نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-238-2
ISBN الدورة:
978-964-357-238-0

الصفحات: ٦٥٦

ـ إلى أن قال : ـ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ)(١) ، فعلم أنّ وقت الفعل كان قد حضر سواء ناجاه غيره أو لا.

وعن السادس : بإمكان أنّ قوله : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَ)(٢) نزل بعد مضيّ وقت ، كان يجوز أن يهاجرن إليه ، فيردّهن ، فيكون النسخ واقعا بعد وقت الفعل وقد روى الواقدي (٣) : أنّ أبا جندل (٤) لمّا ردّه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى قريش انحاز مع جماعة ممّن أسلم من قريش ، وكان يمنع من قدوم الميرة على أهل مكّة ، فأرسلت قريش إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأرحامها إلّا ردّ أبا جندل (٥) والنفر

__________________

(١) المجادلة : ١٣.

(٢) الممتحنة : ١٠.

(٣) هو محمد بن عمر بن واقد المتوفّى سنة ٢٠٧ ه‍ ، صاحب المغازي.

(٤) الّذي انحاز مع جماعة هو أبو بصير ابن عتبة بن أسيد بن جارية حليف بني زهرة ، حيث أسلم بعد قدوم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة ، فطلبت قريش ردّه إلى مكّة انطلاقا من التصالح الّذي عقد في أرض الحديبيّة. فرده الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع نفرين بعثتهما قريش للقبض عليه فانطلق أبو بصير معهما فقتل أحد الشخصين في الطريق ثم أتى المدينة مخاطبا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وفت ذمّتك.

ثمّ انّه هو مع قريب من سبعين رجلا ، ضيّقوا على قريش عيرهم ، فما يظفرون بأحد منهم إلّا قتلوه. وعند ذلك ضاق الخناق على قريش فكتبوا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسألونه بأرحامهم إلّا تدخل أبا بصير وأصحابه ـ أي يردّهم إلى المدينة ـ فلا حاجة لنا بهم. المغازي للواقدي : ٢ / ٦٢٩.

(٥) واما أبو جندل فهو بن سهيل بن عمرو ، أسلم في مكّة قبل عقد الصلح في الحديبيّة ، فبينما يكتب كتاب الصلح فيها انفلت أبو جندل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقام أبوه وضرب وجهه وأصرّ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يردّه إليه فقبل خضوعا لكتاب الصلح. ولما صرخ أبو جندل بأعلى صوته : يا معشر المسلمين أأردّ إلى المشركين؟ فقال رسول الله : يا أبا جندل اصبر فان الله جاعل لك فرجا ومخرجا. السيرة النبوية لابن هشام : ٣ / ٣٤٧.

وبذلك ظهر أنّ الصحيح هو «أبو بصير» مكان «أبي جندل» في الموضعين.

٤١

الّذين معه إليه ، وأن لا يردّ عليهم أحدا هاجر إليه ، فإذا كان العهد وقع على ردّ المهاجرين إليهم ، لأنّهم آثروا ذلك وشرطوه ، فمتى كرهوه زال الشرط ، فلم يجب ردّهم ، ولم يكن ذلك نسخا.

وعن السابع : بأنّ نسخه قبل السّنة يدلّنا على أنّه عنى بالسّنة بعضها ، ولم يكن أراد الفعل إلّا في بعض السّنة ، فيكون النسخ بيانا للمراد بالخطاب على وجه يكون الأمر تناول غير ما تناوله النهي ، وليس كذلك إذا ورد النسخ قبل حضور كلّ شيء من أوقات الفعل ، لأنّه يكون قد نسخ جميع ما تناوله الأمر فيتّحد متعلّق الأمر والنهي.

وعن الثامن : أنّ إباحة القتال في تلك الساعة ، لا تقتضي وقوعه فيها ، لعدم وجوب إيقاع المباح ، فلا يمتنع أن يكون نهي عن القتال بمكّة بعد تلك الساعة.

على أنّ قوله : «أحلّت لي مكّة ساعة» لا يدلّ على إباحة القتال ، بل لعلّه أراد بذلك إباحة قتل قوم معيّنين ، كابن خطل (١) وغيره ، فالنهي عن القتال لا يكون نسخا لإباحة القتال.

وعن التاسع : بمنع تكليف من يعلم موته قبل تمكّنه من الفعل.

وعن العاشر : بمنع الملازمة ، والفرق ظاهر ، فإنّ وقوعه بعد الامتثال يشعر بعدم إرادة ما بعده من خطاب التكليف ، بخلاف ما لو اتّحد المتعلّق.

__________________

(١) هو عبد الله بن خطل الّذي أسلم ثم ارتدّ مشركا وأهدر رسول الله دمه. لاحظ السيرة النبوية لابن هشام : ٤ / ٥٨ ، فصل فتح مكّة.

٤٢

وعن الحادي عشر : بأنّ الطهارة لم تجب على الواحد منّا لأجل وجوب الصّلاة عليه ، وكيف يكون كذلك ، وهو لا يعلم قبل مضيّ وقت الصّلاة وجوبها عليه؟ بل إنّما تجب الطهارة لظنّ وجوب الصلاة عليه ، وهو يظنّ وجوبها عليه ، وإن جوّز المنع. (١)

وفيه نظر ، فإنّ مطلق الظّنّ لا يقتضي وجوب الطهارة بل [الظنّ] الصّادق.

والتحقيق : أنّ وجه وجوب الطهارة إن (٢) كان هو الصّلاة ، منعنا وجوبها وورود الخطاب بها على من أحرم قبل تمكّنه من الصّلاة ، لكن ذلك (٣) مظنون ، والمعلوم توجّه الأمر بالطّهارة ، فلهذا جزمنا بوجوبها وإن لم يعلم بقاء المتطهّر.

المبحث الثاني : في أنّ إثبات البدل ليس شرطا في النسخ

اعلم أنّه كما يحسن النّسخ إلى البدل كذا يحسن نسخه إلى غير بدل عند المحقّقين ، خلافا لقوم.

والبدل قد ينافي المبدل ، كالتوجّه إلى بيت المقدس والكعبة ، وقد لا ينافيه ، كصوم عاشوراء ورمضان ، لأنّه تعالى نسخ وجوب الصدقة بين يدي

__________________

(١) الاستدلال للسيد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة : ١ / ٤٤٢.

(٢) في «أ» : وإن.

(٣) أي التمكّن من الصلاة إلى آخرها.

٤٣

النّجوى ، ووجوب الإمساك بعد الفطر في الليل ، وتحريم ادّخار لحوم الأضاحي ، من غير بدل في ذلك كلّه.

ولأنّ المقتضي للمنع زائل ومقتضي الجواز ثابت ، فثبت الجواز :

أمّا المقدمة الأولى ، فلأنّ المقتضي للمنع. (١)

إمّا امتناع تسميته نسخا ، وهو باطل ، لأنّ النسخ ، هو الإزالة ، ولا دليل على اشتراط البدل في الاسم ، فلا يشترط فيه كغيره.

ولأنّ الأمّة سمّت رفع صدقة المناجاة نسخا ، ولا بدل هناك.

وإمّا انتفاء حسنه ، وهو باطل ، لجواز أن يكون مثل المصلحة مفسدة في وقت آخر ، من غير أن يقوم مقامها فعل آخر ، كما يجوز ذلك ، وإن قام مقامها [فعل] آخر ، ولا فرق في العقل بينهما ، فجاز نسخها إلى غير بدل ، كما جاز إلى بدل.

وإمّا لعدم وقوعه في الشرع ، وهو باطل لوقوعه في المناجاة وغيرها.

ولأنّ عدم الوقوع لا ينافي الجواز.

وإمّا لورود الشرع بمنع وقوعه ، وهو باطل ، لأنّ وقوعه في الشرع يدلّ

__________________

(١) استدلّ القائل بعدم صحّة النسخ بلا بدل بوجوه أربعة أشار المصنّف إلى الوجه الأوّل بقوله : «إمّا امتناع تسميته نسخا ...» وعطف الثلاثة الباقية إليه بلفظة «إمّا» والجميع يأتي في كلامه في مقاطع أربعة.

٤٤

على بطلان ذلك ، ولم يوجد في الشريعة ما يدلّ على المنع.

احتجّوا بقوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها)(١).

والجواب : أنّ نسخ الآية يفيد نسخ لفظها ، ولهذا قال : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) وليس لنسخ الحكم ذكر. (٢)

وفيه نظر ، لأنّ النسخ شرعا هو رفع الحكم ، والأصل حمل اللّفظ الشرعيّ على ما وضعه ، لا على العرف اللغويّ.

والوجه في الجواب أن يقال : يجوز أن يكون نفي ذلك الحكم وإسقاط التعبّد به خيرا من ثبوته في ذلك الوقت.

المبحث الثالث : في جواز النسخ إلى الأثقل

ذهب المحقّقون إلى ذلك ، خلافا لبعض أهل الظاهر وبعض الشافعية ، ومنع بعضهم من الوقوع دون الجواز.

لنا : أنّه تعالى في ابتداء الإسلام خيّر بين صوم رمضان والفدية بالمال ، فأوجب الصوم مخيّرا ثمّ حتم الصوم عينا ، ولا شكّ في أنّ التعيين أثقل من التخيير.

__________________

(١) البقرة : ١٠٦.

(٢) الاستدلال للرازي في محصوله : ١ / ٥٤٦.

٤٥

ونسخ الحبس في البيوت بالجلد والرّجم ، وهو أشقّ.

وأمر الصحابة بترك القتال ، ثمّ أمرهم بالقتال مع التشديد بأن يثبت الواحد لعشرة.

ونسخ جواز تأخير الصلاة عند الخوف إلى إيجابها في أثناء القتال.

ونسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان ، وهو أثقل.

وكانت الصّلاة ركعتين عند قوم فصارت أربعا في الحضر.

احتجّوا بوجهين :

الأوّل : قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) أي أخفّ (أَوْ مِثْلِها)(١) أي مساو.

الثاني : قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) [أي] يريد الله أن يخفّف عليكم.

والجواب : لا نسلّم أنّ الأخفّ مطلقا خير ، بل الأشقّ خير ، لكثرة ثوابه وكونه أصلح في المعاد ، وإن كان أثقل في الحال.

واليسر محمول على اليسر في الآخرة ، لئلّا يتطرّق إليه مخصّصات كثيرة ، وكذا التخفيف.

__________________

(١) البقرة : ١٠٦.

٤٦

المبحث الرّابع : في جواز نسخ التلاوة دون الحكم وبالعكس

ذهب أكثر العلماء إلى ذلك ، ونقل عن شاذّ من المعتزلة المنع.

لنا : العقل والنقل ، أمّا العقل فلأنّ التلاوة حكم شرعيّ يثاب المكلّف عليه ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ القرآن وأعربه ، فله بكلّ حرف منه عشر حسنات». (١)

والحكم أيضا شرعيّ وقد بيّنا إمكان اختلاف الأوقات في نسبة المصلحة لعبادة معيّنة إليها ، فتكون العبادة مصلحة في وقت ومفسدة في آخر ، ولهذا جوّزنا النسخ ، فجاز في هاتين العبادتين أن تكونا مصلحتين في وقت ومفسدتين في آخر ، وأن تكون إحداهما مصلحة في وقت والأخرى مفسدة في بعض الأوقات دون بعض ، أو أن تكون إحداهما مصلحة في وقت والأخرى في آخر ، فلا استبعاد حينئذ في نسخهما معا ، ونسخ إحداهما كغيرهما من العبادات.

وأمّا النقل فما ورد من نسخ التلاوة خاصّة فيما روي من قوله : الشيخ والشيخة إن زنيا فارجموهما البتّة نكالا من الله. (٢)

__________________

(١) لم نعثر عليه في الجوامع الحديثيّة بعينه ، نعم نقله الآمدي في الإحكام : ٣ / ٩٦ ؛ ولاحظ كنز العمال : ١ / ٥٣٢ برقم ٢٣٨٩ ـ ٢٣٩٠.

(٢) سنن الترمذي : ٤ / ٣٨ برقم ١٤٣١ ؛ وسنن البيهقي : ٨ / ٢١١ ؛ ومسند أحمد بن حنبل : ٥ / ١٣٢.

أقول : إنّ نسخ التلاوة دون الحكم مردود عند الإماميّة والمصنّف أعرف بمذهبهم ، وإنّما ذكره في ـ

٤٧

وعن أنس بن مالك في قتلى بئر معونة : «بلّغوا إخواننا أنّا لقينا ربّنا فرضي عنّا وأرضانا». (١)

وعن أبي بكر : كنّا نقرأ من القرآن «لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم». (٢)

__________________

ـ المقام مجاراة ، وما ذلك إلّا لأنّ القرآن معجز بلفظه ومعناه ، متّحد بإناقة لفظه وفخامة معناه ، فقد أدهشت فصاحة ألفاظه وجمال عباراته ، وبلاغة معانيه وسمّوها ، وروعة نظمه وتأليفه وبداعة أسلوبه ، عقول البلغاء.

والآيات الّتي أدعي بقاء حكمها ليست إلّا عبارات لا تداني آيات القرآن في الفصاحة والبلاغة ، والروعة والجمال. وقد نسج قوله : الشيخ والشيخة ، على منوال قوله سبحانه : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ). النور : ٢.

وأمّا الآية المزعومة فأين أسلوبها من اسلوب القرآن الخلّاب للعقول ، وإنّما هي عبارة متداولة على ألسنة الناس.

أنّ هذا القول هو نفس القول بالتحريف ، ومن اخترع هذا المصطلح فقد حاول أن يبرّر هذا النوع من التحريف.

وقد نقل البيهقي في سننه ، بأنّ الجلد جاء في كتاب الله وأمّا الرجم فقد جاءت به السنة ، حيث قال : أتي عليّ عليه‌السلام بشراحة الهمدانية قد فجرت ... ثمّ جلدها ورجمها ثمّ قال : جلدتها بكتاب الله ورجمتها بالسنة. السنن الكبرى : ٨ / ٢٢٠.

ومن العجب أنّ القوم يجوّزون هذا النوع من النسخ الذي هو عبارة عن نوع من التحريف ثمّ يتّهمون الشيعة بالتحريف.

انظر في الوقوف على رأي الإماميّة في نسخ التلاوة دون الحكم ، الذريعة للسيد المرتضى : ١ / ٤٩٩ ؛ ومعارج الأصول للمحقّق الحليّ : ٢٤٤.

وممّن حقّق المقام ، من أهل السنة ، أبو الحسين البصري في المعتمد : ١ / ٣٩٨.

(١) فتح الباري : ٧ / ٣٨٥.

(٢) تفسير القرطبي : ٢ / ٦٦ ؛ ومجمع الزوائد : ١ / ٩٧ ، باب في من ادّعى غير نسبه أو تولّى غير مواليه.

٤٨

وأمّا العكس ، ففي الاعتداد بالحول ، (١) وثبات الواحد للعشرة (٢) ، والصدقة قبل المناجاة (٣) إلى غير ذلك من الآيات.

والفائدة فيه حصول العلم بأنّه تعالى أزال مثل هذا الحكم رحمة منه على عباده.

وأمّا نسخهما لما (٤) روي أنّ سورة الأحزاب كانت تعدل البقرة. (٥)

__________________

(١) إشارة إلى الآية ٢٣٤ و ٢٤٠ من سورة البقرة.

(٢) إشارة إلى الآية ٦٥ و ٦٦ من سورة الأنفال.

(٣) إشارة إلى الآية ١٢ و ١٣ من سورة المجادلة.

(٤) في «ب» و «ج» : فما.

(٥) مسند أحمد بن حنبل : ٥ / ١٣٢ ، وقال القرطبي في تفسيره : ١٤ / ١١٣ : كانت سورة الأحزاب تعدل البقرة ، وكانت فيها آية الرجم : «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة نكالا من الله والله عزيز عليم».

ثم نقل عن عائشة أنّها قالت : كانت سورة الأحزاب تعدل على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مائتي آية ، فلمّا كتب المصحف لم يقدر منها إلّا على ما هي الآن.

أقول : القول بنسخ التلاوة والحكم يرجع في الحقيقة إلى القول بتحريف كتاب الله العزيز الّذي أجمعت الأمّة ـ إلّا الحشوية ـ على بطلانه ، كيف وقد أخذ الله على نفسه أن يحفظه من كلّ دنس وتحريف وقال : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (الحجر : ٩).

وتفسير هذا النوع من التحريف بنسخ التلاوة والحكم تلاعب بالألفاظ وتعبير آخر للتحريف ، وقد عرفت أنّ القرآن معجز بلفظه ومعناه ، فما معنى رفع هذا الحجم الهائل من الآيات القرآنية؟ أكان هناك نقص في لفظه ومنطوقه أو نقص في حكمه ومعناه؟! نعوذ بالله من التفوّه بذلك.

ثمّ إنّ هذا النوع من النسخ باطل عند علماء الشيعة الإمامية وما ربما يرمى به الشيخ الطوسي من أنّه قال بنسخ التلاوة والحكم فهو افتراء عليه ، وإنّما ذكره عن جانب القائلين به حيث قال : والثالث ـ

٤٩

احتجّوا : بأنّ الحكم مع التلاوة ينزّل منزلة العلم مع العالميّة ، والمنطوق مع المفهوم ، وكما لا يمكن الانفكاك بين العلم والعالميّة ، والمنطوق والمفهوم ، فكذا هنا.

ولأنّ بقاء التلاوة خاصّة ، يوهم بقاء الحكم فيؤدّي إلى اعتقاد الجهل ، وهو قبيح من الحكيم.

ولأنّ بقاء التلاوة دون الحكم يستلزم خلوّ القرآن عن الفائدة.

ولأنّ بقاء الحكم خاصّة ، يشعر بزواله ، لأنّ الآية ذريعة إلى معرفة الحكم ، فإذا نسخت ، أشعر ذلك بارتفاع الحكم ، وهو تعريض المكلّف لاعتقاد الجهل.

ولأنّ هذا النسخ عبث ، حيث لم يلزم من ذلك إثبات حكم ولا رفعه.

والجواب : نمنع التساوي بين العلم والعالميّة ، والمفهوم والمنطوق ، وبين التلاوة والحكم ، بل التلاوة

كالأمارة والعلامة على الحكم في ابتداء ثبوته دون دوامه.

وإنّما يلزم الجهل ببقاء الحكم لو لم ينصب الله تعالى على نسخه للحكم دليلا.

__________________

ـ ما نسخ لفظه وحكمه ، وذلك نحو ما رواه المخالفون عن عائشة أنّه كان فيما أنزل الله «عشر رضعات» التبيان : ١ / ١٣.

فمن قال بهذا النوع من النسخ فقد غفل عمّا يترتب عليه من المضاعفات.

ولنعم ما قال الشيخ المظفر : إنّ نسخ التلاوة في الحقيقة يرجع إلى القول بالتحريف. أصول الفقه : ٢ / ٤٩.

٥٠

ونمنع انتفاء الفائدة ، وقد سلفت ، أو لحكمة خفيّة ، أو للثواب على تلاوتها.

والجهل لازم لو لزم من انتفاء دلالة الحكم انتفاؤه ، وهو ممنوع.

ونمنع العبث ، وقد سبق.

المبحث الخامس : في نسخ الخبر

منع أكثر الناس من نسخ الأخبار ، واختاره أبو عبد الله البصري وقاضي القضاة (١) ، والسيّد المرتضى (٢) ، وأبو الحسين. (٣)

وتحرير القول فيه : أنّ النسخ إمّا أن يكون لنفس الخبر أو لمدلوله ؛ فان كان الأوّل ، فإمّا أن تنسخ تلاوته أو تكليفنا به ، بأن نكون قد كلّفنا أن نخبر بشيء فينسخ عنّا التكليف بذلك الإخبار.

وهذان جائزان إجماعا ، سواء كان ما نسخت تلاوته ماضيا أو مستقبلا ، وسواء كان ما نسخ تكليف الإخبار به ممّا لا يتغيّر مدلوله ، كالإخبار بوجود الله تعالى وحدوث العالم ، أو يتغيّر ، كالإخبار بكفر زيد وإيمانه ، لأنّ ذلك حكم شرعيّ ، فجاز اختلاف الأوقات فيه ، بأن يكون في بعضها مصلحة

__________________

(١) نقله عنه في المعتمد : ١ / ٣٨٧.

(٢) الذريعة إلى أصول الشريعة : ١ / ٤٥٥.

(٣) المعتمد : ١ / ٣٨٧.

٥١

وفي بعضها مفسدة ، وذلك كما ندب المتطهّر إلى القرآن ، وحرم على الجنب بعضه.

وإذا جاز الاختلاف بالمصلحة والمفسدة بالنسبة إلى الأحوال ، جاز بالنسبة إلى الأزمان.

وهل يجوز أن ينسخ تكليفنا بالإخبار عمّا لا يتغيّر تكليفا بالإخبار بنقيضه؟

الحقّ ، المنع ، وعليه العدليّة كافّة ، لأنّه كذب فيقبح منه تعالى تكليفا به.

وأطبقت الأشاعرة على جوازه ، وجواز أن يكلّفنا بالإخبار بنقيض الحقّ ، لانتفاء الحسن والقبح عندهم.

أمّا ما يتغيّر ، فإنّه يجوز أن نؤمر بالإخبار بنفي ما أمرنا أن نخبر به ، مثل أن نؤمر بالإخبار بكفر زيد ، ثمّ نؤمر بالإخبار عن إيمانه. (١)

وفي هذا الإطلاق نظر ، والوجه أن يقال : يشترط أن لا يتضمّن الكذب باجتماع شرائط التناقض فيه ، ولا فرق في ذلك بين الماضي والمستقبل.

وإن كان لمدلول الخبر فنقول : فائدة الخبر ومدلوله إمّا أن لا تتغيّر كالإخبار عن الله تعالى وصفاته ، وقبح الظلم ، فهذا لا يجوز نسخ الفوائد فيه إجماعا ، لأنّ الإخبار عن زوالها كذب.

وإمّا أن تتغيّر ، فإن كانت أحكاما ، كالإخبار عن وجوب الحجّ أبدا ، فإنّه

__________________

(١) لاحظ المعتمد : ١ / ٣٨٩ ـ ٣٩٠.

٥٢

يجوز نسخه في المستقبل ، لأنّ المقتضي لنسخ الحكم ، إنّما هو جواز تغيره من المصلحة إلى المفسدة قائم هنا ، فيثبت مقتضاه.

وإن كانت غير أحكام ، فإنّه يجوز نسخها أيضا ، سواء كانت ماضية أو مستقبلة ، وإن لم يسمّ نسخا.

أمّا المستقبلة ، فيجوز أن يخبر الله تعالى بأنّه يعذّب العصاة أبدا ، فإنّه يجوز أن يدلّنا في المستقبل بأنّه أراد بالتأبيد ألف سنة ، إمّا مع الإشعار في ابتداء الخطاب عند أبي الحسين (١) أو مطلقا عند آخرين.

وأمّا الماضي ، فيجوز أن يخبر الله تعالى بأنّه عمّر زيدا ألف سنة ، ويشعرنا بأنّه أراد البعض ، ثمّ يدلّنا في المستقبل أنّه عمّره ألف سنة إلّا خمسين.

ومنع مشايخ المعتزلة غير أبي الحسين وجماعة من الفقهاء من نسخ الوعد والوعيد ، وبعضهم منع من نسخ مدلول الخبر مطلقا ، سواء كان حكما شرعيّا أو لا ، وسواء كان ماضيا أو مستقبلا.

ومنع آخرون من نسخ الماضي دون المستقبل.

والوجه ، الجواز مطلقا ، لأنّ ما دلّ عليه الأخبار ، إذا كان متكرّرا ، والخبر عامّ فيه ، أمكن أن يكون الناسخ مبيّنا لإخراج بعض ما تناوله اللّفظ ، وأنّ المراد بعض ذلك المذكور ، كالأمر والنّهي.

__________________

(١) لاحظ المعتمد : ١ / ٣٨٨.

٥٣

احتجّ المانعون : بأنّ نسخ الخبر يوهم الكذب ، بخلاف الأمر والنّهي.

والجواب : إيهام الكذب إنّما يلزم لو اتّحد المدلولان ، أمّا مع التغاير فلا ، والتغاير هنا ثابت ، لأنّ قوله : «لأعذّبن الزاني أبدا» وإن دلّ بظاهره على التأبيد ، إلّا أنّ قرينة النسخ دلّت على أنّ المراد بذلك مدّة معيّنة ، كالأمر والنهي ، فإنّ التعبّد بهما إذا كان مؤبّدا ، ثمّ نسخه ، لم يلزم البداء.

لا يقال : إنّما لم يلزم البداء لدلالة النهي على أنّ الأمر لم يتناول ما تناوله النهي.

لأنّا نقول : والدليل الناسخ دلّ على أنّ الخبر المنسوخ لم يتناول ما تناوله الدليل الناسخ ، وإذا تغاير المتعلّقان ، ارتفع الكذب ، كما ارتفع البداء في الأمر والنهي.

احتجّ الفارقون : بأنّ الخبر المتناول للأحكام في معنى الأمر بالفعل ، فإنّ معنى «أمرتكم» و «نهيتكم» و «أوجبت عليكم» مساو لمعنى الأمر والنهى ، بخلاف غيره.

والجواب : لا فرق بينهما ، فإن كان أحدهما مستلزما للكذب ، كان الآخر كذلك.

وقولهم معارض بمثله ، فإنّ قولكم : «إنّما دخل النسخ على الخبر ، لأنّه في معنى الأمر» معارض بقولنا : «إنّما دخل على الأمر لأنّه في معنى الخبر عن وجوب الفعل» (١).

__________________

(١) الاستدلال لأبي الحسين البصري في المعتمد : ١ / ٣٨٨.

٥٤

وفيه نظر ، فإنّ أحدا لم يقل انّ النسخ دخل الأمر لرجوعه إلى الخبر بخلاف العكس.

والتحقيق أن نقول : الخبر حكاية عن المخبر تابع له ، وهيئته مطابقة للمخبر عنه ، سواء كان ماضيا أو مستقبلا ، فالمخبر عنه إن زال بعد ثبوته ، كان نسخا في أصل الخبر ، وحكاية عن المخبر بالأصالة ، وفيه بالتبعيّة ، لكن ذلك لا يسمّى نسخا في الحقيقة.

قال الجبائيّان : لو قال : «أهلك الله عادا» ثمّ قال : «ما أهلكهم» كان كذبا.

والجواب : إهلاكهم غير متكرّر ، فإذا قال : «ما أهلك بعضهم» كان تخصيصا للأشخاص ، لا نسخا في الأزمان ، بخلاف الخبر عن تكرار الفعل.

تذنيب

قال قاضي القضاة (١) : يبعد أن يبقى وجوب الفعل ، ويحرم العزم على أدائه ، إلّا أن يجوز كون العزم عليه مفسدة ، ويستحيل أن يحرم علينا إرادته المقارنة له ، لأنّه لا يكون الفعل واقعا على ما أمرنا أن نوقعه عليه إلّا مع مقارنتها.

__________________

(١) نقله عنه أبو الحسين البصري في المعتمد : ١ / ٣٩٠.

٥٥

المبحث السّادس : في جواز نسخ الأمر المقيّد بالتأبيد

ذهب بعض الناس إلى أنّ الله تعالى لو قال لنا : «افعلوا هذا الفعل أبدا» لم يجز نسخه.

والحقّ ، خلافه ، كما ذهب إليه الأكثر لوجوه :

الأوّل : لفظ التأبيد يقتضي استغراق الأزمنة المستقبلة ، كما يقتضي لفظ العموم استغراق الأشخاص المندرجة تحته ، وكما جاز إخراج بعض الأشخاص بلفظ يقتضي التخصيص ، كذا جاز إخراج بعض الأزمنة بلفظ يقتضي النسخ ، والجامع هو الحكمة الداعية إلى جواز التخصيص.

الثاني : النسخ إنّما يرد على عبادة أمر بها بلفظ يفيد الاستمرار ، أو دل الدليل على أنّ المراد به الاستمرار ، لامتناع وروده على المرّة الواحدة ، ولفظ «التأبيد» كغيره من الأدلّة والألفاظ المفيدة للاستمرار ، فكما جاز دخول النسخ على هذه الألفاظ ، إمّا بمقارنة إشعار النسخ لها ، أو من غير مقارنة ، على اختلاف المذهبين ، كذا جاز دخوله على لفظ «التأبيد» ولا معنى للفرق بينهما.

الثالث : العادة في لفظ التأبيد المستعمل في الأمر ، المبالغة في طول الزمان لا الدوام ، فإنّه المفهوم من قول القائل : «لازم فلانا أبدا» ، أو «أحبسه أبدا» أو «امض إلى السوق أبدا».

٥٦

احتج المخالف بوجوه :

الأوّل : لفظ «التأبيد» يفيد استمرار وجوب الفعل في كلّ أوقات الإمكان ، فجرى مجرى أن ينصّ الله تعالى على وجوب العبادة في كلّ وقت من تلك الأوقات على سبيل التنصيص ، فكما لا يجوز النسخ هنا ، فكذا ثمّ.

الثاني : لو أمر بالعبادة بلفظ يقتضي الاستمرار ، لجاز دخول النسخ عليه ، فلو جاز ذلك مع التقييد بالتأبيد ، لم يكن في التقييد به فائدة.

الثالث : لو جاز نسخ ما ورد بلفظ «التأبيد» لم يكن لنا طريق إلى العلم بدوام العبادة.

الرابع : لفظ «التأبيد» يفيد الدوام ، إذا وقع في الخبر ، فإذا أخبر بلفظ يفيد التأبيد ، لم يجز نسخه ، فيجب في الأمر مثله.

والجواب عن الأوّل : بالفرق بين ذكر الشيء مفصّلا ومجملا ، ولهذا جاز التخصيص في اللفظ العامّ وإن تناول كلّ فرد فرد ، بخلاف إخراج بعض الأفراد الّتي فصّلت.

وأيضا ، فإنّ ذلك يمنع من النسخ كلّه ، لأنّ المنسوخ لا بدّ من كونه لفظا يفيد الاستدامة إمّا بنفسه ، أو بدلالة ، لامتناع وروده على المرّة.

وأيضا ، نمنع تنزيله منزلة التنصيص على كلّ وقت بعينه ، بل هو في العرف يطلق على المبالغة ، كما في قولنا «لازم فلانا أبدا».

٥٧

وعن الثاني : بالمنع من الملازمة ، فإنّ الفائدة تأكيد الاستمرار والمبالغة فيه ، وذلك لا يمنع من النسخ ، كما لا يمنع تأكيد العامّ من تخصيصه ، وكما يعلم بعد التخصيص أنّ المراد بتأكيد العموم المبالغة فيه ، كذا يعلم بعد النسخ أنّ المراد من التأبيد ، تأكيد المبالغة في الاستمرار لا نفس الاستمرار.

وعن الثالث : أنّه إنّما يتمّ لو كان لفظ «التأبيد» يفيد العلم ولا طريق سواه ، وهما ممنوعان ، لما بيّنا من أنّه يفيد المبالغة في الاستمرار.

ولأنّ الألفاظ لا تفيد العلم الضّروريّ ، ويجوز أن يخلق الله تعالى فينا العلم الضّروريّ بالدّوام أو يقترن باللّفظ قرائن تفيده.

وعلى قول أبي الحسين طريق آخر : أن لا يقترن بالأمر [بالعبادة] ما يدلّ على أنّ المراد به بعض الأزمان ، إمّا مجملا أو مفصلا (١).

وعن الرابع : بالمنع في الخبر أيضا ، فإنّ إفادة الدوام فيهما لا يمنع من قيام الدلالة على أنّ المراد به غير ظاهره ، كما في جميع ألفاظ العموم.

__________________

(١) المعتمد : ١ / ٣٨٣.

٥٨

المبحث السّابع : في امتناع نسخ جميع التكاليف

اتّفق العقلاء على جواز رفع التكاليف بإعدام العقل الّذي هو شرط التكليف ، ولا يسمّى نسخا ، وعلى استحالة أن يكلّف الله تعالى أحدا بالنّهي عن معرفته ، إلّا عند من يجوّز تكليف المحال ، لأنّ تكليفه بالنّهي عن معرفته ، يستدعي العلم بنهيه ، المتوقّف على العلم به ، فإنّ غير العارف به ، يمتنع عليه معرفة نهيه ، فإذا تحريم معرفته يتوقّف على معرفته ، وهو دور ممتنع (١).

وفيه نظر ، فإنّه لا دور هنا ، نعم انّه تكليف بالمحال ، وكذا لا يجوز أن يكلّفه معرفة شيء من الحوادث على خلاف ما هو به ، لأنّه محال يستحيل فعله وتركه.

بقي الخلاف في موضعين :

الأوّل : هل يجوز نسخ وجوب معرفته تعالى ، وشكر المنعم ، وتحريم الكفر والظلم ، وغير ذلك ممّا قيل بوجوبه لحسنه ، وتحريمه لقبحه ، وبالجملة ما يجب استمراره على وجه واحد من الأفعال إمّا لصفة هو عليها كوجوب الإنصاف ، وقبح الكذب والجهل ، أو لكونه لطفا لا يتغيّر ، كالمعرفة بالله تعالى ، وعدله وتوحيده؟

__________________

(١) الاستدلال للآمدي في الإحكام : ٣ / ١٢٢.

٥٩

فمنع منه المعتزلة كافّة ، للحسن ، والقبح ، ورعاية الحكمة في أفعاله تعالى ، فإنّ المقتضي لهذه الأحكام إنّما هو صفات ذاتيّة لا يجوز تبديلها وتغييرها ، وربما بنوا على هذا صحّة إسلام الصّبي ، فإنّ وجوبه بالعقل ، وانّ استثناء الصّبي عنه غير ممكن.

وجوّزه الأشاعرة ، بناء على نفي الحسن والقبح العقليّين ، وعدم وجوب رعاية الحكمة في أفعاله تعالى.

الثاني : على تقدير جواز نسخ هذه الأحكام ، هل يجوز من الله تعالى بعد أن كلّف العبد أن ينسخ عنه جميع التكاليف؟

منع منه الغزّالي ، لأنّه لا يعرف النسخ من لا يعرف الناسخ ، وهو الله تعالى ، ويجب على المكلّف معرفة النسخ والناسخ ، والدليل المنصوب عليه ، فيبقى هذا التكليف بالضرورة. (١)

قيل عليه (٢) : النسخ وإن قلنا إنّه لا يحصل في حقّ المكلّف دون علمه بنزول (٣) النسخ فلا يمتنع تحقّق النسخ بجميع التكاليف في حقّه عند علمه بالنسخ ، وإن لم يكن مكلّفا بمعرفة النسخ.

__________________

(١) المستصفى : ١ / ٢٣٤.

(٢) القائل هو الآمدي في الإحكام : ٣ / ١٢٣.

(٣) في «أ» و «ب» : بزوال.

٦٠