أبو عبدالله العبدري
المحقق: د. علي إبراهيم كردي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٢٨
فأرعد من قبل اللّقاء ابن معمر |
|
وأبرق والبرق اليمانيّ خوّان |
وهذا البيت أيضا شاهد لمن قال : أبرق وأرعد ، بالألف ، أي : تهدّد ، وأصله من الرّعد والبرق ، وقد أنكره بعضهم (١) بالألف ، وقال : «إنّما هو رعد وبرق بغير ألف ، وكذلك رعدت السّماء وبرقت» والصّواب : أنّهما لغتان أشهرهما بغير ألف ، وعليها قول الشّاعر : (٢) [الكامل]
فإذا حللت ودون بيتي ساوة |
|
فابرق بأرضك ما بدا لك وارعد (٣) |
وقوله : «علامات ذدت» الوجه فيه حذف الألف ؛ لأنّ «ما» الاستفهامية إذا دخل عليه حرف جرّ حذف منها الألف ؛ لكثرة الاستعمال وفرقا بينها وبين الخبرية ، قال تعالى : (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها)(٤) وقال جلّ شأنه : (فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)(٥). ولو حذفت الألف منها لصحّ الوزن ، وكان الجزء معقولا (٦) ، ولكنّه [١٠ / آ] زحاف قبيح ، ولو قال : صددت أو طردت ، أو تذود ، أو نحو ذلك ، لسلم من الوجهين معا ، وتخلّص من الضّرورتين (٧) جميعا ، وبالله التوفيق.
__________________
(١) أنكره المبرّد في الكامل ١٢٣٧ ، وشرح ديوان المتلمّس ١٤٨ نقلا عن الأصمعيّ ، واللسان (برق).
(٢) الشاعر هو المتلمس ، والبيت في ديوانه : ١٤٧.
(٣) في الديوان : غاوة ، وكلاهما اسم مكان.
(٤) سوة النازعات : الآية : ٧٩.
(٥) سورة الزمر : الآية : ٣٩
(٦) العقل : هو حذف الخامس المتحرّك في مفاعلتن فتصبح : مفاعلن ، ويصيب الوافر. انظر المعيار : ٢٦.
(٧) في ط : الصورتين.
وأنشدني أيضا للفقيه الأديب الكاتب الأبرع ، أبي بكر محمّد بن عبيد الله (١) بن داود بن خطّاب المرسيّ (٢) ممّا أنشده إيّاه لنفسه (٣) :
[الكامل]
أبصرت أبواب الملوك تغصّ بالر |
|
ـ راجين إدراك الغنى والجاه (٤) |
مترقّبين لها فمهما فتّحت |
|
خرّوا لأذقان لهم وجباه |
فأنفت من ذاك الزّحام وأشفقت |
|
نفسي على إنضاء جسمي الواهي |
ورأيت باب الله ليس عليه من |
|
متزاحم فقصدت باب الله |
وتخذته من دونهم لي عدّة |
|
وأفقت من غيّي وطول سفاهي (٥) |
وأنشدني عنه أيضا ، ونقلته من خطّ ابن خطّاب ، قال : وممّا نظمته والتزمت فيه حرف الرّاء والتّرصيع : (٦) [مجزوء الكامل المرفّل]
اشكر لربّك وانتظر |
|
في إثر عسر الأمر يسرا |
واصبر لكربك وادّخر |
|
في ستر ضرّ الفقر أجرا (٧) |
فالدّهر يعثر بالورى |
|
والصّبر بالأحرار أحرى |
والوفر أظهر معشرا |
|
والفقر بالأخيار يغرى (٨) |
__________________
(١) في ت : عبد الله.
(٢) محمد بن داود بن خطّاب الغافقي الأندلسي : كاتب ، أديب ، عالم بأصول الفقه ، له شعر ، ولد بمرسية ، ورحل إلى تلمسان ، وتوفي فيها سنة ٦٣٦ ه ، ترجمته في الذيل والتكملة ٦ / ٣٣٢ ـ ٣٣٣ ، والبستان ٢٢٧.
(٣) الأبيات في نفح الطيب ٥ / ٢٢٢ ، وتعريف الخلف : ٢ / ٢٢٠.
(٤) في النفح وتعريف الخلف : إدراك العلا.
(٥) في النفح وتعريف الخلف : وجعلته ... وأنفت من غيّي.
(٦) الأبيات في نفح الطيب : ٤ / ٣٣٩ لأبي بكر بن محرز الزّهري.
(٧) في ت : واصبر بربّك ، وفي النفح : واصبر لربّك.
(٨) في ط ، وعلى هامش الأصل : والوفر أكرم. وفي ت : والفقر بالأحرار ...
قلت : نظام هذه الأبيات يدلّ على باع في الأدب مديد ، وطبع فاضل ومقول مجيد ، وناظمها ـ رحمهالله ـ متمكّن الجلالة ، معروف الأصالة ، لقي جماعة من الأفاضل ، وأخذ عنهم فاضلا عن فاضل ، وقد وقفت على بطاقة بخطّه ، قيّد فيها لصاحبنا أبي عبد الله جملة ممّن لقيه من العلماء والصّلحاء ، ونصّها :
[برنامج شيوخ ابن خطاب المرسي]
«يقول محمّد بن عبيد الله بن داود بن خطّاب الغافقي ـ وفّقه الله ـ : لقيت من الشّيوخ ببلدتي مرسية (١) ـ أعادها الله تعالى للإسلام ـ الفقيه الأستاذ النّحويّ أبا بكر محمّد بن محمّد المعافريّ الشّهير بالقرشيّ ، وقرأت العربيّة عليه ؛ [١٠ / ب] والفقيه الأستاذ النّحويّ المسنّ أبا عليّ الحسن بن عبد الرّحمن الكنانيّ الشّهير بالرّفّاء (٢) وقرأت عليه «مقامات الحريريّ» ومن شعر المتنبّي ، وأكثر «الحماسة» (٣) ؛ والفقيه العالم المسنّ أبا بكر محمّد بن محرز الزّهريّ (٤) ، وقرأت عليه أكثر «التّلقين» (٥) للقاضي أبي محمّد
__________________
(١) مرسية : مدينة بالأندلس من أعمال تدمير ، اختطّها عبد الرّحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرّحمن ابن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان. انظر : الروض المعطار ٥٣٩.
(٢) هو حسن بن عبد الرحمن بن محمد الكناني ، أستاذ ، نحوي ، مقرىء ، شاعر مطبوع ، أخذ القراءات عن أبي محمد الشمني ، وتوفي سنة ٦٣٣ ه ، ترجمته في التكملة ١ / ٥٢ ، بغية الوعاة ١ / ٥١٠ وفيه وفاته ٣٥ ه.
(٣) هناك أكثر من حماسة ، وأشهرها حماسة أبي تمام المتوفى سنة ٢٣١ ه ، وهي المرادة عند الإطلاق.
(٤) محمد بن أحمد بن عبد الواحد الزهري : فقيه ، محدّث ، عالم لغوي ، أصله من بلنسية ، واستوطن بجاية ، ومات فيها سنة ٦٥٥ ه. له تقييد على التلقين ، ترجمته في عنوان الدراية ٢٤١ ، وشجرة النور الزكيّة : ١٩٤.
(٥) هو كتاب التلقين في الفروع ، وهو كتاب في الفقه المالكي ، انظر كشف الظنون ٤٨١.
عبد الوهّاب (١) ، وسمعت عليه دولا كثيرة من «الموطّأ» ، وقرأت عليه بلفظي «كتاب التّرمذي» كلّه ، وسمعت عليه «سنن أبي داود» بقراءة صاحبنا الفقيه أبي بكر بن حبيش (٢) ، وسمعت عليه «السّير» بقراءة أبي الحسن الرّومي المعروف ببلدنا بسحنون (٣) ، وأنشدني جملة من نظمه ، من ذلك قوله لابنه الأصغر أبي عامر : [الخفيف]
يا بنيّ وليس مثلي يسهو |
|
عند وعظ يرويه مثلك عنه |
أنت ضيف الدّنا فأقلل عيوبا |
|
من قراها واخش الرّدى من لدنه |
ولقيت الفقيه الإمام العالم أبا المطرّف أحمد بن عبد الله بن عميرة المخزوميّ (٤) ولا زمته مدّة إقامته بمرسية ، وقرأت عليه «التّنقيحات» (٥) للسّهروردي (٦) و «مختصر المستصفى» للقاضي أبي
__________________
(١) هو عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي : فقيه مالكي ، قاض ، له نظم ومعرفة بالأدب ، توفي بمصر سنة ٤٢٢ ه. له : التلقين ، والإفادة ، والتلخيص ، ترجمته في تاريخ قضاة الأندلس ٢٤٠ ، وفوات الوفيات ٢ / ٤١٩ ، ووفيات ابن قنفذ : ٢٣٣.
(٢) هو محمد بن الحسن بن يوسف بن الحسن بن يونس : أديب نحويّ ، راوية ، برع في النظم والنثر ، ولد سنة ٦١٥ ه ، وكان حيّا سنة ٦٩٠ ه ، انظر ملء العيبة ٢ / ٨٣ ، ونفح الطيب ٤ / ٣١٠.
(٣) لم أقف على ترجمته.
(٤) هو أحمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن عميرة المخزومي : أديب ، شاعر ، برع في النظم والنثر ، دوّن شعره وإنشاءه في مجلّدين سمّيا : «بغية المستطرّف وغنية المتطرّف من كلام إمام الكتابة ابن عميرة أبي المطرّف» توفي بتونس سنة ٦٥٦ ه ، ترجمته في الإحاطة : ١ / ٦٠ ، وعنوان الدراية : ٢٥٠.
(٥) هو كتاب التنقيحات في أصول الفقه. ذكره البغدادي في إيضاح المكنون ٣٣٠.
(٦) يحيى بن حبش بن أميرك : فيلسوف نشأ بمراغة من العراق العجمي ، وسافر إلى حلب فنسب إلى انحلال العقيدة فأفتى العلماء بقتله ، فخنق في سجنه بقلعة حلب سنة ٥٨٦ ه ، من كتبه : هياكل النور ، والتنقيحات ، ترجمته في وفيات الأعيان ٦ / ٢٦٨ ـ الأعلام : ٨ / ١٤٠.
الوليد بن رشد (١) المسمّى ب «الضّروري» ، وقرأت عليه بعض «التّلقين» وكان له عليه كلام حسن وتنبيه على مواضع منه لم أر من تفطّن لها سواه ؛ ولقيت الفقيه القاضي المسنّ أبا عيسى محمّد بن أبي السّداد (٢) ، وقرأت عليه بلفظي «شمائل النّبيّ» صلىاللهعليهوسلم ، و «كتاب مسلم بن الحجّاج» من أوّله إلى آخره ، و «كتاب التّرمذي» ، وسمعت بقراءة غيري عليه كثيرا من الكتب ، وكان يروي عن الخطيب أبي القاسم بن حبيش (٣) ؛ ولقيت الفقيه أبا بكر بن جهور الأزديّ (٤) ، وسمعت عليه بقراءة أبي القاسم بن نبيل بعض «كتاب مسلم بن الحجّاج» رحمهمالله أجمعين.
وممن لقيته من الرّجال الصّلحاء بمرسية ـ نفع الله [١١ / آ] بهم ـ الفقيه أبو العبّاس الطّرسونيّ ، (٥) كان رحمهالله ـ أحد الزّهّاد ؛ والفقيه أبو عبد الله السّمار المؤدّب ، وكان أحد الفضلاء الزّهاد ؛ والفقيه الخطيب بجامع
__________________
(١) محمد بن أحمد بن رشد الأندلسي : فيلسوف من أهل قرطبة ، صنّف نحو خمسين كتابا منها فلسفة ابن رشد ، والضروري في المنطق ، وتهافت التهافت. توفّي بمراكش سنة ٥٩٥ ه. بعد أن أحرق المنصور الموحّدي بعض كتبه ، ترجمته في : قضاة الأندلس ، المعجب ٢٤٢ و ٣٠٥ ، شذرات الذهب ٢ / ٣٢٠.
(٢) محمد بن محمد بن أبي السّداد المرسيّ : قاض ، فقيه من أهل مرسية ، سمع أبا القاسم بن حبيش وغيره ، وأجاز له ابن الجد وابن زرقون وابن بونة وغيرهم ، توفي سنة ٦٤٢ ه ، ترجمته في التكملة ١ / ٣٥٧.
(٣) عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الأنصاري الأندلسي : مؤرخ ، عالم بالقراءات وعلوم العربية ، من الحفّاط ، ولي القضاء بجزيرة «شقر» ثم بمرسية حيث توفي فيها سنة ٥٨٤ ه له المغازي. ترجمته في بغية الوعاة ٢ / ٨٥ ، نيل الابتهاج ١٦٢.
(٤) محمد بن محمد بن يوسف بن أحمد بن جهور الأزدي : أخذ عن الكثيرين من المحدثين ، وكان له حظ من النظم والنثر ، توفي سنة ٦٢٩ ه. انظر ترجمته في التكملة ١ / ٣٣٨.
(٥) أحمد بن محمد بن أحمد الطرسوني ، عالم فقيه محدث روى عنه ابن سعيد وغيره ، أخذ عنه كثيرون. توفي بنبوط سنة ٦٢٢ ه. ترجمته في الذيل والتكملة ١ ـ ٣٩١.
مرسية أبو عبد الله بن فتح ؛ والفقيه الورع أبو عبد الله النّجّار ، كان شديد الانقباض عن عشرة النّاس ، وتؤثر عنه في الورع أخبار حسان ، رحم الله جميعهم ورضي عنهم.»
انتهى ما وجدته بخطّ ابن خطّاب رحمهالله.
قلت : لو قال ابن محرز : «أنت ضيف الدّنيا» لقام الوزن وسلم من غرابة هذا الجمع ، فإنّ جمع الدّنيا غريب نادر ، وقد عابه صاحب اليتيمة (١) على أبي الطّيّب المتنبّي في قوله (٢) : [الطويل]
أعزّ مكان في الدّنا سرج سابح |
|
وخير جليس في الزّمان كتاب |
وأنشدني بيتين للشّيخ الأديب الفاضل أبي الطّيّب صالح بن شريف الرّندي (٣) ـ رحمهالله ـ وقال : أنشدنيهما عنه أبو العبّاس اللّبلي (٤) الكاتب ، وكان لابن خميس فيهما نقد لم أرضه فلم يعلق بخاطري ، وذكره لي عن ابن خطّاب وأنّه لم يرضهما ، وذلك منهما تعسّف بيّن ، وهما قوله : [الكامل]
نزعات رام وهي نزعة ريمة |
|
شقّت صميم حشاي قبل أديمي (٥) |
__________________
(١) انظر يتيمة الدّهر للثعالبي ، باب استكراه التخلّص : ١ / ١٤٦.
(٢) ديوان المتنبي : ١ / ١٩٣.
(٣) هو صالح بن يزيد بن صالح بن موسى بن علي بن شريف الرّندي : شاعر ، قاض ، من أهل «رندة» بالأندلس تردّد على غرناطة ، توفي سنة ٦٨٤ ه له : الوافي في نظم القوافي ، ترجمته في الإحاطة ٣ / ٣٦٠ ـ ٣٧٦ ، والذيل والتكملة ٤ / ١٣٧.
(٤) هو أحمد بن يوسف بن علي الفهري اللبلي : نحوي ، لغوي ، راوية ، ولد ب «لبلة» من أعمال إشبيلية سنة ٦١٣ ه ، وتوفي بتونس سنة ٦٩١ ه ، له تآليف منها : تحفة المجد الصريح في شرح الكتاب الفصيح ترجمته في الديباج المذهب : ٨٠ ـ ٨١ ، شجرة النور الزكية : ١ / ١٩٨ ، معجم المؤلفين ٢ / ٢١٢.
(٥) الأديم : الجلد.
سلّت ظبا الألحاظ مرهفة على |
|
قلب أرقّ من الهوى المكتوم (١) |
وهذا أعذب (٢) ما يكون من الشّعر وأرقّه ، وأحسنه لفظا ومعنى.
وأنشدني أيضا لابن الرّوميّ متمثّلا : (٣) [الكامل]
لذوي الجدال إذا غدوا لجدالهم |
|
حجج تضلّ عن الهدى وتجور |
وهن كانية الزّجاج تصادمت |
|
فهوت وكلّ كاسر مكسور |
والقاتل المقتول ثمّ ؛ لضعفه |
|
ولوهنه ، والآسر المأسور (٤) |
وأنشدني أيضا من حفظه قصيدة لم أقف عليها تامّة ، وأنشد منها أبو عليّ (٥) في «نوادره» (٦) أبياتا ولم ينسبها ، وهي قوله : [١١ / ب]
[الكامل]
[١١ / ب] يلقى السّيوف بوجهه وبنحره (٧) |
|
.............................. |
الأربعة الأبيات.
__________________
(١) في ط : البيت الثاني قبل الأول.
(٢) في ط : أغرب.
(٣) ديوان ابن الرومي : ٣ / ١١٣٩.
(٤) في الديوان : فالقاتل ... ولوهيه ...
(٥) أبو علي القالي : إسماعيل بن القاسم بن عيذون : من أئمة اللغة والأدب ، عاش بين (٢٨٨ ـ ٣٥٦ ه) من تصانيفه : الأمالي والنوادر ، والبارع ترجمته في جذوة المقتبس ١٦٤ ، بغية الملتمس : ٢٣١ ، شذرات الذهب : ٣ / ١٨.
(٦) هي في الأمالي ١ / ٤٣ وكان يعرف عند الأندلسيين باسم النوادر.
(٧) صدر بيت لابن المولى ، وعجزه : «ويقيم هامته مقام المغفر». وسترد القصيدة كاملة في الصفحة التالية.
وكذلك أنشدها أبو عبيد البكريّ (١) في كتاب «التّدريب» غير منسوبة إلّا لإنشاد العتبيّ ، ووصلها بأبيات ، ونسبها في كتابه «اللآلي» (٢) لابن المولى ، وهو محمّد بن عبد الله بن مسلم (٣) مولى بني عمرو بن عوف. قال : وهو من شعراء الدّولتين (٤) ، وقد رأيت أن أثبت القصيدة هنا بجملتها لحسنها وإعوازها ، وهي (٥) : [الكامل]
[قصيدة ابن المولى]
أنسيم ريقك أخت آل العنبر |
|
هذا أم استنشاقة من عنبر (٦) |
ونظام ثغرك ما نرى أم لمعة |
|
من بارق أم معدن من جوهر (٧) |
__________________
(١) هو عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي ، مؤرخ ، جغرافي ، ثقة علّامة بالأدب ، توفي بقرطبة سنة ٤٨٧ ه. له كتب جليلة منها : المسالك والممالك ، ومعجم ما استعجم ، وفصل المقال ، وغيرها. ترجمته في : الصلة ٢٨٧ ، بغية الوعاة ٢ / ٤٩.
(٢) هو كتاب : اللآلي في شرح أمالي القالي ، لأبي عبيد البكري. طبع بتحقيق عبد العزيز الميمني ـ رحمهالله ـ وسماه سمط اللآلي.
(٣) توفي ابن المولى حوالي سنة ١٧٠ ه. له ترجمة في الأغاني : ٣ / ٢٨٦ ، ومعجم الشعراء ٣٤٢.
(٤) سمط الآلي : ١ / ١٨٢.
(٥) الأبيات ١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٤ ـ ٥ ـ ٦ ـ ٨ ـ ٩ ـ ١٠ ـ ١١ ـ ١٤ ـ ١٦ ـ ١٧ ـ ١٨ ـ ١٩ ـ ٢١ ـ ٢٢ ـ ٢٤ ـ ٢٥ ـ ٢٧ ـ ٣٤ ـ ٣٥ في أنوار الربيع في أنواع البديع : ٤ / ٢٧ ـ ٢٩. منسوبة لحسان بن ثابت ، والأبيات : ١ ـ ٤ ـ ٥ ـ ٦ ـ ٨ ـ ١٨ ـ ١٩ ـ ٢١ ـ ٢٢ ـ ٢٤ ـ ٢٥ في نهاية الأرب ٣ / ٢٠٣ لحسان ، والأبيات : ١٧ ـ ١٨ ـ ١٩ ـ ٢١ ـ ٢٢ ـ ٢٤ ـ ٢٥ ـ في طراز المجالس للخفاجي / ١١٤ دون عزو ، والأبيات ١٨ ـ ١٩ ـ ٢١ ـ ٢٢ في أمالي القالي ١ / ٤٣ ، والأبيات : ١٨ ـ ١٩ ـ ٢٠ في وفيات الأعيان ٦ / ٣٢٥ ـ ٣٢٦ ، والأبيات : ١٧ ـ ١٨ ـ ١٩ ـ ٢١ ـ ٢٢ ـ ٢٤ ـ ٢٥ في زهر الآداب ٤ / ٩١٤ ـ ٩١٥ منسوبة لأعرابي ، والأبيات : ١٨ ـ ١٩ ـ ٢١ ـ ٢٢ في المستطرف ٢٣٦ ، والبيت ٢٠ في شذرات الذهب ١ / ٢٧٥.
(٦) في أنوار الربيع : هذا أم استنشأته من مجمر ، ورواية البيت في نهاية الأرب :
أنسيم ريحك أم خيار العنبر |
|
يا هذه أم ريح مسك أذفر |
(٧) في أنوار الربيع : أبديد ثغرك ما أرى.
أودعتني ، وجمال وجهك حرقة |
|
ألهبت جمرتها بطرف أحور (١) |
قولي لطرفك أن يردّ عن الحشا |
|
لذعات نيران الهوى ثمّ اهجري (٢) |
٥ ـ وانهي جمالك أن يصيب مقاتلي |
|
فتصيب قومك سطوة من معشري (٣) |
إنّي من القوم الّذين جيادهم |
|
هبّت على كسرى بريح صرصر (٤) |
فأثرن نقعا ما انثنت أثناؤه |
|
حتّى تشتّت فوق هامة قيصر |
فسلبن تاج الملك غصبا بالقنا |
|
وأجزن باب الدّرب آل الأصفر (٥) |
آباي من كهلان أرباب الورى |
|
وبنو الملوك عمومتي من حمير (٦) |
١٠ ـ ضربوا بلاد الصّين بالبيض الّتي |
|
ضربوا بها كسرى صبيحة «تستر» (٧) |
__________________
(١) في أنوار الربيع : أودعتني ببريق ثغرك ـ وبعده :
ونشرت فرعك فوق متن واضح |
|
وطويت كشحك فوق خصر مضمر |
(٢) في أنوار الربيع : أن يكفّ عن الحشا سطوات. وفي نهاية الأرب : أن يصدّ عن الحشا سطوات نيران الأسى.
(٣) في أنوار الربيع : أن ينال مقاتلي فينال قومك ، وفي نهاية الأرب : وانهي رماتك أن يصبن ... فينال قومك.
(٤) في أنوار الربيع : طلعت على كسرى ، وفي نهاية الأرب : إنّا من النفر الذين جيادهم طلعت.
والرّيح الصّرصر : الشديدة البرد أو الصوت.
(٥) في أنوار الربيع : قسرا بالقنا وأخذت قهرا درب آل الأصفر ، وفي نهاية الأرب :
وسلبن تاجي ملك قيصر بالقنا |
|
واجتزن باب الدرب لابن الأصفر |
(٦) في أنوار الربيع : أرباب العلا ، وفي نهاية الأرب ثمّة بيتان يليان هذا البيت وهما :
قدنا من اليمن الجياد فما انثنت |
|
حتى حوت بالصين مهجة بعبر |
ورمت سمرقندا بكلّ مثقّف |
|
لهج بأحشاء الفوارس أسمر |
(٧) تستر : تعريب : «ششتر» المدينة المعروفة بخورستان ، ورواية البيت في أنوار الربيع :
صبحت بلاد الهند بالبيض التي |
|
صبحت بها كسرى صبيحة دستر |
والأمن ما بين الشّآم وفارس |
|
بالحارث الجفنيّ وابن المنذر (١) |
أولاد جفنة معشري وكأنّهم |
|
آساد غيل فوق خيل ضمّر (٢) |
وطئت ببدر من قريش خيلنا |
|
ساداتها تحت القنا المتكسّر |
ونصرن في الأحزاب حزب محمّد |
|
وكسون مؤتة ثوب موت أحمر (٣) |
١٥ ـ وطوين يوم الفتح شركا ظاهرا |
|
ونشرن أثواب الهدى في خيبر (٤) |
وطلعن من أرجا حنين شزّبا |
|
يحملن كلّ سليل حرب مسعر (٥) |
[١٢ / آ] ما إن يريد إذا الرّماح تشاجرت |
|
درعا سوى سربال طيب العنصر (٦) |
يلقى السّيوف بوجهه وبنحره |
|
ويقيم هامته مقام المغفر (٧) |
ويقول للطّرف : اصطبر لشبا القنا |
|
فعقرت ركن المجد إن لم تعقر (٨) |
٢٠ ـ وإذا الفوارس عدّدت أبطالها |
|
عدّوه في أبطالهم بالخنصر |
__________________
(١) رواية البيت في أنوار الربيع :
ووطئن أرض الشام ثمّ وفارسا |
|
بالحارث اليمنيّ وابن المنذر |
(٢) جفنة بن عمرو بن مزيقياء أمير غساني جاهلي ، والغيل : موضع الأسد.
(٣) الأحزاب : جنود الكفّار من قريش وغطفان وبني قريظة من يهود. ومؤتة : قرية من قرى البلقاء على حدود الشام ، وفيها استشهد الأمراء : جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة ـ رضياللهعنهم. وفي أنوار الربيع : وكسون مومة.
(٤) خيبر : ناحية على ثماني برد من مكة ، غزاها النبي صلىاللهعليهوسلم سنة سبع أو ثمان للهجرة ، وكان يسكنها اليهود.
(٥) في أنوار الربيع : من رجوى حنين شزّبا ، وفي ت وط : شرّفا ، وخيل شزّب : أي ضوامر. وحنين : واد قرب مكة.
(٦) تشاجرت : تشابكت.
(٧) في أنوار الربيع : يلقى الرماح الشاجرات بنحره ، وفي نهاية الأرب : بوجهه وبصدره. والمغفر : بيضة الحديد على الرّأس.
(٨) في أنوار الربيع : فهدمت ركن المجد ، والطّرف من الخيل : الكريم العتيق.
وإذا تأمّل شخص ضيف مقبل |
|
متسربل أثواب محل أغبر (١) |
أو ما إلى الكوماء : هذا طارق |
|
نحرتني الأعداء إن لم تنحري (٢) |
فإذا أردت بأن ترى أسد الشّرى |
|
فدع الرّماح لمذحج والأشعر (٣) |
كم قد ولدنا من رئيس قسور |
|
دامي الأظافر أو ربيع ممطر (٤) |
٢٥ ـ سدكت أنامله بقائم مرهف |
|
في يوم ملحمة وذروة منبر (٥) |
إن مرّ يوم لم يفد أكرومة |
|
يعلو الأنام ببعضها لم يعذر |
نحن الّذين نذلّ أعناق العدا |
|
ونعزّ بالمعروف ذلّ المعسر (٦) |
ولنا بيعرب بسطة من مفخر |
|
لا ينكرون حضورها في محضر |
نرعى الجوار ولا نجور على الورى |
|
ويبيت فينا الوفر غير موفّر (٧) |
__________________
(١) في الأمالي : أثواب عيش أغبر ، وفي أنوار الربيع ، محل مقتر ، وفي طراز المجالس : متسربل سربال محل أغبر.
(٢) في ت و: ط : الكرماء ، والكوماء : المراد بها الناقة الضّخمة السّنام.
(٣) في ت : فدع الذمام ، وفي ط : فدع المدام. ومذحج والأشعر : جدّ جاهليّان قديمان من كهلان.
(٤) في أنوار الربيع : من نجيب قسور ، وفي زهر الآداب ، وطراز المجالس : كم قد ولدتم ... في الخميس المطر ، وفي نهاية الآرب : من كريم ماجد. والقسور : الأسد.
(٥) في طذ : سركت ... يوم الجفان ، وفي طراز المجالس : وبنشر فائدة وذروة منبر. وفي أنوار الربيع : سلكت انامله ... وبنثر فائدة وذروة منبر ، وفي زهر الأداب : وبنشر فائدة وجذوة منبر. وسدكت : لزمت. وجاء بعد هذا البيت في أنوار الربيع البيتان التاليان :
كم فوق وجه الأرض من ذي ثروة |
|
لولا فواضل رفدنا لم يذكر |
لولا صوارم يعرب ورماحها |
|
لم تسمع الأذان صوت مكبّر |
(٦) في أنوار الربيع : أعناق القنيا ... قلّ المعسر.
(٧) في ت : الوفد. والوفر من المال والمتاع : الكثير الواسع.
٣٠ ـ قشرت قشيرا خيلنا عن دارها |
|
وتحطّمت أرماحنا في جعفر (١) |
دسنا تميما في قرار ديارها |
|
يوم الجفار بكلّ طرف مجفر (٢) |
نقري السّديف ضيوفنا ، ورماحنا |
|
في الرّوع حاضرة القرى للأنسر (٣) |
وإذا المنى وردت على أموالنا |
|
آبت محمّلة جميل المصدر |
لو رامت الجوزاء أن تعلو على |
|
أعلى ذوائب مجدنا لم تقدر (٤) |
٣٥ ـ قحطان والدنا وهود جدّنا |
|
بهما غنينا عن ولادة قيدر (٥) |
قال أبو عبيد البكري في قوله :
يلقى السيوف بوجهه وبنحره |
|
....................... البيت : |
«مذهب أكثر الشعراء المدح بلبس الدّروع (٦) ، وكمال السّلاح» وأنشد على ذلك قول النابغة (٧) : [الكامل]
__________________
(١) قشير أبو قبيلة ، وهو قشير بن كعب بن ربيعة. وجعفر : أبو قبيلة من عامر.
(٢) قرار : واحدها قرارة : المطمئن من الأرض ، ويوم الجفار : كان بين بني بكر وتميم ، وهو ماء لبني تميم بنجد. والطرف : الكريم من الخيل ، ومجفر : عظيم الوسط.
(٣) في ط : السريف. والسديف : لحم السنام.
(٤) الجوزاء : نجم يقال إنّه يعترض في جوز السماء.
(٥) قحطان : أصل العرب القحطانية ، وهود ـ عليهالسلام : نبيّ عربيّ أرسله الله إلى قوم عاد الأولى ، وقيدر جدّ عدنان أبو إسماعيل.
ويلي هذا البيت في أنوار الربيع أبيات أربعة هي :
قحطان قومي ما ذكرت فخارهم |
|
إلّا علوت على سنام المفخر |
السّابقون إلى المكارم والعلا |
|
والحائزون غدا حياض الكوثر |
فإذا أردت أن ترى مسعاتنا |
|
فصل النواظر بالسماك الأزهر |
ثمّ الصلاة على النبيّ وآله |
|
ما لاح برق في غمام ممطر |
(٦) في ط : الدرع.
(٧) ديوانه : ١٠٠.
«سهكين من صدإ الحديد كأنّهم |
|
تحت السّنوّر جنّة البقّار (١) |
وقال مسلم بن الوليد يمدح بعض آل المهلّب : (٢) [١٢ / ب]
[البسيط]
تراه في الأمن في درع مضاعفة |
|
لا يأمن الدّهر أن يدعى على عجل |
وأنشد على المذهب الآخر قول الأعشى : (٣) [الكامل]
كنت المقدّم غير لابس جنّة |
|
بالسّيف تضرب معلما أبطالها» (٤) |
[لقاؤه لابن عصام]
وممّن لقيته بتلمسان أبو زكرياء يحيى بن عصام (٥) ، وهو رجل متقلّل حيي متعفّف ، له حظ من اللّغة ، ويقرض من الشّعر ما لا بأس به ، جارا لأبي عبد الله بن خميس فكنت أجتمع به عنده كثيرا ، وممّا أنشدني لنفسه قوله : (٦)
[الطويل]
ألا اعلم بأنّ الموت كأس مدارة |
|
على كلّ من قد راح فيها ومن غدا (٧) |
__________________
(١) في ط : الستور. والسّهكة : الرّائحة الكريهة ، والسنوّر : السلاح. والبقّار : موضع منقطع صعب برمل عالج قريب من جبلي طيّئ ، كانوا يزعمون أنّ فيه جنّا.
(٢) ديوانه : ١٢.
(٣) ديوان الأعشى : ٣٣.
(٤) انتهت مقالة أبي عبيد : السمط ١٨٢ ـ ١٨٣ ، بتصرّف يسير.
(٥) في ت : عاصم.
(٦) البيتان في درّة الحجال : ٢ / ٣٠.
(٧) في ط : مرارة.
وعضب رسوم شيم في شيع الورى |
|
وماريىء يوما بعد ما شيم مغمدا (١) |
وأنشدني أيضا لنفسه مناقضا لبعض المعتزلة (٢) في قوله : (٣) [الكامل]
لجماعة سمّت هواهم سنّة |
|
وجماعة حمر لعمري موكفه (٤) |
قد شبّهوا معبودهم وتخوّفوا |
|
شنع الورى فتستّروا بالبلكفه (٥) |
وقال ابن عصام : (٦) [الكامل]
قل للّذي سمّى الهداة أولي النّهى |
|
حمرا لأن سلب الهدى والمعرفه |
فغدا يرجّح الاعتزال جهالة |
|
ويروقه زور وشاه وزخرفه |
الحقّ أبلج واضح لكنّه |
|
يعشي عيون أولي الضّلالة والسّفه |
اخسأ فقولك طائح كهباءة |
|
طاحت بها هوج الرّياح المعصفه (٧) |
سوّغت ذمّ جماعة سنّيّة |
|
قد أحرزوا من كلّ فضل أشرفه |
قطفوا أزاهر كلّ علم نافع |
|
وأتوا بكلّ بديعة مستظرفه |
__________________
(١) في ت وط : شيع في شيع الورى ، وفي درّة الحجال : شيح.
(٢) هو الزمخشري كما في درّة الحجال : ٢ / ٣٠.
(٣) الأبيات في أزهار الرّياض ٣ / ٢٩٨ ، وطبقات الشافعية ٩ / ٩ ، ودرّة الحجال : ٢ / ٣٠ و ١٨٤ ، والإعلام للمراكشي ٥ / ٢٠٦.
(٤) في الأزهار ودرّة الحجال : سمّوا. وفي ط : هواها. والإكاف والوكاف : برذعة الحمار.
(٥) في أزهار الرياض والطبقات والإعلام : قد شبهوه بخلقه. وفي درّة الحجال : قد شبهوه بخلقهم. والبلكفة : مصدر مولّد منحوت من قول المتكلمين (بلا كيف) لقول أهل السنة في رؤية الباري تعالى : تجوز رؤيته بلا كيف ؛ أي لا تعلم حال تلك الرؤية ، ولا وسيلتها ، فرارا من القول بالتشبيه والتجسيم انظر أزهار الرياض : ٣ / ٢٩٩ حاشية ١.
(٦) الأبيات في درّة الحجال : ٢ / ٣٠ ـ ٣٢.
(٧) في درّة الحجال : الرياح المعطفة.
قوم هم قمعوا الضّلال وحزبه |
|
بمقاول حكت المواضي المرهفه (١) |
هم شيعة الحقّ الّذي ما بعده |
|
إلّا مهاو في الضّلالة متلفه (٢) |
آراؤهم يجلو البصائر نورها |
|
ويميط أدواء القلوب المدنفه (٣) |
أقصر فإنّ شقاقهم كفر فلا |
|
تدع الرّشاد لعصبة متعسّفه |
من شذّ عن سنن الجماعة قد غوى |
|
جاءت بذا الكتب الصّحاح معرّفه |
[١٣ / آ]
قلت : قد نظم القاضي أبو حفص بن عمر (٤) في هذا أيضا فقال : (٥)
[الكامل]
أجعلتم العلماء حمرا موكفه |
|
هذا لأنّكم أولو تلك الصّفه |
أجهلتم صفة الإله وفعله |
|
ونسبتموه لغيره بالزّخرفه |
وأردتم تنزيهه فوقعتم |
|
في الشّرك والإلحاد والأمر السّفه |
خالفتم سنن النّبيّ وصحبه |
|
وتبعتم في الزّيغ أهل الفلسفه |
__________________
(١) في ط : قطعوا الضلال ... بمعاول.
(٢) في ت : التي ما بعده.
(٣) في ت : وتميط أدواء ، والمدنفة : المريضة.
(٤) عمر بن عبد الله بن عمر السّلمي : شاعر ، من القضاة ، أصله من جزيرة شقورة بالأندلس ، وولد بأغمات سنة ٥٣٠ ه ، سكن مدينة فاس ، وولي قضاء تلمسان ثمّ قضاء فاس بعد أبيه ، وولي قضاء إشبيلية وغيرها ، وبها توفي سنة ٦٠٣ ه. ترجمته في الغصون اليانعة : ٩١ ، والذيل والتكملة ٨ ـ ١ / ٢٢٢ ، وصلة الصلة ٧٢ ، وأزهار الرياض ٢ / ٣٦١ ، وزاد المسافر ١٤٣ ، ونفح الطيب : ١ / ٢٩١ و ٣ / ٢٠٩ و ٢٤١ و ٤ / ١٦٢ ونسبه خطأ إلى قرطبة ، والعلوم والآداب على عهد الموحّدين ١٧٢.
(٥) الأبيات في : أزهار الرياض ٣ / ٣٢٤.
قلت : خفّف القاضي ـ رحمهالله ـ «الحمر» ، والتخفيف في «فعل» مطّرد إلا فيما يلبس ، وهو هنا يلبس ملبس بجمع أحمر ، فينبغي ألّا يخفّف ؛ ولم يقرأ في السّبع (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ)(١) إلّا بالتثقيل ؛ ومن هذه الحجة أنكر المحقّقون (٢) إسكان الباء في قوله صلىاللهعليهوسلم : «الّلهم إنّي أعوذ بك من الخبث والخبائث» (٣) لّما كان إسكانه يلبس بالمفرد ، وسيأتي ذكر هذا الحديث إن شاء الله تعالى.
وممّا عرض لي نظمه بمدينة تلمسان ـ جبرها الله ـ قولي : [الطويل]
تغرّبت عن أهلي إليك ومالي |
|
وأعرضت عن قيل عداك وقال |
تماثل في دنياي ـ إذ أنت مطلبي ـ |
|
محب له شوق إليّ وقال |
سموت على قصد إليك بهمّة |
|
ترى عيش كسرى مثل عيش دلال |
ولاحت لي الدّنيا فأبصرت عمرها |
|
، ولو زيد أضعافا ، كحلّ عقال |
٥ ـ وما عيشها إلّا كظلّ غمامة |
|
وما ملكها إلّا كطيف خيال |
وهل بعد أن أسدى إليّ لطائفا |
|
يقصّر عن تبيانهنّ مقالي |
وباشر قلبي باليقين مبرّدا |
|
حرارة إشكال أخلّ بحالي (٤) |
__________________
(١) سورة المدّثرّ ، الآية : ٥٠. وقال : أبو حيّان : «قرأ الجمهور حمر بضمّ الميم ، والأعمش بإسكانها» البحر المحيط ٨ / ٣٨٠.
(٢) في حاشية الأصل عبارة : بل أجازوا في شرح العمدة.
(٣) أخرجه الترمذي عن أنس في كتاب الطهارة ، باب ما يقول إذا ادخل الخلاء (حديث رقم ٥). ـ وموارد الظّمان للهيثمي : ٦١ ـ وسنن البيهقي : ١ / ٩٥ ـ والمعجم الصغير للطبراني ٢ / ٤٤ ـ وفي الضعفاء الكبير للعقيلي ٣ / ٣٧١. وصحيح ابن حبّان ٢ / ٣٤٢ ، ومسند أبي يعلي الموصلي ٧ / ١٠ ، والخبث جماعة الخبيث ، والخبائث : جمع الخبيثة ؛ يريد ذكر ان الشياطين وإناثهم.
(٤) في ت : أحلّ بحالي.
أرى رافعا صوتي إلى غير جاهه |
|
وأبسط للمخلوق كفّ سؤالي؟ |
أبعد سطوع الشّيب في ليل لمّتي |
|
ونأي ضلالي بعد فيء ظلالي (١) |
٥ ـ أهيم بدنيا. ما تساوي قلامة |
|
وأخضع مرتادا لنيل نوال؟ (٢) |
[١٣ / ب] أبى ذاك لي قصد إلى الله صاعد |
|
وعلم سما بي فيه نحو كمال (٣) |
فما أنا نحو النّحو أسمو بهمّتي |
|
وفي اللّغو أخطار اللّغات ببالي (٤) |
ولا منطقي بطّلت في علم منطق |
|
يعدّ حساما في مجال جدال (٥) |
وليس كلامي في الكلام أقوده |
|
كما قيد صعب للشّماس موال (٦) |
١٥ ـ ولا عارضت علم العروض عنايتي |
|
لأجعله قبّان نظم لآل (٧) |
وأحسب تدقيق الحساب بطالة |
|
لإبطال وقت لا يردّ بحال |
ولكنّني مهما نحوت تفقّها |
|
خلعت عذاري موضحا لخلالي |
ألا لست أعني بالتفقّه ما حوت |
|
دفاتر تملى من ظنون رجال |
ولكنّه فقه علا عن تناقض |
|
وليس لآراء الورى بمجال |
٢٠ ـ تريك اطّرادا منه كلّ قضيّة |
|
أنابيب تبدو في متون عوال (٨) |
__________________
(١) اللّمّة : شعر الرأس المجاوز شحمة الأذن.
(٢) في ط : لا تساوي.
(٣) في ط : أما ذاك.
(٤) في الأصل. فها أنا.
(٥) في ط : بطلب ، وهو تصحيف.
(٦) في ت : للشمال ، وهو تحريف ، وشمست الدابة والفرس : شردت وجمحت ومنعت ظهرها.
(٧) في ت : قفاز ، وهو تصحيف.
(٨) في ت : أنابيب مدّوا.
قضايا جلايا مثلما لاح ساطع |
|
يصول بجند اللّيل ايّ صيال |
٢٥ ـ قضايا إذا وفّقت يشفيك حكمها |
|
وإلّا فلا تعرض لطبّ عضال |
فلست لها في الكتب يوما مطالعا |
|
ولا سامعا فيها نظام مقال |
وفي عقل ذي القلب المتيّم رقمها |
|
يبين به عن كلّ أنوك سال (١) |
فإن أنت لم توصل لحال وصالها |
|
فدعني وإيّاها حليف وصال (٢) |
[ذكر مليانة]
وكان رحيلنا بعد المقام المطوّل (٣) لخمس خلون من شهر ربيع الأوّل ، فنكبّنا عن طريق المدينة (٤) يسارا ، وسرنا لا نألو جدّا وانشمارا (٥). ثمّ وصلنا وقد ألقى جمل الإعياء جرانه ، وغنّى بلبل العناء ألوانه ، إلى البلدة الخصيبة مليانة (٦) ، وهي مدينة مجموعة مختصرة ، وليست مع ذلك عم أمّهات المدن مقصّرة ؛ أشرفت من كثب على وادي شلف ، واستشرفت نسيم طرفها من شرف ، في روضة جمّة الأزهار والطّرف ؛ فرعت في سفح جبل حمى حماها أن يرام ، وشرعت في أصل نهر يشفي الهيّم (٧) من الهيام ، شاق منظرا ، وراق
__________________
(١) الرّقم : الكتابة ، والأنوك : الأحمق.
(٢) في ت : بحال وصالها.
(٣) في ت وط : الطويل.
(٤) في ط : البرية.
(٥) في ت : واشتمارا. ، والأنشمار والاشتمار : المضيّ والنفوذ.
(٦) مليانة : مدينة في آخر إفريقية ، بينها وبين تنس أربعة أيام ، وهي مدينة رومية قديمة ، جدّدها زيري ابن مناد معجم البلدان ٥ / ١٩٦ ، ويقول الحسن الوزّان : تقع في قنّة جبل على بعد نحو ٤٠ ميلا من البحر وصف إفريقية : ٢ / ٣٤ ـ ٣٥.
(٧) في بقية النسخ : المقيم.
مخبرا ، وشفى الظّماء موردا ومصدرا ، يشتهي الناظر [١٤ / آ] إليه ـ وهو ريّان ـ الشّروع ، ويقول : لورشّ (١) به لأفاق المصروع ، كأنّ حصباءه (٢) جمان (٣) والماء من رقّته دموع ؛ وبها جامع مليح عجيب ، يدعو الشّوق من رآه فيجيب ، ولكنّ الزّمان قد عوّضه من حليّ عطلا ، (٤) وأدّى له من حكمة خطلا (٥) ، وأبدل هالته السّها من تلك الأقمار ، وكساه بعد الحبر (٦) الأظمار ، (٧) وأحلّ حلاله بعد الأنس بأنسها وحشة العمار ؛ فلو صرّحت في الجوى بالجواب ، وأفصحت عن (٨) وقوع النوى بالنّوائب النّواب ، لأنشدت (٩) باستعجال ، وقالت (١٠) بارتجال : [الطويل]
شباب لدى عهد الشّبيبة قد عسا |
|
أعلّل فيه النّفس علّي أو عسى (١١) |
لعلّ ربوعا من حلاها عواريا |
|
تعود لها تلك المفاخر ملبسا |
لعلّ نجوما كنت هالة بدرها |
|
ستجلو ظلاما حلّ أفقي فألبسا |
لعلّ انتظام الشّمل يرجع ثانيا |
|
ويعطف بالإحسان دهر بنا أسا |
__________________
(١) في ت : رقي.
(٢) الحصباء : الحصى.
(٣) الجمان : حبّ يتّخذ من الفضة ، أمثال اللؤلؤ.
(٤) عطلت المرأة : إذا لم يكن عليها حليّ ، ولم تلبس الزينة ، وخلا جيدها من القلائد.
(٥) الخطل : الكلام الفاسد الكثير المضطرب.
(٦) الحبر والحبر : الحسن البهاء.
(٧) الأطمار : جمع طمر ؛ وهو الثوب الخلق.
(٨) في ت : على.
(٩) في ت : لشدت باستحال.
(١٠) ـ في ت : وأنشدت.
(١١) ـ عسا : كبر.
٥ ـ رماني زماني بالنّوى من أحبّة |
|
لبينهم عاد الأنيس معبّسا (١) |
نأى عمر الحبر الإمام بحاضري |
|
فكيف ألاقي من زماني تأنّسا (٢) |
وقد حظيت أغمات منه بما جد |
|
تدرّع من غرّ الفضائل ملبسا (٣) |
لقد هنت حتّى شطّ عنّي مزاره |
|
ونالت به أغمات مجدا مؤسّسا |
وكنت مقيلا للهداة تؤمّه |
|
فصرت لأخلاط الغواة معرّسا (٤) |
١٠ ـ وكنت لباغي الجود والعلم ملتقى |
|
فإن شئت مقراة وإن شئت مدرسا |
وكم كنت للضّرغام والظّبي مألفا |
|
أنسّيك إن أبصرت خيسا ومكنسا (٥) |
أراغم ريب الدّهر منه بما جد |
|
إذا ضاق خطب أو تفاقم نفّسا |
فجلّلت عن تلك الجلالة حلّة |
|
وعوّضت من تلك الأهلّة حندسا |
فها أنا أشدو إن نطقت تمثّلا |
|
وليل همومي قد دجا بي وعسعسا (٦) : |
__________________
(١) في ت : زماني رماني ، وفي ط : لبعدهم عاد الأنيس.
(٢) هو أبو علي الملياني : عمر بن عبد الجبار ... الملياني : أصله من مليانة ، ثار على الحفصيين ودعا لنفسه في مليانة سنة ٦٥٧ ه ، ثم فرّ إلى المغرب بعد استيلاء الحفصيين عليها ، والتجأ إلى السلطان يعقوب بن عبد الحق المريني الذي ولّاه على أغمات ، توفي سنة ٦٨٦ ه انظر مقدمة تحقيق السفر الثامن من الذيل والتكملة ٦٤ ـ ٦٥.
(٣) أغمات : مدينة بالمغرب الأقصى ، بقرب وادي درعة ، بينها وبين نفيس مرحلة ؛ وأغمات مدينتان ، إحداهما تسمى : أغمات وريكة ، والأخرى : أغمات هيلانة ، وبينهما ثمانية أميال (ياقوت : ١ / ٢٢٥) وتقع على نحو ٢٤ ميلا من مرّاكش. وصف إفريقيا : ١ / ١٣٥.
(٤) الغّاوي : الضّال ، التّعريس : النزول آخر اللّيل.
(٥) في ط : أنيسك. والخيس : موضع الأسد ، والمكنس : مدلج الوحش من الظباء والبقر ، تستكنّ فيه من الحرّ.
(٦) عسعس الليل : أقبل بظلامه.