نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-238-2
ISBN الدورة:
978-964-357-238-0

الصفحات: ٦٥٦

بالردّة مغاير بالنوع لاستحقاقيته بالنوع وبالزنا ، ولهذا لو تاب عن أحدهما دون الآخر قبل ولا يقبل بالعكس.

وفي د. نظر ، فإنّ العدوانية ليست عدما مطلقا ، بل هي وصف اتّصف بعدم الاستحقاق.

سلّمنا : لكن العدمي جاز أن يكون جزءا من العلّة وشرطا ، والعلّيّة ليست وصفا ثبوتيا وإلّا لزم التسلسل ، بل هي أمر اعتباري فجاز إسناد مثله إليه. وكون العلّة لم تكن حاصلة قبل الشرط وحصلت عنده لا يقتضي تعليلها به ، وأمّا كون الغرض مقتضيا للنقصان فمدفوع بمثله ، فإنّ العبث عين النقص والله تعالى كامل لذاته فلا يقع عنه العبث ، ونمنع الاستكمال بالغرض ، لأنّ الله تعالى كامل لذاته والكامل لذاته لا يفعل إلّا ما هو الأولى في نفسه ، ولا يستلزم ذلك تحصيل كمال له قد كان فاقده.

سلّمنا حصول الأولوية ، لكنّها من الاعتبارات الإضافية كالخالقية والرازقية والموجدية. ونمنع انتفاء الداعي لو تساوى نفع الغير وعدمه بالنسبة إليه ، لأنّ نفع الغير مطلوب في نفسه حسن عند العقل.

وبالجملة قول الأشاعرة الفاعل لغرض مستكمل به حكم أخذوه من الحكماء واستعملوه في غير موضعه ، لأنّ الحكماء لم ينفوا العلل الغائيّة ولا سوق الأشياء إلى كمالاتها ، وإلّا لبطل علم منافع الأعضاء وفوائد الغايات وعلم الهيئة وأكثر الطبيعيات وغيرها ، بل قالوا : إيجاد الموجودات عنه تعالى على أكمل ما يمكن لا بأن يخلق الشيء ناقصا ثم يكمله بقصد ثان ، لأنّه

٦٢١

تعالى كامل لذاته ، قادر على تكميل كلّ ناقص بحسب استعداده ، فيخلقه مشتاقا إلى كماله من غير استئناف تدبير ، والغرض الّذي نفوه استيناف ذلك التدبير في الإكمال بالقصد الثاني ، واستيفاء الكلام في هذا المقام ذكرناه في «نهاية المرام» لأنّه الفن المتعلّق به.

البحث الثاني : في النصّ على العلّة (١)

النصّ على العلّة قد يكون قطعيا ، وهو ما يكون صريحا في المؤثرية ، مثل لعلّة كذا ، أو بسبب كذا ، أو لمؤثر كذا ، أو لموجب كذا ، أو من أجل كذا ، إمّا من الكتاب أو السنّة.

وقد يكون ظاهرا غير قطعي ، وهو ما ورد فيه حرف من حروف التعليل ، كاللام وكي ومن وإن والباء.

فاللام كقوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)(٢).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كنت قد نهيتكم عن ادّخار لحوم الأضاحي لأجل الدافة» (٣) أي القوافل السيارة ، وهو يدلّ على التعليل بالوصف الّذي دخلت اللام عليه لتصريح أهل اللغة به.

__________________

(١) ذكره الرازي في المحصول : ٢ / ٣١١ ، الفصل الأوّل ؛ والآمدي في الإحكام : ٣ / ٢٧٧ ، المسلك الثاني.

(٢) الذاريات : ٥٦.

(٣) مر تخريج مصادره ص ٥٦٩.

٦٢٢

لا يقال : اللام ليست صريحة في العلّية لدخولها على لفظ العلّة ، كما يقال : لعلة كذا ، ولو كان للعلّة كان تكريرا.

ولأنّه تعالى قال : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ)(١) ، وبالإجماع لا يجوز أن يكون ذلك غرضا.

ولقول الشاعر :

لدوا للموت وابنوا للخراب (٢)

 ..................

وليست اللام للغرض.

ولأنّه يقال : أصلّي لله تعالى ، ولا يجوز أن تكون ذاته تعالى غرضا.

ولأنّه يقال : لم فعلت كذا؟ فنقول : لأنّي قصدت أن أفعله.

وكلّ هذه ليست عللا ، لأنّها ليست مؤثرات ولا بواعث على التأثير.

لأنّا نقول : صرّح أهل اللغة بأنّ اللام للتعليل ، وقولهم حجّة ، وهذه

__________________

(١) الأعراف : ١٧٩.

(٢) تمام البيت كما يلي :

له ملك ينادي كل يوم

للدوا للموت وابنوا للخراب

والبيت منسوب إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام كما في خزانة الأدب : ٩ / ٥٣١ ومجمع البحرين : ٤ / ٩٧.

وقد ورد بصيغة أخرى والقائل هو أبو العتاهية على ما ذكر الذهبي في تاريخ الإسلام : ١٥ / ٤٦٠ ، ونسبه الأمين في أعيان الشيعة : ٥ / ٣٨٢ و ٣٨٩ إلى أبي نؤاس.

والبيت كما يلي :

للدوا للموت وابنوا للخراب

فكلّكم يصير إلى ذهاب

٦٢٣

الأشياء إن لم تكن عللا وجب القول بكونها مجازا فيها. (١)

وأيضا في أ. نظر ، لأنّ التأكيد مشهور في اللغة من غير تكرير ، فجاز أن يكون دخوله للتأكيد كما تدخل فاء التعقيب عليه.

وفي ب. نظر ، لأنّا لم نجعل اللام مطلقا للعلّة ، بل في حكم اقترن بوصف صالح للتعليل ولا محمل له سواه ، مثل دخلت السوق لشراء اللحم ، ودخلت الحمام للاغتسال ، وأطعمت الفقير لرفع حاجته ، ولا يقول : إنّها للتعليل فيما وردت فيه للاستحقاق مثل الجلّ للفرس.

وأمّا «كي» فكقوله تعالى : (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ)(٢) ، أي كي لا تبقى الدولة بين الأغنياء بل تنتقل إلى غيرهم.

وأمّا «من» فكقوله تعالى : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ)(٣).

وأمّا «ان» فكقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قتلى أحد : «زمّلوهم بكلومهم ودمائهم فإنّهم يحشرون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دما ، اللون لون الدم ، والريح ريح المسك». (٤)

وكقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقّ محرم وقصت به ناقته : «لا تقربوه طيبا فإنّه يبعث يوم القيامة ملبّيا». (٥)

__________________

(١) ذكر الإشكال والجواب عنه الرازي في المحصول : ٢ / ٣١٢.

(٢) الحشر : ٧.

(٣) المائدة : ٣٢.

(٤) مرّ الحديث مع مصادره ص ٥٧٠.

(٥) مرّ الحديث مع مصادره ص ٥٦٩.

٦٢٤

وكقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّها من الطوّافين انّها دم عرف. (١)

وأمّا «الباء» فكقوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ)(٢) ، (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)(٣).

واعلم أنّ أصل الباء الإلصاق ، وذات العلّة لمّا اقتضت وجود المعلول حصل معنى الإلصاق فحسن استعماله فيه مجازا.

واعلم أنّا قد بيّنّا أنّ القياس المنصوص على علّته صحيح أمّا غيره فلا ، وقد ذكرنا النصّ والإجماع كالنصّ في جواز دلالته على التعليل ووجوب التعدية ، كما لو دلّ إجماع الأمّة عصر ما على أنّ وصفا ما علّة في حكم ما إمّا قطعا أو ظنّا ، كإجماعهم على كون الصغر علة لثبوت الولاية.

لا يقال : كيف يسوغ الخلاف في مسائل الاجتهاد مع تحقّق الإجماع على العلّة قطعا.

لأنّا نقول : إنّما يسوغ لو كان وجودها في الأصل أو الفرع ظنّيا. ونحن الآن نذكر الطرق الّتي جعلها القائسون دلائل على العلّة من غير النصّ ، وسيتبيّن فسادها بعون الله تعالى.

__________________

(١) مرّ الحديث مع مصادره ص ٥٧٠.

(٢) الحشر : ٤.

(٣) السجدة : ١٧.

٦٢٥

البحث الثالث : في الإيماء والتنبيه

اعلم أنّ اللفظ إذا لم يكن دالّا بوضعه على التعليل لكن يكون التعليل لازما من مدلوله كان دالّا على العلّة بالتنبيه والإيماء ، وأنواعه ستة : (١)

الأوّل : ترتيب الحكم على الوصف بفاء التعقيب في كلامه تعالى ، أو كلام رسوله ، أو الراوي عنه. كقوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)(٢) ، (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا)(٣).

وكقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أحيا أرضا ميتة فهي له» (٤).

وكقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ملكت نفسك فاختاري». (٥)

وكقول الراوي : زنا ما عزّ فرجم. (٦)

وهذا على وجهين :

__________________

(١) ذكرها الرازي في المحصول : ٢ / ٣١٣ ، الفصل الثاني ؛ والآمدي في الإحكام : ٣ / ٢٧٩ ، المسلك الثالث.

(٢) المائدة : ٣٨.

(٣) المائدة : ٦.

(٤) مسند أحمد : ٣ / ٣٢٨ و ٣٥٦ و ٣٨١ ؛ سنن أبي داود : ٢ / ٥١ برقم ٣٠٧٣ و ٣٠٧٤ ؛ السنن الكبرى : ٦ / ٩٩ و ١٤١ و ١٤٢ و ١٤٣ ؛ سنن النسائي : ٣ / ٤٠٥ برقم ٥٧٦١ و ٥٧٦٢ ؛ معاني الأخبار : ٢٩٢ ؛ عوالي اللآلي : ٣ / ٢٥٩ ح ١٢ ؛ بحار الأنوار : ٧٣ / ١١١ ح ١٠ وج ١٠١ / ٢٥٥ ح ١٣.

(٥) عمدة القاري : ٢٠ / ٩١ ؛ الاستذكار : ٦ / ٦٧ ؛ التمهيد : ٣ / ٥٧ ؛ الإحكام : ٣ / ٢٧٩.

(٦) تفسير الرازي : ٢٢ / ١٢٧ ؛ تحفة الأحوذي : ١ / ١٧٨ ؛ الإحكام : ٣ / ٢٧٩.

٦٢٦

الأوّل : أن تدخل الفاء على العلّة ويكون الحكم متقدّما ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المحرم الّذي وقصت به ناقته : «لا تقربوه طيبا فإنّه يحشر يوم القيامة ملبّيا».

الثاني : أن تدخل الفاء على الحكم وتكون العلّة متقدّمة إمّا بأن تدخل على كلام الشارع ، مثل (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ،) أو على كلام الراوي ، مثل : «فرجم» ، وقد ذهب القائسون إلى أنّها تدلّ على أنّ ما رتّب عليه الحكم بها يكون علّة للحكم ، لأنّ الفاء للتعقيب ويلزم منه السببيّة ، إذ لا معنى لكون الوصف سببا إلّا ما ثبت الحكم عقيبه.

وليس ذلك بجيد ، لأنّ موضوع الفاء التعقيب ، وكما تكون في الأسباب تكون في غيرها ، بل في ضدها ، كما يقال : «أحسنت إليك فظلمتني» ، وقد ترد لمطلق الجمع بمعنى الواو.

تذنيب

قالوا : دخول الفاء في كلام الشارع أبلغ في إفادة العلّيّة من قول الراوي ، إذ يتطرّق إلى الراوي من الخلل ما لا يتطرّق إلى الشارع ، وما ورد في كلام الراوي يتفاوت في القوة والضعف (١) ، فالراوي الفقيه أقوى وغيره يحصل به ظن أيضا ، لأنّ تديّنه وعلمه بكون الفاء للتعقيب يقتضيان أنّه لو لم يفهم سببيّة الزنا للرجم لما رتّب الرجم عليه بالفاء لما فيه من التلبيس بنقل

__________________

(١) القائل هو الرازي في المحصول : ٢ / ٣١٥.

٦٢٧

ما يفهم منه السببية ولا يكون سببا ، ولما كان تعليقه بالزنا أولى من تعليقه بالقيام والأكل وغيرهما.

واعلم أنّ الّذي تقوم العلّة فيه على الحكم أقوى في الإشعار بالعلّيّة من الآخر ، لأنّ إشعار العلّة بالمعلول أقوى من إشعار المعلول بالعلّة ، لأنّ الطرد واجب في العلل دون العكس.

النوع الثاني (١) :

أن يرفع إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر فيحكم عقيبه بحكم وجودا وانتقاء ، فإنّه يدلّ على التعليل حيث أورده في معرض الجواب ؛ كما روي أنّ أعرابيا جاء إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو لاطم وجهه ناتف شعره ممزق ثوبه وهو يقول : هلكت وأهلكت ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما ذا صنعت؟ فقال : واقعت أهلي في نهار رمضان ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اعتق رقبة» ، (٢) فإنّه يدلّ على كون الوقاع علّة للعتق ، لأنّا نعلم أنّ الأعرابي إنّما سأل عن واقعة لبيان حكمها شرعا ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما ذكر ذلك الحكم في معرض الجواب ، لأنّه لو ذكره ابتداء لكان قد أخلى السؤال عن الجواب وأخّر البيان عن وقت الحاجة ، وهو وإن كان جائزا إلّا أنّه على خلاف الظاهر ؛ وإذا كان جوابا عن سؤاله كان السؤال

__________________

(١) ذكره الرازي في المحصول : ٢ / ٣١٥ ؛ والآمدي في الإحكام : ٣ / ٢٨٠.

(٢) السنن الكبرى : ٤ / ٢٢٧ ؛ سنن الدارقطني : ٢ / ١٨٨ برقم ٢٣٧٣ باختلاف ؛ من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١١٥ برقم ١٨٨٥ ؛ وسائل الشيعة : ١٠ / ٤٦ ، الباب ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٥.

٦٢٨

كالمعاد في الجواب فيصير التقدير جامعت فأعتق ، وحينئذ يلتحق بالنوع الأوّل ، ولكنّه دونه في الظهور والدلالة.

والاعتراض : مسلّم صلاحيته هذا الجواب لكن لا نسلّم أنّ مثل هذا الكلام إذا ذكر عقيب السؤال حصل ظنّ كونه جوابا عن ذلك السؤال ، فربّما ذكره جوابا عن سؤال آخر سبق ، أو لغرض آخر ، أو زجرا له عن هذا السؤال كما لو قال العبد لسيده : دخل فلان دارك ، فيقول السيد : اشتغل بأمرك واترك الفضول. ولا يبطل هذا بأنّه لو لم يكن جوابا عن هذا السؤال لكان تأخيرا للبيان عن وقت الحاجة ؛ وهو غير جائز ، لاحتمال معرفته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بانتفاء حاجة ذلك المكلّف إلى ذلك الجواب في ذلك الوقت ، فلا يكون إعراض الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك الجواب تأخيرا للبيان عن وقت الحاجة.

وأيضا فيه نظر ، وهو أنّه يمكن عدم وحي في تلك القضية المسئول عنها ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما أخّر الجواب انتظارا للوحي.

سلّمنا أنّ قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشعر بالتعليل لكن نمنع أنّ قول الراوي كذلك ، لاحتمال اشتباه الأمر عليه فظنّ ما ليس بجواب جوابا.

أجيب عن الأوّل بأنّ الأكثر حمل الكلام الصالح لكونه جوابا عن السؤال المذكور عقيبه على كونه جوابا ، والصورة الّتي ذكرتموها نادرة ، وهو مرجوح.

وعن الثاني أنّ العلم بكون الكلام المذكور بعد السؤال جوابا عنه أمر ظاهر ، يعرف بالضرورة عند مشاهدة المتكلّم ولا يفتقر إلى نظر دقيق.

٦٢٩

وفيه نظر ، فإنّ الأشاعرة لا يقبل منهم ذلك حيث لم يعلّلوا الأحكام بالحكم والمصالح ، فلا حكم يصلح لكونه جوابا دون حكم ، بل كلّ شيء صالح أن يكون جوابا عن كلّ شيء والضرورة منفية ، ولا يشترط في كلام الراوي أن يعرف كونه جوابا بالضرورة عندهم ، بل الظن كاف فيه.

النوع الثالث (١) :

أن يذكر الشارع في الحكم وصفا ، لو لم يكن موجبا للعلم لم يكن في ذكر فائدة. وهو يقع على أقسام :

الأوّل : أن يدفع السؤال المذكور في صورة الإشكال بذكر الوصف ، كامتناعه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الدخول على قوم عندهم كلب فقيل : ألم يدخل على فلان وعندهم هرة؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّها ليست بنجسة ، إنّها من الطوافين عليكم والطوافات». (٢) فلو لم يكن للطواف أثر في التطهير لم يكن لذكره عقيب الحكم بطهارتها فائدة.

وفيه نظر ، أمّا أوّلا : فلأنّ حرف التعليل هنا موجود ، وهو «أن» ، فيدخل تحت المنصوص عليه.

وأمّا ثانيا : فلاحتمال أن لا يكون ذلك علّة ، بل يكون باعثا آخر معارضا لنجاسة الكلب.

__________________

(١) راجع المحصول : ٢ / ٣١٦ ؛ الإحكام : ٣ / ٢٨١.

(٢) المحصول : ٢ / ٣١٦. وقد مر الحديث مع مصادره ص ٥٧٠ بتفاوت واختلاف.

٦٣٠

الثاني : أن يذكر وصفا في محل الحكم لا حاجة إلى ذكره ابتداء ، فيعلم أنّه إنّما ذكره لكونه مؤثّرا في الحكم ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ثمرة طيبة وماء طهور» (١) حين توضّأ بماء كان قد نبذ فيه تمر ، فإنّه لو لم يقدر كون ما ذكره علّة لجواز الوضوء به وإلّا كان ذكره حشوا.

وفيه نظر ، لجواز أن يذكر ذلك لنفي المانعية لا لإثبات العلّيّة.

الثالث : أن يقرر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على وصف الشيء المسئول عنه ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أينقص الرطب إذا جف؟» لمّا سألوه عن بيع الرطب بالتمر ، فقالوا : نعم ، فقال : «فلا إذن» (٢).

وفيه دلالة وتنبيه على العلّية من ثلاثة أوجه :

أ. لو لم يقدّر النقصان علّة كان السؤال عنه عبثا.

ب. رتّب الحكم عليه بفاء التعقيب.

ج. قوله : «فلا إذن» وإذن للتعليل لغة.

وفيه نظر ، لأنّه دخل في قسم المنصوص.

الرابع : أن يقرّر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حكم ما يشبه المسئول عنه ، وينبّه على وجه الشبه ، فيعلم أنّ وجه الشبه هو العلّة في ذلك الحكم ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمر وقد سأله عن قبلة الصائم هل يفطر أم لا؟ فقال : «أرأيت لو تمضمضت

__________________

(١) فتح الباري : ١ / ٣٠٥.

(٢) سنن أبي داود : ٢ / ١١٥ برقم ٣٣٥٩ ؛ سنن الترمذي : ٢ / ٣٤٨ برقم ١٢٤٣ ؛ سنن النسائي : ٧ / ٢٦٩ ؛ السنن الكبرى : ٥ / ٢٩٤.

٦٣١

بماء أكان ذلك الماء يفسد الصوم» فقال : لا (١) ، فنبّه بهذا على عدم الفساد بالمضمضة والقبلة لعدم حصول الأثر المطلوب منهما.

وفيه نظر ، لأنّ هذا القسم ليس من هذا القبيل ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما ذكر ذلك بطريق النقض لما توهّمه عمر من كون القبلة مفسدة للصوم لكونها مقدّمة للوقاع المفسد للصوم ، فنقض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك بالمضمضة فإنّها مقدّمة للشرب المفسد للصوم وليست مفسدة له ، أمّا أن يكون ذلك تنبيها على تعليل عدم الإفساد بكون المضمضة مقدّمة للفساد فلا ، لأنّ كون القبلة والمضمضة مقدّمة لإفساد الصوم ليس فيه ما يتخيّل أن يكون مانعا من الإفطار ، بل غايته أن لا يكون مفطرا فالأشبه بما ذكره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكون نقضا لا تعليلا ، ولأنّ الأصل أن يكون الجواب طبقا للسؤال لا زائدا عليه ولا ناقصا ، لعدم تعلّق الغرض بالزيادة وإخلال النقض بالمقصود ، وعمر سأل عن كون القبلة مفسدة أم لا ، فالجواب إنّما يكون بما يدلّ على الإفساد أو عدمه ، وكون القبلة علّة لنفي الفساد غير مسئول عنه ، فلا يكون اللفظ الدالّ عليه جوابا مطابقا للسؤال ، بخلاف النقض فإنّه يتحقّق به أنّ القبلة غير مفسدة ، فكان جوابا مطابقا للسؤال.

الخامس : أن يعدل في الجواب إلى ذكر نظير محل السؤال ، كما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه لمّا سألته الجارية الخثعمية وقالت : يا رسول الله إنّ أبي أدركته الوفاة وعليه فريضة الحجّ فإن حججت عنه أينفعه ذلك؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان ينفعه ذلك»؟ فقالت : نعم ، قال :

__________________

(١) مسند أحمد : ١ / ٢١ و ٥٢ ؛ السنن الكبرى : ٤ / ٢١٨ ؛ سنن النسائي : ٢ / ١٩٩ برقم ٣٠٤٨.

٦٣٢

«فدين الله أحق بالقضاء» (١). فالخثعمية إنّما سألت عن الحجّ والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر دين الآدمي والحجّ من حيث هو دين نظير لدين الآدمي ، فذكره لنظير المسئول عنه مع ترتيب الحكم عليه يدلّ على التعليل به ، وإلّا لكان ذكره عبثا.

ويلزم من كون نظير الواقعة علّة للحكم المرتّب عليها أن يكون المسئول عنه أيضا علّة لمثل ذلك الحكم ضرورة المماثلة. ومثل هذا يسمّيه الأصوليون التنبيه على أصل القياس ، فكأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبّه على الأصل ، وعلى علّة حكمه ، وعلى صحّة إلحاق المسئول عنه بواسطة العلّة المومى إليها.

النوع الرابع (٢) :

أن يفرّق الشارع بين شيئين في الحكم بذكر صفة ، فيعلم أنّه لو لم تكن تلك الصفة علّة لم يكن لذكرها معنى. وهو ضربان :

الأوّل : أن لا يكون حكم أحدهما مذكورا في الخطاب ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «القاتل لا يرث» فإنّه قد تقدّم بيان إرث الورثة ، فلمّا قال : «القاتل لا يرث» (٣) وفرّق بينه وبين جميع الورثة بذكر القتل الجائز كونه مؤثّرا في نفي الإرث ،

__________________

(١) تفسير الرازي : ١٠ / ١٥١.

(٢) راجع المحصول : ٢ / ٣١٧ ؛ الإحكام : ٣ / ٢٨٤.

(٣) سنن ابن ماجة : ٢ / ٨٨٣ ، باب القاتل لا يرث ؛ سنن الترمذي : ٣ / ٢٨٨ برقم ٢١٩٢ ؛ السنن الكبرى : ٦ / ٢٢٠ ؛ كنز العمال : ١١ / ١٥ برقم ٣٠٤٢٢.

٦٣٣

علمنا أنّه العلّة فيه فيكون علّة ، وإلّا لكان ذلك على خلاف ما أشعر به اللفظ وهو تلبيس يصان منصب الشرع عنه.

وفيه نظر ، لأنّه بناء على مفهوم الخطاب وقد سبق عدم دلالته.

الثاني : أن يكون الحكمان مذكورين في الخطاب وأنحاؤه خمسة :

أ. أن يفرق بما جرى مجرى الشرط ، مثل : «إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم يدا بيد» (١) بعد النهي عن بيع البر بالبر متفاضلا ، فيدلّ على أنّ اختلاف الجنس علّة في جواز البيع.

ب. أن يفرّق بالغاية ، مثل : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ)(٢).

ج. أن يفرّق بالاستثناء ، كقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ)(٣).

د. أن يفرّق بما يجري مجرى الاستدراك ، كقوله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ)(٤) ، فيدلّ على أنّ العقد مؤثر في المؤاخذة.

ه. أن يستأنف أحد الشيئين بذكر بعض صفاته الجائز تأثيرها بعد ذكر الآخر ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «للراجل سهم وللفارس سهمان». (٥) واعتمدوا في

__________________

(١) تفسير الرازي : ٢٠ / ٢٠٥ ؛ تفسير القرطبي : ١٠ / ٨٦ ؛ عوالي اللآلي : ٢ / ٢٥٣ ح ٢٦ ، وج ٣ / ٢٢١ ح ٨٦.

(٢) البقرة : ٢٢٢.

(٣) البقرة : ٢٣٧.

(٤) المائدة : ٨٩.

(٥) راجع الخلاف : ٤ / ١٩٩ ؛ تحرير الأحكام : ٢ / ٢٣٤.

٦٣٤

هذين النوعين على أنّه لا بدّ للتفرقة من سبب ، ولا بدّ في ذكر ذلك الوصف من فائدة ، فإذا جعلنا الوصف سببا للتفرقة حصلت الفائدة.

النوع الخامس (١) :

النهي عن فعل يمنع ما تقدّم للزوم وجوبه علينا ، فيعلم أنّ العلّة في النهي منعه من الواجب ، كقوله تعالى : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ)(٢) ، فإنّه لمّا أوجب علينا السعي ونهانا عن البيع مع علمنا بانتفاء جواز ذكر النهي في هذا الموضع على تقدير كون النهي عن البيع مانعا من السعي ، فذلك يدلّ على أنّ علّة النهي المنع من الواجب ؛ وكتحريم التأفيف ، فإنّ العلّة فيه كونه مانعا من الإعظام الواجب ، فالشارع في آية الجمعة أنشأ كلاما لبيان أمر مقصود ، وهو بيان أحكام الجمعة وذكر في أثنائه شيئا آخر لو لم يقدر كونه علّة لذلك الحكم المطلوب لم يكن له تعلّق بالكلام ، كالنهي عن البيع لو لم يعتقد كون البيع علّة للمنع عن السعي الواجب لم يكن مرتبطا بأحكام الجمعة وما سبق له الكلام لا تعلّق به.

__________________

(١) راجع المحصول : ٢ / ٣١٨ ؛ الإحكام : ٣ / ٢٨٥.

(٢) الجمعة : ٩.

٦٣٥

النوع السّادس (١) :

أن يذكر الشارع مع الحكم وصفا مناسبا ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يقضي القاضي وهو غضبان» (٢) فإنّه يشعر بكون الغضب علّة مانعة من القضاء لاشتماله على تشويش الفكر.

وكذا : «أكرم العلماء وأهن الجهّال» فإنّه يسبق إلى الفهم كون العلم علّة للإكرام والجهل علّة للإهانة لما عرف من اعتبار الشرع اعتبار المناسبات دون إلغائها ، فإذا قرن بالحكم وصف مناسب غلب في الظن اعتباره.

ولأنّ عادة الشرع عدم إخلاء الحكم عن المصالح والحكم ، فإنّ الأحكام إنّما شرّعت لمصالح العبيد ، وهذا لا يتأتّى من الأشاعرة القائلين بنفي الأغراض ، فهذه أنواع الإيماءات.

وهنا مسائل :

المسألة الأولى (٣) : الظاهر في أقسام الإيماء وإن دلّ على العلّيّة لكنّه قد يترك لدليل أقوى معارض ، نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يقضي القاضي

__________________

(١) راجع المحصول : ٢ / ٣١٨ ؛ الإحكام : ٣ / ٢٨٥.

(٢) سنن الترمذي : ٢ / ٣٩٦ ، باب ما جاء لا يقضي القاضي وهو غضبان ؛ شرح نهج البلاغة : ١٧ / ٦١ ؛ تفسير الرازي : ٢٢ / ٣٢ ؛ تفسير القرطبي : ٥ / ٢٦٧.

(٣) راجع المحصول : ٢ / ٣١٨.

٦٣٦

وهو غضبان». ظاهره يدلّ على أنّ العلّة هي الغضب ، لكن لمّا علم أنّ الغضب اليسير الّذي لا يمنع من استيفاء الفكر غير مانع من القضاء ، وأنّ الجوع والألم المبرّحين يمنعان من استيفاء الفكر وأنّهما يمنعان من القضاء ، علمنا أنّ علّة المنع ليست هي الغضب بل تشويش الفكر.

فقول من قال : العلّة هي الغضب ، لكونه مشوشا غلط ، لأنّ الدوران وهو ملازمة المنع للتشويش وجودا وعدما دالّ على أنّ العلّة التشويش خصوصا وقد يختلف عن الغضب وجودا وعدما ، وليس بين التشويش والغضب ملازمة لوجود كلّ منهما منفكا عن صاحبه. نعم يجوز إطلاق لفظ الغضب لإرادة التشويش إطلاق اسم السبب على المسبب.

المسألة الثانية (١) : في أنّه هل يشترط في الوصف المومى إليه المناسبة أم لا؟

اختلف الأصوليّون في ذلك فقال قوم بالاشتراط ، ونفاه الغزالي وجماعة أخرى لوجهين:

الأوّل : لو قال : أكرم الجهّال واستخف بالعلماء ، استقبح منه ذلك في العرف ، وليس علّة الاستقباح أنّه جعل الجاهل مستحقّا للإكرام والعالم

__________________

(١) راجع الإحكام : ٣ / ٢٨٦.

٦٣٧

مستحقّا للإهانة ، لانتفاء موجب القبح هناك ، فإنّ الجاهل قد يستحق الإكرام لوصف آخر كالنسب والشجاعة والكرم ، والعالم قد يستحق الإهانة لفسقه أو بخله أو غير ذلك ، فليس إلّا فهم أنّه جعل الجهل علّة في الإكرام والعلم علّة في الاستخفاف ، فإذن ترتيب الحكم على الوصف يفيد كونه علّة وإن لم يكن مناسبا ، اعترض بأنّ علة الاستقباح اقتران الحكم بما ينافيه ، فإنّ الجهل مانع من الإكرام والعلم مانع من الاستخفاف ، فلمّا أمر بإكرام الجاهل فقد أثبت الحكم مع قيام منافيه ، وأيضا الحكم في هذا المثال لا يستلزم التعميم في كلّ الصور.

وأجيب عن أ. بما تقدّم من إمكان استحقاق الإكرام مع الجهل ، فلا يكون الجهل مانعا منه ، وإلّا لزم مخالفة الأصل.

وعن ب. أنّ ثبوته في بعض الصور يستلزم ثبوته في الجميع دفعا للاشتراك المخالف للأصل.

وفيه نظر ، فإنّ المنافاة ثابتة قطعا بين الجهل والإكرام ، ولهذا حكموا بالاستقباح فيه ، ولو لا المنافاة بطل أصل دليلهم ، ولا اشتراك هنا إذ لا وضع.

ب. أنّه لا بدّ للحكم من علّة ، وإلّا لكان عبثا ، وهو ممتنع عليه تعالى ، ولا علّة إلّا هذا الوصف ، لأنّ غيره كان معدوما والأصل البقاء فلا يكون علّة.

٦٣٨

وفيه نظر ، أمّا أوّلا : فلأنّه غير مسموع من الأشاعرة لانتفاء الأغراض عندهم وعدم استقباح العبث.

وأمّا ثانيا : فلأنّ التعليل بالوصف غير المناسب محض العبث.

المسألة الثالثة (١) : اتّفق القائلون بالقياس على صحّة الإيماء فيما إذا كان حكم الوصف المومى إليه مدلولا عليه بصريح اللفظ كالأمثلة السابقة ، واختلفوا فيما إذا كان اللفظ يدلّ على الوصف بصريحه ، والحكم مستنبط منه غير مصرّح به ، كقوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(٢) فإنّه صريح في الحلّ ، والصحة مستنبطة منه ، لأنّه لو لم يكن صحيحا انتفت فائدته ، إذ هو معنى نفي الصحّة وإذا لم يفد كان عبثا والعبث لا يحلّ ، لأنّه مكروه ، فيلزم من الحل الصحّة لتعذّر الحلّ مع انتفائها.

فذهب قوم إلى أنّه ليس مومى إليه ، لأنّ الإيماء إنّما يتحقّق لو دلّ بوضعه على الوصف والحكم كما قلناه في الأمثلة.

أمّا إذا دلّ على الوصف بالوضع واستنبط منه الحكم ، فلا يدلّ ذلك على كونه مومى إليه ، كما لو دلّ اللفظ على الحكم بوضعه ، واستنبط الوصف ، فإنّه لا يدلّ على الإيماء إلى الوصف ، كما في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حرمت الخمر لعينها» فإنّه يدلّ على الحكم ، وهو التحريم وضعا ،

__________________

(١) راجع الإحكام : ٣ / ٢٨٧.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

٦٣٩

والشدة المطربة علّة مستنبطة منه وليست مومى إليها.

وذهب آخرون إلى الإيماء ، لأنّ اللفظ إذا دلّ بصريحه على الوصف وهو الحل ، والصحّة لازمة له ، فإثبات الحكم وضعا يدلّ على إرادة ثبوت الصحّة ضرورة كونها لازمة للحل ، فيكون ثابتا بإثبات الشارع له مع وصف الحل ، وإثبات الشارع للحكم مقترنا بذكر وصف مناسب دليل على الإيماء إلى الوصف ، كما لو ذكر معه الحكم بلفظ يدلّ عليه وضعا لتساويهما في الثبوت ، وإن اختلفا في طريق الثبوت بأن يثبت أحدهما بدلالة اللفظ وضعا ، والآخر مستنبط من مدلول اللفظ وضعا ، لأنّ الإيماء إنّما كان مستفادا عند ذكر الحكم والوصف بطريق الوضع من جهة اقتران الحكم بالوصف ، لا من حيث كون الحكم ثبت بطريق الوضع. وهذا بخلاف ما إذا كان الحكم مدلولا عليه وضعا والوصف مستنبط منه ، لأنّ الوصف المستنبط من الحكم المصرّح به في المثال المذكور ، لم يكن وجوده لازما من الحكم المصرّح به ، ولا مناسبة لتحقّقه قبل شرع الحكم بخلاف الصحّة مع الحكم.

والمعتبر في الإيماء أن يكون الوصف المومى إليه مذكورا في كلام الشارع مع الحكم ، أو لازما من مدلول كلامه وقد فقد في الوصف المستنبط بخلاف الحلّ مع الصحة.

* * *

٦٤٠