغ ، لأنّه عامّ في كلّ القرآن ، بخلاف بيان المراد ، لتخصيصه بالمجمل (سلّمنا لكن جاز اختلاف الحجّة) (٢).

المبحث الخامس : في نسخ خبر الواحد

اتّفق القائلون بالنسخ والعمل بخبر الواحد ، على جواز نسخ خبر الواحد بمثله ، وقد وقع في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها» (٣).

واتّفقوا على نسخ خبر الواحد بالتواتر من القرآن والسنّة.

__________________

(١) النحل : ٤٤.

(٢) ما بين القوسين يوجد في بعض النسخ. أي اختلاف السنّة ، فتارة يكون مفاده مبيّنا للقرآن ، وأخرى يكون حكما مستقلّا يصح أن يكون القرآن ناسخا له.

(٣) أخرجه ابن ماجة في سننه : ١ / ٥٠١ برقم ١٥٧١ ؛ والبيهقي في سننه الكبرى : ٤ / ٧٦ ـ ٧٧ ؛ وأبو داود في سننه : ٣ / ٢١٨ برقم ٣٢٣٥.

٨٦

واختلفوا في وقوع نسخ المتواتر به ، بعد اتّفاقهم على جوازه ، فأثبته داود وأهل الظاهر ، ونفاه الباقون.

أمّا الجواز فظاهر ، لأنّ الخبر طريق إلى معرفة الأحكام ومخصّص للعمومات المتواترة ، والنسخ نوع منه.

وأيضا ، لا استبعاد في أن يتعبّدنا الله تعالى برفع حكم متواتر بما يصل إلينا آحادا.

والتحقيق : أنّ خبر الواحد ليس هو الناسخ ، بل كلامه إلى رسوله (١) هو الناسخ ، وإنّما وصوله إلينا بالآحاد ، وقد تعبّدنا الله تعالى بالعمل بخبر الواحد ، ولا فرق بين أن يرفع الحكم عن بعض الأشخاص وبعض الأزمان.

وأمّا عدم الوقوع ، فلوجوه :

الأوّل : ترك الصحابة العمل به إذا رفع حكم الكتاب ، قال علي عليه‌السلام : لا ندع كتاب ربنا وسنّة نبيّنا بقول أعرابي بوّال على عقبيه (٢).

وقال عمر : لا ندع كتاب ربّنا وسنّة نبيّنا بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت. (٣)

__________________

(١) وفي بعض النسخ «بل كلام الرسول» وما في المتن هو الأصحّ.

(٢) قاله عليه‌السلام فيمن تزوج امرأة ثم مات عنها ، ولم يفرض لها صداقا ولم يكن دخل بها ، فروى معقل بن سنان الأشجعي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قضى في «بروع» ابنة «داشق» ان لها مثل مهر نسائها ولها الميراث ، فقال علي عليه‌السلام : لا تستحق إلّا الميراث فقط ، ولا تستحق مهرا ولا متعة لأنّ المتعة لم ترد إلّا للمطلقة ، والمهر عوض عن الوطء ولم يقع من الزوج ، ولا نقبل قول أعرابي بوّال على عقبيه فيما يخالف كتاب الله وسنّة نبيه. لاحظ نيل الاوطار : ٦ / ١٧٢ ـ ١٧٣.

(٣) تقدم تخريج الحديث في الجزء الثاني : ص ٣٠١.

٨٧

واعترض (١) : بأنّه لا يلزم من امتناع العمل بخبر واحد لا يعلم صدقه امتناع العمل به مطلقا ، ولهذا علّلا بعدم الدّراية بصدقهما.

وفيه نظر ، فإنّ خبر الواحد لا يفيد العلم مطلقا ، فلو علّل الردّ بعدم إفادته العلم ، لزم ردّه مطلقا ، بل الإعراض (٢) أنّ عليّا عليه‌السلام علّل بالفسق.

الثاني : الآحاد ضعيف ، والمتواتر أقوى ، فلا يرفع الأضعف الأقوى. ونقض بالتخصيص ، ولأنّه وإن ضعف من حيث كونه آحادا إلّا أنّه أقوى من جهة خصوصه ، والظنّ الحاصل من الخاصّ إذا كان آحادا أقوى من الظنّ الحاصل من العامّ المتواتر ، لأن تطرّق الضّعف إلى الواحد من جهة كذبه ، واحتمال غلطه ، وتطرّق الضعف إلى العامّ من جهة تخصيصه ، واحتمال إرادة بعض ما دلّ عليه دون البعض ، واحتمال تطرّق التخصيص إلى العامّ أكثر من تطرّق الكذب إلى العدل ، فكان الظنّ المستفاد من خبر الواحد أقوى.

الثالث : النهي ورد بالعمل بخبر الواحد ، فلا يكون ناسخا ، وسيأتي الجواب عنه.

احتج الظاهريون بوجوه :

الأوّل : يجوز تخصيص المتواتر بخبر الواحد ، فجاز نسخه به ، والجامع دفع الضّرر المظنون ، بل النسخ أولى ، لأنّه يرفع مثل الحكم بعد

__________________

(١) المعترض هو الآمدي في الإحكام : ٣ / ١٠٠.

(٢) في «ج» : الاعتراض.

٨٨

كون الحكم مرادا ، فالمتواتر والتخصيص يفيدان ما يتناوله ما كان مرادا من العامّ.

الثاني : خبر الواحد دليل شرعيّ ، فإذا عارض المتواتر ، وجب تقديم المتأخّر ، كغيره بجامع الدلالة.

الثالث : نسخ الكتاب بأخبار الآحاد قد وقع في قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً ...)(١) بنهيه عن أكل كلّ ذي ناب من السّباع.

وقوله : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ)(٢) منسوخ بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تنكح المرأة على عمّتها ولا على خالتها». (٣)

وقوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ...)(٤) منسوخ بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا وصيّة لوارث». (٥)

والجمع بين وضع الحمل والمدّة منسوخ بأبعد الأجلين.

وإذا جاز نسخ الكتاب بخبر الواحد ، جاز نسخ المتواتر به ، لعدم القائل بالفرق.

الرابع : قبل أهل قبا نسخ القبلة بخبر الواحد ، ولم ينكر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم.

__________________

(١) الأنعام : ١٤٥.

(٢) النساء : ٢٤.

(٣) تقدّم تخريج الحديث : ٢ / ١٥٤.

(٤) البقرة : ١٨٠.

(٥) تقدّم تخريج الحديث ص ٧٧.

٨٩

الخامس : كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينفذ الآحاد إلى الأطراف لتبليغ الأحكام الّتي من جملتها الناسخ والمنسوخ.

السادس : الحكم بأخبار الآحاد معلوم بدليل قاطع ، فالحكم به كالحكم بالآية ، فجاز نسخ الآية به ، كما جاز بآية مثلها.

والجواب عن الأوّل : بالفرق بين النسخ والتخصيص بالإجماع ، ودليلهم دلّ على الجواز العقليّ ، أمّا الوقوع فالإجماع منع منه.

وعن الثاني : أنّ المتواتر مقطوع به ، بخلاف الواحد ، فجاز أن يكون هذا التفاوت مانعا من ترجيح خبر الواحد.

وعن الثالث : بالمنع من النسخ في هذه الآيات ، لأنّ قوله : (قُلْ لا أَجِدُ) إنّما يتناول الموحى إليه إلى تلك الغاية ، ولا يتناول ما بعده ، فلم يكن النهي [الوارد] بعده نسخا.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تنكح المرأة على عمّتها» مخصّص تلقّته الأمّة بالقبول ، ولا ناسخ له.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا وصيّة لوارث» منعه جماعة كثيرة.

والاعتداد بأبعد الأجلين ، جاز أن يكون الإجماع صدر عن خبر ، ثمّ لم ينقل ذلك الخبر أصلا ، استغناء بالإجماع عنه ، وإذا جاز ذلك ، فأولى أن يصدر إجماعهم عن خبر ، ثمّ يضعف نقله استغناء بالإجماع عنه ، فلا يمتنع أن يكون الخبر مقطوعا عندهم ، ثمّ يضعف نقله ، لإجماعهم على العمل بموجبه.

٩٠

على أنّا نمنع النسخ هنا.

وعن الرابع : لعلّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبرهم بذلك قبل وقوع الواقعة ، فلهذا قبلوا خبر الواحد فيه ، أو لعلّه انضمّ إليه من القرائن ما أفاد العلم ، كقرب (١) المسجد وارتفاع الأصوات بأنّ القبلة قد استدارت.

وعن الخامس : باحتمال أن يكون المبعوث مفتيا لا راويا.

وعن السادس : أنّ ما ثبت من الإجماع يمنع من كون الحكم بأخبار الآحاد معلوما إذا كانت رافعة لحكم الكتاب.

المبحث السادس : في أنّ الإجماع لا يقع ناسخا

هذا مذهب الأكثر ، خلافا للسيّد المرتضى ، (٢) وبعض المعتزلة ، وعيسى بن أبان.

لنا : أنّ المنسوخ بالإجماع إما نصّ أو إجماع أو قياس ، والكلّ باطل.

أمّا الأوّل ، فلاقتضائه وقوع الإجماع على خلاف النصّ ، وخلاف النصّ خطأ ، فالإجماع يكون خطأ.

وأمّا الثاني ، فلأنّ الإجماع المتأخّر إن اقتضى كون الأوّل وقع خطأ ، استلزم تخطئة الإجماع ، وهو باطل ، وإن اقتضى كونه صوابا إلى هذه الغاية ،

__________________

(١) في النسخ الّتي بأيدينا «لقرب» والأصحّ ما أثبتناه.

(٢) الذريعة إلى أصول الشريعة : ١ / ٤٥١ ـ ٤٥٢.

٩١

فالأوّل إن كان مطلقا ، لم يكن مفيدا للحكم الموقّت إلى غاية ، وإن كان مقيّدا إلى غاية فذلك الإجماع ينتهى عند حصول تلك الغاية بنفسه ، فلا يكون الإجماع المتأخّر رافعا له.

وأمّا الثالث ، فلأنّه إنّما يتصوّر لو اقتضى القياس حكما ، ثمّ أجمعوا على خلافه فحينئذ يزول حكم ذلك القياس بعد ثبوته ، لتراخي الإجماع عنه ، وهو محال ، لأنّ شرط صحّة القياس عدم الإجماع ، فإذا وجد فقد زال شرط صحّة القياس ، وزوال الحكم لزوال شرطه لا يكون نسخا. (١)

وفيه نظر ، لأنّا إذا كنّا متعبّدين بالقياس ثمّ دلّ على شيء ، وجب علينا العمل به ، وتجدّد الإجماع ليس بمحال ، فإذا تجدّد ارتفع حكم القياس ، وهو معنى النسخ.

ولو كان كون عدم ظهور الإجماع شرطا في القياس مانعا من النسخ ، لكان كلّ دليل كذلك ، إذ كلّ دليل مشروط بانتفاء معارض متجدّد ، فظهور الناسخ مزيل لشرط الدليل الأوّل ، فيزول لزوال شرطه من غير نسخ.

احتجوا : بأنّ الإجماع دليل قطعيّ فجاز النسخ به كالقرآن والسنّة المتواترة.

وبأنّ ابن عباس رضى الله عنه لما قال لعثمان : كيف تحجب الأمّ عن الثلث بالأخوين ، والله تعالى يقول (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ)(٢)

__________________

(١) الاستدلال للرازي في محصوله : ١ / ٥٦١.

(٢) النساء : ١١.

٩٢

والأخوان ليسا بإخوة؟ قال عثمان : حجبها قومك يا غلام. (١) وهو دليل النسخ بالإجماع.

والجواب عن الأوّل : النّقض بالقياس عند القائلين به ، والفرق بأنّ القرآن والسنّة أصلان بخلاف الإجماع.

وعن الثاني : أنّ الحكم ليس بمنسوخ ، بل إنّه دلّ على صدق الجمع على الاثنين وهو نزاع في اللغة.

المبحث السابع : في أنّ القياس لا يكون ناسخا

اختلف الناس في ذلك ، فمنعه الإماميّة ، لاعتقادهم بطلان القياس ، وذهب جماعة كثيرة ممن سوّغه إلى ذلك أيضا.

وقال آخرون : يجوز النسخ به لدليل ظنيّ وقطعيّ.

وفصّل بعض الشافعية فقال : يجوز النسخ بالقياس الجليّ دون الخفيّ.

قال الغزالي : إن أراد بالجليّ المقطوع به فصحيح أمّا المظنون فلا (٢).

وما يتوهّم القطع به (٣) ثلاث مراتب :

الأولى : ما يجري مجرى النصّ وأوضح منه ، كتحريم الضرب لتحريم

__________________

(١) لم نعثر عليه في الجوامع الحديثيّة ، نعم نقله الآمدي في الإحكام : ٣ / ١١٠ ؛ والغزالي في المنخول : ٢٢١.

(٢) المستصفى : ١ / ٢٤١.

(٣) كذا في المصدر ، ولكن في النسخ الّتي في أيدينا : «فيه».

٩٣

التأفيف ، فلو كان قد ورد نصّ سابق بإباحة الضرب ، كان هذا القياس المتأخّر ناسخا.

الثانية : لو ورد نصّ بأنّ العتق لا يسري ، ثمّ ورد قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أعتق شركا من عبد قوّم عليه الباقي» لقضينا بسريان عتق الأمة ، قياسا على العبد ، لأنّه مقطوع به ، للعلم القطعيّ بأنّ قصد الشارع إلى المملوك ، لأنّه مملوك لا الذكوريّة.

الثالثة : أن يرد النصّ بإباحة النّبيذ ، ثمّ يقول الشارع : حرّمت الخمر لشدّتها ، فإنّه ينسخ إباحة النّبيذ بقياسه على الخمر إن تعبّدنا بالقياس عند قوم ، ومطلقا عند آخرين ، لعدم الفرق بين : حرّمت كلّ مشتدّ ، وحرّمت الخمر لشدّتها ، ولذلك أقرّ النظّام والمفيد من الإماميّة بالقياس على العلّة المنصوصة ، وإن أنكرا أصل القياس وهو الذي اخترناه نحن.

لنا على المنع : أنّه لا يجوز أن ينسخ كتابا ، ولا سنّة ، ولا إجماعا ، بالإجماع ولا قياسا آخر ، لأنّ الثاني لا بد وأن يترجّح على الأوّل ، فحينئذ إمّا أن نقول إنّ القياس الأوّل ليس بقياس ، لعدم ترجيحه ، والترجيح شرط في الاقتضاء ، أو نقول : إنّه وإن لزم منه رفع حكمه فهو في معنى النسخ ، لكنّه ليس بنسخ لأنّا قلنا : النسخ هو خطاب دالّ على الارتفاع.

احتج المخالف (١) بقوله تعالى : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ

__________________

(١) احتجّ بوجهين ، ثانيهما قوله : ولأنّ النسخ ، الخ.

٩٤

أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ)(١) نسخ وجوب ثبات الواحد للعشرة ، وليس مصرّحا به ، وإنّما هو منبّه عليه ، وهو نفس نسخ حكم النصّ بالقياس.

ولأنّ النسخ أحد البيانين ، فجاز بالقياس كالتخصيص.

والجواب : ليس ثبات الواحد للاثنين الرافع لثبوت الواحد للعشرة مستفادا من القياس ، بل من نفس مفهوم اللفظ.

والقياس (٢) ينتقض بالإجماع ودليل العقل وخبر الواحد ، فإنّها تخصّص ولا ينسخ بها.

تذنيب

استحالة رفع المعلوم بالمظنون ليس عقليّا ، لإمكان أن يتعبّدنا بنسخ النصّ بالقياس على نصّ آخر ، نعم يستحيل أن يتعبّد بنسخ النصّ بقياس مستنبط من ذلك النصّ لأدائه إلى مناقضته لنفسه ، وإنّما دلّ عليه السّمع ، كقول معاذ : «أجتهد رأيي» (٣) بعد فقد النصّ ، وإجماع الصحابة على ترك القياس لو عارض خبر واحد ، فكيف المتواتر؟ لاشتهار قولهم عند سماع خبر الواحد ، لو لا هذا لقضينا فيه برأينا.

__________________

(١) الأنفال : ٦٦.

(٢) إجابة عن الوجه الثاني.

(٣) تقدّم تخريج حديث معاذ في الجزء الثاني : ٣٢١.

٩٥

المبحث الثامن : في طريق معرفة الناسخ والمنسوخ

قد يعلم ذلك باللفظ ، وبالتاريخ مع التنافي.

أمّا اللفظ ، ف [هو] أن يوجد لفظ النسخ ، فيقال : هذا ناسخ لذلك ، أو هذا منسوخ بكذا ، أو نسخ كذا بكذا إمّا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو الإمام ، أو الأمّة كلّها.

وأمّا التاريخ مع التنافي ، فبأن يتنافى الحكمان بحيث لا يمكن الجمع بينهما مع علم التاريخ ، إمّا بأن يتناقضا كقوله تعالى : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ)(١) فإنّه نسخ ثبات الواحد للعشرة ، لأنّ التخفيف نفي للثقل المذكور ، أو يتضادّا كالتحويل من قبلة إلى أخرى لتضادّ التوجّه إليهما.

ويعلم التاريخ تارة باللفظ ، بأن يكون أحد الخبرين قبل الآخر ، أو يوجد في اللفظ ما يدلّ على التقديم ، مثل : «كنت نهيتكم» ، (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ) وتارة بغيره ، وهو وجوه :

الأوّل : أن يقول : هذا الخبر ورد في سنة كذا ، والآخر في سنة كذا.

الثاني : أن يعلّق أحدهما على زمان معلوم التقدّم ، والآخر بالعكس ، كقوله : كان هذا في غزاة بدر ، والآخر في غزاة أحد ، وهذه الآية نزلت قبل الهجرة ، وهذه بعدها.

الثالث : أن يروي أحدهما متقدّم الصحبة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويروي الآخر

__________________

(١) الأنفال : ٦٦.

٩٦

متأخّرها ، مع انقطاع صحبة الأوّل عند ابتداء صحبة الآخر ، بخلاف ما لو دامت.

وهنا طرق ضعيفة.

الأوّل : قال قاضي القضاة : (١) إذا وافق أحد الخبرين حكم العقل ، علمنا تقدّمه ، وليس كذلك ، لإمكان ابتداء الشريعة بما (٢) يخالف الأصل ، ثمّ نسخ بما يقتضيه العقل.

الثاني : قال القاضي عبد الجبار أيضا (٣) : إذا قال الصحابي في أحد الخبرين المتواترين : إنّه كان قبل الآخر ، قبل ذلك وإن لم يقبل قوله في نسخ المعلوم ، كما تقبل شهادة الاثنين في الإحصان الّذي يترتّب عليه الرجم ، وإن كان لا يقبل في إثبات الرجم ، ويقبل قول القابلة في أنّ الولد من أحد المرأتين ، وإن كان يترتّب على ذلك ثبوت النّسب للولد من صاحب الفراش ، مع عدم قبول شهادتها في النسب ، فلا يمتنع أن لا يتعلّق الحكم بالشّيء ، ويتعلّق بسبب من أسبابه.

قال أبو الحسين : هذا يقتضي الجواز العقلي في قبول الخبر الواحد في تاريخ الناسخ ، ولا يقتضي وقوعه إلّا إذا بيّن أنّه يلزم من ثبوت أحد الحكمين ثبوت الآخر ، وليس كلّ شيء لم يمتنع فهو ثابت لا محالة ، بل يحتاج ثبوته إلى دليل. (٤)

__________________

(١) نقله عنه أبو الحسين البصري في المعتمد : ١ / ٤١٧.

(٢) في «ج» : لما.

(٣) نقله عنه في المعتمد : ١ / ٤١٨.

(٤) المعتمد : ١ / ٤١٨.

٩٧

وفيه نظر ، فإنّ القاضي لم يستدلّ على الثبوت بعدم الامتناع ، بل ذكر أنّ هذا المانع لا يصلح للمانعية.

الثالث : لو قال الصحابي : كان هذا الحكم ثمّ نسخ ، كقولهم : إنّ خبر «الماء من الماء» نسخ بخبر «التقاء الختانين» لم يكن حجّة ، لجواز أن يكون قوله عن اجتهاد.

وفصّل الكرخي فقال : إن عيّن الناسخ فقال : هذا منسوخ بكذا ، لم يقبل ، لجواز ان يكون قوله عن اجتهاد ولا يجب الرّجوع إليه ، وإن لم يعيّن بل قال : هذا منسوخ ، وجب قوله ، لأنّه لو لا ظهور النسخ فيه لم يطلق (١).

وهو باطل ، لجواز ظهوره في ظنّه ، لا في نفس الأمر.

الرابع : الاعتبار بكون أحدهما مثبتا في المصحف بعد الآخر ، فإنّ ترتيب الآيات في المصحف ليس على ترتيب النزول ، كآية العدة (٢) ، ولا يكون تساوي أحدهما من إحداث الصحابة ، لأنّه قد ينقل عمن تقدّمت صحبته وإن روى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير واسطة ، لجواز أن تكون رواية متقدم الصحبة متأخّرة ، ولا أن يكون إسلام أحدهما أسبق.

__________________

(١) نقله عنه الرازي في محصوله : ١ / ٥٧٢.

(٢) فإنّ قوله سبحانه : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ ،) قد ورد في سورة البقرة الآية رقم ٢٤٠ ، وفي الوقت نفسه نسخها قوله سبحانه : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) في نفس السورة برقم ٢٣٤ ، فقد تقدّم الناسخ على المنسوخ في ترتيب الآيات.

٩٨

المبحث التاسع : في أنّ الناسخ إذا كان مع جبرئيل عليه‌السلام أو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هل يثبت حكمه أم لا؟

اتّفق الناس كافّة على أنّ الناسخ إذا كان مع جبريل عليه‌السلام ، لم ينزل به إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يثبت له حكم في حق المكلّفين ، بل هم في التكليف بالحكم الأوّل على ما كانوا عليه قبل إلقاء الناسخ إلى جبرئيل عليه‌السلام.

واختلفوا فيما إذا ورد النسخ إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يبلّغ الأمّة ، هل يتحقّق النسخ في حقّهم بذلك أم لا؟

ذهب بعض الشافعية إلى الإثبات ، وبعضهم إلى النفي ، وبه قالت الحنفيّة وأحمد بن حنبل ، والوجه الأوّل.

لنا وجوه.

الأوّل : التكليف منوط بإذن الشرع وقد ارتفع ، فيرتفع لازمه.

الثاني : النسخ إسقاط حقّ ، لا يعتبر فيه رضا من عليه ، فلا يعتبر علمه كالطلاق والعتق.

الثالث : نسخ الحكم إباحة تركه الّذي هو حقّ الشارع ، فيثبت قبل علم من أبيح له ، كما لو أباح ثمرة بستانه لكلّ داخل ، فإنّه يباح للجاهل كالعالم.

الرابع : إذا علم المكلّف نسخ الحكم تحقّق رفعه ، فإمّا أن يستند الرفع

٩٩

إلى النسخ أو إلى العلم بالنسخ ، والثاني باطل ، فإنّ العلم غير مؤثّر في الرفع ، فيتعيّن الأوّل.

الخامس : النسخ إباحة ترك الفعل بعد إيجابه ، أو إباحة فعله بعد حظره ، فلا يتوقّف على علم من أبيح له ، كما لو قال لزوجته : إن خرجت بغير إذني فأنت طالق ، ثم أذن لها من حيث لا تعلم ، فإنّه يثبت حكم الإباحة في حقّ الزّوجة ، ولا يقع الطّلاق بخروجها.

احتجّ المخالف بأنّ النسخ له لازم ، وهو ارتفاع حكم الخطاب السابق ، وامتناع الخروج بالفعل الواجب أوّلا عن العهدة ، ولزوم الإتيان بالفعل الواجب الناسخ ، والإثم بتركه ، والثواب على فعله ، وهذه اللّوازم منتفية ، فينتفي ملزومها.

أمّا عدم ارتفاع الحكم السابق ، فلأنّ المكلّف يثاب على فعله ، ويخرج به عن العهدة ، ويأثم بتركه له قبل بلوغ النسخ إليه ، ولهذا فإنّ أهل «قبا» لمّا بلغهم نسخ التوجّه إلى بيت المقدس بالتوجّه إلى الكعبة استداروا ، ولم يأمرهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإعادة ما فعلوه إلى الجهة المنسوخة.

وأمّا عدم لزوم الخطاب بالنسخ للمكلّف قبل البلوغ ، فلقوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(١) ، وقوله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)(٢).

__________________

(١) الإسراء : ١٥.

(٢) النساء : ١٦٥.

١٠٠