نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-238-2
ISBN الدورة:
978-964-357-238-0

الصفحات: ٦٥٦

كون أهل البيت حقيقة فيهن ، وخلاف الأصل يصار إليه عند تعذّر الأصل ، وقد بيّنا امتناعه.

وعن ج : بما تقدّم من أنّ المنفي الماهية من حيث هي هي ، إذ اللام إمّا للعموم فالمطلق (١) ، أو للعهد ولا سبق لذكر الرجس ، أو لتعريف الماهية والطبيعة ، وانّما يصحّ نفيها عند نفي كلّ الجزئيات.

الثالث : قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)(٢) جعل أجر الإرشاد إلى ما يستحق به الثواب الدائم مودة ذي القربى ، فتكون واجبة ، وإنّما تجب مع عصمتهم ، إذ مع وقوع الخطأ منهم يجب اجتنابهم وترك مودتهم ، لقوله : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ

__________________

ـ ابن سعد : وفيه غفلة الشاميّين وما أدراك ما غفلة الشاميّين؟!! كما عن أبي داود ، أو ثقة أحمق!! كما عن مالك. راجع تهذيب التهذيب : ١ / ٣٢٨ برقم ٦٨٩.

وكذلك في سنده شريك بن عبد الله ولا يقل عن صاحبه في الطعن. راجع تهذيب التهذيب : ٤ / ٢٩٦ برقم ٥٨٨ ؛ والجرح والتعديل : ٤ / ٣٦٣ برقم ١٥٩٢.

فحديث هذا سنده ورد في مصادر قليلة لا تتجاوز أصابع اليد كيف يعارض حديث أم سلمة المتقدّم الّذي رواه الترمذي وأحمد والحاكم والطبري والسيوطي وابن كثير وعشرات غيرهم علاوة على اتّفاق الإمامية بأجمعهم عليه؟!!

وللشهيد الثالث القاضي التستري تعليقة حول هذا الحديث نأتي بها تعميما للفائدة حيث قال : لا نسلّم صحّة سندها ، ولو سلّم نقول : إنّها في هذه الرواية في معرض التهمة بجر نفع لنفسها ، فلا يسمع قولها وحدها ؛ ولو سلّم نقول : إنّ كونها من أهل البيت قد علّق بمشية الله تعالى ، فلا تكون من أهل البيت جزما ، مع أنّها لو كانت منهنّ لما سألته ، لأنّها من أهل اللسان. والترجيح معنا بعد التعارض وهو ظاهر. راجع الصوارم المهرقة : ١٤٦.

(١) في «أ» : فالظاهر.

(٢) الشورى : ٢٣.

٢٢١

الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ)(١).

الرابع : تواتر النقل عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، حبلان متّصلان لن يفترقا حتى يردا علي الحوض». (٢) حصر التمسّك بهما.

اعترض (٣) بأنّه خبر واحد والإمامية تمنع من العمل به ، ولأنّه يقتضي وجوب التمسّك بالكتاب والعترة فلم قلتم إنّ قول العترة وحدها حجّة؟

والجواب : انّ الأمّة اتّفقت على قبوله ونقله بعضهم للاستدلال به على صحّة إجماعهم ، وبعضهم للاستدلال به على فضيلتهم ، ولا يتوقّف كون قول العترة حجّة على مضامة الكتاب كالعكس.

الخامس : أهل البيت مهبط الوحي والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم ومنهم ، فالخطأ عليهم أبعد ، ولا ينتقض بالزوجات لعلّة ملامستهنّ له وعدم تميزهم واعتبارهم في الأحكام الشرعية.

__________________

(١) المجادلة : ٢٣.

(٢) إنّ حديث الثقلين من الأحاديث المتواترة رواه الفريقان في عشرات المصادر من طرق مختلفة مع اختلاف في الألفاظ ولكنّ المضمون واحد ، نذكر منها ما يلي :

صحيح مسلم : ٧ / ١٢٣ ، باب فضائل علي ؛ سنن الترمذي : ٥ / ٣٢٩ برقم ٣٨٧٦ ؛ مسند أحمد : ٣ / ١٤ و ١٨ وج ٤ / ٣٦٧ وج ٥ / ١٨٢ و ١٨٩ ؛ سنن الدارمي : ٢ / ٤٣٢ ؛ مستدرك الحاكم : ٣ / ١١٠ و ١٤٨ ؛ السنن الكبرى : ١٠ / ١١٤ ؛ وغيرها كثير فمن أراد المزيد فعليه بمراجعة «خلاصة عبقات الأنوار» للسيد حامد النقوي ج ٢ ؛ وبحار الأنوار ج ٢٣ وج ٣٧ ؛ وحديث الثقلين لنجم الدين العسكري.

(٣) الرازي في المحصول : ٢ / ٨٢ ؛ والآمدي في الإحكام : ١ / ٣٠٨.

٢٢٢

احتجّ المخالف بأنّ عليا عليه‌السلام قد خالف الصحابة في كثير من المسائل ولم يقل لأحد ممّن خالفه : إنّ قولي حجّة فلا تخالفني. (١)

والجواب : انّه عليه‌السلام عرف انّه لا يتّبعه ، وإلّا لم يخالفه.

البحث الثامن : في انعقاد الإجماع مع مخالفة المخطئين في الأصول من المسلمين

اختلف الناس في انعقاد الإجماع مع مخالفة المخطئين من أهل القبلة في مسائل الأصول ، فقيل بانعقاده ، وهو الحقّ عندنا لاستحالة أن يكون قول الإمام خارجا عن الجميع فرضا ، ولا يجوز أن يكون الإمام هو ذلك المبتدع ، فتعيّن أن يكون من الباقين وقوله حجّة.

وأمّا الجمهور فاختلفوا وتقريره : أنّه إن لم يكفر ببدعته فقد اختلف فيه ، فقيل : لا ينعقد دون موافقته ، لأنّه من المؤمنين ومن الأمّة ، فيكون من عداه بعض المؤمنين ، فلا يكون قوله حجّة غايته أنّه يكون فاسقا وفسقه غير مخلّ بأهليّته في الاجتهاد ، والظاهر من حاله فيما يخبر به عن اجتهاده الصدق كإخبار غيره من المجتهدين.

لا يقال : الفاسق لا يقبل إخباره فيجري مجرى الكافر والصبي.

لأنّا نقول : إنّما لم يقبل قوله فيما يخبر به إذا لم يدلّ على صدقه وكان عالما بفسقه بخلاف الصبي لعدم أهليته.

__________________

(١) الرازي في المحصول : ٢ / ٨١ ؛ والآمدي في الإحكام : ١ / ٣٠٩.

٢٢٣

وقيل : ينعقد دونه كما قلناه لفسقه ولا يعذر الفاسق بجهله كالكافر لا يعذر بجهله.

وقيل : الإجماع لا ينعقد عليه ، بل على غيره فيجوز له مخالفة إجماع من عداه ولا يجوز ذلك لغيره ، وإن كفر ببدعته لم يعتبر قوله في الإجماع بالإجماع لعدم دخوله في مسمّى الأمّة المشهود لهم بالعصمة.

وفيه نظر ، لأنّ الأمّة إمّا من شهد بالرسالة ، أو من بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليه على اختلاف التفسير وهو منهم ، والشهادة بالعصمة للجميع لا لكلّ واحد عندهم وعلى تقدير انعقاد الإجماع بدونه لا اعتبار بجهله بكفره ؛ فلو خالف في مسألة فروعية وبقى مصرا على المخالفة حتى تاب عن بدعته ، فلا أثر لمخالفته لانعقاد إجماع جميع الأمّة قبل إسلامه ، كما لو أسلم ثمّ خالف ان شرط في الإجماع انقراض عصر المجمعين ؛ ولو ترك بعض الفقهاء العمل بالإجماع بخلاف هذا المبتدع المكفر ، فهو معذور وإن لم يعلم ببدعته ولا يؤاخذ بالمخالفة ، كعمل الحاكم بشهادة الزور مع جهله. وإن علم بدعته وخالف الإجماع بجهله انّ تلك البدعة مكفّرة لم يعذر ، لتقصيره عن البحث والسؤال من علماء الأصول العارفين بأدلّة الإيمان والتكفير حتى يحصل له العلم بذلك بدليله لا بالتقليد إن كان من أهل الاجتهاد ، وإلّا قلّدهم إن سوّغناه في الأصول.

واعلم أنّه لا يجوز لنا التمسّك على كفرهم في تلك المسائل بإجماعنا ، لأنّه إنّما يثبت خروجهم عن الإجماع بعد ثبوت كفرهم في تلك المسائل ، فلو أثبتنا كفرهم فيها بإجماعنا وحدنا دار. أمّا قول العصاة من أهل

٢٢٤

القبلة فإنّه معتبر في الإجماع عند أكثر المخالفين (١) ، لأنّها لا تزيل اسم الإيمان ، فيكون قول من عداهم قول بعض المؤمنين ، وليس معتبر عند الباقين بخروجهم عن اسم الإيمان بالمعصية ، وكذا عند الإمامية للعلم بدخول الإمام في غيرهم.

__________________

(١) لاحظ المحصول : ٢ / ٨٥.

٢٢٥

الفصل الثالث

في ما أدخل في الإجماع وليس منه

وفيه مباحث :

الأوّل : في الإجماع السكوتي

إذا قال بعض أهل العصر قولا وكان الباقون حاضرين لكنّهم سكتوا ولم ينكروا ، فقد اختلف الناس في ذلك :

فقال الشافعي وجماعة من الفقهاء وداود الظاهري والسيد المرتضى وجماعة من الحنفية وأبو عبد الله البصري : إنّه ليس بإجماع ولا حجّة. وهو الحقّ.

وقال أبو علي الجبّائي وجماعة من الفقهاء وبعض الشافعية : إنّه إجماع وحجّة. ولكن من هؤلاء من شرط في ذلك انقراض العصر كالجبائي.

وقال أبو هاشم وجماعة من الفقهاء : ليس بإجماع لكنّه حجّة.

وقال أبو علي ابن أبي هريرة : إن كان هذا القول من حاكم لم يكن

٢٢٦

إجماعا ولا حجّة ، وإن لم يكن من حاكم كان إجماعا وحجّة. (١)

لنا : إنّ السكوت يحتمل وجوها ، غير الرضا :

الأوّل : أن يكون في باطنه ما يمنعه عن إظهار القول ، وقد تظهر عليه قرائن السخط.

الثاني : ربّما رآه قولا سائغا لمن أدّى اجتهاده إليه وإن لم يوافقه.

الثالث : أن يعتقد إصابة كلّ مجتهد فلا يرى وجوب الإنكار.

الرابع : ربّما أخّر الإنكار لوجود مكنة ورأى المبادرة مفسدة فسكت.

الخامس : ربّما اعتقد عدم القبول من إنكاره وعدم الالتفات إليه فيلحقه ذلّ وانكسار في نفسه من غير فائدة.

السادس : ربّما هاب القائل وخشى وقوع فتنة بسبب الإنكار ، كما نقل عن ابن عباس وافق عمر في مسألة العول وأظهر الإنكار عليه بعده وقال : هبته وكان مهيبا. (٢)

السابع : ربّما كان في مهلة النظر ، فلم يسغ له المسارعة إلى الإنكار ، لجواز كونه صوابا.

الثامن : ربّما ظن أنّ غيره أنكر وقام مقامه في هذا الواجب وإن كان قد غلط فيه.

__________________

(١) للاطّلاع على الأقوال راجع : الذريعة : ٢ / ٦٥١ ؛ الإحكام : ١ / ٣١٢ ، المسألة الرابعة عشرة ؛ المحصول : ٢ / ٧٤.

(٢) السنن الكبرى : ٦ / ٢٥٣.

٢٢٧

التاسع : ربّما اعتقد ترك الإنكار صغيرة ، فلم ينكره وأقدم على فعلها.

العاشر : ربّما اعتقد كون الفتوى من الصغائر ، فسكت عن إنكارها. (١)

ومع هذه الاحتمالات لم تبق الدلالة على الرضا قطعا ولا ظنا ، ومن هنا قال الشافعي ونعم ما قال : لا ينسب الى ساكت قول. (٢)

اعترض بأنّ هذه الاحتمالات وإن كانت منقدحة عقلا ، فهي خلاف الظاهر من أرباب الدين ، لبعد عدم الاجتهاد في الواقعة من الخلق الكثير ، لما فيه من إهمال حكم الله تعالى فيما حدث مع وجوبه عليهم وبعد عدم تأدية الاجتهاد الى شيء من الأحكام ، لأنّ الظاهر أنّه ما من حكم إلّا ولله تعالى دلائل وأمارات تدلّ عليه.

والظاهر ممّن له أهلية الاجتهاد انّما هو الاطّلاع عليها والظفر بها ، واحتمال تأخير الإنكار للتروّي والتفكّر محال عادة في حقّ الجميع خصوصا مع مضي أزمنة كثيرة من غير نكير.

واحتمال السكوت عنه لكونه مجتهدا لا يمنع من مباحثته ومناظرته وطلب الكشف عن مأخذه ، كمناظرة المجتهدين وأئمّة الدين فيما بينهم لتحقيق الحقّ ، كما في مسألة الجد والإخوة والعول وغيره وقوله : «أنت عليّ حرام» وغيرها.

__________________

(١) ذكر الغزالي في المستصفى : ١ / ٣٥٩ سبعة من هذه الوجوه ؛ والرازي في المحصول : ٢ / ٧٤ ثمانية منها ، فلاحظ.

(٢) الأم : ١ / ١٧٨ ؛ اختلاف الحديث : ٥٠٧.

٢٢٨

واحتمال التقية بعيد ، لأنّه إنّما يكون فيما يحتمل المخالفة ظاهرا وليس كذلك ، لأنّ مباحث المجتهدين غير مستلزمة له ، لأنّ الغالب أنّهم أهل الدّين وأربابه فلا يخاف المباحث لهم مع أنّ ذلك قد وقع من غير خوف ؛ كما أنكر علي عليه‌السلام على عمر في عزمه على إعادة الجلد على أحد الشهود على المغيرة بقوله : إن جلدته فارجم صاحبك. (١)

وردّ معاذ عليه في عزمه على جلد الحامل بقوله : إن جعل الله لك على ظهرها سبيلا فما جعل لك على ما في بطنها سبيلا. حتّى قال عمر : لو لا معاذ لهلك عمر. (٢)

وردّت المرأة على عمر لما نهى عن المغالاة في مهور النساء بقولها : أيعطينا الله بقوله : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً)(٣) ويمنعنا عمر ، حتى قال عمر : امرأة خاصمت عمر فخصمته. (٤)

وفيه نظر ، لأنّ كثيرا من الأحكام خفيت عنهم ولم يجب عليهم البحث عنها ، لعدم وقوعها وعدم الحاجة إليها. والدليل قد لا يصار إليه لخفائه أو لقصور الناظر فلا يجب أداء الاجتهاد إلى الإصابة ، وقول ابن عباس يقرب

__________________

(١) راجع السنن الكبرى : ٨ / ٢٣٥ ؛ كنز العمال : ٥ / ٤٢٣ برقم ١٣٤٩٧ ؛ الاحتجاج : ١ / ٤١٤ ؛ مستدرك الوسائل : ١٨ / ٧٨ ح ١١.

(٢) راجع السنن الكبرى : ٧ / ٤٤٣ ؛ كنز العمال : ١٣ / ٥٨٤ برقم ٣٧٤٩٩ ؛ سنن الدارقطني : ٣ / ٢٢٢ ؛ بحار الأنوار : ٣٠ / ٦٧٥.

(٣) النساء : ٢٠.

(٤) راجع السنن الكبرى : ٧ / ٢٣٣ ؛ فتح الباري : ٩ / ١٦٧ ؛ كنز العمال : ١٦ / ٥٣٨ برقم ٤٥٧٩٩ ؛ تفسير ابن كثير : ١ / ٤٧٨ ؛ الدر المنثور : ٢ / ١٣٣.

٢٢٩

احتمال الخوف واحتمال السكوت لكونه مجتهدا يمنع من مباحثته ومناظرته لاعتقاده إصابة كلّ مجتهد.

احتجّ الجبّائي (١) بأنّ العادة جارية بأنّ الناس إذا تفكّروا في مسألة مدة طويلة فإذا اعتقدوا خلاف ما انتشر من القول أظهروه إذا لم تكن هناك تقية ، ولو كانت لظهرت واشتهرت فيما بين الناس ، فلمّا لم يظهر سبب التقية ولا الخلاف ، علمنا حصول الموافقة.

الجواب : ما تقدّم من الاحتمالات.

احتجّ أبو هاشم (٢) بأنّ الناس يحتجّون في كلّ عصر بالقول المنتشر بين الصحابة إذا لم يعرف له مخالف فيكون إجماعا.

والجواب : المنع من الإجماع على ذلك.

واحتجّ ابن أبي هريرة (٣) : بأنّ القول إذا كان من حاكم لم يدلّ السّكوت على الإجماع ، لأنّ الواحد منّا قد يحضر مجالس الحكام ويشاهدهم يحكمون بخلاف ما يعتقده فلا ينكر عليهم. وإن كان من غيره كان إجماعا. وهو ضعيف ، لأنّ عدم الإنكار إنّما يكون بعد استقرار المذاهب ، فأمّا حال الطلب فالخصم لا يسلّم جواز السكوت إلّا عن الرضا ، سواء كان مع الحاكم أو مع غيره.

__________________

(١) نقل هذه الاحتجاجات الرازي في محصوله : ٢ / ٧٥.

(٢) نقل هذه الاحتجاجات الرازي في محصوله : ٢ / ٧٥.

(٣) نقل هذه الاحتجاجات الرازي في محصوله : ٢ / ٧٥.

٢٣٠

البحث الثاني : في قول الصحابي إذا لم يعرف له مخالف

اختلفوا فيما إذا قال بعض الصحابة أو بعض أهل الحلّ والعقد في أي عصر كان قولا ولم ينتشر بين أهل عصره لكنّه لم يعرف له مخالف هل يكون إجماعا أم لا؟

الحقّ أنّه ليس كذلك وعليه الأكثر (١) ، لأنّه إنّما يتخيّل كونه إجماعا من أهل العصر إذا علموا بقوله وسكتوا عن الإنكار كما تقدم ؛ فأمّا إذا لم يعلموا به ، امتنع رضاهم به أو سخطهم ، وحينئذ يحتمل أن لا يكون لهم في تلك المسألة قول ، لعدم خطورها ببالهم.

وإن كان لهم فيها قول احتمل أن يكون موافقا للمنقول إلينا ، و [احتمل] أن يكون مخالفا ، فلا يتحقّق الإجماع حينئذ.

البحث الثالث : في استدلال أهل العصر بدليل أو مصيرهم إلى تأويل

إذا استدلّ أهل العصر بدليل أو ذكروا تأويلا ثمّ استدلّ أهل العصر الثاني بدليل آخر أو ذكروا تأويلا آخر ، فقد اتّفقوا على أنّه لا يجوز إبطال التأويل المتقدّم ، وإلّا لكانوا قد أجمعوا على الخطاء ، وهو باطل.

__________________

(١) وهو الّذي اختاره الرازي في محصوله : ٢ / ٧٦ ، المسألة الثانية ؛ والآمدي في الإحكام : ١ / ٣١٥ ، المسألة الخامسة عشرة.

٢٣١

وأمّا التأويل الجديد فإن لزم من ثبوته القدح في التأويل المتقدّم لم يصحّ ، كما لو فسّروا المشترك بأحد معنييه ثمّ جاء قوم فسّروه بالآخر ، لأنّ المشترك لا يجوز إرادة معنييه منه ؛ فصحّة هذا التأويل تقتضي فساد المتقدّم ، أو يقال : إنّه تعالى تكلم باللفظة مرتين ، وهو باطل ، لانعقاد الإجماع على ضده.

وإن لم يلزم من صحّة التأويل الجديد فساد المتقدّم ، فإن كان أهل العصر الأوّل قد نصّوا على إبطال الجديد من التأويل والدّليل لم يجز إحداثه لما فيه من تخطئة الأمّة فيما أجمعوا عليه ؛ وإن نصّوا على صحّته جاز إحداثه قطعا ، إذ لا تخطئة فيه ؛ وإن سكتوا عن الأمرين فقد ذهب الجمهور إلى جوازه ، وهو الحقّ ، وقال آخرون بالمنع.

لنا : إنّ الناس في كلّ وقت يستخرجون أدلّة ويتأوّلون بتأويلات متجدّدة من غير إنكار أحد ، فكان إجماعا.

احتجّ المخالف بوجوه : (١)

الأوّل : الدّليل الجديد مغاير لسبيل المؤمنين فيكون حراما ، لقوله [تعالى] : (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ)(٢).

الثاني : قوله : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ)(٣) خطاب مع الحاضرين ، فلا

__________________

(١) ذكر هذه الوجوه والجواب عنها أيضا الرازي في محصوله : ٢ / ٧٧ ؛ والآمدي في الإحكام : ١ / ٣٣٧ ، المسألة ٢١.

(٢) النساء : ١١٥.

(٣) آل عمران : ١١٠.

٢٣٢

يتناول ما عدا العصر الأوّل ، وقوله : (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ)(١) يقتضي كونهم آمرين بكلّ معروف ، فكلّ ما لم يأمروا به ولم يذكروه لم يكن معروفا فيكون منكرا.

الثالث : لو كان الدّليل الثاني والتأويل الجديد صحيحا لم يجز ذهول الصحابة عنه مع تقدّمهم في العلم.

والجواب عن الأوّل : قوله تعالى : (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) خرج مخرج الذم ، فيختصّ بمن اتّبع ما نفاه المؤمنون ، وما لم يتعرض له المؤمنون بنفي أو إثبات لا يقال فيه : إنّه اتّباع لغير سبيل المؤمنين.

والحاصل : أنّ الذمّ على ترك العمل بما اتّفقوا عليه من نفي أو إثبات ، والمحدث للدليل الثاني والتأويل غير تارك لدليل أهل العصر الأوّل ولا لتأويلهم ، بل غايته ضم دليل إلى آخر ، وتأويل إلى آخر ولم يترك ما نهوا عنه ، إذ التقدير انّهم لم ينهوا عن الدّليل الثاني ؛ وأيضا الحكم بفساد ذلك الدّليل لم يكن سبيلا للمؤمنين ، فوجب كونه باطلا.

وعن الثاني : المعارضة بقوله : (وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)(٢) يقتضي نهيهم عن كلّ منكر ، فلمّا لم ينهوا عن الدّليل الثاني والتأويل الثاني لم يكن منكرا.

وعن الثالث : أنّهم اكتفوا بالدّليل الواحد والتأويل الواحد عن غيره ، فلم يطلبوا الزيادة.

__________________

(١) آل عمران : ١١٠.

(٢) آل عمران : ١١٠.

٢٣٣

البحث الرابع : في أنّ إجماع المدينة ليس حجّة

هذا هو المشهور عند الناس كافّة عدا مالكا فإنّه قال : إنّ إجماع أهل المدينة حجّة. (١)

واختلف أصحابه فقال بعضهم : إنّه أراد ترجيح روايتهم على رواية غيرهم ، ومنهم من قال : أراد أنّ اتّباع إجماعهم أولى ولا تمتنع مخالفته ، وقال بعضهم : أراد بذلك أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

لنا وجوه :

الأوّل : أنّهم بعض المؤمنين وبعض الأمّة ، وأدلّة الإجماع وردت بلفظين : المؤمنين في آية المشاقّة ، والأمّة في غيرها ، وهما غير مختصّين ببلد دون آخر ، بل عامّة في الجميع فوجب اعتباره.

الثاني : الأمكنة غير مؤثرة في ترجيح الأقوال بالضرورة ، ولا يصير ما ليس بصواب صوابا ، ولا بالعكس.

الثالث : أنّه يؤدّي إلى المحال ، وهو أنّ من سكن المدينة كان قوله حجّة وإذا خرج لا يكون حجّة ، ومن كان قوله حجّة في مكان كان حجّة في كلّ مكان ، كالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) نقله عنه : السيد المرتضى في الذريعة : ٢ / ٦٤٣ ؛ وابن حجر في فتح الباري : ١٣ / ٢٥٦ ؛ والغزالي في المستصفى : ١ / ٣٥١ ؛ والرازي في المحصول : ٢ / ٧٨ ؛ والآمدي في الإحكام : ١ / ٣٠٢.

٢٣٤

اعترض على الأوّل : بأنّ تلك الأدلّة لا تمنع كون إجماع أهل المدينة حجّة ، فجاز إثباته بدليل منفصل.

وعلى الثاني : بجواز اختصاص أهل بلدة معينة بالعصمة ، كما أنّه لا استبعاد في تخصيص أهل زمان معين به. (١)

وعلى الثالث : أنّه قياس طردي في مقابلة النص فيكون باطلا ، وليس بجيد ، لأنّ أدلّة الإجماع لا تتناول أهل المدينة خاصة مع أصالة عدم كون إجماعهم حجّة ، فيبقى الأصل سالما عن معارضة الأدلّة ؛ وفرق بين عصمة أهل زمان وعصمة أهل بلد ، لأنّ الأمكنة متساوية ، ولو خرج أهل المدينة عن بلدهم لم يتغير وصفهم بخلاف الأزمان ، على أنّا نقول عصمة هذه الأمّة لا باعتبار الزمان ، بل لحصول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم ، والنص مدفوع الظاهر بالإجماع ، فيجب التأويل بعد تسليمه ، ولم يحتجّ فيه بالقياس ، بل بأمر قطعي هو خروج المكلّف عن وصف الطّاعة عند انتقاله من مكانه ، وهو غير معقول.

احتجّ مالك بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ المدينة لتنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد». (٢) والخطاء خبث فيكون منفيا عنهم ، وبسببه (٣) عملهم بروايتهم ، ولأنّ العادة تقضي بأنّ مثل هذا الجمع المنحصر من العلماء اللاحقين بالاجتهاد لا يجمعون إلّا عن راجح.

__________________

(١) في المحصول : ٢ / ٨٠ : بالعصمة.

(٢) عوالي اللآلي : ١ / ٤٢٩ ح ١٢٣ ؛ مستدرك الوسائل : ١٠ / ٢٠٨ ح ١١٨٦٨.

(٣) في «أ» : نفسه.

٢٣٥

لا يقال : يجوز أن يكون متمسّك غيرهم أرجح ولم يطّلع عليه بعضهم.

لأنّا نقول : العادة تقتضي باطّلاع الأكثر والأكثر (١) كاف ، والجواب عن الخبر متروك الظاهر بالإجماع ، لأنّه يقتضي أنّ كلّ خارج عنها فإنّه من الخبث الذي تنفيه المدينة ، وهو باطل قطعا ، لأنّه قد خرج منها أكابر الصحابة حتّى عدّ الخارج منها إلى العراق ثلاثمائة ونيفا ، وفيهم : علي عليه‌السلام وعبد الله بن عباس ، وتخلّف الأدون كأبي هريرة وأضرابه.

واعترض بأنّ الخبر يقتضي أنّ كلّ خبث فإنّ المدينة تخرجه ، ولا يقتضي أنّ كلّ خارج عن المدينة فهو خبث.

سلّمنا ، لكنّه خبر واحد فلا يجوز التمسّك به في العلميات.

سلّمنا ، لكن يجوز أن يكون المراد من خرج عنها لكراهية المقام بها. ثمّ إنّ في المقام بها بركة عظيمة بسبب جوار الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجوار مسجده مع ما ورد من الثناء على المقيم بها ، وكراهة المقام بها حينئذ ضعف في الدّين فيكون خبثا.

سلّمنا ، لكن صيغته ليست للعموم.

سلّمناه ، لكن يجوز أن يكون القول مختصا بزمانه ، والمراد بالخبث الكفّار. وتشبيه (٢) العمل بالرّواية تمثيل لا دليل مع قيام الفرق ، وهو أنّ الرواية ترجّح بالكثرة بخلاف الاجتهاد ، والعادة غير مختصّة بالمدينة ، بل

__________________

(١) في «أ» : اطلاع العصر.

(٢) في «أ» : نسبة ، وفي «ب» : بسببه.

٢٣٦

كلّ بلد مساو لها ، فإن كان ذلك دليلا جاز أن يقتصر في الإجماع على قول كلّ بلد ، وهو ممنوع.

واعلم أنّ الغزالي نقل عن مالك أنّ الحجّة في إجماع أهل المدينة خاصة ، وقال قوم : المعتبر إجماع الحرمين ـ مكة والمدينة ـ والمصرين ـ الكوفة والبصرة ـ. وعلّلوا بأنّ هذه المواضع جمعت أهل الحلّ والعقد. (١) وهو ممنوع ، فإنّ المجتهدين لم يزالوا منتشرين في البلاد المتباعدة ، ولا ينعقد الإجماع بدون اتّفاقهم.

البحث الخامس : في إجماع الخلفاء الأربعة

حكى أبو بكر الرازي عن القاضي أبي خازم (٢) من الحنفية أنّه كان يقول : إجماع الخلفاء الأربعة حجّة ، ولأجل هذا لم يعتد بخلاف زيد بن ثابت في توريث ذوي الأرحام ، وحكم بردّ أموال حصلت في بيت مال المعتضد إلى ذوي الأرحام وقبل المعتضد فتواه ، وأنفذ قضاءه ، وكتب به إلى الآفاق. وهو قول أحمد في رواية. (٣)

__________________

(١) المستصفى من علم الأصول : ١ / ٣٥١.

(٢) هو القاضي عبد الحميد بن عبد العزيز السكوني البصري ، ثم البغدادي الحنفي. حدّث عن محمد بن بشار ومحمد بن المثنى وشعيب بن أيوب وطائفة ، وروى عنه مكرم بن أحمد وأبو محمد بن زبر ، ولي القضاء بالشام وبالكوفة وكرخ بغداد ، مات ببغداد سنة اثنتين وتسعين ومائتين. سير أعلام النبلاء : ١٣ / ٥٣٨ برقم ٢٧٢.

(٣) حكاه عنه أيضا الرازي في المحصول : ٢ / ٨٣ ، المسألة السادسة ؛ والآمدي في الإحكام : ١ / ٣٠٩ ، المسألة ١٢.

٢٣٧

واحتجّ بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي عضّوا عليها بالنواجذ» (١).

وقال الأكثر : إنّه ليس حجّة وعارضوا الحديث بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم» (٢) ، مع أنّ قول كلّ واحد ليس بحجّة على أنّه عام في كلّ الخلفاء الراشدين فلا ينحصر في الأربعة.

وأمّا الشيعة فإنّ عليا عليه‌السلام لمّا كان أحد الأربعة وهو معصوم ، كان قوله حجّة. (٣)

تذنيب

قال قوم : إجماع الشيخين حجّة ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اقتدوا باللّذين من بعدي

__________________

(١) سنن الدارمي : ١ / ٤٥ ؛ صحيح ابن حبان : ١ / ١٧٩. وهو حديث ترفضه الإماميّة سندا ومتنا وتعارضه أحاديث صحاح ، ومن أراد مزيد الاطّلاع فليرجع إلى المصادر التالية : خلاصة عبقات الأنوار : ١ / ٢٩ و ٩٠ ، وج ٣ / ١١٨ و ١٢٦ و ١٣٦ ؛ الأصول العامّة في الفقه المقارن : ١٣٧ و ٤٤١ ؛ معالم المدرستين : ٢ / ٢٣٣.

(٢) فتح الباري : ٤ / ٤٩. وهو حديث موضوع ترفضه الإمامية بأكملهم ، ورفضه الكثير من علماء السنّة ، فهذا ابن حزم في الإحكام : ٥ / ٦٤٢ يصفه بقوله : أمّا الحديث المذكور فباطل مكذوب من توليد أهل الفسق لوجوه ذكرها ، وقال أحمد : حديث لا يصح ، وقال البزار : لا يصح هذا الكلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلى غيرها من الكلمات فمن أراد المزيد فليرجع إلى المصادر التالية : الإيضاح : ٥٢١ ؛ الإفصاح : ٤٩ ؛ الطرائف : ٥٢٣ ؛ الصوارم المهرقة : ٣ ـ ٥ ؛ الأصول العامّة للفقه المقارن : ١٣٨ و ٤٤١. ولآية الله السبحاني رد على هذا الحديث في كتابه : «محاضرات في الإلهيات» : ٤٩١.

(٣) في نسخة «أ» بزيادة : في إجماع الصحابة مع مخالفة غيرهم.

٢٣٨

أبي بكر وعمر ، (١) ولمّا لم يمكن الاقتداء بهما حالة الاختلاف وجب ذلك حال اتّفاقهما ، ويعارض بما تقدّم. (٢)

البحث السادس : في إجماع الصحابة مع مخالفة من أدركهم من التابعين

اختلف الناس في إجماع الصحابة مع مخالفة من أدركهم من التابعين ، فأكثر الجمهور على أنّه ليس بحجّة خلافا للبعض ، وعند الإمامية انّه حجّة ، لأنّ من الصحابة المعصوم فيكون قوله حجّة ، وإن خالف التابعي.

ثمّ اختلف القائلون بأنّه لا يعتدّ بإجماعهم مع مخالفته :

فمن لم يشترط انقراض العصر قال : إن كان التابعي من أهل الاجتهاد قبل انعقاد إجماع الصحابة فلا يعتد بإجماعهم مع مخالفته ، وإن بلغ رتبة الاجتهاد بعد انعقاد إجماع الصحابة ، لا يعتد بخلافه. وهذا هو مذهب أصحاب الشافعي وأكثر المتكلّمين وأصحاب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين عنه.

ومن شرط انقراض العصر قال : لا ينعقد إجماع الصحابة مع مخالفته ، سواء كان من أهل الاجتهاد حالة إجماعهم ، أو صار مجتهدا بعد إجماعهم ، لكن في عصرهم.

__________________

(١) كنز العمال : ١١ / ٥٦٠ برقم ٣٢٦٤٦. وهو مردود كسابقيه ، راجع : الإفصاح : ٢١٩ ؛ الصراط المستقيم : ٣ / ١٤٥ ـ ١٤٦ ؛ خلاصة عبقات الأنوار : ٣ / ١٠٢ ـ ١١٨ و ١٦٣ ؛ الغدير : ٥ / ٣٤٧.

(٢) ذكره الرازي في المحصول : ٢ / ٨٣.

٢٣٩

وذهب آخرون إلى أنّه لا عبرة بمخالفته أصلا. وهو مذهب بعض المتكلّمين ، وأحمد في رواية.

احتجّ الجمهور (١) بأنّه لو كان قول التابعي باطلا لما جاز رجوع الصحابة إليهم ، لكنّهم رجعوا إليه. روي أنّ ابن عمر سئل عن فريضة فقال : سلوا سعيد بن جبير فإنّه أعلم بها. (٢)

وكان أنس يسأل عن شيء فيقول : سلوا مولانا الحسن فإنّه سمع وسمعنا ، وحفظ ونسينا. (٣)

وسئل ابن عباس عن النذر بذبح الولد؟ فأشار إلى مسروق ، ثمّ أتاه السائل بجوابه ، فتابعه عليه. (٤)

وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف : تذاكرت أنا وابن عباس وأبو هريرة في عدّة الحامل المتوفّى عنها زوجها ، فقال ابن عباس : عدّتها أبعد الأجلين ، وقلت أنا : عدّتها أن تضع حملها ، وقال أبو هريرة : أنا مع ابن أخي ، فسوغ ابن عباس لأبي سلمة أن يخالفه مع أبي هريرة (٥) ، إلى غير ذلك من الوقائع.

__________________

(١) وهو قول الرازي في المحصول : ٢ / ٨٣ ؛ والآمدي في الإحكام : ١ / ٣٠٠.

(٢) الطبقات الكبرى : ٥ / ١٤١.

(٣) مصنّف ابن أبي شيبة : ٨ / ٣٠٦ برقم ٧٤ ؛ الطبقات الكبرى : ٧ / ١٧٦.

(٤) خلاصة عبقات الأنوار : ٣ / ٢٣٣.

(٥) صحيح البخاري : ٦ / ٦٧ ، تفسير سورة الطلاق ؛ صحيح مسلم : ٤ / ٢٠١ ، باب انقضاء عدة المتوفّى عنها زوجها من كتاب الطلاق.

٢٤٠