نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-238-2
ISBN الدورة:
978-964-357-238-0

الصفحات: ٦٥٦

المظنون ، فيجب الاحتراز عنه ، وخبر الواحد يفيد الظن ، فإذا أورد في المنع من العمل بالقياس أفاد ظن أنّ التمسّك به سبب الضرر ، وذلك يوجب الاحتراز عنه. وليس أحد الظنّين أقوى من الآخر ولا أولى بالعمل ، بل ما قلناه أولى ، لأنّ المسألة علمية والبلوى بها عامّة ، وهي أصل من أصول الدين فلا يقبل فيها الظن ويقبل في نفيها.

التاسع (١) : إجماع الصحابة على التصريح بذمّ القياس ، قال أبو بكر : أيّ سماء تظلّني وأيّ أرض تقلّني إذا قلت في كتاب الله برأيي. (٢)

وقال عمر : إيّاكم وأصحاب الرأي ، فإنّهم أعداء السنن ، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها ، فقالوا بالرأي فضلّوا وأضلّوا. (٣)

وعنه : إيّاكم والمكايلة ، قيل : وما المكايلة؟ قال : المقايسة. (٤)

وكتب إلى شريح وهو قاض من قبله : اقض بما في كتاب الله ، فإن جاءك ما ليس فيه فاقض بما في سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن جاءك ما ليس فيها فاقض بما أجمع عليه أهل العلم ، فإن لم تجد فلا عليك أن لا تقضي. (٥)

__________________

(١) ذكر الرازي هذا الوجه مع ما فيه من روايات في المحصول : ٢ / ٢٧٤ ـ ٢٧٥ ؛ والآمدي في الإحكام : ٤ / ٤٨ ـ ٤٩.

(٢) كنز العمال : ٢ / ٣٢٧ برقم ٤١٥١.

(٣) كنز العمال : ١٠ / ٢٦٩ برقم ٢٩٤١٠.

(٤) كنز العمال : ١ / ٣٧٣ برقم ١٦٣٠.

(٥) الطرائف : ٥٢٥ ؛ سنن الدارمي : ١ / ٦٠ ؛ السنن الكبرى : ١٠ / ١١٥.

٥٤١

وقال علي عليه‌السلام : «لو كان الدين يؤخذ قياسا لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره» (١).

وقال عليه‌السلام : «من أراد أن يقتحم جراثيم جهنم فليقل في الجد برأيه» (٢).

وقال ابن عباس : يذهب قرّاؤكم وصلحاؤكم ويتّخذ الناس رؤساء جهّالا يقيسون الأمور برأيهم. (٣)

وقال : إذا قلتم في دينكم بالقياس أحللتم كثيرا ممّا حرّم الله وحرّمتم كثيرا ممّا أحلّ الله. (٤)

وقال : إنّ الله تعالى قال لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ)(٥) ولم يقل بما رأيت. (٦)

وقال : لو جعل لأحدكم أن يحكم برأيه لجعل ذلك لنبيّه ، ولكن قيل له : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ)(٧). (٨)

وقال : «وايّاكم والمقاييس ، فإنّما عبدت الشمس والقمر بالمقاييس. (٩)

__________________

(١) سنن أبي داود : ١ / ٤٢ ح ١٦٢ ؛ سنن الدارقطني : ١ / ٢٠٥ ح ٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٢٨٦ برقم ٥٦٥٠.

(٣) الصراط المستقيم : ٣ / ٢٠٨ ؛ الأربعين لمحمد طاهر القمي : ٣٤١ عن ابن مسعود.

(٤) إبطال القياس : ٥٨.

(٥) المائدة : ٤٨.

(٦) الطرائف : ٥٢٦.

(٧) المائدة : ٤٩.

(٨) الطرائف : ٥٢٥.

(٩) سنن الدارمي : ١ / ٦٥ نقلا عن ابن سيرين ؛ إحقاق الحق (الأصل) ٣٣٢.

٥٤٢

وعن ابن عمر : السنّة ما سنّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تجعلوا الرأي سنّة للمسلمين. (١)

وعن مسروق : لا أقيس شيئا بشيء ، أخاف أن تزلّ قدمي بعد ثبوتها. (٢)

وكان ابن سيرين يذم القياس ويقول : أوّل من قاس إبليس. (٣)

وقال الشعبي لرجل : لعلّك من القائسين. وقال : إن أخذتم بالقياس أحللتم الحرام وحرّمتم الحلال. (٤)

وقالت عائشة : أخبروا زيد بن أرقم أنّه أحبط جهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفتواه بالرأي في مسألة العينة. (٥)

وقال الشعبي : ما أخبروك عن أصحاب أحمد فاقبله ، وما أخبروك عن رأيهم فالقه في الجش (٦). (٧)

وهذا الإنكار من الصحابة والتابعين يدلّ على الإجماع.

لا يقال : يعارض ذلك بالأحكام الّتي اختلفوا فيها مع أنّه لا طريق لهم إلى تلك المذاهب إلّا القياس.

__________________

(١) كنز العمال : ١٠ / ٢٩٢ برقم ٢٩٤٧٨.

(٢) سنن الدارمي : ١ / ٦٥.

(٣) سنن الدارمي : ١ / ٦٥ ؛ مجمع البيان : ٤ / ٢٢٥.

(٤) سنن الدارمي : ١ / ٦٥.

(٥) الإيضاح : ٥٢٠ ؛ المستصفى : ٢٨٩.

(٦) الجش : الموضع الخشن الحجارة. تاج العروس : ٩ / ٧٣ ، مادة «جشش».

(٧) المستصفى : ٢٨٩.

٥٤٣

لأنّا نقول : ما ذكرناه أولى ، لأنّ التصريح راجح على ما ليس بتصريح.

العاشر : إجماع العترة ، فإنّا نعلم بالضرورة أنّ مذهب الباقر والصادق والكاظم عليهم‌السلام وآبائهم وأولادهم إنكار القياس وذمّه والمنع من العمل به ، كما أنّا نعلم المذاهب المنقولة عن الشافعي وأبي حنيفة وغيرهما. وقد تقدّم أنّ إجماع العترة حجّة.

الحادي عشر : لو جاز العمل بالقياس لما كان الاختلاف منهيا عنه ، والتالي باطل ، لقوله تعالى : (وَلا تَنازَعُوا)(١) فالمقدّم مثله.

وبيان الشرطية : أنّ العمل بالقياس يقتضي اتّباع الأمارات ، وهو يقتضي وقوع الاختلاف قطعا ، لامتناع الاتّفاق فيها كما يمتنع اتّفاق الخلق الكثير على أكل طعام معين في وقت معيّن.

الثاني عشر : لو قال الرجل : اعتقت غانما لسواده ، فقيسوا عليه لم يعتق سائر عبيده السود ، فضلا عمّا إذا لم يأمر بالقياس. فإذا قال الله تعالى : «حرمت الخمر للإسكار» كيف يجوز القياس عليه؟

الثالث عشر : لو كان الله تعالى ورسوله قد تعبّدنا بالقياس ، لكان القائسون مطيعين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي ذلك كونه عالما بهم وبما يؤدّيهم اجتهادهم إليه.

الرابع عشر : لو جاز التعبّد بالقياس لم يجز التعبد بمقاييسكم ، فإنّه ما من فرع إلّا ويشبه أصلين متضادي الحكم ، وذلك يقتضي ثبوتهما

__________________

(١) الأنفال : ٤٦.

٥٤٤

فيه ، وهو محال ، فعلمنا أنّه تعالى لم يتعبّدنا بذلك.

الخامس عشر : سلّمنا جواز التعبّد بالقياس ، لكن ثبوت التعبّد به موقوف على ثبوت الحاجة إليه وتناول النصوص الخاصة والعامّة والأدلّة العقلية للحوادث كلّها يرفع الحاجة إليه ، فإذن لسنا متعبّدين به.

اعترض على الأدلّة من القرآن بأنّ الدلالة لمّا دلّت على وجوب العمل بالظن المستند إلى القياس ، صار كأنّ الله تعالى قال : مهما ظننت أنّ هذه الصورة تشبه تلك الصورة في علّة الحكم ، فاعلم قطعا أنّك مكلّف بذلك الحكم ؛ وحينئذ يكون الحكم معلوما لا مظنونا البتة على أنّ قوله : (لا تُقَدِّمُوا) يتوقّف على كون العمل بالقياس تقدّما بين يدي الله ورسوله على كون الحكم به غير مستفاد من الله ورسوله ، وذلك متوقّف على كون الحكم به تقدّما بين يدي الله ورسوله فلا يكون حجّة ، والنهي عن العمل بالظن حجّة عليكم ، لأنّ ترك القياس ليس قطعيا ، بل ظنّيّا ، ومن حكم بما هو مستنبط من المنزل فقد حكم بالمنزل على أنّ ذلك مختصّ بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لإمكان استفادته الأحكام من الوحي بخلاف غيره ، وكون الكتاب لم يفرط فيه بيان كلّ شيء لما يدل ألفاظه من غير واسطة أو بواسطة الاستنباط منه.

وعلى الأحاديث بأنّها معارضة بالأحاديث الدالّة على القياس ، والتوفيق صرف النهي إلى البعض والعمل إلى البعض ، وكذا على الإجماع ، فإنّ الذين رويتم عنهم الإنكار روى عنهم العمل به والتوفيق ما تقدّم من

٥٤٥

صرف النهي إلى بعض أنواعه ونحن نقول به ، لأنّ العمل بالقياس لا يجوز إلّا عند شرائط مخصوصة.

وعلى إجماع العترة بمنعه ، وروايات الإمامية معارضة بروايات الزيدية فإنّهم ينقلون عن الأئمة جواز العمل بالقياس.

وعلى استلزامه الاختلاف بوروده على الأدلّة العقلية والنصوص فجوابكم هنا هو جوابنا.

وعتق جميع السودان لا يثبت لو صرح وقال : قيسوا سائر عبيدي ، ولو نصّ الله تعالى الحكم ثمّ قال : قيسوا عليه ، جاز القياس إجماعا ، فظهر الفرق ، والأصل فيه أنّ حقوق العباد مبنية على الشح لكثرة حاجتهم وسرعة رجوعهم عن دواعيهم وصوارفهم.

وعلى الثالث عشر : قال قاضي القضاة (١) : لا يمتنع أن يكون الله تعالى قد أعلم نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقائسين مفصّلا وأراد القياس [منهم] وكانوا مطيعين له ، ولا يمتنع أن يكون قد أراد في الجملة من المجتهدين أن يجتهدوا الاجتهاد الصحيح ويفعلوا بحسبه ، فكلّ من فعل ذلك يكون مطيعا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فإن قلت : متى أراد الله تعالى حكم الفرع من المكلّف؟

قلت : ذكر القاضي عبد الجبار في موضع أنّ من يجعل المصيب واحدا وعليه دليل ، يقول : إنّه أراد حكم الفرع بنصب الأدلّة على ذلك. ومن يصوب كلّ مجتهد اختلفوا :

__________________

(١) نقله عنه أبو الحسين البصري في المعتمد : ٢ / ٢٣٢.

٥٤٦

قال بعضهم : أراد أحكام الفروع عند نصب الأمارات.

وقال آخرون : عند نصب الأدلّة على العمل بالقياس. واختاره القاضي في بعض كتبه.

ومنهم من قال أراد ذلك عند النص الدال على حكم الأصل واختاره في موضع آخر.

وقال أبو الحسين (١) : إنّه تعالى أراد الحكم عند نصب الأدلة على صحّة القياس مع نصب الأمارة الدالّة على علّة الحكم ، وجودها في الفرع ، لتوقّف العلم بحكم الفرع على جميع ذلك ، وليس البعض مترتّبا على الباقي.

وعلى الرابع عشر : نمنع كون كلّ فرع يشبه أصلين.

سلّمنا ، لكن من منع التخيير يقول : إنّه تعالى جعل طريقا في معرفة قوة شبهه بأحد الأصلين ، فإذا رجع المجتهد ظفر به ، ومن يجوّزه يحكم بالتخيير.

وعلى الخامس عشر : نمنع تناول النصوص جميع الحوادث.

وفيه نظر ، لمنع دلالة الأدلّة على العمل بالقياس.

ونمنع قطعية الحكم والمشابهة لقوله : متى ظننت الحكم فقد أوجبته قطعا ، وإلّا لكانت الأحكام تابعة للظنون لا للمصالح ، وهو باطل ، بل كما أنّ الحكم مظنون كذا وجوب العمل بهذا الظن.

__________________

(١) المعتمد : ٢ / ٢٣٢.

٥٤٧

ومعنى التقدّم بين يدي الله ورسوله اعتقاد ثبوت حكم شرعي في ما لم ينص الشارع عليه وترك القياس للأصل ، وهو معلوم إلى أن يظهر المزيل عنه.

ونمنع وصف المستنبط من المنزل بأنّه منزل وهو ظاهر. وإذا نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الاجتهاد مع قوة نظره وكمال فطنته وعدم اتّصافه بما يضاد المعرفة ، فنهي آحاد الأمّة عنه أولى ، وكون الوحي طريقا لا ينافي تعبّده بهذا الطريق لو كان حقا.

ونمنع كون الاستنباط من الكتاب ، والصحابة لم يمنعوا من نوع خاص ، لأنّهم أطلقوا النهي عن القياس وذمّوا العامل به ، ومنعوا من العمل به من غير تقييد ، ومصيرهم في الأحكام الّتي زعمتم انّ استنادهم فيها إلى القياس ليس إليه ، بل إلى الأحاديث وغيرها.

سلّمنا لكن النوع الّذي أمروا به غير متميّز عن المنهى عنه ، فلا يجوز التمسّك بشيء منه.

ومنع إجماع العترة مكابرة ، فإنّ من عرف الأخبار ويطّلع على المقالات علم أنّ الأئمة عليهم‌السلام أنكروا القياس إنكارا تامّا وحرّموا الرجوع إليه ، وهو معلوم بالضرورة من دين الإمامية. وقول الزيدية ليس بصحيح ، لأنّهم يرجعون إلى أبي حنيفة في مذاهبهم والأدلّة العقلية والنصوص لا اختلاف فيها ، لأنّ مقتضى العقل واحد ومدلول النصّ والمراد منه كذلك ، وإنّما يحصل الاختلاف للناظر فيهما لقصور في النظر وعدم استيفاء البحث والاجتهاد.

٥٤٨

وعتق جميع السودان إن كان مباشرة بأن يقول : اعتقت غانما لسواده فقيسوا عليه ، لم يقع ، لعدم العبارة الّتي جعلها الشارع مناطا للعتق ، وإن كان توكيلا بأن يقول لوكيله : اعتق غانما لسواده وقس عليه سائر العبيد كان للوكيل عتق الجميع ، والطاعة والأمر لا يثبتان بالاحتمال ، ونحن لا ندّعي أنّ كلّ فرع يشبه أصلين ، بل أكثر الفروع يشبه أصولا متعدّدة ، ولا أولوية للبعض والنصوص والأدلّة العقلية من أصالة البراءة والعدم والاستصحاب وغيرها وافية بجميع الأحكام.

البحث الثالث : في شبه القائلين بالقياس والردّ عليها

اعلم أنّ الناس طوّلوا في هذا الباب واستدلّوا بالكتاب والسنّة والإجماع والمعقول ، ونحن نبيّن قصور أدلّتهم إن شاء الله تعالى.

الأوّل (١) : قوله تعالى : (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ)(٢) أمر بالاعتبار ، وهو مأخوذ من العبور وهو المرور ، يقال : عبرت النهر ، والمعبر : السفينة الّتي هي أداة العبور والموضع الّذي يعبر عليه ، والعبرة : الدمعة الّتي عبرت من الجفن ، وعبّرت الرؤيا وعبّرتها : أي جاوزتها إلى ملازمها.

فثبت بهذه الاستعمالات أنّ الاعتبار حقيقة في المجاوزة ، فلا يكون حقيقة في غيرها دفعا للاشتراك.

__________________

(١) وهو قول الرازي في المحصول : ٢ / ٢٤٧.

(٢) الحشر : ٢.

٥٤٩

والقياس داخل تحت الأمر ، لأنّه عبور من حكم الأصل إلى الفرع وتجاوز منه إليه.

والاعتراض من وجوه (١) :

الأوّل : نمنع كون الاعتبار المجاوزة ، بل الاتّعاظ ، فإنّه لا يقال لمستعمل القياس العقلي إنّه معتبر.

ويقال للبالغ في رتبة القياس ومعرفة شرائطه وإثبات الأحكام به إذا لم يتفكّر في أمر معاده أنّه غير معتبر ، أو قليل الاعتبار.

ولقوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً)(٢) و (إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً)(٣) والمراد الاتعاظ.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «السعيد من وعظ بغيره» (٤) أي اعتبر والأصل الحقيقة ، فلا يكون في غير الاتّعاظ دفعا للاشتراك ، وليست أدلّتكم أولى من هذه الأدلّة ، بل الترجيح معنا لسبقه إلى الفهم.

الثاني : سلّمنا أنّ ما ذكرتموه حقيقة لكنّ شرط الحمل عليها عدم المانع ، وهو هنا موجود ، فإنّ تركيب الكلام لا يناسبه ، فلو قال : «يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فقيسوا الذرة على البر» كان تركيبا خارجا عن قانون اللغة والعرف وعدّ ركيكا ، فلا يقع من الشارع.

__________________

(١) ذكرها الرازي مع الأجوبة عنها في المحصول : ٢ / ٢٤٧ ـ ٢٥٤.

(٢) آل عمران : ١٣ ؛ النور : ٤٤.

(٣) النحل : ٦٦.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٣٧٧ برقم ٥٧٧٧ ؛ الكافي : ٨ / ٧٤ ؛ كنز العمال : ١٦ / ١٦٥.

٥٥٠

الثالث : سلّمنا عدم المانع من حمله على المجاوزة ، لكن ليس الأمر بها أمرا بالقياس الشرعي ، فإنّ كلّ من استدلّ بدليل فقد عبر منه إلى المدلول ، فمسمّى الاعتبار مشترك بين الاستدلال بالدليل العقلي القاطع والنصّ والبراءة الأصلية والقياس الشرعي ، وكلّ منها يخالف الآخر بخصوصية ، وما به الاشتراك غير ما به الامتياز وغير مستلزم له ، فاللفظ الدالّ على ما به الاشتراك غير دالّ على الخصوصيات بإحدى الدلالات الثلاث فلا يدلّ على النوع الّذي ليس هو إلّا مجموع ما به الاشتراك والامتياز ، فلا يدلّ الاعتبار على القياس الشرعي لا بلفظه ولا بمعناه.

لا يقال : القدر المشترك بين الأنواع إنّما يوجد عند وجود أحدها ، والأمر بالشيء أمر بما هو من ضروراته ، فالأمر بإدخال الاعتبار في الوجود أمر بإدخال أحد أنواعه فيه ، وليس تعيين أحدها أولى من الباقي ، لتساوي نسبة القدر المشترك إليها ، وأمّا أن لا يجب ثبوت شيء منها ، وهو باطل ، لاستلزام الإخلال بالجميع الإخلال بالماهية ، فلا يكون المسمّى مأمورا به ؛ أو يجب الجميع ، وهو المراد فيدخل القياس فيه.

لأنّا نقول : نمنع عدم أولوية بعض الأنواع ، لأنّ الاعتبار المأمور به في الآية لا يمكن أن يكون هو القياس الشرعي فقط ، وإلّا لصار معنى الآية «يخرّبون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فقيسوا الذرة على البر» وهو معلوم البطلان ، فوجب تقدير نوع آخر غيره وهو الاتعاظ ، إلّا انّا نقول : إنّه يفيد الاتّعاظ فقط ، وأنتم تقولون : إنّه يفيده مع إفادة القياس الشرعي.

فإذن الأمر بالاعتبار يستلزم الأمر بالاتّعاظ ، ومسمّى الاعتبار حاصل

٥٥١

في الاتّعاظ ، ففي إيجاب الاتّعاظ يحصل إيجاب مسمّى الاعتبار من غير حاجة إلى إيجاب سائر أنواعه.

الرابع : سلّمنا إيجاب نوع آخر غير الاتّعاظ ، فهنا أنواع من القياس نحو : توجيبا كالمنصوص على علّته.

وقياس تحريم الضرب على تحريم التأفيف.

والأقيسة العقلية.

والأقيسة في أمور الدنيا.

وتشبيه الفرع بالأصل في عدم استفادة حكمه إلّا من النص.

والاتعاظ والانزجار بالقصص والأمثال.

فظهر انّا أثبتنا الاعتبار في صور متعددة ، فلا يبقى له دلالة على إيجاب القياس الشرعي ، لأنّ الآتي بفرد من أفراد ما يسمّى اعتبارا يكون خارجا عن عهدة الأمر.

الخامس : سلّمنا اقتضاء اللفظ العموم ، لكنّه محال هنا ، لأنّ حمله عليه يفضي إلى التناقض ، فإنّ التسوية بين الأصل والفرع في الحكم نوع من الاعتبار والتسوية بينهما في أنّه لا يستفاد حكم الفرع إلّا من النص كما أنّه في الأصل كذلك.

[ولأنّه] نوع آخر من الاعتبار ، والأمر بأحد هذين الاعتبارين ينافي الأمر بالآخر ، فلو حمل على العموم اقتضى الأمر بالمتنافيين معا ، وهو

٥٥٢

محال. ثمّ ليس إخراج أحد القسمين من تحت ظاهر العموم لإبقاء الآخر أولى من العكس ، وعليكم الترجيح. وهو معنا ، لأنّ تشبيه الفرع بالأصل في أنّه لا يستفاد حكمه إلّا من النصّ عمل بالاحتياط واحتراز عن الظن الذي لا يغني من الحقّ شيئا.

السادس : سلّمنا انتفاء التناقض ، لكنّه ليس حجّة ، لأنّه عام مخصوص.

فإنّ الرجل لا يكون مأمورا بالاعتبار عند تعادل الأمارات ، وفي ما لم ينصب الله عليه دليلا ، كمقادير الثواب والعقاب وأجزاء السموات والأرض ، وفي ما عرف حكمه بالاعتبار فإنّ المكلّف لا يكون مأمورا بعده باعتبار آخر.

وفي ما لو قال لوكيله : اعتق غانما لسواده ، فليس لوكيله أن يعتق غيره.

وفي ما إذا عدم النص فإنّه لا يكون مأمورا بالقياس ، وفي ما إذا تعارضت الأقيسة. (١)

السابع : سلّمنا أنّه حجّة لكن ظنية لا قطعية لأنّكم بيّنتم أنّ الاعتبار اسم للمجاوزة بالاشتقاق ، والتوسّل به إلى تعيين المسمّى ظني ، ومسألة القياس قطعية فلا يجوز بناؤها عليه.

الثامن : سلّمنا أنّه يفيد اليقين لكنّه أمر ، والأمر لا يفيد التكرار ، ولا يتناول كلّ الأوقات.

__________________

(١) العبارة في المحصول : ٢ / ٢٥٠ كما يلي : الأقيسة المتعارضة لا يتناولها الأمر.

٥٥٣

التاسع : سلّمنا أنّه يتناول الجميع ، لكنّه خطاب مشافهة ، فيختص بالحاضرين في عصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

أجيب عن الأوّل : بأنّ جعله حقيقة في المجاوزة أولى لقولهم : اعتبر فلان واتّعظ ، فيجعلون الاتّعاظ معلولا للاعتبار فيتغايران. [و] لأنّ معنى المجاوزة حاصل في الاتّعاظ ، فإن من لم يستدل بغيره على حاله لا يتّعظ.

فإذا جعل حقيقة في المجاوزة كان حقيقة في الاتّعاظ وغيره على سبيل التواطؤ. ولو كان حقيقة في الاتّعاظ بخصوصية كان مجازا في غيره أو مشتركا ، وهما خلاف الأصل.

ونمنع عدم صدق المعتبر (١) على القائس لصحّة : فلان يعتبر الأشياء العقلية (٢) بغيرها ، نعم لا يصدق معتبر على الإطلاق لمن قاس مرة ، كما لا يقال : إنّه قائس على الإطلاق ، لقصر لفظ المعتبر والقائس على المستكثر منهما. وإنّما يصدق نفي المعتبر على القائس غير المتّعظ مجازا لعدم إتيانه بالمقصود الأصلي ، وهو العمل للآخرة ، كما يقال لغير المتدبّر في الآيات : إنّه أعمى أو أصمّ.

ومعنى المجاوزة حاصل في قوله : (إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً*)(٣) لإفادة النظر في خلقها العلم بصانعها.

وفيه نظر ، لمنع اعتبر فاتّعظ ، نعم يؤكّد أحدهما بالآخر فيقال : اعتبر

__________________

(١) في «أ» و «ب» : المعبر.

(٢) في المحصول : ٢ / ٢٥١ : الفعلية.

(٣) النحل : ٦٦.

٥٥٤

واتّعظ ، ولا يستلزم ذلك التغاير المعنوي ، فقد يؤكّد بنفس اللفظ فالمرادف أولى.

سلّمنا لكن المفهوم منه في الآية ليس مطلق المجاوزة ، بل علّة الاتّعاظ ، وذلك لا يصدق في القياس الشرعي قطعا.

وعن الثاني : بتسليم الركة لو نصّ على صفة ما قلتم لعدم المناسبة ، لكن لم قلتم : إنّه لو أمر بمطلق الاعتبار الّذي يكون القياس الشرعي أحد جزئيّاته يكون ركيكا كما لو أجاب عن مسألة بما لا يتناولها ، يكون باطلا ، ولو أجاب بما يتناولها وغيرها كان حسنا.

وفيه نظر ، فإنّ المأمور به إن كان هو القياس الشرعي انتفت المناسبة بين الكلامين ، وإلّا فالمطلوب.

وعن الثالث : أنّه للعموم ، لأنّ ترتيب الحكم على المسمّى يقتضي تعليل الحكم بالمسمّى ، وهو يقتضي أنّ علّة الأمر بالاعتبار هو مجرّد كونه اعتبارا ، فيكون كلّ اعتبار مأمورا به.

ولصحّة استثناء أي اعتبار كان ، والاستثناء إخراج ما لولاه لدخل.

وفيه نظر ، لمنع تعلّق الأمر بمطلق الاعتبار ، بل بالمناسب للكلام السابق وهو الاتّعاظ.

سلّمنا ، لكن نمنع العلّية على ما يأتي. وقيل أيضا : إنّه إثبات القياس بالقياس ، والاستثناء إخراج الصّلاحية لا الدخول.

وعن الرابع : بأنّه لا يجوز أن يكون المراد منه تشبيه الفرع بالأصل في

٥٥٥

عدم استفادة حكمه إلّا من النص ؛ لأنّ الاعتبار المذكور هاهنا لا بدّ من مناسبته لما قبل الآية وبعدها ، وإلّا جاءت الركّة ، واللائق به هو التشبيه في الحكم لا المنع منه ، وإلّا لصار المعنى : «يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ، فلا تحكموا بهذا الحكم في حق غيرهم إلّا بنص وارد في حق ذلك الغير» ، وهو معلوم البطلان ، فيجب حمله على التشبيه في الحكم عملا بعموم اللفظ.

ولأنّ المتبادر إلى الفهم من لفظ الاعتبار التشبيه في الحكم ، لا المنع منه ، كما لو ضرب عبده على ذنب ثمّ أمر آخر بالاعتبار به ، فهم منه الأمر بالتسوية في الحكم ، لا الأمر بالمنع.

وفيه نظر ، لأنّ الاعتبار المناسب ليس إلّا الاتّعاظ ، فإن اعتبرت المناسبة وجب القصر (١) عليه وإلّا ورد الإشكال ، وكما تحصل الرّكة لو قال : لا تحكموا إلّا بنص وارد في حقّ ذلك الغير ، تحصل الوارد (٢) الشرعي.

وعن الخامس : بأنّ العام المخصوص حجّة.

وفيه نظر ، لأنّه ليس حجّة عند الجميع ، وأيضا فإنّ دلالته تضعف ويمكن القياس على محلّ التخصيص.

وعن السادس : بعموم السؤال في كلّ السمعيات ، فلا يختصّ بهذه المسألة.

__________________

(١) في «أ» : النص.

(٢) في «أ» : لو أراد.

٥٥٦

وفيه نظر ، لأنّ التعميم لا يقتضي بطلانه.

سلّمنا ، لكن نمنع التعميم ، فإنّ من السمعيات ما هو معلوم على ما تقدّم.

وعن الثامن : انّه لما كان أمرا بجميع الأقيسة كان متناولا لجميع الأوقات.

فيه نظر ، للمنع من تعميمه على ما تقدّم ، فإنّ اعتبروا مثل اقتلوا ، ولمّا لم يكن الثاني مقتضيا لكلّ قتل ، وإلّا لقتل كل إنسان كذا الأوّل.

سلّمنا ، لكن نمنع تعميم الأزمنة.

وعن التاسع : بالإجماع على عدم الفرق بيننا وبين من شافهه في ذلك.

* * *

الثاني (١) : قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ)(٢). وظاهر الردّ يفيد القياس ، لأنّه لو أراد بالردّ إلى الله الاستدلال بظاهر كتاب الله لزم التكرير ، لأنّه مستفاد من قوله : (أَطِيعُوا اللهَ) فإنّه أمر بامتثال خطاب الله كلّه.

والاعتراض من وجوه :

__________________

(١) ذكر الآمدي هذا الوجه مع الاعتراضات في الإحكام : ٤ / ٢٨ ـ ٣٠.

(٢) النساء : ٥٩.

٥٥٧

أ. لا نسلّم أنّ المراد من «الرد» القياس والردّ إلى ما استنبط من الأمر والنهي ، بل يمكن أن يكون المراد البحث عن كون المتنازع فيه مأمورا أو منهيا حتى يدخل تحت قوله : (أَطِيعُوا اللهَ ،) فالأمر الأوّل بالطاعة للأمر والنهي ، والثاني بالبحث عن المتنازع فيه هل هو مأمور أو منهي أو لا؟ فلا تكرار ، والغرض من الآية أمرنا بطاعة الله فيما نعلم أنّه أمرنا به ، وأمرنا بما لا نعلم أنّه أمرنا به ممّا اختلفنا فيه أن نرده إلى كتاب الله وسنّة نبيه بأن يفحص عنه فيهما ، حتّى إذا علمنا أنّه ممّا أمرنا الله تعالى به دخل في ما قد أوجبه علينا في أوّل الآية من طاعته وطاعة رسوله ، فلا تكرار.

ب. هو خطاب مواجهة ، وظاهره قصره على الحاضرين بالطاعة لله ولرسوله ، فإن تنازعوا في شيء لم يظهر من الكتاب ولا السنّة ردّوه إلى الرسول بالسؤال عنه.

لا يقال : القصر على الحاضرين تخصيص من غير دليل ، وهو باطل.

لأنّا نقول : ظاهر المواجهة يقتضي القصر على الحاضرين ، فالتعميم خلاف الأصل. وأيضا لو سلّمنا ظهور العموم لكن تركنا للظاهر من هذا الوجه تمسّك بالظاهر من وجه آخر حيث جعلناه عامّا في أهل الاجتهاد وغيرهم ، وأنتم تخصّون به أهل الاجتهاد ، فكلّ منّا ومنكم تارك الظاهر ، وأنتم مستدلّون فعليكم الترجيح ، وهو معنا بالأوّل.

لا يقال : الأمر بالطّاعة عام في الجميع في كلّ زمان فكذا الأمر بالردّ ، لأنّ الضمير في المخاطب بالردّ عائد إلى المخاطب بالطاعة ، فإذا كان الثاني عاما بالنسبة إلى كلّ زمان فكذا الأوّل.

٥٥٨

لأنّا نقول : إنّ الطاعة واجبة بالنسبة إلى كلّ زمان ، لكن لا من هذه الآية ، لأنّه خطاب مشافهة.

ج. نمنع أن يكون الردّ بالقياس بل يخلد أمره إلى الله ، ولا نحكم نحن فيه بشيء ، ولا يكون من باب التكليف.

الثالث : قوله : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)(١) والاستنباط هو القياس ، وكذا الردّ.

والاعتراض من وجهين :

أ. أنّه عائد إلى الأمن والخوف السابقين في قوله تعالى : (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ)(٢) ، فلمّا كان الضمير في الإذاعة متعلّقا بهما ، فكذا في (رَدُّوهُ) وفي (لَعَلِمَهُ) و (يَسْتَنْبِطُونَهُ) وليس ذلك من القياس في شيء.

ب. لو سلّمنا عود الضمير إلى الأحكام لكن جاز أن يكون المراد استخراج الحكم من دليله إمّا باستخراجه من عمومات النص أو أصالة البراءة أو غيرهما من الأدلّة ، وذلك أعمّ من القياس.

الرابع (٣) : قوله تعالى : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا)(٤) أورده في معرض

__________________

(١) النساء : ٨٣.

(٢) النساء : ٨٣.

(٣) ذكر الآمدي الوجه الثالث والرابع في الإحكام : ٤ / ٣٠ ـ ٣١.

(٤) إبراهيم : ١٠.

٥٥٩

صدّهم عمّا كان يعبد آباؤهم ، لما بينهم من المشابهة في البشرية ، ولم ينكر عليهم ، وذلك هو القياس.

والاعتراض من وجهين :

أ. نمنع عدم الإنكار ، لأنّ الآية إنّما خرجت مخرج الإنكار لقولهم لقوله : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ)(١).

ب. سلّمنا أنّه قياس في الأمور العقلية ، فلا يلزم مثله في الأحكام الشرعية إلّا بطريق القياس أيضا ، وهو محال.

الخامس (٢) : لمّا بعث معاذا قاضيا إلى اليمن قال : «بم تحكم؟» قال : بكتاب الله ، قال : «فإن لم تجد؟» قال : بسنّة رسول الله ، قال : «فإن لم تجد؟» قال : اجتهد رأيي ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقرّه على ذلك وقال : «الحمد لله الّذي وفّق رسول رسول الله لما يحبه الله ورسوله» (٣).

واجتهاد الرأي لا بد وأن يكون مردودا إلى أصل وإلّا كان مرسلا ، والرأي المرسل غير معتبر ، وذلك هو القياس.

ولمّا بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن قال : «بم تقضيان؟» فقالا : إن لم نجد الحكم في الكتاب ولا في السنّة قسنا الأمر بالأمر فما كان أقرب إلى

__________________

(١) إبراهيم : ١١.

(٢) ذكره الآمدي في الإحكام : ٤ / ٣٦ ، والرازي في المحصول : ٢ / ٢٥٤.

(٣) مسند أحمد : ٥ / ٢٣٠ و ٢٣٦ و ٢٤٢ ؛ سنن الدارمي : ١ / ٦٠ ؛ سنن أبي داود : ٢ / ١٦٢ برقم ٣٥٩٢ ؛ سنن الترمذي : ٢ / ٢٩٤ برقم ١٣٤٢.

٥٦٠