نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-238-2
ISBN الدورة:
978-964-357-238-0

الصفحات: ٦٥٦

التمييز ؛ ولأنّه لو كان كذلك لاشتهر ، ذلك لأنّه من الوقائع العجيبة.

الثلاثون : روى أبو سعيد الخدري : أنّه لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية ، فقال له مروان : كذبت ، وعنده رافع بن خديج وزيد بن ثابت (١) وهما قاعدان على سريره ، فقال أبو سعيد : لو شاء هذان لعرّفاك ، ولكن هذا يخاف أن تنزعه عن عرافة قومه ، وهذا يخشى أن تنزعه عن الصدقة ، فسكتا ، فرفع مروان عليه الدرة ، فلمّا رأيا ذلك قالا : صدق.

الواحد والثلاثون : قيل لعطاء بن أبي رباح : (٢) روى عكرمة (٣) عن ابن عباس أنّه كان يقول : سبق الكتاب الخفّين ، فقال : كذاب أنا رأيت ابن عباس يمسح على الخفّين.

الثاني والثلاثون : قال أيوب لسعيد بن جبير (٤) : إنّ جابر بن

__________________

(١) هو زيد بن ثابت الأنصاري ، صحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منذ صباه ، وكان من كتّاب الوحي ، وكتب لأبي بكر وعمر ، وهو الّذي تولّى كتابة المصحف في عهد أبي بكر وفي عهد عثمان كما رووا ، وأحد من جمعوا القرآن على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد نقده السيد الخوئي ، وكان من أصحاب الفتوى. معجم رجال الحديث : ٨ / ٣٤٧ برقم ٤٨٤٩.

(٢) هو عطاء بن أبي رباح مفتي أهل مكة ومحدّثهم ، أبو محمد القرشي ، مولاهم المكّي الأسود ، ولد في خلافة عثمان ، وقيل : في خلافة عمر ، سمع عائشة وأبا هريرة وابن عباس وغيرهم ، وعنه : أيوب وحسين المعلم وابن جريج وخلق كثير. تذكرة الحفاظ : ١ / ٩٨.

(٣) هو مولى ابن عباس ، ليس على طريقنا ولا من أصحابنا. الخلاصة : ٣٨٣ برقم ١٣ ؛ معجم رجال الحديث : ٢ / ١٧٨ برقم ٧٧٦٥.

(٤) هو سعيد بن جبير ، أبو محمد ، مولى بني والبة ، أصله كوفي ، نزل مكة ، تابعي ، كان يأتمّ بعلي بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام ، وكان يثني عليه ، وما كان سبب قتل الحجاج له إلّا هذا الأمر ، وكان مستقيما. رجال الطوسي : ١١٤ برقم ١١٣٢ ، رجال ابن داود : ١٠٢ برقم ٦٨٧.

٣٦١

زيد (١) يقول إذا زوّج السيّد العبد فالطلاق بيد السيّد ، قال : كذب جابر.

الثالث والثلاثون : قال عروة لابن عباس : أضللت الناس يا بن عباس قال : وما ذاك يا عروة؟ قال : تأمر الناس بالعمرة في هذه الأيام وليست فيها عمرة ، قال : أفلا تسأل أمّك عن هذا فإنّها قد شهدته ، فقال عروة : فإنّ أبا بكر وعمر لا يفعلانه ، قال : هذا الّذي أضلّكم أحدّثكم عن رسول الله وتحدّثونني عن أبي بكر وعمر ، فقال عروة : أبو بكر وعمر كانا أتبع لسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأعلم بها منك. وهذا تكذيب من عروة لابن عباس.

الرابع والثلاثون : قال أبو بكر : أيّ سماء تضلّني وأيّ أرض تقلّني إذا قلت في كتاب الله برأيي.

وثمّ سئل عن الكلالة. فقال : أقول فيها برأيي ، فإن كان صوابا فمن الله ، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان.

قال النظّام : وهذان الأثران متناقضان.

وقال عمر : إنّي لاستحيي أن أخالف أبا بكر.

قال النظّام : فإن كان عمر استقبح مخالفة أبي بكر ، فلم خالفه في سائر

__________________

(١) هو أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي اليحمدي ، كان مولده بالحرقة ناحية بالقرب من عمان فاستوطن البصرة ونزل بها في الأزد ، تابعي ، روى عن : ابن عباس والحكم بن عمرو وابن عمر ، وروى عنه : عمرو بن دينار وقتادة وعمرو بن هرم ، كان جابر إباضيا ، توفي سنة ٩٣ ه‍ ، ويقال : ثلاث سنين ومائة.

مشاهير علماء الأمصار : ١٤٤ ؛ الجرح والتعديل : ٢ / ٤٩٤ برقم ٢٠٣٢ ؛ تهذيب التهذيب : ٢ / ٣٤ برقم ٦١.

٣٦٢

المسائل؟! فإنّه خالفه في الجدّ وفي أهل الردّة وفي قسمة الغنيمة.

وقدح النظّام (١) في ابن مسعود خاصة في إنكاره كون المعوذتين من القرآن ، وغير ذلك من الأخبار الكثيرة.

وأمّا الخوارج (٢) فقد طعنوا في الصحابة من وجوه (٣) :

الأوّل : قبلوا خبر الواحد في مناقضة القرآن ، وهو يوجب القطع بفساد ذلك الخبر ، والطعن في العامل به.

لأنّه تعالى ذكر أنواع المعاصي من الكفر والقتل والسرقة ؛ واستقصى في الزنا بالنهي ، فقال : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى)(٤) ، ثمّ توعّد عليه بالنار ، ثمّ ذكر الجلد ، ثمّ خصّه بإحضار المسلمين ، وبالنهي عن الرأفة عليه ، وجعل على من رمى غيره به جلده ثمانين ، ولو رماه بالكفر أو القتل وهما أعظم لم يكن عليه ذلك ، ثمّ منع من قبول شهادتهم أبدا وأكّده بفسقهم ثمّ ذكر من رمى به زوجته وبيّن أحكام اللعان ، ثمّ قال : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ

__________________

(١) نقل الرازي القدح في المحصول : ٢ / ١٦٢ ـ ١٦٣ في سبعة وجوه ، فراجع.

(٢) هم الذين خرجوا على علي عليه‌السلام في صفين بعد قبول التحكيم ، وهم يكفّرون عليا وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين ومن صوّبهما أو صوب أحدهما أو رضي بالتحكيم ، ويقدمون ذلك على كل طاعة ، ولا يصحّحون المناكحات إلّا على ذلك ، ويكفّرون أصحاب الكبائر ، ويرون الخروج على الإمام إذا خالف السنّة ، وقالوا بجواز الإمامة في غير قريش. من فرقهم : المحكّمة الأولى والأزارقة والنجدات والبيهسية والثعالبة والعجاردة والصفرية والإباضية. معجم الفرق الإسلامية : ١١٢ ـ ١١٣.

(٣) نقلها الرازي أيضا في المحصول : ٢ / ١٦٣ ـ ١٦٩.

(٤) الإسراء : ٣٢.

٣٦٣

مُشْرِكَةً)(١) ، وخصّه بشهادة أربعة ، ومع هذه المبالغات العظيمة كيف يجوز إهمال ما هو أعظم مراتبها ، وهو الرجم. مع أنّه نفاه :

لقوله : (فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما)(٢) ، وهو صريح في الجلد على كل الزناة ، وفي نفي الرجم.

وقوله : (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ)(٣) ، والرجم لا نصف له.

ولأنّه لو كان مشروعا لنقل متواترا ، لأنّه من الوقائع العظيمة ، فحيث لم ينقل دلّ على انتفاء المشروعية.

الثاني : خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما على أصحابه وهم يكتبون أحاديث من أحاديثه فقال : ما هذه الكتب أكتابا مع كتاب الله؟! يوشك أن يغضب الله لكتابه ، فلا يدع في قلب منه شيئا إلّا أذهبه. (٤)

وروي أنّه عليه‌السلام قال : «إذا حدّثتم بحديث فأعرضوه على كتاب الله ، فإن وافقه فاقبلوه وإلّا فردّوه». (٥)

ومع ذلك جوّزتم المسح على الخفّين مع صريح (وَامْسَحُوا)(٦).

وجعلتم جلد العبد خمسين ، والله تعالى ذكر ذلك في الإماء حيث قال : (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ)(٧).

__________________

(١) النور : ٣.

(٢) النور : ٢.

(٣) النساء : ٢٥.

(٤) مجمع الزوائد : ١ / ١٥٠ ؛ المعجم الأوسط : ٧ / ٢٨٧ ؛ كنز العمال : ١ / ١٩٩ برقم ١٠٠٣.

(٥) التهذيب : ٧ / ٢٧٤ ، الحديث ٥ ؛ تفسير الرازي : ٣ / ٣٧١.

(٦) المائدة : ٦.

(٧) النساء : ٢٥.

٣٦٤

ورددتم شهادة العبيد مع قوله : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)(١).

الثالث : ما روي عن الصحابة من شتم بعضهم بعضا.

حكى ابن داب في مجادلات قريش قال : اجتمع عند معاوية : عمرو بن العاص ، وعتبة بن أبي سفيان ، والوليد بن عقبة ، والمغيرة بن شعبة ، ثمّ أحضروا الحسن بن علي عليهما‌السلام ليشتموه ، فلمّا أحضر تكلّم عمرو بن العاص وذكر عليا عليه‌السلام ولم يترك شيئا من المساوئ إلّا ذكر فيه ، وفيما قال : إنّ عليا شتم أبا بكر وشرك في دم عثمان ـ إلى أن قال : ـ فاعلم أنّك وأباك من شر قريش.

ثمّ خطب كلّ واحد منهم بمساوئ علي عليه‌السلام والحسن ونسبوا عليا إلى قتل عثمان. فلمّا آل الأمر إلى الحسن خطب ثمّ بدأ يشتم معاوية وطوّل فيه ـ إلى أن قال له ـ : إنّك كنت ذات يوم تسوق بأبيك ويقود به أخوك هذا القاعد وذلك بعد ما عمى أبو سفيان ، فلعن رسول الله الجمل وراكبه وقائده وسائقه ، وكان أبوك الراكب وأخوك القائد وأنت السائق.

ثمّ قال لعمرو بن العاص : إنّما أنت سبّة كما أنت فأمّك زانية ، اختصم فيك خمسة نفر من قريش ، كلّهم يدّعي عليك أنّك ابنه ، فغلب عليك جزّار من قريش ، من ألأمهم حسبا ، وأقلّهم منصبا ، وأعظمهم لعنة ما أنت إلّا شانئ محمد ، فأنزل الله على نبيه ، (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)(٢) ، ثمّ هجوت رسول

__________________

(١) الطلاق : ٢.

(٢) الكوثر : ٣.

٣٦٥

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسبعين قافية ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم إنّي لا أحسن الشعر ، اللهم العنه بكلّ قافية لعنة.

وأمّا أنت يا بن أبي معيط فو الله ما ألومك أن تبغض عليا وقد جلدك في الخمر وفي الزنا وقتل أباك صبرا بأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر ، وسمّاه الله تعالى في عشر آيات مؤمنا وسمّاك فاسقا ، وأنت علج من أهل النوريّة.

وأمّا أنت يا عتبة فما أنت بحصيف فأجيبك ، ولا عاقل فأعاتبك ، وأمّا وعيدك إيّاي بالقتل فهلا قتلت الّذي وجدت على فراشك مع أهلك.

وأمّا أنت يا مغيرة بن شعبة فمثلك مثل البعوضة إذا قالت للنخلة : استمسكي فإنّي عليك نازلة وقالت النخلة : والله ما شعرت بوقوعك عليّ ، وأمّا زعمك أنّه قتل عثمان ، فلعمري لو قتل عثمان ما كنت منه في شيء وإنّك لكاذب.

قالت الخوارج : فهذه المشاتمة تدلّ على طعن بعضهم في بعض.

قالوا : وأخّر عثمان عن عائشة بعض أرزاقها ، فغضبت ثمّ قالت : يا عثمان أكلت أمانتك وضيّعت الرعية وسلّطت عليهم الأشرار من أهل بيتك والله لو لا الصلوات الخمس لمشى إليك قوم ذو بصائر يذبحونك كما يذبح الجمل ، فقال لها عثمان : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ)(١) الآية. فكانت عائشة تحرّض عليه جهدها وطاقتها وتقول : أيّها الناس هذا قميص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبل وقد بليت سنّته ، اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا.

__________________

(١) التحريم : ١٠.

٣٦٦

ثمّ ذهبت عائشة إلى مكة فلمّا قضيت الحجّ وقربت من المدينة أخبرت بقتل عثمان ، فقالت : ثمّ ما ذا؟ فقالوا : بايع الناس علي بن أبي طالب ، فقالت عائشة : قتل والله مظلوما وأنا طالبة بدمه ، والله ليوم من عثمان خير من علي الدهر كلّه.

فقال لها عبيد بن أمّ كلاب (١) : ولم تقولين ذلك؟ فو الله ما أظن أنّ بين السماء والأرض أحدا في هذا اليوم أكرم على الله من علي بن أبي طالب فلم تكرهين ولايته؟ ألم تحرضين الناس على قتله وقلت : اقتلوا نعثلا فقد كفر ، فقالت عائشة : إن قلت ذلك فقد رجعت عمّا قلت ، وذلك أنّكم أسلمتموه حتى إذا جعلتموه في القبضة قتلتموه ، فو الله لأطلبنّ بدمه ، فقال لها عبيد بن أمّ كلاب : هذا والله تخليط يا أمّ المؤمنين.

وأيضا الخصومة العظيمة التي كانت بين عبد الله بن مسعود وأبي ذر وعمّار وبين عثمان ، والخصومة الّتي كانت بين عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت حتى آل الأمر إلى الضرب والنفي عن البلد واللعن ، وكلّ ذلك يقتضي توجه القدح إلى عدالة بعضهم.

وأيضا مقتل عثمان والجمل وصفين.

قالت الخوارج : رأينا المحدّثين يجرحون الراوي بأدنى سبب ، ومع علمهم بهذه القوادح يقبلون رواياتهم ويعملون برواية القادح والمقدوح

__________________

(١) هو عبيد بن سلمة الليثي ، سمع من عمر بن الخطاب ، وهو الّذي خرج من المدينة بقتل عثمان فاستقبل عائشة بسرف فأخبرها بقتله وبيعة الناس لعلي عليه‌السلام فرجعت إلى مكة ، وكان علويا. الطبقات الكبرى : ٥ / ٨٨ ؛ الإصابة : ٥ / ٩٠ برقم ٦٤١٣.

٣٦٧

فيه ، بل هؤلاء المحدّثون أتباع كلّ ناعق ، وعبيد كلّ من غلب ، يروون لأهل كلّ دولة في ملكهم ، فإن انقضت دولتهم تركوهم.

ولأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كانت الصحابة تكتب كلامه من أوّله إلى آخره لفظا لفظا ، وإنّما كانوا يسمعونه ثمّ يخرجون من عنده ، وربّما رووا ذلك الكلام بعد ثلاثين سنة.

ومن المعلوم أنّ العلماء الذين تعوّدوا تلقّف الكلام لو سمعوا كلاما قليلا مرة واحدة فأرادوا إعادته في تلك الساعة بعين تلك الألفاظ من غير تقديم ولا تأخير ، لعجزوا عنه فكيف بالكلام الطويل بعد المدة الطويلة من غير تكرار ولا كتابة.

ومن أنصف علم أنّ الألفاظ المروية ليست ألفاظه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم بعد المدة الطويلة لا يمكن إعادة المعنى بتمامه ، فإنّ الإنسان مظنّة النسيان ، بل إنّما يعيد بعضه خصوصا ، وقد جرّبناهم فرأيناهم يروون المعنى الواحد بألفاظ كثيرة مختلفة مع زيادات ونقصانات.

وهذه المطاعن كلّها روايات آحاد (١) لا تعارض الآيات والأحاديث المشهورة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الثناء على أصحابه ، وهذه المطاعن مروية

__________________

(١) ما اعتذر به العلّامة عن هذه المطاعن منقول عن المحصول للرازي : ٢ / ١٦٩ ، وليست نظريته خاصّة ، ومن المعلوم أنّ كلّ واحد من هذه المطاعن بصورة الآحاد ولكن المجموع من حيث المجموع متواتر بالمعنى ، وأنّ صحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكونوا على مستوى واحد في الفضائل والمناقب ، فقد كان بعضهم بمكانة يستدر بهم الغمام ، وأمّا غيرهم فقد كانوا على صنوف أوضحنا حالهم في الجزء الأوّل من كتاب «بحوث في الملل والنحل» الفصل السادس تحت عنوان الصحابة بين العدالة والبرهان ، فراجع.

٣٦٨

بالآحاد فإن فسدت (رواية الآحاد فسدت) (١) رواية هذه المطاعن. وإن صحّت فسدت هذه المطاعن أيضا.

ومطاعن الخوارج مبنية على أنّه لا يجوز تخصيص الكتاب بخبر الواحد ، وقد تقدّم جوازه ؛ وقولهم : الظاهر أنّ هذه الألفاظ ليست ألفاظ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ضعيف بالظاهر من عدالة الرواة. (٢)

__________________

(١) ما بين القوسين من المحصول : ٢ / ١٦٩.

(٢) ذكر الجواب عن هذه المطاعن الرازي في المحصول : ٢ / ١٦٩.

٣٦٩

الفصل الخامس :

في خبر الواحد

وفيه مباحث :

الأوّل : في حدّه

قال بعضهم (١) : خبر الواحد ما أفاد الظنّ ، وهو غير مطّرد بالقياس فإنّه يفيد الظنّ وليس خبر واحد ، وغير منعكس فإنّ الواحد لو أخبر بما لم يحصل معه الظنّ فإنّه خبر واحد. وإن لم يفد الظنّ ، فقد وجد المحدود دون الحد في الثاني وبالعكس في الأوّل مع أنّ الظنّ قد يراد به العلم لقوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ)(٢) أي يعلمون. والحد يجب عدم استعمال المشترك فيه.

وفيه نظر ، لأنّ استعماله في العلم مجاز ، فلا يمنع من ذكره في الحد إذا أريد منه حقيقته.

وقيل (٣) : ما كان من الأخبار غير منته إلى حد التواتر.

__________________

(١) القائل بعض الأشاعرة كما ذكر الآمدي في الإحكام : ٢ / ٤٧.

(٢) البقرة : ٤٦.

(٣) القائل هو الآمدي في الإحكام : ٢ / ٤٨.

٣٧٠

والأقرب أنّه ما لم يفد العلم من الأخبار ، وإن زاد رواته على ثلاثة سمّي مشهورا ومستفيضا.

البحث الثاني : في أنّ خبر الواحد لا يفيد العلم

ذهب المحقّقون إلى أنّ خبر الواحد العدل إذا تجرد عن القرائن لا يفيد العلم.

وقال بعض أهل الظاهر وأحمد بن حنبل في رواية : إنّه يفيد العلم في كلّ شيء.

وقال بعضهم : إنّه يفيد العلم في بعض الأشياء لا في الجميع.

لنا وجوه :

الأوّل : لو أفاد خبر الواحد العلم لأفاده كلّ خبر ، كالمتواتر لما أوجب العلم ، كان كلّ متواتر موجبا له.

اعترض (١) بأنّه قياس تمثيلي لا يفيد العلم ، ولأنّ العلم عقيب التواتر إن كان ضروريا كان من فعله تعالى ، فجاز أن يخلقه عقيب كلّ تواتر لمصلحة يعلمها مختصة بالتواتر. وإن كان مكتسبا فإنّ استواء جميع أخبار التواتر فيما لا بدّ منه في حصول العلم ولا يلزم من ذلك استواء جميع أخبار الآحاد.

وفيه نظر ، لأنّ المقتضي يستلزم وجوده وجود معلوله ، فلو كان خبر

__________________

(١) المعترض هو الآمدي في الإحكام : ٢ / ٤٩.

٣٧١

الواحد موجبا للعلم لاستند إلى كونه خبر واحد ، وهو موجود في كلّ خبر واحد.

الثاني : تأثيرات الأدلّة في النفوس بحسب المؤثر ولا نجد في أنفسنا من خبر الواحد وإن بلغ الغاية في العدالة سوى ترجيح صدقه على كذبه من غير قطع ، وذلك غير موجب للعلم.

اعترض (١) بأنّ حاصلها يرجع إلى محض الدعوى في موضع الخلاف من غير دلالة ، ومع ذلك فهي معارضة بالمثل فإنّ الخصم يقول : أنا أجد في نفسي العلم.

الثالث : لو أفاد خبر الواحد العلم ، لما روعي فيه شرط الإسلام والعدالة كما في التواتر.

اعترض (٢) بجواز أن يكون الله تعالى أجرى العادة بخلق العلم عنده إن جعل العلم عقيب التواتر ضروريا ، وهو غير لازم في خلقه عند خبر من ليس بمسلم ولا عدل ، أو أن يكون التواتر من حيث هو تواتر مشتملا على ما يوجب العلم ، إن قيل إنّه كسبي ، وخبر من ليس بمسلم ولا عدل غير مشتمل على ذلك.

الرابع : لو أفاد العلم لتناقضت الأحكام عند تناقض الروايات.

وفيه نظر ، لاحتمال أن تكون الإفادة مشروطة بعدم المعارض ، كما لو

__________________

(١) المعترض هو الآمدي في الإحكام : ٢ / ٤٩.

(٢) المعترض هو الآمدي في الإحكام : ٢ / ٤٩.

٣٧٢

أخبر جماعة لو لا حصول معارض لإخبارهم لأفاد العلم مع عدم الطعن في إفادة المتواتر للعلم.

الخامس : كلّ عاقل يجد من نفسه تزايد اعتقاده المستفاد من خبر الواحد عند ازدياد الإخبار ، ولو كان الأوّل مفيدا للعلم لامتنعت الزيادة.

لا يقال : العلوم تتفاوت في الزيادة والنقصان كالضروري فإنّه أقوى من الكسبي.

لأنّا نقول : نمنع التفاوت بين العلوم من حيث هي علوم بزيادة أو نقصان ، لاستحالة احتمال النقيض عنها قطعا وإلّا لم تكن علوما. والتفاوت بين النظري والضروري ليس في نفس العلم بالمعلوم ، بل من حيث الافتقار في النظري وعدمه في الضروري.

السادس : لو أفاد العلم لحصل العلم بنبوة من أخبر بكونه نبيا من غير حاجة إلى معجزة دالّة على صدقه ، ولوجب أن يحصل للحاكم العلم بشهادة الواحد فيستغني عن آخر وعن التزكية.

وفيه نظر ، لأنّ خبر المتواتر يشترط فيه عدم الداعي إلى التواطؤ على الكذب ففي خبر الواحد أولى ، وهنا داع إلى الكذب وأمّا الشهادة فلمّا عارضها قول المنكر لم يبق الواحد مفيدا للعلم.

السابع : لو حصل العلم بخبر الواحد لوجب تخطئة مخالفه بالاجتهاد وتفسيقه ، ولصحّ معارضه بالتواتر ، وأن يمتنع التشكيك بما يعارضه كما في التواتر.

٣٧٣

وفيه نظر ، لإمكان اتّصاف غير العالم بما ينافي العلم كما شرط المرتضى في إفادة التواتر العلم عدم السبق بشبهة تخالف الخبر.

احتج المخالف بوجوه (١) :

الأوّل : قال تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(٢) نهى عن اتّباع غير العلم ، وقد أجمعنا على قبول خبر الواحد ، فلو لم يفد العلم لكان الإجماع منعقدا على مخالفة النص ، وهو باطل.

الثاني : ذمّ تعالى اتّباع الظنّ ، فلو لم يفد خبر الواحد العلم لدخل العامل به تحت الذم.

الثالث : لو لم يفد العلم لما أوجبه ، وإن كثر العدد إلى حد التواتر ، لأنّ ما جاز على الأوّل جاز على ما بعده.

الرابع : لو لم يفد العلم ، لما شاع قتل المقر على نفسه بالقتل ، ولا بشهادة اثنين عليه لكونه قاضيا على دليل العقل وأصالة البراءة.

قال علي عليه‌السلام : «ما حدّثني أحد بحديث إلّا استحلفته إلّا أبا بكر» (٣).

وقطع بصدقه وهو واحد. هذه حجّة من فرق بين خبر وخبر.

والجواب عن الأوّل والثاني : أنّ الإجماع دلّ على وجوب العمل بخبر

__________________

(١) ذكرها الآمدي أيضا والأجوبة عنها في الإحكام : ٢ / ٥١ ـ ٥٣.

(٢) الإسراء : ٣٦.

(٣) تفسير الطبري : ٤ / ١٢٩. والرواية ضعيفة ، ولعلمائنا عليها طعون وردود ، راجع تنزيه الأنبياء للشريف المرتضى : ٢٠٣ ـ ٢٠٤ ؛ الإيضاح للفضل بن شاذان : ٥١٨ ؛ الفصول المختارة : ٣٣٣.

٣٧٤

الواحد ، فاتّباعه اتّباع العلمي لا الظني ، أو يحمل على المنع من اتّباع الظنّ في أصول الدين كوجود الصانع وصفاته.

وعن الثالث : أنّ حكم الجملة [قد] يخالف حكم الآحاد.

وعن الرابع : أنّ أحكام الشرع لا تتوقّف على اليقين بالإجماع ، ولأنّ فيه نظر فإنّا لم نقتله باعتبار أنّه قتل ، بل باعتبار إقراره أو البيّنة الّتي جعلهما الشارع سببا لترتيب الأحكام.

وعن الخامس : لا يلزم من عدم الاستحلاف القطع بالتصديق بل الظن.

البحث الثالث : في جواز التعبد عقلا بخبر الواحد

الأكثر على جواز التعبّد بخبر الواحد العدل عقلا ، خلافا للجبّائي وجماعة من المتكلمين. (١)

لنا : إنّ فرض وقوعه لا يستلزم المحال فكان جائزا ، بل ولا استبعاد فيه ، وتجويز الكذب لا يمنع من ذلك ، كما في المفتي والشاهدين ؛ ولأنّه واقع على ما يأتي فيكون جائزا بالضرورة ، ولأنّه خبر فجاز التعبّد بالعمل به كالمتواتر ، والفارق لا يصلح مناطا للحكم ، لأنّه شيئان :

الأوّل : العمل بخبر الواحد غير معلوم ، وهو باطل بأن يدلّ دليل قاطع على وجوب العمل به فيحصل العلم بوجوب العمل به كالمتواتر.

__________________

(١) ذكره الآمدي في الإحكام : ٢ / ٦٠ ، المسألة ٦.

٣٧٥

الثاني : العمل به موقوف على صدق الخبر ووجوب العمل وصحّته لا يقفان على الظن. وهو باطل ، لجواز توقّفه على الظن ، لأنّ الفعل الشرعي إنّما يجب لكونه مصلحة ، ولا يمتنع أن يكون مصلحة إذا فعلناه ونحن على صفة مخصوصة وكوننا ظانّين بصدق الراوي صفة من صفاتنا فدخلت في جملة أحوالنا الّتي يجوز كون الفعل عندها مصلحة. ولهذا يلزم المسافر سلوك طريق وتجنب آخر إذا أخبر بسلامة ذاك واختلال هذا من يظن صدقه ، ويجب على الحاكم العمل بالشهادة مع ظنّه.

فإن قيل (١) : نمنع عدم استلزام المحال باعتبار أمر خارج وإن لم يكن ذاتيا.

وبيانه : أنّ التكليف مبني على المصلحة ودفع المفسدة ، فلو تعبدنا باتّباع خبر الواحد والعمل به ، لزم الإقدام على المفسدة بأن يتضمّن الخبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سفك الدم أو استحلال محرّم مع احتمال كذبه ، فلا يكون في العمل بمقتضى قوله مصلحة ، بل محض مفسدة ، وهو خلاف الشرع ، ولهذا امتنع العمل بخبر الصبيّ والفاسق.

ثمّ فرّقوا بين الشهادة والخبر من وجوه (٢) :

الأوّل : الشهادة إنّما تقبل فيما يجوز فيه الصلح وفي أمور الدّنيا ، بخلاف الخبر عن الله وعن الرسول ، فكانت المفسدة في الشهادة أبعد.

__________________

(١) الإحكام : ٢ / ٦١.

(٢) ذكرها أيضا الآمدي والأجوبة عنها في الإحكام : ٢ / ٦١.

٣٧٦

الثاني : الخبر يقتضي إثبات الشرع بخلاف الشهادة بأنّ زيد قتل وسرق فإنّه لا يثبت به شرع.

الثالث : الحكم عند الشهادة يثبت بدليل قطعي وهو الإجماع ، والشهادة شرط وخبر الواحد عندكم دليل مثبت للحكم الشرعي ولا يجعلونه شرطا.

والجواب : ينتقض ما ذكروه أوّلا : بورود التعبّد بقبول شهادة الشهود وقول المفتي ، ويجوز ورود الخبر فيما يتعلّق بأمور الدنيا كالأخبار المتعلّقة بأنواع المعاملات.

وينتقض بالشهادة فيما لا يجري فيه الصلح كالفروج.

والخبر كما يقتضي إثبات أمر شرعي ، فكذا الشهادة على القتل والسرقة وغير ذلك يستلزم إثبات أمر شرعي وهو وجوب القتل أو القطع.

والحكم عند الخبر يثبت بدليل قاطع ، فوجب العمل به كالشهادة.

احتجّوا بوجوه (١) :

الأوّل : خبر الواحد يوجب الظنّ ، وقد نهي عن العمل به في قوله : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(٢) ، وقوله : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ)(٣) ، وقوله : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(٤).

__________________

(١) ذكرها الآمدي في الإحكام : ٢ / ٦١ ـ ٦٢.

(٢) الإسراء : ٣٦.

(٣) الأنعام : ١١٦.

(٤) يونس : ٣٦.

٣٧٧

الثاني : لو جاز قبول خبر الواحد في الأحكام الشرعية عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ظن الصدق ، لجاز التعبّد بخبر الواحد عن الله تعالى في الأحكام الشرعية بدون اقتران المعجز. والتالي باطل بالإجماع ، فالمقدّم مثله.

الثالث : لو جاز التعبّد به في الفروع لجاز في الأصول.

الرابع : لو جاز التعبّد به لجاز في نقل القرآن.

الخامس : أخبار الآحاد قد تتعارض فلو ورد التعبّد بها لكان واردا بالعمل بما لا يمكن العمل به ضرورة التعارض الممتنع على الشارع.

السادس : الشرعيات مصالح ، والواحد يجوز أن يكذب في إخباره من فعل أو ترك فلا نأمن أن يكون ما تضمّنه خبره مفسدة.

والجواب من حيث الإجمال ومن حيث التفصيل. (١)

أمّا الإجمال : فالنقض بخبر المفتي والشاهد والمقوّم والقسّام وغير ذلك.

وأمّا التفصيل فالجواب :

عن الأوّل : أنّ العمل بخبر الواحد معلوم لا مظنون وهو الإجماع ؛ ولأنّ دلالة الآيات على المنع من خبر الواحد ليست معلومة ، بل مظنونة ، فهو لازم على الخصم.

__________________

(١) ذكرها الآمدي في الإحكام : ٢ / ٦٢ ـ ٦٤.

٣٧٨

وعن الثاني : أنّ الخبر إنّما يجب العمل به لو حصل ظن صدقه ، أمّا عند ظن الكذب فلا ، وكذب المخبر عن الله بغير ظهور معجزة مظنون.

وعن الثالث : بمنع الملازمة ، فإنّ المعتبر في الأصول القطع واليقين دون الظن بخلاف الفروع.

وعن الرابع : أنّ القرآن معجز الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دالّ على صدقه ، فيجب القطع في إثباته ليحصل العلم بالنبوة.

وعن الخامس : التعارض لا يمنع من التعبّد بالراجح ، وبالتخيير مع عدمه ، سلّمنا لكن لا يلزم من بطلان العمل بالخبر مع قيام معارض بطلان العمل به مطلقا.

وعن السادس : قال قاضي القضاة (١) : الّذي لا بدّ منه في الواجب الشرعي كونه مصلحة مدلولا عليه إمّا بعينه أو بصفته ، فإذا قامت الدلالة على وجوب العمل عند خبر الواحد وظننا صدقه ، علمنا أنّ العمل صلاح لنا ، كما نعلم أنّ قطع اليد صلاح عند البيّنة.

اعترضه أبو الحسين (٢) بأنّه لا يبطل قول المخالف ، لأنّ الراوي إذا جاز عليه الكذب لم يأمن أن يخبر بالمفسدة.

ومتى ثبت للمخالف ذلك ، كان له أن يقول : لا يجوز أن يدلّ الدلالة على ما ذكرتم.

__________________

(١) نقله عنه أبو الحسين البصري في المعتمد : ٢ / ١٠٤.

(٢) المعتمد في أصول الفقه : ٢ / ١٠٤.

٣٧٩

لا يقال : قيام الدلالة على وجوب العمل بما ظنناه يدلّ على صدق الخبر.

لأنّا نقول : فيجب أن يقطعوا على صدقه ، ولأنّه لو جاز ذلك لجاز أن تدلّ الدلالة على أن نحكم بما نريد ، فيعلم أنّ كلّ ما نريد الحكم به فهو صواب.

فإن منعتم من جوازه في كلّ ما نريده منعنا اتّفاق الصواب في كلّ ما يظنّ صدق الراوي فيه ، وما ذكره من الحكم عند البيّنة نقض عليهم ، لأنّه يجوز كذب الشهود فيقطع يدا لا يستحق قطعها.

وأجاب (١) : بأنّ الفعل قد يكون صلاحا إذا فعلناه ونحن على حالة مخصوصة ، ولا يمتنع أن يكون متى ظننا صدق الراوي أو كنّا ممّن يجوز ظن صدقه لأمارة صحيحة ، فمصلحتنا أن نفعل ما اقتضاه الخبر ، صدق الراوي أو كذب ، كما نقوله في الحكم عند البيّنة ، وإذا لم يمتنع ذلك لم يجب ما قالوه من أنّ جواز كذب الراوي يلزمه تجويز كون الفعل الذي رواه مفسدة ، كما لا يلزم مثله في البيّنة.

لا يقال : إن جعلتم ظنّكم صدق الراوي طريقا إلى المصلحة ومنعتم من جواز الخطأ فقد جعلتم الظن علما ولزمكم قبول خبر الواحد في الاعتقادات. وإن جوّزتم الخطأ في الظن لم يجز كونه طريقا إلى القطع على أنّ ما فعلتموه مصلحة ، وإن جاز ذلك مع جواز كونه خطأ جاز أن يكون طريقا إلى الاعتقادات وجاز ورود التعبّد به فيها ، وإن جعلتموه شرطا في

__________________

(١) المعتمد في أصول الفقه : ٢ / ١٠٤.

٣٨٠