رحلة العبدري

أبو عبدالله العبدري

رحلة العبدري

المؤلف:

أبو عبدالله العبدري


المحقق: د. علي إبراهيم كردي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٢٨

سحّت بدرّة شكرى الضّرع حافلة

فروّت الرّكب بعد النّهل بالعلل (١)

وآية الغار إذ وقّيت في حجب

من كلّ رجس لرجس الكفر منتحل (٢)

وقال صاحبك الصّدّيق : كيف بنا

ونحن منهم بمرأى النّاظر العجل

٢٠ ـ فقلت : لا تحزن إنّ الله ثالثنا

وكنت في حجب ستر منه منسدل

[٢٥ / ب] حمّت لديك حمام الوحش جاثمة

كيدا لكلّ غويّ القلب مختبل (٣)

والعنكبوت أجادت نسج حلّتها

فما يخال خلال النّسج من خلل (٤)

قالوا : وجاءت إليه سرحة سترت

وجه النّبيّ بأغصان لها هدل (٥)

وفي سراقة آيات مبيّنة

إذ ساخت الحجر في وحل بلا وحل (٦)

٢٥ ـ عرجت تخترق السّبع الطّباق إلى

مقام زلفى كريم قمت فيه عل

عن قاب قوسين أو أدنى هبطت ولم

تستكمل اللّيل بين المرّ والقفل (٧)

دعوت للخلق عام المحل مبتهلا

أفديك بالخلق من داع ومبتهل

__________________

(١) في نهاية الأرب : ودرّت بشكر الضرع. سحّت : صبّت صبّا متتابعا. وشاة شكرى الضرع : ممتلئته. وحافلة : لم تحلب حتى امتلأ ضرعها. النّهل : الشرب الأوّل والعلل : الثاني.

(٢) منتحل : معتقد ؛ أي : معتقد لرجس الكفّار.

(٣) في ت وط : حامت. جاثمة : ملتزمة للمكان. الكيد : الخداع. مختبل : مخلّ العقل.

(٤) في نهاية الأرب : حوك حلتها.

(٥) السّرح : شجر كبار يستظلّ به.

(٦) في ط : في رجل. وسراقة : هو ابن مالك ، وكان دليل المشركين في اقتصاص أثر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين هاجر ، ثمّ أسلم بعد حنين. ساخت : دخلت وغابت قوائمها. الحجر : أنثى الخيل ، جرّد من التاء لأنّه من الأوصاف الخاصّة. الوحل : الطين الرقيق.

(٧) قاب : قدر. المرّ : الذهاب. القفل : الرجوع.

١٢١

صعّدت كفّيك إذ كفّ الغمام فما

صوّبت إلّا بصوب الواكف الهطل (١)

أراق بالأرض ثجّا صوب ريقته

فحلّ بالرّوض نسجا رائق الحلل (٢)

٣٠ ـ زهر من النّور حلّت روض أرضهم

زهرا من النّور ضافي النّبت مكتهل (٣)

من كلّ غصن نضير مورق خضر

وكلّ نور نضيد مونق خضل

تحيّة أحيت الأحياء من مضر

بعد المضرّة تروي السّبل بالسّبل (٤)

دامت على الأرض سبعا غير مقلعة

لولا دعاؤك بالإقلاع لم تزل (٥)

ويوم زورك بالزّوراء إذ صدروا

من يمن كفّك عن أعجوبة مثل (٦)

٣٥ ـ والماء ينبع جودا من أناملها

وسط الإناء بلا نهر ولا وشل (٧)

حتّى توضّأ منه القوم واغترفوا

وهم ثلاث مئين جمع محتفل

أشبعت بالصّاع ألفا مرملين كما

روّيت ألفا ونصف الألف من سمل (٨)

__________________

(١) صعّدت : رفعت. كفّ : امتنع. الصوب : النازل. الواكف : القاطر.

(٢) في نهاية الأرب : صوب ريّقه. الثجّ : الاندفاق. الريق من كل شيء : أفضله. حلّ : نزل. نسجا : ناسجا. رائق : معجب ـ الحلل : جمع حلة ؛ يريد : النبات مختلف الألوان.

(٣) زهر : بيض مضيئة ، جمع أزهر. مكتهل : بلغ منتهاه.

(٤) السّبل : الطّرق. والسّبل : المطر.

(٥) في ت وط : غير مغلفة.

(٦) الزور : الزائر ، يستعمل في الواحد وغيره ؛ أي : يوم جاءك الزائرون بالزوراء ، والزوراء : موضع بالمدينة نبع فيه الماء من بين أصابعه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتوضّأ جميع أصحابه وصدروا بعد الورود. واليمن : البركة.

(٧) الضمير في «أناملها» لليد الشريفة. والوشل : القليل من الماء.

(٨) السمل : القليل من الماء يبقى في أسفل الإناء ، المرملين : الذين نفد زادهم وافتقروا.

١٢٢

وعاد ما شبع الألف الجياع به

كما بدوا فيه لم ينقص ولم يحل (١)

أعجزت بالوحي أرباب البلاغة في

عصر البيان فضلّت أوجه الحيل (٢)

٤٠ ـ سألتهم سورة في مثل حكمته

فتلّهم عنه حين العجز حين تلي (٣)

فرام رجس كذوب أن يعارضه

بسخف إفك لم يحسن ولم يطل (٤)

مثبّج بركيك الإفك ملتبس

ملجلج برديّ الزّور والخطل (٥)

يمجّ أوّل حرف سمع سامعه

ويعتريه كلال العجز والملل (٦)

[٢٦ / آ] كأنّه منطق الورهاء شذّبه

لبس من الخبل أو مسّ من الخبل (٧)

٤٥ ـ أمرّت البئر بل غارت لمجّته

فيها ، وأعمى بصير العين بالثّفل (٨)

وأيبس الضّرع منها شؤم راحته

من بعد إرسال رسل منه منهمل (٩)

__________________

(١) في ط : ما أشبع.

(٢) في نهاية الأرب : أصحاب البلاغة.

(٣) تلّهم : صرعهم. والحين : الهلاك.

(٤) في نهاية الأرب : ورام بعيّ غيّ. والرّجس : القذر ، وهو مسيلمة الكذاب. والعيّ : العجز والانقطاع عن الكلام ، وهو ضدّ الفصاحة. والغيّ : الضلال. ويطلّ : من طال ، أي : امتدّ أو استظهر على القرآن.

(٥) في نهاية الأرب : ملجلج بزريّ. مثبجّ : مضطرب فاسد. ملجلج : متردّد في الكلام غير مفصح.

والزّريّ : الحقير. والزور : الكذب. والخطل : المنطق الفاحش المضطرب.

(٦) في نهاية الأرب : منه سامعه. يمجّ : يطرح ويلقي.

(٧) الورهاء : المرأة الحمقاء تتكلّم بما لا يفهم. شذّبه : فرّقه وقطّعه. الخبل : الفساد. والخبل : الجنون.

(٨) في نهاية الارب : واغورّت لمجتّه. أمرّت البئر : صارت ذات مرارة بعد العذوبة.

(٩) في نهاية الارب : من بعد إرساله بالرسل منهمل.

١٢٣

برئت من دين قوم لا قوام لهم

عقولهم من وثاق الغيّ في عقل (١)

يستخبرون خفيّ الغيب من حجر

صلد ، ويرجون غوث النّصر من هبل (٢)

نالوا أذى منك لولا حلم خالقهم

وحجّة الله بالأعذار لم تنل (٣)

٥٠ ـ واستضعفوا أهل دين الله فاصطبروا

لكلّ معضل خطب فادح جلل (٤)

لاقى بلال بلاء من أميّة قد

أحلّه الصّبر فيه أكرم النّزل (٥)

إذ أجهدوه بضنك الأسر وهو على

شدائد الأزل ثبت الأزر لم يزل (٦)

ألقوه بطحا برمضاء البطاح وقد

عالوا عليه صخورا جمّة الثّقل (٧)

يوحّد الله إخلاصا وقد ظهرت

بظهره كندوب الطّلّ في الطّلل (٨)

٥٥ ـ إن قدّ ظهر وليّ الله من دبر

قد قدّ قلب عدوّ الله من قبل (٩)

__________________

(١) في نهاية الأرب : في غلل. قوام الأمر : نظامه وعماده وملاكه. عقل : جمع عقال وهو الحبل الذي يعقل البعير.

(٢) هبل : أعظم أصنام قريش في الجاهلية.

(٣) في نهاية الأرب : بالإنذار لم تنل.

(٤) في ت وط : منه على كلّ خطب. معضل : شديد. فادح : يقال أمر فادح إذا أثقله وبهظه وعجز عنه. الجلل : العظيم.

(٥) بلال : هو ابن رباح ، مؤذّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورضي عن صحبه.

(٦) أجهدوه : حمّلوه فوق طاقته من العذاب. والضنّك : الضيق. والأزل : الحبس والتضييق. والأزر : القوة. والثبت : ثابت القلب.

(٧) الرمضاء : الأرض الشديدة الحرارة بالشمس. والبطاح : الأودية. عالوا : أعلوا. جمة : كثيرة.

(٨) في نهاية الأرب : فوحّد الله. الندوب : الآثار. الطلّ : المطر الخفيف. الطلل : ما شخص من آثار الديار على وجه الأرض.

(٩) قدّ : قطع بالتعذيب ،

١٢٤

نفرت في نفر لم ترض أنفسهم

إذ نافروا الرّجس إلّا القدس من نفل (١)

بأنفس بدّلت في الخلد إذ بذلت

عن صدق بذل ببدر أكرم البدل

من كلّ مهتصر لله منتصر

بالبيض مختصر بالسّمر معتقل (٢)

يمشي إلى الموت عالي الكعب معتقلا

أظمى الكعوب كمشي الكاعب الفضل (٣)

٦٠ ـ قد قاتلوا دونك الأقيال عن جلد

وجالدوا بجلاد البيض والجدل (٤)

وصلتهم وقطعت الأقربين معا

في الله لولاه لم تقطع ولم تصل

وجاء جبريل في جند له عدد

لم تبتذلها أكفّ الخلق بالعمل (٥)

بيض من العون لم تستلّ من غمد

خيل من الكون لم تستنّ في طيل (٦)

أحبب بخيل من التّكوين قد جبلت

بجانب عن جناب الحقّ معتزل (٧)

__________________

(١) نافروا الرّجس : جانبوا الأوثان والشرك. القدس : الجنّة. النفل : الغنائم.

(٢) في نهاية الأرب : بالرمح معتقل. مهتصر : كاسر للأقران. اختصر الشيء : مسكه بيده. السمر : الرماح. المعتقل : الذي جعل رمحه بين ساقه وركابه.

(٣) عالي الكعب : وصف بالشرف والظفر. أظمى الكعوب : أسمر الرماح. والكاعب : الجارية الناهد.

الفضل : المتفضلة في ثوب واحد من غير قناع.

(٤) في نهاية الأرب : جالدوا بجلاء. والأقيال : الملوك. الجلاد : المضاربة ؛ أي : جمعوا بين حجّة اللسان والمضاربة بالسيوف.

(٥) في نهاية الأرب : لهم عدد.

(٦) بيض : سيوف. من العون : من عون الله. الكون : قوله تعالى : كن فيكون. لم تستنّ : لم تمرح. في طيل : في حبل ، لأنّ الدابة تطول فيه وتمتدّ في المرعى.

(٧) في نهاية الأرب : قد جنبت. من التكوين : تكوين الله تعالى.

١٢٥

٦٥ ـ أعميت جيشا بكفّ من حصى فجثوا

وعقّلوا عن حراك النّقل بالنّقل (١)

ودعوة بفناء البيت صادقة

غدا أميّة منها شرّ منخزل (٢)

[٢٦ / ب] غادرت جهل أبي جهل بمجهلة

وشاب شيبة قبل الوقت من وجل (٣)

وعتبة الشّرّ لم يعتب فتعطفه

منك العواطف قبل الحين في مهل (٤)

وعقبة الغمر عقباه لشقوته

إن ظلّ من غمرات الخزي في ظلل (٥)

٧٠ ـ وكلّ أشرس عاتي القلب منقلب

جعلته بقليب البئر كالجعل (٦)

وجاثم بمثار النّقع مشتغل

بجاحم من أوار الثّكل مشتعل (٧)

عقدت بالخزي في عطفي مقلّده

طوق الحمامة باق غير منتقل (٨)

__________________

(١) في نهاية الأرب : وعطّلوا. جثا : قعد على ركبتيه. النّقل : الحجارة ؛ أي : رماهم عليه الصلّاة والسلام بحصى فنزلت عليهم حجارة عطّلت حركتهم.

(٢) فناء البيت : السعة التي أمامه ، والمراد : البيت الحرام. انخزل : انقطع. أمية : هو ابن خلف الجمحي.

(٣) في نهاية الأرب ، قبل الموت. مجهلة : أمر حمله على الجهل. وشيبة : هو ابن ربيعة بن عبد شمس ، قتل على الوثينة.

(٤) في نهاية الأرب : قبل الفوت. وعتبة : هو ابن ربيعة بن عبد شمس.

(٥) في نهاية الأرب : قد ظلّ من غمرات الغيّ. والغمر : الجاهل الذي لم يجرّب الأمور. وعقبة : هو ابن أبان بن ذكوان ابن أمية. غمرات : شدائد.

(٦) في ط ونهاية الأرب : أشوس. والأشرس : عسر الأخلاق شديد الخلاف. العاتي : الذي بلغ الغاية في القسوة. المنقلب : المنصرف عن الحقّ. القليب : البئر. الجعل : دويبة سوداء تكون في المواضع النديّة.

(٧) في نهاية الأرب : أوار النار.

(٨) في نهاية الأرب : مقلدّهم.

١٢٦

أمسى خليل صغار بعد نخوته

بالأمس في خيلاء الخيل والخول (١)

دام يديم زفيرا في جوانحه

جنح من الشّكّ لم يجنح ولم يمل (٢)

٧٥ ـ يقاد في القدّ خنقا مشربا حنقا

يمشي به الذّعر مشي الشّارب الثّمل (٣)

أوصاله من صليل الغلّ في علل

وقلبه من غليل الغلّ في غلل (٤)

يظلّ يحجل ساجي الطّرف خافضه

لمسكة الحجل لا من مسكة الحجل (٥)

أرحت بالسّيف ظهر الأرض من نفر

أزحت بالصّدق منهم كاذب العلل

تركت بالكفر صدعا غير ملتئم

وآب عنك بقرح غير مندمل (٦)

٨٠ ـ وأفلت السّيف منهم كلّ ذي أسف

على الحمام حماه اجل الأجل (٧)

قد أعتقته عتاق الخيل وهو يرى

به إلى رقّ موت رقّة الغزل

__________________

(١) الصّغار : الذلّ والهوان. النّخوة : العظمة والتكبّر. الخيلاء : الكبر والإعجاب. الخول : الخدم والحشم.

(٢) في ت : جوانبه. دام : يسيل دمه. الزفير : تنفّس الصعداء.

(٣) في ت : القيد. والقدّ : السير. مشربا : أدخل به حتى خالطه. الحنق : الغيظ. الذعر : الفزع. الثمل : السكران ؛ أي يتمايل في مشيه خوفا.

(٤) الغلّ : القيد. العلل : جمع علّة وهي المرض. الغلّ : الحقد. وغليله : حرارته والتهابه.

(٥) في نهاية الأرب : بمسكة الحجل. يحجل : يقفز في الحجل وهو القيد. الحجل : الحجال : وهي قباب العروس تزيّن بالستور ، يقول : إنّما سجا طرفه من ذلّة الأسر لا كما تسجو ألحاظ النساء من لزوم الحجاب.

(٦) في نهاية الأرب : وآب منك.

(٧) أفلت السيف : حملهم السيف على الهرب. والحمام : الموت. الآجل : المتأخّر. الأجل : أمد العمر.

١٢٧

فكم ببكّة من باك وباكية

بفيض سجل من الآماق منسجل (١)

وكاسف البال بالي الصّبر جدت له

بوابل من وبال الخزي متّصل (٢)

فؤاده من سعير الغيظ في غلل

وعينه من غزير الدّمع في غلل

٨٥ ـ قد أسعرت منه صدرا غير مصطبر

وحمّلت منه صبرا غير محتمل (٣)

ويوم مكّة إذ أشرفت في أمم

تضيق عنها فجاج الوعث والسّهل (٤)

خوافق ضاق ذرع الخافقين بها

في قاتم من عجاج الخيل والإبل (٥)

وجحفل قذف الأرجاء ذي لجب

عرمرم كزهاء السّيل منسحل (٦)

وأنت ـ صلّى عليك الله ـ تقدمهم

في بهو إشراق نور منك مكتمل

٩٠ ـ ينير فوق أغرّ الوجه منتجب

متوّج بعزيز النّصر مقتبل (٧)

__________________

(١) في نهاية الأرب : بمكة. السجل : الدّلو العظيمة المملوءة ماء. الآماق : أطراف الأعين التي يخرج منها الدمع. منسجل : منصبّ.

(٢) كاسف البال : متغيّر الحال سيّئها. بلي الصبر : فني. وبال الخزي : مضرّته وأذاه وثقله. وقوله «جدت» تهكّم ، كقوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ).

(٣) في نهاية الأرب : قلبا غير محتمل.

(٤) في نهاية الأرب : فجاج الوعر. الفجاج : الطرق الواسعة بين الجبال. الوعث : المكان الذي تغوص فيه الأقدام.

(٥) خوافق : ألوية وبنود. الخافقان : أفقا المشرق والمغرب ؛ أي : ضاق وسعهما بها. القاتم : المغبرّ الأسود.

(٦) في ط نهاية الأرب : كزهاء اللّيل منسدل. الجحفل : الجيش العظيم. قذف : متباعد الأرجاء والنواحي. اللّجب : اشتباك الأصوات. عرمرم : كثير. زهاء : قدر. منسحل : منصبّ.

(٧) الأغرّ : الأبيض المنير. المنتجب : المتخيّر.

١٢٨

[٢٧ / آ]تسمو أمام جنود الله مرتديا

ثوب الوقار لأمر الله ممتثل

خشعت تحت بهاء العزّ حين سمت

بك المهابة فعل الخاضع الوجل (١)

وقد تباشر أملاك السّماء بما

ملّكت إذ نلت منه غاية الأمل

والأرض ترجف من زهو ومن فرق

والجوّ يزهر إشراقا من الجذل (٢)

٩٥ ـ والخيل تختال زهوا في أعنّتها

والعيس تنثال رهوا في ثنى الجدل (٣)

لولا الّذي خطّت الأقلام من قدر

وسابق من قضاء غير ذي حول

أهلّ ثهلان بالتّهليل من طرب

وذاب يذبل تهليلا من الذّبل (٤)

الملك لله! هذا عزّ من عقدت

له النّبوّة فوق العرش في الأزل

شعبت صدع قريش بعدما قذفت

بهم شعوب شعاب السّهل والقلل (٥)

١٠٠ ـ قالوا : محمّد قد زارت كتائبه

كالأسد تزأر في أنيابها العصل (٦)

فويل مكّة من آثار وطأته

وويل أمّ قريش من جوى الهبل (٧)

__________________

(١) في نهاية الأرب : لواء العزّ.

(٢) في ت : ومن فرح ... وفيها : والحقّ يزهر.

(٣) في نهاية الأرب : تختال ميلا. تختال : تتبختر. العيس : الإبل. تنثال : تنصبّ من كلّ جهة. الرّهو : ضرب من السير. الجدل : جمع جديل ، وهو الزمام.

(٤) في ط : لهلّ ثهلان. وفي نهاية الأرب : تكبيرا من الذبل. ثهلان ويذبل : جبلان. والذبل : الرماح الذوابل. التهليل : الأوّل يعني قوله : لا إله إلّا الله ، والثاني يعني : الجبن والفزع.

(٥) في ت : بعدها صدعت. شعبت : جمعت ، وهو من الأضداد. الصدع : الشقّ. شعوب : من أسماء الموت. القلل : أعالي الجبال.

(٦) في نهاية الأرب : قد حلّت كتائبه. الكتائب : جمع كتيبة : الطائفة من الجند. تزأر : تصيح في غضب. العصل في الناب : اعوجاجه وشدّته.

(٧) الجوى : الحزن. الهبل : الثكل.

١٢٩

فجدت عفوا بفضل العفو منك ولم

تلمم ولا بأليم اللّوم والعذل (١)

أضربت بالصّفح صفحا عن طوائلهم

طولا أطال مقيل النّوم في المقل (٢)

رحمت واشج أرحام أتيح لها

تحت الوشيج نشيج الرّوع والوجل (٣)

١٠٥ ـ عاذوا بظلّ كريم العفو ذي لطف

مبارك الوجه بالتّوفيق مشتمل (٤)

أزكى الخليفة أخلاقا وأطهرها

وأكرم النّاس صفحا عن ذوي الزّلل (٥)

زان الخشوع وقار منه في خفر

أرقّ من خفر العذراء في الكلل (٦)

وطفت بالبيت محبورا وطاف به

من كان عنه قبيل الفتح في شغل

والكفر في ظلمات الخزي مرتكس

ثاو بمنزلة البهموت من زحل (٧)

١١٠ ـ حجزت بالأمن أقطار الحجاز معا

وملت بالخوف عن خيف وعن ملل (٨)

__________________

(١) في ط : تلم.

(٢) في الأصل : في النقل ، وهو تصحيف. طوائل : جمع طائلة : العداوة. طولا : منّا وتفضّلا. المقيل : النوم وقت الهاجرة ؛ والمعنى : إنّ صفحك منحهم راحة النّوم.

(٣) واشج أرحام : الرحم المشتبكة. الوشيج : اشتباك القرابة. النشيج : الفصّة بالبكاء في الحلق من غير انتخاب. الوجل : الخوف.

(٤) في ت : عاذوا بفضل. مبارك الوجه : أي ثبت فيه الخير الإلهي وهو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٥) في نهاية الأرب : أزكى البرية ... وأكثر الناس.

(٦) خفر : حياء. الكل : جمع كلّة ، وهي الستر الرّقيق يخاط كالبيت يتوقى فيه من البعوض.

(٧) في ت : المبهوت من وجل. الركس : قلب الشيء على رأسه وردّ أوّله على آخره. البهموت : الحوت الذي يزعمون أنّه يحمل الثور الحامل الأرض وزحل : أعلى النجوم السيارة ؛ يريد : أنّ الكفر في غاية السفل.

(٨) في ت : وملت بالخيف. الخيف : منى ، وخيف بني كنانة الذي نزل فيه النبي عليه‌السلام عام حجّه. ملل : موضع بين مكة والمدينة ، وتنكير الخيف مع علميته للضرورة.

١٣٠

وحلّ أمن ويمن منك في يمن

لمّا أجابت إلى الإيمان عن عجل

وأصبح الدّين قد حفّت جوانبه

بعزّة النّصر واستولى على الملل (١)

قد طاع منحرف منهم لمعترف

وانقاد منعدل منهم لمعتدل

[٢٧ / ب] أحبب بخلّة أهل الحقّ في الخلل

وعزّ دولته الغرّاء في الدّول

١١٥ ـ أمّ اليمامة يوم منه مصطلم

وحلّ بالشّام شؤم غير مرتحل (٢)

تعرّقت منه أعراق العراق ولم

يترك من التّرك عظم غير منتثل (٣)

لم يبق للفرس ليث غير مفترس

ولا من الحبش جيش غير منجفل (٤)

ولا من الصّين صوت غير مبتذل

ولا من الرّوم مرمى غير منتضل (٥)

ولا من النّوب جذم غير منجذم

ولا من الزّنج جذل غير منجذل (٦)

١٢٠ ـ وسلّ بالغرب غرب السّيف إذ شرقت

بالشّرق قبل صدور البيض والأسل (٧)

__________________

(١) في نهاية الأرب : واستعلى على الملل.

(٢) في الأصل : بمصطلم ، وبها لا يستقيم الوزن مصطلم : مستأصل بالهلاك ؛ يشير إلى القضاء على الكذّاب مسيلمة وقومه ؛ أي : لازمها الشؤم حتى قضى على ممالكها وعمّها الإسلام.

(٣) في نهاية الأرب : عظما. تعرّقت : أخذ ما عليها من اللحم. الأعراق : جمع عرق : العظم ، وهذا مثل ، إشارة إلى استباحة الإسلام لكنوزها وممالكها. منتثل : مستخرج.

(٤) انجفل : انهزم.

(٥) منتضل : مرتمى ، يقال : تناضلوا ؛ إذا تراموا بالنبال.

(٦) الجذم : الأصل. منجذم : منقطع. الجذل : الأصل أيضا. منجذل : منقطع.

(٧) الغرب : المغرب. غرب السيف : حدّه. شرقت : غصّت ؛ يريد أنّ المسلمين لمّا فرغوا من فتح بلاد الشرق ورويت منها سيوفهم ورماحهم حتى شرقت بدماء أهل الشرك قصدوا نحو المغرب ففتحوا بلاده.

١٣١

ونيل بالسّيف سيف النّيل واتّصلت

دعوى الجنود فكلّ بالجلاد صلي (١)

وعاد كلّ عدوّ عزّ جانبه

قد عاذ منك ببذل منه مبتذل

بذمّة الله والإيمان متّصل

أو من شبا النّصل بالأموال منتصل (٢)

يا صفوة الله قد أصفيت فيك صفا

صفو الوداد بلا شوب ولا دخل (٣)

١٢٥ ـ ألست أكرم من يمشي على قدم

من البريّة فوق السّهل والجبل

وأزلف الخلق عند الله منزلة

إذ قيل في مشهد الأشهاد والرّسل

قم يا محمّد واشفع في العباد وقل

تسمع ، وسل تعط واشفع عائدا وسل (٤)

والكوثر الحوض يروي النّاس من ظمإ

برح وينقع منه لاعج الغلل (٥)

أصفى من الثّلج إشراقا ، مذاقته

أحلى من اللّبن المضروب بالعسل

١٣٠ ـ نحلتك الودّ علّي إذ نحلتكه

أجني بحبّك منه أفضل النّحل (٦)

فما بجلدي لنضج النّار من جلد

ولا لقلبي بهول الحشر من قبل (٧)

__________________

(١) سيف : شاطئ. النيل : نهر مصر. الجلاد : المضاربة.

(٢) الذمّة : الأمان ؛ أي ما بذله لنجاته من القتل ، إمّا إيمانا بالله عن طواعية وإمّا جزية.

(٣) في نهاية الأرب : قد صافيت فيك صفا. وصفاء بالمدّ ، قصره للضرورة. الشوب : الخلط. الدّخل : الدغل والفساد.

(٤) في ت وط : فاشفع.

(٥) في ت وط : فيه لاعج. برح : شديد. ينقع : يسكن. لاعج : شديد الحرارة. الغلل : جمع غلّة : شدة العطش.

(٦) في نهاية الأرب : أحبي بفضلك منك. نحل : أعطى ، والنحلة : العطية.

(٧) في ط ونهاية الأرب : فما لجلدي بنضج.

١٣٢

يا خالق الخلق لا تخلق بما اجترمت

يداي وجهي من حوب ومن زلل (١)

واصحب وصلّ وواصل كلّ صالحة

على صفيّك في الإصباح والأصل

قلت : قد أبدع هذا النّاظم ـ رحمه‌الله ـ فيما نظم ، وشرّف هذه القصيدة بقصده الجميل وعظّم ، فراقت معنى ومنظرا ، وشاقت حسّا (٢) ومخبرا ، فهي كما وصفها أبو عبد الله المصريّ حين (٣) قال : يئست من [٢٨ / آ] معارضتها الأطماع ، وانعقد على تفضيلها الإجماع ، فطبقت أرجاء الأرض ، وأشرقت منها في الطّول والعرض. على أنّه ـ رحمه‌الله ـ قد أكثر فيها لأجل الصّناعة التّصنّع ، وتكلّف منها ما هو بعيد (٤) المرام شديد التمنّع. واعترض في كلّ معنى عرض ، وربّما أغرق (٥) النّزع فخالف الغرض ، كقوله :

فويل مكّة من اثار وطأته

 ........................ البيت

وقولّه :

 ..................................

وحلّ بالشّام شؤم غير مرتحل

وما جرى هذا المجرى من كلامه ـ رحمه‌الله ـ ولكنّ قصيدته بالجملة قد حلّت من البلاغة في حصن (٦) ممنع ، وجلت «وجها زهاه (٧)

__________________

(١) في ت : اجترحت يداي. خلق : بلي. الحوب : الذنب والإثم.

(٢) في الأصل : حسنا ، وهو تصحيف.

(٣) في ت : حيث.

(٤) في ت : بديع.

(٥) في الأصل : أخرق. وأغرق النازع في القوس : أي استوفى مدّها. ويضرب مثلا للغلّو والإفراط.

(٦) في ت : يفاع.

(٧) في ت : جلاه.

١٣٣

الحسن أن يتقنّع» (١) ؛ فإن أنكرت من وصفها قولا ، أو سمعت في مدحها تخصيص لولا ، أخردت (٢) متأمّلة ، وأنشدت متمثّلة (٣) : [السريع]

ما سلم البدر على حسنه

كلّا ولا الظّبي الّذي يوصف (٤)

البدر فيه كلف ظاهر

والظّبي فيه خنس يعرف (٥)

[تخميسات الشّقراطسيّة]

وقد أولع النّاس بها كلّ الولوع ، واستحسنوا من محاسنها كلّ مفرّق ومجموع ، وعنوا بها شرحا وتخميسا ، وغنوا بها معهدا أنيسا ، فخمّسها وشرحها أبو عبد الله المصريّ ، وقد قرأت تخميسه على صاحبنا الفقيه أبي عبد الله بن هريرة ، وحدّثني به عنه قراءة وأوّله : [البسيط]

ابدأ بحمد الّذي أعطى ولم تسل

وذد به ريب رين الأين والكسل (٦)

فالحمد أحلى جنى من طيّب العسل

الحمد لله منّا باعث الرّسل

هدى بأحمد منّا أحمد السّبل

__________________

(١) مأخوذ من قول عمر بن أبي ربيعة في ديوانه ٢٢٨ :

فلمّا تواقفنا وسلّمت أشرقت

وجوه زهاها الحسن أن تتقنّعا

(٢) أخردت : أطالت السكوت.

(٣) البيتان في تحفة العروس للتّجاني : ١١٩ ، والمستطرف : ٨٠ ، وتهذيب ابن عساكر : ٤ / ٢٥٢.

(٤) في المستطرف :

ما سلم الظبي على حسنه

كلّا ولا الظبي الذي يوصف

(٥) في المستطرف والتهذيب : الظّبي فيه خنس بيّن.

وفي المستطرف : فيه كلف يعرف. وفي التهذيب : نكتة تعرف.

(٦) الرّين : الغلبة ، والأين : الإعياء والتّعب.

١٣٤

وهو تخميس لا بأس به ، ووسمه ب «سمط الهدي في الفخر المحمّدي». وخمّسها الفقيه الأديب الأفضل القاضي أبو عمرو عثمان بن عتيق (١) المعروف بابن عريهة ، وقيدّه صاحبنا أبو عبد الله : عريهة بالتّاء ، وهو من المشاهير بإفريقية ، وشعره مجموع ، ووقفت عليه بخطّه ، وأكثره قعقعة ما ترسل بغيث مزنا ، وكما قيل : «جعجعة ولا أرى طحنا» (٢) وقد قرأت تخميسه على شيخ [٢٨ / ب] من أصحابه يعرف بأبي إسحاق التّلمساني (٣) ، وحدّثّني به عنه قراءة ، وأوّله : [البسيط]

اربع من العلم الأسنى على طلل

فكم ضحيت ولم تفزع إلى طلل

وإن عشوت إلى نار الهدى فقل

الحمد لله منّا باعث الرّسل

هدى بأحمد منّا أحمد السّبل

__________________

(١) هو عثمان بن عتيق بن عثمان القيسي المهدوي المعروف بابن عربية (كما في شجرة النور) كان حافظا للحديث مقدّما في علوم الأدب ، فحلا من فحول الشعراء ، ولد بالمهدية سنة ٦٠٠ ه‍ وتوفي سنة ٦٥٩ ه‍. له ديوان شعر وتصانيف مفيدة منها : «فوائد الكلم النبوية على صاحبها أزكى التحيّة» وكتاب «الزهرة في مسند العشرة» : ترجمته في رحلة التّجاني : ٣٧٥ ـ ٣٨٠ ، وشجرة النور : ١٨٩.

(٢) المثل : أسمع جعجعة ولا أرى طحنا. وهو في أمثال أبي عبيد ٣٢١ ـ فصل المقال ٤٤٨ ـ جمهرة الأمثال : ١ / ١٥٤ ـ المستقصى : ١ / ١٧٢ ـ اللسان ـ جعع ـ طحن.

(٣) هو إبراهيم بن أبي بكر بن عبد الله بن موسى الأنصاري التلمساني المالكي : فقيه ، أديب ، شاعر ، له منظومات في السّير وأمداح النبي عليه‌السلام ، وله مقالات في العروض وأرجوزة في الفرائض. ولد سنة ٦٠٩ ه‍ بتلمسان وتوفي بسبتة سنة ٦٩٠ ه‍. ترجمة في : الإحاطة ١ / ٣٢٦ ـ ٣٢٩ ، ودرّة الحجال : ١ / ١٧٧ وفيه وفاته سنة ٦٩٧ ببسطة ، والديباج المذهب ٩٠ ـ ٩١.

١٣٥

وخمّسها أيضا الفقيه الأديب الفاضل (١) الأوحد أبو بكر محمّد بن الحسن بن يوسف بن حبيش ـ رحمه‌الله ـ وهو من المتقنين المجوّدين وذوي الفضائل المبرّزين ، واعتنى بها اعتناء تاما ، وتصرّف فيها على أوجه كثيرة من تخميس وغيره ، وكرّر تخميسها ثلاث مرات ، وسمّاها «القرب الثّلاث» حدّثني بها كلّها عنه صاحبنا الفقيه أبو عبد الله بن هريرة إجازة ومناولة في أصله بخطّه الّذي قرأه عليه ؛ وقد علق بحفظي مطلع أوّل تخميس منها ، وهو قوله : [البسيط]

عزل الشّباب قضى أنّ المشيب ولي

فما التّغزّل من قولي ولا عملي

حمد الإله ومدح المصطفى أملي

الحمد لله منّا باعث الرّسل

ومن تأمّل هذه البداية وتمكّنها ومناسبة هذه الأقسام [للبيت](٢) رأى قدر التّفاوت فيما بين هذا النّظم والّذي قبله.

أمّا تمكّنها : فلأنّه لمّا جرت عادة الشّعراء بالافتتاح بالتغزّل ، وطّأ بالافتتاح بغيره ، بما ذكر من [أنّ](٣) الوقت الّلائق به التّغزّل هو عصر الشّباب ، وأنّ اللّائق بعصر الشّيب هو ذكر الله والإقبال على الحمد له ، وأحسن الاستعارة في ذكر الولاية والعزل ؛ ولمّا رأى أنّ البيت متضمن لمعنيين : حمد الله تعالى ، ومدح رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وطّأ لهما معا في القسم الّذي

__________________

(١) ليست في ط.

(٢) زيادة من ت وط.

(٣) زيادة من ت وط.

١٣٦

قبله ، حتّى جاءت الأقسام والبيت في غاية التّناسب كأنّها نظم رجل واحد. وما ذكر من الولاية والعزل في الشّباب والشّيب استعارة حسنة واقعة موقعها.

وقد كان هذا المعنى عرض لي قديما فنظمته في بيت من قصيدة ، وزدت فيه معنى آخر وهو أنّ الشّيب لما ولي قام بأعلى الرّأس خطيبا ؛ لما كان من شأن الوالي الخطبة والصعود لها على المنبر ، وحسن أن يستعار ذلك للشّيب لمّا كان نذيرا زاجرا ، فقلت في ذلك : [الطويل]

[٢٩ / آ]شبابي وال جاء شيبي بعزله

فقام بأعلى الرّأس أيّ خطيب

وقرأت أيضا على صاحبنا أبي عبد الله (١) تخميس أبي عبد الله المصريّ لقصيدة الشّيخ الفقيه العالم الصّالح الأوحد أبي الفضل يوسف بن محمّد المعروف بابن النّحويّ (٢) ، وقد وسمه ب «عجالة الرّويّة في تسميط القصيدة النّحويّة» ، وهي قصيدة مشهورة تسمى ، «أمّ الفرج».

__________________

(١) المقصود به : أبو عبد الله بن هريرة.

(٢) هو يوسف بن محمد بن يوسف التّوزري الأصل ، التّلمساني ، أبو الفضل ، ناظم المنفرجة التي مطلعها :

اشتدي أزمة تنفرجي

قد اذن ليلك بالبلج

كان فقيها يميل إلى الاجتهاد من أهل تلمسان ، أصله من توزر ، وسكن سجلماسة وتوفي بقلعة بني حمّاد قرب بجاية عام ٥١٣ ه‍. ومولده سنة ٤٣٣ ه‍. ترجمته في البستان : ٢٩٩ ، جذوة الاقتباس ٣٤٦ ، نيل الابتهاج : ٣٤٩ ، عنوان الدراية : ٢٧٢. شجرة النور الزكية : ١ / ١٢٦.

١٣٧

قال أبو عبد الله المصري : كان منشئها ـ رحمه‌الله ـ أنشأها عند شدّة هالت ، فأقشعت (١) بفضل الله للحين وزالت ، وعادت الحال إلى أحسن ما كانت عليه وآلت ، لرؤيا رآها الباغي عليه ، قطع بها وروّع بسببها ، فكفّت يده العادية ، وردّت غائلته (٢) البادية ، فهي لهذه المزيّة من أوثق العدّة ، وأوفق أسباب الفرج بعد الشّدّة ، وكان بعض الشّيوخ يحضّ على حفظها ، وأخذ النّفس منها بحظّها.

قلت : فرأيت أن أثبت القصيدة بتخميسها ، لما وصف من بسطها لمقبوض الوحشة وتأنيسها ، نظرا إلى الأمر المقصود والمعنى المعتبر ، وإغضاء عن اللّفظ فعيبه في مثل هذا مغتفر ، وقد قرأتها بتخميسها على صاحبنا أبي عبد الله ، وحدّثني بها عن مخمّسها المذكور قراءة عن الأديب أبي عبد الله محمّد بن يونس بن عبد الرّحمن الهنتاني التّونسيّ قراءة بها عليه ؛ عن الفقيه أبي العبّاس أحمد بن عليّ بن أبي بكر الحميريّ القلعيّ ـ يعرف بالبلّاطي ـ عن الفقيه الإمام أبي محمّد عبد الله بن ميمون بن محمّد الغنّام القلعيّ ، عن الفقيه الإمام الصّالح أبي عبد الله محمّد بن عبد (٣) المعطي بن عبد الله (٤) الأذنيّ ـ بالذال المعجمة والنون ويعرف بابن الرّمّاح ـ عن أبي الفضل ابن النّحويّ رحمه‌الله ، ونقلت هذا السّند من خطّ أبي عبد الله المصري مخمّسها ، فقال : [المتدارك]

__________________

(١) في ت : فأقشعها.

(٢) الغائلة : الداهية.

(٣ ـ ٣) ـ سقط من ت.

١٣٨

[تخميس المنفرجة لأبي عبد الله المصري]

[٢٩ / ب]يا من يشكو ألم الحرج

ويرى عسرا قرب الفرج (١)

أبشر بشذا فرج أرج

اشتدّي أزمة تنفرجي

قد آذن ليلك بالبلج (٢)

وارتح للرّوح فلا حرج

فمراقي الّلطف لها درج

ومعاني الضّيق لها فرج

وظلام اللّيل له سرج

حتّى يغشاه أبو السّرج (٣)

اليأس لذي البلوى خطر

والبأس مع النّعمى بطر (٤)

والقلب له أبدا وطر

وسحاب الخير لها مطر (٥)

فإذا جاء الإبّان تجي (٦)

والغافل عن هذا همل

والنّفس تملّكها الأمل (٧)

وملاك الخير هو العمل

وفوائد مولانا جمل (٨)

لشروح الأنفس والمهج (٩)

__________________

(١) في ت : ويرى عسري.

(٢) أبلجت الشمس : أضاءت. والبلوج : الإشراق.

(٣) أبو السّرج : الشمس.

(٤) في ط : واليأس مع النعمى ...

(٥) الوطر : الحاجة.

(٦) الإبّان : الوقت والحين. وحذفت همزة تجيء للروي. وهو ممّا يجوز عند الضرورة في الشعر.

(٧) الهمل : الضالّ.

(٨) في ط : «ملاك». دون واو ، وبها لا يستقيم الوزن. جمل : كثيرة.

(٩) المهج : جمع مهجة ، وهي الروح. لشروح الأنفس : لشرح الصدور.

١٣٩

عمّ الأكوان ندى وجدا

فعلا الآفاق شموس هدى (١)

ورياض الجود تصدّ صدى

ولها أرج محي أبدا (٢)

فاقصد محيا ذاك الأرج (٣)

لله نسيم حيا أحيا

ومسير طريق ما أعيا (٤)

فالزمه ، فربّتما أغيا

ولربّتما فاض المحيا (٥)

ببحور الموج من اللّجج (٦)

ذو العقل يقوم بسيّده

ومسدّده ومؤيّده (٧)

ومصرّفه ومردّده

والخلق جميعا في يده

فذوو سعة وذوو حرج (٨)

ونزاعهم ونزوعهم

وقناعتهم وقنوعهم

وسلوّهم وولوعهم

ونزولهم وطلوعهم

فإلى درك وعلى درج (٩)

__________________

(١) الجدا : العطاء.

(٢) الأرج : الرائحة الطيبة.

(٣) المحيا : المكان الذي يحيا فيه.

(٤) الحيا : المطر والخصب.

(٥) فاض المحيا : كثر ماؤه. والمراد خيره.

(٦) اللّجج : جمع لجّة وهي معظم الماء.

(٧) في ت : يقوم لسيّده.

(٨) ذوو حرج : ذوو ضيق ، من قولهم : حرج عليه أي ضيق عليه.

(٩) في ت : وإلى حرج. الدرك : أسفل كل شيء. درج : درجات للصعود.

١٤٠