نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-238-2
ISBN الدورة:
978-964-357-238-0

الصفحات: ٦٥٦

ولأنّ المكلّف ، لو فعل العبادة الّتي ورد بها الناسخ على وجهها ، كان عاصيا آثما غير خارج عن العهدة. (١)

وفيه نظر ، للمنع من الثواب على فعله ، نعم يثاب على عزمه وطاعته وانقياده إلى أوامره تعالى.

ويمنع الإثم بتركه قبل بلوغ النسخ إليه ، فإنّه المتنازع ، والجاهل بالقبلة لا يعيد صلاته.

ولأنّ التكليف منوط بالعلم ولم يعلموا ، فصحّت صلاتهم.

والنسخ لا يستلزم التعذيب ، لاشتراطه بالعلم.

المبحث العاشر : في أنّ الزّيادة على النصّ هل هي نسخ أم لا؟

اعلم أنّ الزيادة إمّا أن تكون متّصلة بالمزيد عليه ، أو منفصلة.

والأوّل إمّا أن تكون مؤثّرة في المزيد عليه ، بأن يعتبر حكمه في الشريعة ، حتّى لو وقع مستقلّا من دونها لم يعتدّ به ، كزيادة ركعتين على ركعتين كما روي أن فرض الصلاة كان ركعتين ، فزيد في الحضر.

وإمّا غير مؤثّرة ، كزيادة عشرين على حدّ القاذف ، والتغريب على حدّ الزاني ، والرّجم على حدّ المحصن.

وأمّا المنفصلة فكزيادة صلاة سادسة أو صوم شهر ثان ، أو صدقة غير الزكاة.

__________________

(١) الاستدلال للآمدي في الإحكام : ٣ / ١١٤.

١٠١

وقد اتّفق العلماء كافّة على أنّ الأخيرة ليست ناسخة ، لأنّها لم ترفع حكما شرعيّا ، وإنّما جعل أهل العراق زيادة صلاة سادسة على الصلوات الخمس نسخا ، لقوله تعالى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى)(١) ، لأنّه يجعل ما كان وسطى غير وسطى.

واعترضهم قاضي القضاة (٢) بالتزام أنّ زيادة عبادة على آخر العبادات ، يكون نسخا لأنّه يجعل الأخيرة غير أخيرة ، ولو كانت الفروض عشرا خرجت عن كونها عشرا.

وفيه نظر ، لوقوع الإطلاق الشرعي على الوسطى بذلك ، بخلاف ما ذكرتموه ، وإنّما الخلاف في القسمين الأوّلين ، وهو زيادة الركعتين وزيادة العشرين في الجلد ، فقال الشيخان : أبو علي وأبو هاشم وأصحاب الشافعي إنّهما ليسا نسخا على كلّ حال.

وقال أبو عبد الله البصري وأبو الحسن الكرخي : إنّ الزّيادة نسخ على كلّ حال.

ومنهم من فصّل ، فقال السيّد المرتضى (٣) وقاضي القضاة : إن كانت الزيادة قد غيّرت المزيد عليه تغييرا شرعيّا حتّى صار المزيد عليه لو فعل بعد الزيادة على حدّ ما كان يفعل قبلها ، كان وجوده كعدمه ، ووجب استينافه كان نسخا ، كزيادة الركعتين وإلّا فلا ، كزيادة التغريب.

__________________

(١) البقرة : ٢٣٨.

(٢) نقله عنه أبو الحسين البصري في المعتمد : ١ / ٤٠٦.

(٣) الذريعة إلى أصول الشريعة : ١ / ٤٤٤.

١٠٢

وقال أبو علي وأبو عبد الله : إن كانت الزيادة مغيّرة حكم المزيد عليه في المستقبل كانت نسخا ، وإن لم تغيّر حكمه في المستقبل بل كانت مقارنة له لم يكن نسخا ، فزيادة التغريب في المستقبل على الحدّ يكون نسخا.

فأمّا الزيادة الّتي لا (تنفك عن) (١) المزيد عليه ، فنحو أن يجب علينا ستر الفخذ ، فيجب علينا ستر بعض الركبة ، ولا يكون وجوب ستر بعضها نسخا ، ولم يجعلوا الزيادة عند التعذّر نسخا ، نحو قطع الرجل السّارق بعد قطع يديه وإحدى رجليه.

وقال قوم : إن كان النصّ أفاد من جهة دليل الخطاب أو الشرط خلاف ما أفادته الزيادة ، كانت نسخا ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «في سائمة الغنم زكاة» (٢) ، فإنّه يفيد نفي الزكاة عن المعلوفة بدليل الخطاب ، فإذا زيدت الزكاة في المعلوفة ، كانت نسخا.

وقال أبو الحسين ونعم ما قال (٣) : الكلام في الزيادة على النصّ يقع في مواضع ثلاثة لا رابع لها :

الأوّل : في معنى النسخ.

الثاني : في اسمه.

الثالث : في حكمه.

__________________

(١) في النسخ الّتي بأيدينا : تقبل ، وما أثبتناه من الإحكام : ٣ / ١٨٥ ، المسألة ١٨.

(٢) تقدّم تخريج الحديث في الجزء الثاني : ٣٣٧.

(٣) المعتمد : ١ / ٤١٠.

١٠٣

أمّا الأوّل : فبأن يقال هل الزيادة على النصّ تفيد معنى النسخ أم لا؟ والحقّ أنّها تفيده ، لأنّ معنى النسخ هو الإزالة ، وكلّ زيادة فهي مزيلة لحكم من الأحكام ، لأنّ إثبات كلّ شيء لا أقلّ من أن يقتضي زوال عدمه الّذي كان ، وإنّما يتمّ كلامه هذا لو استعمل النسخ هنا بالمعنى اللغوي.

وأمّا الثاني : فبأن يقال : هل الزيادة على النصّ تسمّى نسخا أم لا؟ والحقّ أنّ الزائد بهذه الزيادة الّتي كلامنا فيها وهي الزيادة الشرعيّة إن كان حكما شرعيّا ، وكانت الزيادة متراخية عنه ، سمّيت الزيادة نسخا ، وسمّي الدليل المثبت لها ناسخا ، وإن كان عقليّا لم تسمّ نسخا.

وأمّا الثالث : فبأن يقال : هل يجوز إثبات الزيادة على النصّ بخبر الواحد وقياس أم لا؟ والحقّ انّ الزائد إن كان حكما عقليّا جاز إثبات الزيادة بخبر الواحد والقياس إلّا أن يمنع مانع ، نحو ان يكون الثابت بالزيادة مما يعمّ به البلوى ، فلا يقبل فيه خبر الواحد عند بعضهم ، أو يكون حدّا ، أو كفّارة ، أو تقديرا ، فلا يقبل فيه القياس عند بعضهم ، لا باعتبار النسخ ، بل باعتبار أمور أخر.

وإن كان شرعيّا وكان دليل الزيادة متأخّرا عن ذلك ، لم يجز إثباته بالقياس ، لأنّ القياس المتأخر لا يرفع حكم النصّ.

وإن كان خبر واحد ، وكان الحكم المرفوع ثابتا بخبر الواحد ، جاز أن يقبل في الزيادة.

وإن كان بقطعيّ لم تجز إزالته بخبر الواحد ، وإن أجمعت الأمّة على

١٠٤

قبول خبر الواحد في ذلك ، علمنا أنّه كان مقارنا ، وأنّه كان مخصّصا ، فهذا ممّا يتعلّق بالأصل (١) ، ويتفرع على ذلك أحكام تسعة :

الحكم الأوّل : زيادة التغريب أو زيادة عشرين على جلد ثمانين ، لا تزيل حكما شرعيّا ، بل تنفي وجوب الزيادة ، وهو معلوم بالعقل ، لأنّ إيجاب الثمانين أعمّ من إيجابها مع نفي الزائد ، ومع ثبوته ، لصدقه على كلّ أحد من التقديرين ، وما به الاشتراك لا يدلّ على ما به الامتياز نفيا ولا إثباتا ، فإيجاب الثمانين لا يدلّ على عدم الزائد ، وإنّما عرف نفي الزائد بالبراءة الأصليّة ، وهي دليل عقليّ ، ولم ينقلنا عنه دليل شرعيّ ، فالمثبت للزيادة لا يرفع حكما شرعيّا ، فلا يكون نسخا ، ويجوز إثباته بخبر الواحد والقياس ، إلّا أن يمنع مانع عن النسخ.

وأمّا كون الثمانين وحدها مجزئة أو كمال الحدّ ، أو تعليق ردّ الشهادة عليها ، فكلّ ذلك تابع لنفي وجوب الزيادة ، فلمّا كان ذلك النفي معلوما بالعقل ، جاز قبول خبر الواحد فيه ، كما أنّ الفروض الخمسة يتوقف على أدائها الخروج عن عهدة التكليف وقبول الشهادة ، فلو زيد فيها شيء آخر لتوقّف الخروج عن العهدة وقبول الشهادة على أداء ذلك ، مع جواز إثباته بخبر الواحد ، فكذا هنا.

أمّا لو قال الله تعالى : «الثمانون كمال الحدّ ، وعليها وحدها يتعلّق ردّ الشّهادة» لم يقبل في الزيادة خبر الواحد والقياس ، لأنّ نفي وجوب الزيادة

__________________

(١) في «أ» و «ب» : بالأصولي.

١٠٥

ثبت بدليل شرعيّ متواتر ، فرفعه يكون نسخا ، وكذا لو كان إيجاب الثمانين يقتضي من حيث المفهوم نفي الزائد ، ويثبت أنّ مفهوم المتواتر لا يجوز نسخه بخبر الواحد والقياس ، لم يجز إثبات الزيادة بخبر الواحد والقياس.

الحكم الثاني : لو أوجب عتق رقبة وأطلق ، ثمّ قيّدها بالإيمان ، جرى مجرى التخصيص ، لأنّه قبل التقييد قد كان يجزئ عتق الكافرة ، وبه خرج عتق الكافرة عن الخطاب ، فإن كان المقتضي لهذا التقييد خبر واحد أو قياسا ، وكان متراخيا ، لم يقبل ، لأنّ عموم الكتاب أجاز عتق الكافرة فتأخّر حظر عتقها هو النسخ بعينه ، وإن كانا مقارنين كان تخصيصا ، فجاز ، لقبول خبر الواحد والقياس فيه. (١)

وفيه نظر ، لأنّ إجزاء الكافرة لم يثبت بالنصّ ، بل بالنظر الدالّ على أصالة براءة الذمة من التقييد ، فكما أنّ إيجاب الثمانين أعمّ من إيجابها مع ثبوت الزيادة وعدمها ، ولا دلالة للعامّ على الخاصّ ، كذا إيجاب عتق الرقبة أعمّ من إيجابها مقيّدة بالإيمان أو بالكفر ، ولا دلالة للعامّ على الخاصّ فلم يكن هذا التقييد نسخا كالأوّل.

الحكم الثالث : إذا قطعت يد السّارق ثمّ سرق ، فإباحة قطع رجله الأخرى رفع لحظر قطعها ، وذلك الحظر إنّما يثبت بالعقل ، فجاز رفعه بخبر الواحد والقياس ولم يسمّ نسخا.

الحكم الرابع : إذا أوجب علينا فعلا ، أو قال : هو واجب عليكم ، ثمّ

__________________

(١) الاستدلال لأبي الحسين البصري في المعتمد : ١ / ٤١٢.

١٠٦

خيّرنا بين فعله وفعل آخر ، لم يكن هذا التخيير نسخا ، لأنّه لم يغيّر حكما شرعيّا ، بل أزال حظر ترك ما أوجبه علينا ، إلّا أنّ حظر تركه كان معلوما بالبقاء على حكم العقل ، لأنّ قوله : «أوجبت هذا الفعل» يقتضي ترتّب استحقاق الذمّ على تركه ، وهذا لا يمنع أن يقوم مقامه واجب آخر ، وإنّما يعلم أنّ غيره لا يقوم مقامه ، لأنّ الأصل أنّه غير واجب ، ولو كان واجبا بالشرع لدلّ عليه دليل شرعيّ ، فصار علمنا بنفي وجوبه موقوفا على أنّ الأصل نفي وجوبه ، فالمثبت لوجوبه إنّما رفع حكما عقليّا ، فجاز إثباته بالقياس أو خبر الواحد ، ووافقه (١) المرتضى.

وفيه نظر ، لأنّه إذا أوجبه فإمّا على صفة التخيير أو التضييق ، فإن كان الأوّل لم يتجدّد شيء وخرج عن الفرض ، ولأنّه كان يجب عليه أن يبيّنه.

وإن كان الثاني ، فقد حرم عليه الترك ، وهو حكم شرعيّ ، فرفعه يكون نسخا.

ولأنّ الأمر إمّا للوجوب ، فيفيد حظر تركه شرعا ، وإمّا للندب فيفيد أولويّة الفعل ، فرفعهما رفع حكم شرعيّ.

وكذا إذا خيّر بين شيئين ، ثمّ خير بينهما وبين ثالث ، أمّا لو قال تعالى : هذا الفعل واجب وحده ، أو قال : لا يقوم غيره مقامه ، فإنّ إثبات بدل له فيما بعد ، يرفع حكما شرعيّا ، لأنّ قوله : «واجب وحده» صريح في نفي وجوب غيره ، فالمثبت لغيره يرفع حكما شرعيّا ، فلا يجوز بخبر الواحد والقياس.

__________________

(١) الاستدلال لأبي الحسين البصري في المعتمد : ١ / ٤١٢.

١٠٧

وأمّا التضييق بعد التخيير ، كإيجاب صوم رمضان عقيب التخيير بينه وبين الفدية ، فقال السيّد المرتضى : إنّه نسخ ، لأنّ أحد المخيّر فيه خرج عن حكمه الشرعيّ (١).

وهو جيّد وقيل : إذا خيّر بين الواجب أوّلا وغيره كان نسخا ، ولو أثبت بدلا ثالثا لما وجبا على التخيير لم يكن نسخا. (٢)

وليس بجيّد.

الحكم الخامس : الحكم بالشاهد واليمين ليس نسخا لمقتضى الآية ، أمّا أوّلا ، فلأنّ الآية دلّت على جواز الحكم بالشاهدين ، والشاهد والمرأتين ، وأنّ شهادتهما حجّة ، وليس فيه ما يدلّ على امتناع الحكم بحجّة أخرى ، إلّا بالنظر إلى المفهوم ولا حجّة فيه ، فرفعه ليس بنسخ ، فجاز بخبر الواحد.

وأمّا ثانيا ، فلأنّ قوله تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ)(٣) خيّر بين استشهاد رجلين ، أو رجل وامرأتين ، والحكم بالشاهد واليمين زيادة في التخيير وهي ليست نسخا.

ومن قال : الحكم بالشاهد واليمين نسخ لهذه الآية ، يلزمه أن يكون الوضوء بالنّبيذ نسخا لقوله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا).

وأمّا ثالثا ، فقال السيّد المرتضى : الشاهد الثاني شرط ولا يمتنع أن يقوم

__________________

(١) الذريعة إلى أصول الشريعة : ١ / ٤٤٦.

(٢) لاحظ المعتمد : ١ / ٤١٢.

(٣) البقرة : ٢٨٢.

١٠٨

مقام الشرط غيره ، وإذا لم تمنع الآية ممّا ورد به الخبر لم يكن فيه نسخ لها.

ثمّ اعترض من نفسه (١) بأنّ الآية تمنع من اليمين مع الشاهد في المعنى ، من حيث كانت اليمين قول المدّعي ، فجرت مجرى دعواه.

ثمّ أجاب بإمكان أن لا يكون لدعواه حكم ، ويكون ليمينه حكم ، وإن كانا معا قولا له ، فإنّ الإنكار لا حكم له ، والنكول عن اليمين له حكم ، وإن كانا راجعين إلى قوله ، وكذا لا حكم لإنكاره في إسقاط الدّعوى واليمين ، وليمينه هذا الحكم ، فكذا لا يمتنع إذا حلف مع شاهد أن يكون لقوله من الحكم ما لا يكون لدعواه إذا تجرّدت. (٢)

الحكم السادس : إذا زاد ركعة في الصّبح قبل التشهد ، لم يكن نسخا للركعتين ، لأنّ النسخ لا يتناول الأفعال ، ولا لوجوبهما لبقائه ، ولا لإجزائهما ، لأنّهما مجزئتان ، وإنّما كانتا مجزئتين من دون ركعة أخرى والآن لا تجزءان إلّا مع ركعة أخرى ، وذلك تابع لوجوب ضمّ ركعة أخرى ، ووجوب ركعة أخرى ليس يرفع إلّا نفي وجوبها ، ونفي وجوبها حصل بالعقل ، فلا يمنع من هذه الجهة قبول خبر الواحد فيه.

نعم انّه يكون نسخا لوجوب التشهد عقيب الركعتين ، وذلك حكم شرعيّ معلوم بطريقة معلومة ، فلا يثبت بخبر الواحد والقياس.

وأمّا إذا زيدت الركعة بعد التشهد وقبل التحلّل ، فإنّه يكون نسخا

__________________

(١) في «أ» و «ب» : ثم اعترض نفسه.

(٢) الذريعة إلى أصول الشريعة : ١ / ٤٤٧ ـ ٤٤٨.

١٠٩

لوجوب التحلل بالتسليم ، أو ندبه ، وذلك حكم شرعيّ معلوم ، فلا يثبت بخبر الواحد والقياس (١).

اعترض (٢) : بأنّه قد كان تحريم الزيادة على الركعتين والتحريم حكم شرعيّ ، وقد ارتفع بالزيادة.

وأجيب بأنّه يصحّ لو كان الأمر بالركعتين مقتضيا للنهي عن الزيادة عليها ، وليس كذلك ، بل أمكن أن يكون ذلك مستفادا من دليل آخر ، فزيادة الركعة على الركعتين ، ليس بناسخ لحكم الدليل الدالّ على وجوب الركعتين.

وفيه نظر ، فإنّ البحث وقع في زيادة تغيير حكم المزيد عليه ولم يقل أنّ الأمر بالركعتين من حيث هو نهي عن الزيادة ، بل إيجاب الركعتين وتعقيبهما بالتشهد والتسليم ، يقتضي النهي عن الزيادة ، فيكون نسخا.

واعترض أيضا ، بأنّ النسخ إنّما هو لإجزاء الركعتين بتقدير انفرادهما ، وهو حكم شرعيّ.

قيل عليه : معنى الإجزاء الخروج عن عهدة الأمر ، ومعنى الخروج عن العهدة ، أنّه لا يجب مع فعلها شيء آخر ، وليس ذلك حكما شرعيّا ، ليكون رفعه نسخا ، بل هو من مقتضيات النفي الأصلي. (٣)

__________________

(١) الاستدلال لأبي الحسين البصري في المعتمد : ١ / ٤١٣.

(٢) نقله الآمدي في الإحكام ولم يسمّ قائله ، ثمّ أجاب عنه كما ترى. لاحظ الإحكام : ٣ / ١١٨.

(٣) لاحظ الإحكام للآمدي : ٣ / ١١٨.

١١٠

قال السيّد المرتضى : هذه الزيادة غيّرت الأحكام الشرعيّة ، لأنّه لو فعل بعد زيادة الركعتين (١) على ما كان يفعلهما عليه أوّلا ، لم يكن لهما حكم ، وكأنّه ما فعلهما ، ومع هذه الزيادة يتأخّر ما يجب من تشهّد وسلام ، ومع فقد [هذه] الزيادة لا يكون كذلك.

ولا يلزم أن يقال : كلّ جزء من الصلاة له في استحقاق الثواب حكم نفسه ، ولا يقف على غيره ، لأنّ النسخ إنّما يدخل في الأحكام الشرعيّة ، واستحقاق الثواب عقليّ ، وعلى هذا لو زاد في زمان الصّوم زيادة كانت ناسخة.

فأمّا زيادة ركن على أركان الحجّ ، فليس يبين فيه أنّه يكون نسخا ، لانفصال بعض أركان الحجّ من بعض ، بخلاف الصّوم والصّلاة (٢).

الحكم السّابع : زيادة غسل عضو في الطهارة ليست بنسخ لإجزائها ولا لوجوبها ، وإنّما هو رفع لنفي وجوب على ذلك العضو ، وذلك النفي معلوم بالعقل ، وذلك ابتداء عبادة ، وكذا زيادة شرط آخر في الصلاة ليست نسخا لوجوب الصلاة.

وأمّا كونها غير مجزئة بعد زيادة الشرط الثاني فهو تابع لوجوب ذلك الشرط وإجزاؤها تابع لنفي وجوبه ، ونفي وجوبه لم يعلم بالشرع ، فكذا ما يتبعه ، فجاز قبول خبر الواحد فيه ، هذا إن لم يكن قد علمنا نفي وجوب

__________________

(١) كذا في المصدر ، ولكن في النسخ الّتي بأيدينا : «الرّكعة».

(٢) الذريعة إلى أصول الشريعة : ١ / ٤٤٤.

١١١

هذه الأشياء من دين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باضطرار ، أمّا لو علمناه صار معلوما من جهة الشرع ، فلا يثبت رفعه بخبر الواحد والقياس.

الحكم الثامن : قوله تعالى : (أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ)(١) يفيد كون أوّل اللّيل طرفا وغاية للصيام ، كما يفيده لو قال : «آخر الصيام وغايته الليل» لأنّ لفظة «إلى» للغاية وضعا ، فإيجاب الصوم إلى غيبوبة الشفق يخرج أوّله من كونه طرفا ، مع أنّ الخطاب أفاده ، فيكون نسخا لا يقبل فيه خبر الواحد والقياس ، لأنّ نفي وجوب صوم أوّل اللّيل معلوم بدليل قاطع.

أمّا لو قال : «صوموا النهار» ثمّ ورد الخبر بإتمام الصّوم إلى غيبوبة الشفق ، لم يكن نسخا ، لأنّ النصّ لم يتعرّض في الليل بالصوم ولا بعدمه ، وإنّما نفينا صوم الليل بالأصل (٢).

وفيه نظر ، فإنّه لا فرق بين «صوموا النّهار» وبين «صوموا إلى الليل» في أنّ كلّ واحد منهما أوجب الصوم إلى اللّيل ، وهو أعمّ من تحريمه بعده وتسويغه عقلا ، نعم إن قلنا : الحكم فيما بعد الغاية يجب أن يخالف ما قبلها ، كان قوله : «صوموا إلى الليل» نسخا بخلاف «صوموا النهار».

والتحقيق : أنّ الغاية هنا إن كانت للصوم كان إيجابه بعدها نسخا ، وإن كان لوجوبه لم يكن نسخا.

الحكم التاسع : لو قال : «صلّوا إن كنتم متطهّرين» جاز أن يثبت بشرط

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

(٢) الاستدلال لأبي الحسين البصري في المعتمد : ١ / ٤١٤.

١١٢

آخر في الصلاة بخبر الواحد ، لأنّ إثبات بدل للشرط لا يخرجه عن كونه شرطا ، لإمكان تعدّد شرط الحكم الواحد ، بخلاف إثبات صوم جزء من الليل ، لأنّه يخرج أوّل اللّيل عن كونه غاية ، فأمّا نفي كون الشرط الآخر شرطا ، فلم يعلم إلّا بالعقل فلم يكن رفعه رفعا لحكم شرعيّ.

وكذا قوله تعالى : (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)(١) مقتض لوجوب الطواف مطلقا مع الطهارة وبدونها ، فإيجاب الطهارة من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الطواف بالبيت صلاة» (٢) ليس نسخا لوجوب الطواف لبقائه ، ولا لإجزائه ، لأنّه لم يجزئ لوجود الشرط ، وفي الأوّل قد كان مجزئا ، لعدم الشرط الثابت بالأصل ، ولا لدلالة الأمر على عدم الشرط ، لثبوته بالأصل ، ولهذا منعت الإماميّة والشافعي من الإجزاء ، للحديث.

وأبو حنيفة لمّا لم يسعه مخالفة الخبر ، قال بوجوب الطهارة ، مع بقاء الطواف مجزئا من غير طهارة ، حيث اعتقد أنّ رفع الإجزاء نسخ للكتاب بخبر الواحد.

احتجّ القائلون : بأنّ زيادة التغريب على الحدّ نسخ ، بوجوه :

الأوّل : الجلد قد كان قبل الزيادة كمال الحدّ ، فصار بعدها بعضه ، فقد أزالت الزيادة كون الجلد كمال الحدّ.

الثاني : الجلد قد كان وحده مجزئا ، وبعد الزيادة غير مجز بانفراده ، فزال الإجزاء بالزيادة.

__________________

(١) الحجّ : ٢٩.

(٢) تقدّم تخريج الحديث في الجزء الثاني : ٤٢٢.

١١٣

الثالث : الجلد وحده كان يتعلّق به ردّ الشهادة ، فلمّا زيد التغريب ، صار لا يتعلّق به وحده.

والجواب عن الأوّل : معنى أنّه كمال الحدّ عدم ضمّ غيره إليه ، ومعنى أنّه بعض الحدّ وجوب ضمّ غيره إليه ، فقولهم : هذه الزيادة نسخ لأنّها صيّرت الجلد بعض الحدّ الواجب فعله ، معناه انّما كانت الزيادة نسخا ، لأنّها زيادة ، فمعنى العبارتين واحد.

وأيضا ، الكلّ والبعض من أحكام العقل دون الشرع.

اعترضه أبو الحسين بأنّ الكلّ والبعض في الجملة يعلمان بالعقل ، أمّا كون الشيء كلّ الحكم الشرعيّ أو بعضه ، فإنّما يعلم بالشرع. (١)

وفيه نظر ، فإنّ الكلّ والبعض مطلقان إلى أيّ شيء أضيفا ، سواء أضيفا الى الحكم الشرعيّ أو غيره من أحكام العقل ، ولا يصيران شرعيّين باعتبار إضافتهما إلى الحكم الشرعيّ.

وعن الثاني : أنّ معنى عدّ الإجزاء وجوب ضمّ شيء آخر إليه فيعود إلى تعليل الشيء بنفسه. وأيضا لو كانت زيادة التغريب نسخا لجاز أن يقدر وجوده لا إلى بدل ، وهو غير ممكن هنا.

اعترضه أبو الحسين (٢) بأنّه ليس بجواب بل هو استئناف دليل ، وهو مع ذلك غير صحيح ، لأنّ النسخ هو الإزالة ، فالخصم يقول : قد يجوز إزالة

__________________

(١) المعتمد : ١ / ٤٠٧.

(٢) المعتمد : ١ / ٤٠٧.

١١٤

اجزاء الثمانين لا إلى بدل أصلا ، وقد يجوز إزالته إلى بدل غير الثمانين ، وقد يجوز إزالته بزيادة على الثمانين ، ولا يجوز إزالته بالزيادة على الثمانين إلى بدل الثمانين ، لأنّ في قولنا : «زيادة على الثمانين» إثبات للثمانين ، فإسقاطها إلى بدل حينئذ متناقض.

وعن الثالث : بأنّ ردّ الشّهادة إنّما يتعلّق بالقذف لا بإقامة الحدّ كما يتعلق بفعل سائر الكبائر.

سلّمنا ، لكن زيادة التغريب قد نسخ تعلّق ردّ الشهادة بالجلد ، لا أنّه نسخ الجلد.

سلّمنا ، ردّ الشهادة يتعلّق بما هو حدّ ، فتغيّر الحدّ إلى زيادة أو نقصان لا يرفع تعليق ردّ الشهادة بما هو حدّ ، كما أنّ تغيّر العدّة بزيادة أو نقصان لا يرفع تعلّق أحكامها [بها] ، ومعلوم أنّ الفروض لو كانت خمسا لوقف قبول الشهادة على أدائها ، فلو زيد فيها لوقف على الفرض السادس ، ولم يوجب نسخا.

اعترضه أبو الحسين بأنّه لو زيد في مدّة العدّة ، لكان نسخا لتعلّق أحكامها بالمدة المزيد عليها ، ولو زيد في الفرائض [فرض] آخر ، لنسخ تعلّق قبول الشهادة بأداء تلك الفرائض وحدها ، لا أنّه يكون نسخا للفرائض. (١)

__________________

(١) المعتمد : ١ / ٤٠٨.

١١٥

المبحث الحادي عشر : في أنّ النقصان هل هو نسخ أم لا؟

اتّفق الناس كافّة على أنّ النقصان من العبادة نسخ لما اسقط ، وعلى أنّ نسخ ما لا يتوقف عليه صحّة العبادة لا يكون نسخه نسخا للعبادة ، كما لو أوجب الصلاة والزكاة ، ثمّ نسخ إحداهما ، وكما لو نسخ سنّة من سنن العبادة ، كنسخ ستر الرأس ، أو الوقوف على يمين الإمام.

لكن اختلفوا في أنّ نسخ ما يتوقّف عليه صحّة العبادة هل يكون نسخا لتلك العبادة أم لا؟

فذهب أبو الحسين البصري ، (١) وأبو الحسن الكرخي إلى أنّه لا يكون نسخا للعبادة ، سواء كان المنسوخ جزءا من مفهوم العبادة ، كالركعة من الصلاة أو شرطا خارجا ، كالوضوء.

وذهب قوم من المتكلّمين إلى أنّه نسخ للعبادة مطلقا ، وإليه مال الغزالي (٢).

ومنهم من فصّل ، فأوجب نسخ العبادة بنسخ جزئها دون شرطها ، وهو قول القاضي عبد الجبار (٣).

وقال السيد المرتضى : إن كان ما بقي من العبادة بعد النقصان لو فعل لم

__________________

(١) لاحظ المعتمد : ١ / ٤١٥.

(٢) لاحظ المستصفى : ١ / ٢٢١.

(٣) نقله عنه أبو الحسين البصري في المعتمد : ١ / ٤١٥.

١١٦

يكن له حكم في الشريعة ولم يجر مجرى فعله قبل النقصان ، فهو نسخ كما لو نقص من الصّلاة ركعة ، وإن لم يكن كذلك لم يكن نسخا ، كما لو نقص من الحدّ عشرين. (١)

والحقّ الأوّل.

لنا أنّ المقتضي للكلّ كان متناولا للجزءين معا ، فخروج أحدهما لا يقتضي نسخ الجزء الآخر ، كسائر أدلّة التخصيص.

ولأنّ نسخ الوضوء ليس نسخا لصورة الصلاة ، لأنّ النسخ رفع الأحكام دون صورة الأفعال ، ولا لحكم من أحكامها ، لبقاء وجوبها وإجزائها وكونها عبادة ، نعم الزائل نفي الإجزاء مع فقد الطهارة ، فإنّه تابع لسقوط وجوب الطهارة ، وكذا نسخ ركعة ليس نسخا لباقي الرّكعات ، لأنّ النسخ لا يتناول صورة الفعل ، ولا لوجوب باقي الركعات ، ولا لكونها شرعيّة ومجزئة لبقاء ذلك كلّه ، نعم يرتفع وجوب تأخير التشهد ونفي إجزائها من دون الركعة ، فإن كانت الركعة لما نسخت أوجب علينا إخلاء الصلاة منها ارتفع إجزاء الصلاة إذا فعلناها مع الركعة المنسوخة ، وإجزاء الصلاة مع الركعة قد كان حكما شرعيّا فجاز أن يكون رفعه نسخا ، لا للعبادة بل للمرتفع خاصّة ، وهي الأحكام المذكورة التابعة للركعة الباقية وهي مغايرة لذاتها ، فكان نسخها مغايرا لنسخ تلك الذات.

احتجّ المرتضى (٢) : بأنّ نسخ الركعة يقتضي نسخ وجوب أصل

__________________

(١ و ٢) الذريعة إلى أصول الشريعة : ١ / ٤٥٢.

١١٧

العبادة ، لا أنّه نسخ للبعض وإبقاء للباقي ، فإنّ الركعتين الباقيتين ليست بعض الثلاث ، بل هي عبادة أخرى ، وإلّا لكان من صلى الصّبح ثلاثا آتيا بالواجب وزيادة ، كما لو وجب أن يتصدّق بدرهم ، فتصدّق باثنين.

والجواب : إن أراد (١) بالمغايرة أنّها بعض منها ، والبعض مغاير للكلّ ، فهو مسلّم ، ولكن لا يكون نسخا للركعتين وإن كان نسخا لوجوب الكلّ من حيث هو كلّ ، وإن أراد أنّها ليست بعضا من الثلاث فهو غير مسلّم.

قوله : «وإلّا لكان من صلّى الصبح ثلاثا قد أتى بالواجب وزيادة».

قلنا : ولو لم يكن بعضا من الواجب الأوّل بل عبادة أخرى افتقر في وجوبها إلى ورود أمر يدلّ على وجوبها ، وهو خلاف الإجماع وإنّما لم يصحّ الصّبح عند الإتيان بثلاث ، لإدخال ما ليس من الصلاة فيها.

تذنيبات

الأوّل : نسخ الطهارة بعد إيجابها غير مقتض لنسخ الصّلاة عند السيّد (٢) أيضا ، لأنّ حكم الصّلاة باق على ما كان عليه من قبل ، ولو كان نسخ الطهارة يقتضي نسخ الصّلاة ، لوجب مثله في نجاسة الماء وطهارته ، وقد علمنا ان تغيّر أحكام نجاسة الماء وطهارته لا يقتضي نسخ الطهارة ، لأنّه إنّما قيل له : تطهّر بالماء الطاهر ، ثمّ بالماء الطاهر منه ، والماء النجس موقوف

__________________

(١) تقتضي المقابلة أن يقول : «إن أراد» كما أثبتناه ولكن النسخ الّتي بأيدينا اتّفقت على «إن أردت».

(٢) الذريعة إلى أصول الشريعة : ١ / ٤٥٣.

١١٨

على البيان ، وقد يتغيّر بزيادة ونقصان ، ولا يتعدّى ذلك التغيّر إلى نسخ الطهارة ، بخلاف نقصان الركعة ، لأنّ الصلاة بعد النقصان قد تغيّر حكمها الشرعي ، ولو فعلت على الحدّ الذي كانت تفعل عليه من قبل ، لم تجز ، فجملتها عنده منسوخة.

الثاني : نسخ القبلة ، قال الكرخي : إنّه ليس بنسخ للصّلاة ، وبه قال أبو الحسين البصري. (١)

وقال قاضي القضاة : إنّه نسخ لها (٢) ، وإن كان نسخ الشرط المنفصل عنده ليس نسخا للمشروط.

وفصّل المرتضى جيّدا فقال : إن نسخ بالتوجّه إلى جهة أخرى ، كالتوجّه إلى بيت المقدس ، نسخ بالكعبة ، كان نسخا للصلاة ، لأنّه لو أوقع الصلاة إلى بيت المقدس على حدّ ما كان يفعله أوّلا ، لم يكن له حكم ، وكان وجوده في الشرع كعدمه ، وإن أسقط وجوب التوجّه إليها ، وخيّر فيما عداها من الجهات ، لاستحالة خلوّ الصلاة من توجّه إلى جهة ما ، فإن حرم عليه التوجّه إلى الجهة الأولى ، كان نسخا للصلاة ، لأنّه لو أوقعها على الحدّ الّذي كان يفعلها أوّلا لم يجز ، فصارت منسوخة ، وإن نسخ وجوب التوجّه بأن خيّر في جميع الجهات ، لم يكن نسخا للصّلاة ، لأنّه لو فعلها على الحدّ الّذي كان يفعلها عليه من قبل ، لكانت صحيحة ، وإنّما نسخ التضييق بالتخيير. (٣)

__________________

(١) المعتمد : ١ / ٤١٤ ـ ٤١٥.

(٢) نقله عنه أبو الحسين البصري في المعتمد : ١ / ٤١٥.

(٣) الذريعة إلى أصول الشريعة : ١ / ٤٥٤ ـ ٤٥٥.

١١٩

الثالث : قال الكرخي (١) : نسخ صوم عاشوراء ليس نسخا للصوم أصلا وقال عند ذلك : إنّ ما كان من شروط الصوم وما لم يكن من شروطه ، لا يلحقه النسخ ، فلذلك لمّا جاز صوم عاشوراء بنيّة غير مبيّتة ، لم يكن ذلك منسوخا ، وثبت مثله في شهر رمضان.

وقال أبو الحسين : «إنّ نسخ صوم عاشوراء نسخ للصّوم ، لعدم وجوب الصّوم في غير ذلك اليوم ، فرفع وجوبه فيه يقتضي رفع وجوبه على الإطلاق ، لأنّه لم يبق وقت آخر كان الصّوم واجبا فيه ، ولو قيل : «لا تصلّوا في هذا اليوم» ثمّ قيل : «لا تصلّوا فيه ، وصلّوا في يوم غيره» كانت الصلاة الأولى قد نسخت وتوجّه إلينا إيجاب عبادة أخرى بأمر آخر ، فكذا نسخ صوم عاشوراء برمضان.

وإذا كانت جملة الصّوم قد نسخت ، لم تبق شروطه ، ولم يجب أن تكون شروط الصوم الثاني هي شروط الصوم المنسوخ ، لإمكان اختلاف العبادات في الشروط.

وقول أبي الحسن الكرخي : «النسخ يتناول الوقت» ليس بصحيح ، لأنّ النسخ يرفع أحكام الأفعال دون الأوقات» (٢).

* * *

__________________

(١) نقله عنه أبو الحسين البصري في المعتمد : ١ / ٤١٤.

(٢) المعتمد : ١ / ٤١٦. نقله المصنّف باختلاف يسير.

١٢٠