رحلة العبدري

أبو عبدالله العبدري

رحلة العبدري

المؤلف:

أبو عبدالله العبدري


المحقق: د. علي إبراهيم كردي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٢٨

بعضه بالشّكل ، وبهامش النّسخة بعض التّعليقات والتّصويبات ممّا يدلّ على أنها قوبلت على نسخة أخرى.

ويبتدئ كل فصل منها بحروف أكبر من خطّها العادي ، ويلتبس منها حرف الضّاد بالظّاء. والنّسخة كاملة إلّا أن فيها بعض المواضع البيضاء ، وهذا البياض نفسه موجود في باقي النّسخ وفي المطبوع أيضا.

أما تاريخ النسخ فهو أوائل ذي قعدة من عام خمسة وأربعين وسبع مئة ، نقلها النّاسخ من أصل المؤلّف ، واعتمدتها أصلا في التّحقيق ورمزت لها ب «الأصل».

٢ ـ نسخة تونس : وهي من رصيد المكتبة الأحمديّة بتونس التي آلت مخطوطاتها إلى المكتبة الوطنيّة ، وحفظت فيها تحت رقم ١٥٩٥٢ ، وعدد أوراقها مئة وإحدى وسبعون ورقة ، في كل صفحة بين تسعة عشر واثنين وعشرين سطرا ، كتبت بخطّ مغربي جميل واضح ، وضبط بعض الحروف بالشّكل ، ووضع النّاسخ إطارا لصفحات الكتاب. أما تاريخ النسخ فهو أواخر محرّم عام سبعة وثمانين ومئة وألف ، ورمزت لها ب «ت».

٣ ـ نسخة ليدن : وهي المحفوظة بمكتبة جامعتها تحت رقم ٧٢٧ وعدد أوراقها مئة وثماني عشرة ورقة ، وعدد أسطر كلّ صفحة بين واحد وعشرين واثنين وعشرين سطرا ، وكاتب النّسخة جاهل بأصول الكتابة وقواعدها ، إذ كان يسقط الكلمات التي لا يعرف قراءتها ، لذا فهي ملأى بالتّحريف ، وكثيرة السّقط والاضطراب ، إضافة إلى أنها بتراء ينقصها من آخرها قرابة سبعة أسطر من النّثر ، وقصيدة العبدريّ المنظومة. لذلك فقد عمدت إلى استبعادها من المقابلة والمقارنة ، ولم أعد إليها إلّا نادرا للتّأكد والاستئناس.

٢١

٤ ـ طبعة الرّباط : «رحلة العبدريّ» قام بنشرها الدّكتور محمد الفاسي عام ثمانية وستين وتسع مئة وألف ، وأشار في مقدّمته إلى أنه اعتمد نسخ المغرب كلّها. (١) وتقع هذه الطّبعة في أربع وثمانين ومئتي صفحة ، إلّا أنّ هذه الطّبعة لم تف بحقّ الرّحلة ، إذ شابها شيء من السّقط ، والتّحريف ، والتّصحيف ، ويبدو أن وقت النّاشر لم يتّسع لأكثر ممّا بذل ، وقد ألمح إلى ذلك في مقدّمته وتمنّى أن يقيّض لهذه الرّحلة من يقوم بخدمتها بشكل أفضل إذ قال : «والتعرّض لذلك بالتّفصيل يتطلب دراسة خاصّة ينبغي أن يشتغل بها الباحثون نظرا لأهميّتها» (٢) ورمزت لها ب «ط».

٥ ـ طبعة الجزائر : «الرّحلة المغربيّة» ، وقد عني بنشرها الأستاذ أحمد ابن جدّو في الجزائر أوائل السّتينات. وهي طبعة ناقصة تكاد تفي بنصف الرّحلة الأساسيّة ، فهي تتوقّف عند وصوله إلى الإسكندريّة ثمّ يعود منها إلى بلده ، مع العلم أن النّسخ الّتي يقول إنّه اعتمدها في التّحقيق كان في مقدّمتها نسخة باريس وهي تامّة ، ولا نعلم السّبب الّذي حمل النّاشر على بتر هذه الرّحلة.

ولمّا كانت هذه الطبّعة غير صحيحة لم أجعلها مع النّسخ المعتمدة في المقارنة والنّظر ، وربّما عدت إليها كلّما أشكل الأمر في بقيّة النّسخ لأفيد ممّا ورد فيها ، وكان ذلك على ندرة. وقد يسّر لي الوقوف على هذه الطّبعة أستاذنا الدّكتور شاكر الفحّام الذّي اثرني بها ، فأفدت منها ومن ملاحظاته القيّمة الّتي دوّنها على حواشي هذه الطّبعة.

__________________

(١) مقدمة طبعة الرّباط صفحة أذ

(٢) مقدمة طبعة الرباط صفحة ار

٢٢

منهج التحقيق

كان منهجي في تحقيق هذا النّص يتوخّى الدّقّة والسّلامة ما أمكن. فكان أن نسخت النّص ، وضبطت مشكله ، ثم قارنت النّص في النّسخ المعتمدة جميعا وأثبت الفروق الّتي وقعت فيها. ولم أتخلّ عن الأصل إلّا في مواضع يسيرة جدّا ثبت فيها ضعف رواية الأصل ورجحان رواية النّسخ الأخرى.

ثم ضبطت الآيات الكريمة ، والأحاديث الشّريفة ، والشّعر ، والأمثال ضبطا كاملا مستعينا بما تيسّر لي من المصادر الّتي تعينني على ذلك.

وعمدت إلى تدقيق النّص بالرّجوع إلى المصادر الّتي عاد إليها المؤلف واستطعت الوقوف عليها ، ثم بالرّجوع إلى المصادر الّتي كانت تتحدث عمّا أشار إليه العبدريّ.

كذلك فقد شرحت الغريب من الكلمات بالرّجوع إلى لسان العرب والقاموس المحيط ، وخرّجت الأحاديث و

الشّعر والأمثال من مظانّها ما وسعني ذلك.

ووضعت عناوين لفقرات الرّحلة ضمن معقوفين لتسهيل الرّجوع إليها.

وقد ندّ عني شيء ممّا تقدّم لم أهتد إلى تخريجه أو توثيقه ، ولعلّني أوفّق قابل الأيّام في استدراك مافرط منّي.

٢٣

وصنعت آخر التّحقيق الفهارس الفنّية اللازمة الّتي تعين على الرّجوع إلى ما في الكتاب من :

ـ آيات قرآنيّة

ـ أحاديث شريفة

ـ أمثال مأثورة

ـ أشعار وأراجيز.

ـ أسماء وأعلام.

ـ قبائل وجماعات.

ـ أماكن

ـ مصطلحات مناسك الحج.

ـ أقوال.

ـ لغة.

ـ موضوعات.

وبعد :

فهذا عملي أقدّمه بعد أن سعيت ما استطعت إلى خدمة هذا النّص ، وإخراجه على صورة تحظى بالقبول ، غير مدّخر جهدا ، ولا محتسب مشقّة ، فإن أحسنت فبفضل من الله ، ثم بما قدّم اليّ من سديد الرّأي والتّوجيه ، وإن كانت الثّانية فعن غير قصد ولا تقصير ، وحسبي أنّي أخلصت النّيّة ، وبذلت الجهد ، والله من وراء القصد.

علي كردي

دمشق في ١٣ / ٦ / ١٩٩٣

٢٤

٢٥

النّص المحقّق

رحلة العبدريّ

٢٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[مقدّمة المصنّف]

(١) اللهمّ صلّ وسلّم على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وتابعيه وأمّته (٢)

يقول العبد المذنب المستغفر الفقير إلى الله تعالى محمدّ بن محمدّ ـ أيضا ـ بن عليّ بن أحمد بن سعود (٣) العبدريّ عفا الله تعالى عنّا وعنه بمنّه :

أحمد الله تعالى حمد معترف بالتّقصير ، عائذ بوجهه الأكرم ، وجلاله الأعظم من سوء المصير. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، شهادة تتكفّل لي بالسّلامة من كلّ ملامة ، وتضيء في ظلمتي (٤) القبر والقيامة وتنير. وأصلّي وأسلّم (٥) على سيّدنا محمّد نبيّه وخيرته وصفوته (٦) البشير النّذير ، وعلى آله الأعظمين ، وصحبه الأكرمين ، صلاة تفوت العدّ والتّقدير ؛ وتكون لي أثرة باقية ، وجنّة واقية ، من عذاب السّعير ؛ وتمحو من كبير زللي ومسطور خطلي وما جرى به قلم التّقدير.

__________________

(١ ـ ١) ـ في ت : صلّى الله على سيّدنا محمّد ، وفي ط : صلّى الله على سيّدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما.

(٢) في ط : مسعود.

(٣) في ط : ظلمة.

(٤) ليست في ط.

(٥) في ت وط : صفيّه.

٢٧

وبعد : فإنّي قاصد بعد استخارة الله سبحانه. إلى تقييد ما أمكن تقييده ، ورسم ما تيسّر رسمه وتسويده ، (١) ممّا سما إليه النّاظر المطرق ، في خبر الرّحلة إلى بلاد المشرق ، من ذكر بعض أوصاف البلدان ، وأحوال من بها من القطّان ، حسبما أدركه الحسّ والعيان ، وقام عليه بالمشاهدة شاهد البرهان ، من غير تورية ولا تلويح ، ولا تقبيح حسن ولا تحسين قبيح ، بلفظ قاصد لا يحجم معرّدا ، (٢) ولا يجمح فيتعدّى المدى ، مسطّرا لما رأيته بالعيان ، ومقرّرا له بأوضح بيان ، حتّى يكون السّامع لذلك كالمبصر ، وتلحق فيه السّبّابة (٣) الخنصر ، فتشفى [به](٤) نفس المتطلّع (٥) المتشوّف ، ويقف منه على بغيته السّائل المتعرّف. وأذكر مع ذلك ما (٦) استفدته من خبر ، أو أنشدته من درر ، ما أنظم في أوراق (٧) متبدّده ، وأعقل بعقال الخطّ متشرّده ، وأثبت في خلال ذلك من نظمي ما يتغلغل إليه الكلام ، أو تجنح إلى تحصيله ضوامر (٨) الأقلام ، وأضيف إلى ذلك ما يضطرّ إليه التّبيان ، (٩) فيما قصّر فيه العيان ، من نبذ مذكورة ، ونتف مشهورة ، ونكت مرسومة [١ / ب] في الكتب مسطورة ، تتميما لغرض التّقييد ، وتعميما لأرب المستفيد ، حتّى يكون التأليف في بابه مغنيا ، وعن الافتقار إلى غيره مستغنيا ، مثبتا في كلّ رسم بعض الأحاديث

__________________

(١) في ط : تسديده.

(٢) في الأصل : مفردا ، وهو تحريف. والتعريد : الفرار.

(٣) في ت : به بالسبابة.

(٤) زيادة من ت وط.

(٥) في ت : المتطالع.

(٦) في ت وط : مما.

(٧) في ت وط : ما أضم في الأوراق.

(٨) في ت : ضوار ، وهو تحريف.

(٩) في ت وط : البيان.

٢٨

التي رويتها ، والآثار الّتي وعيتها ، تبرّكا بإثباتها ، وتيمّنا بذكر الفضلاء (١) من رواتها ، وأختم ذلك بقصيدة وعظيّة أسرد فيها الرّحلة سردا ، وأبرزها (٢) من نسج فكري بردا.

وربّما حمل الامتعاض لحزب الفضائل ، على فرط تحزّب وتألّف (٣) على فئة الرّذائل ، فيقع (٤) في اللّفظ إقزاع (٥) وإقذاع ، (٦) ويرسم في باب همزهم تمكين مدّ وإشباع ، لا جهلا بموقع الإغضاء من أخلاق ذوي الآداب ، ولا ميلا إلى ما عابه الشّرع من مذموم الاغتياب ، وإنّما هو لغرض صحيح ، لا يرمي بسهم التّقبيح ، وهو إعطاء ذي الحقّ حقّه ، وألّا تكون الفضائل لغير أهلها مستحقّة ، فيكون الفاضل في الوصف مبخوسا ، ويرى الناقص في غير منبته مغروسا ، وقد يردع المسيء عن إساءته ما يرى ويسمع من مساءته ومن التأديب كلّ ما كفّ المرء عن زلله ، و «نيّة المؤمن أبلغ من عمله» (٧) ؛ وعلى أنّي ـ يعلم الله ـ قلّما أمتعض لنفسي ، وأزجر في غرضها عنسي (٨) ، وما أغريت قلمي بالانتصاف ، ولا أعملته في ذكر ذميم الأوصاف ، إلا لحرمة من الفضل أشلاؤها ممزّعة ، (٩) أو وظيفة من الشّرع أحكامها مضيّعة.

__________________

(١) في ت : الفضل

(٢) أبرز الكتاب : نشره وأخرجه.

(٣) في ط : تألّب.

(٤) في الأصل : فيقبح.

(٥) في ت وط : إقذاء. وأقزع له في المنطق : تعدّى في القول القاموس : قزع.

(٦) الإقذاع : الرّمي بالفحش.

(٧) حديث أخرجه : أبو الشيخ في كتاب الأمثال ١ / ٥٤ ، وأورده الهنديّ في كنز العّمال ٣ / ٤٢٤.

(٨) العنس : الناقة القوية.

(٩) ممزّعة : مقطعة.

٢٩

وقد حدّثنا الشّيخ الفقيه المحدّث عالم الدّيار المصريّة تقيّ الدّين ، أبو الفتح ، محمّد بن عليّ بن وهب القشيريّ (١) إملاء من لفظه بمنزله من دار الحديث الكامليّة (٢) بقاعدة مصر ـ مهدها الله تعالى ـ قال : قرأت على الفقيه المفتي أبي محمّد عبد العزيز بن عبد السّلام السّلميّ ، وكان من سلاطين العلماء صليبا (٣) في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، عن الحافظ أبي محمّد القاسم بن عليّ بن الحسن بن هبة الله الشّافعيّ ، قراءة عليه ، قال : أخبرنا عليّ بن مسلم بن محمّد السّلمي ، قال : أخبرنا أبو الحسن (٤) أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد السّلمي ، قال : أخبرنا جدّي أبو بكر محمّد بن أحمد ابن عثمان بن أبي الحديد ، قال : أخبرنا أحمد هو أبو الفضل بن عبد الله بن نصر بن هلال السّلمي ، قال : حدّثنا المؤمّل هو ابن إهاب ، قال : حدّثنا عبد [٢ / آ] الرّزّاق ، قال : أخبرنا الثّوريّ عن قيّس بن مسلم عن طارق بن شهاب ، قال : أوّل من قدّم الخطبة مروان ، (٥) فقام إليه رجل فقال : يا مروان! خالفت

__________________

(١) محمد بن علي بن وهب القشيري : ابن دقيق العيد ، قاض محدّث ، ولد بينبع ٦٢٥ ه‍ ، وولي قضاء مصر سنة ٦٩٥ ه‍ واستمرّ بها إلى أن توفّي سنة ٧٠٢ ه‍ بالقاهرة. له تصانيف منها : إحكام الأحكام. ترجمته في الديباج المذهب : ٣٢٤ ، شذرات الذهب : ٦ / ٥ ، الدّرر الكامنة : ٤ / ٩١.

(٢) دار الحديث الكاملية : بناها الملك الكامل في القاهرة. وكملت عمارتها سنة ٦٢١ ه‍ ، وهي ثاني دار للحديث بعد دار الحديث العادلية بدمشق انظر حسن المحاضرة ٢ / ٢٦٢ ، خطط المقريزي ٢ / ٣٧٥.

(٣) التصلّب : التشدّد.

(٤) في ط : الحسين ، وهو تحريف.

(٥) مروان بن الحكم ، أبو عبد الملك ، ولد بمكة المكرّمة سنة ٢ ه‍ ، ونشأ بالطائف ، وشهد صفّين مع معاوية ، ثمّ ولّاه معاوية المدينة المنوّرة ، وتوفي بدمشق سنة ٦٥ ه‍ ترجمته في الإصابة ٣ / ٤٥٥ ، شذرات الذهب ١ / ٧٣.

٣٠

خالف الله بك ، فقال : يا فلان! اترك ما هنالك ؛ فقام أبو سعيد الخدريّ ، (١) فقال : أمّا هذا فقد قضى ما عليه ؛ سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من رأى منّكم (٢) منكرا فليغيّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان». (٣)

وليس بمنكر (٤) في هذا الزّمان قدح من يقدح ، وإنّما المنكر (٥) مدح من يمدح ؛ لأنّ الصّدق محمود بكلّ لسان ، والكذب مذموم من كلّ إنسان ، والأمر في ذلك كما أنشدني الشّيخ الأستاذ الفاضل محيي الدّين أبو عبد الله محمّد بن عبد العزيز المازوني (٦) بالإسكندريّة لنفسه :

__________________

(١) سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري الخزرجي ، صحابي لازم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وله ١١٧٠ حديثا ، وغزا اثنتي عشرة غزوة. توفي بالمدينة سنة ٧٤ ه‍ ترجمته في الإصابة ٢ / ٣٢ ، غربال الزمان : ٦٧.

(٢) ليست في ت وط ، وهي من لفظ الحديث.

(٣) أخرجه مسلم : رقم ٧٨ في الإيمان ، باب كون النهي عن المنكر من الإيمان ، والترمذيّ : رقم ٢١٧٣ في الفتن ، باب ما جاء في تغيير المنكر باليد ، وابن ماجة : رقم ٤٠١٣ في الفتن ، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأبو داود : رقم ٤٣٤٠ في الملاحم ، باب الأمر والنهي ، وأحمد بن حنبل : ٣ / ٢٠ و ٤٩ و ٥٤ ، والنسائي : ٨ / ١١١.

(٤) في ت وط : نكرا.

(٥) في ت وط : النكير.

(٦) محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن عمر ، محيي الدين النحوي ، المعروف بحافي رأسه ، من أئمّة العربية ، له نظم ، ولد بتلمسان سنة ٦٠٦ ه‍ وتوفي سنة ٦٩١ ه‍ ترجمته في فوات الوفيات ٣ / ٤٠٩ ، والوافي بالوفيات ٣ / ٣٦٤ ، وشجرة النور الزكية ٢٠١ ، والبلغة في تاريخ أئمة اللغة ٢٣٠ وجاء في الفوات وشجرة النور أنّ وفاته كانت ٦٨٠ ه‍. وهذا غير صحيح بدليل لقاء العبدري له سنة ٦٨٨ ه‍.

٣١

[الخفيف]

قل لأهل الزّمان حاشاك ممّا

أصبحوا فيه من مساو سواء

ما على شاعر هجاكم ملام

هل رآكم أحسنتم فأساء

كان من قد مضى يعلّمنا المد

ح وأنتم تعلّمونا الهجاء

وقد تعطّل في هذا العصر موسم الأفاضل ، وتبدّد في كلّ قطر نظام الفضائل ، وتفرّق أهلها أيادي سبا ، (١) وصاروا حديثا في النّاس مستغربا ، فعادوا اسما بلا مسمّى ، وحرفا ما دلّ على معنى ، فالمحدّث عنهم في مشرق أو مغرب ، كالمحدث عن عنقاء مغرب ، (٢) ولو طاب المورد لحصل الرّيّ ، وقديما قال أبو العلاء المعرّي : (٣) [الخفيف]

ويقال : «الكرام» قولا وما في ال

أرض إلّا الشّخوص والأسماء (٤)

وكيف لا تكون الدّنيا على ما أصف وأقول ، وعلى وفق المشاهد من ذميم أوصافها والمنقول ، وقد صار الملك الذي هو نظام الأمور ، وصلاح الخاصّة والجمهور ، في أكثر الأرض منقوض الدّعائم ، مهدوم (٥) القوائم ، يدّعيه كلّ

__________________

(١) أيادي سبا ؛ أي : متفرّقين. وفي المثل : تفرّقوا أيدي سبا ؛ أي تفرّقوا تفرّقا لا اجتماع بعده انظر : الميداني ١ / ٢٧٥.

(٢) العنقاء المغرب : طائر خرافي لم يره أحد ، قال أبو عبيد : طارت بهم العنقاء المغرب. وفي ثمار القلوب ٤٥٠ يقال : أعزّ من العنقاء المغرب.

(٣) في اللزوميات : ١ / ٥٧.

(٤) في اللزوميات : وما في العصر

(٥) في ت : مهزوم ، وفي ط : مصدّع.

٣٢

غويّ ، كالمليكشي (١) وعبد القويّ ؛ رضوا باسم الملك وإن فاتهم معناه ، وادّعوه وما لهم منه إلا أسماؤه وكناه ؛ لا يأمن بهم طريق ، ولا يستنقذ بهم غريق ، ولا يذكر منهم أصيل في المجد عريق ؛ لا تندى أكفّهم بنائل ، ولا تصون عن الابتذال وجه فاضل ، ولا ينصف بهم [٢ / ب] مظلوم ، ولا يقرع (٢) بأسيافهم ظلوم.

أو ليس من الأمر الأمرّ الخارج عن كلّ قياس ، أن المسافر عند ما يخرج من أقطار (٣) مدينة فاس ، (٤) لا يزال إلى الإسكندريّة في خوض ظلماء ، وخبط عشواء ، (٥) لا يأمن على ماله ولا على نفسه ، ولا يؤمل راحة في غده إذ لم يرها في يومه وأمسه ، يروح ويغدو لحما (٦) على وضم (٧) ، يظلم ويجفى ويهتضم ، تتعاطاه الأيدي الغاشمة ، وتتهادا الأكفّ الظّالمة ، لا منجد له ولا معين ، ولا ملجأ يعتصم به (٨) المسكين ؛ يستنجد ويستغيث ، وأنى له المنجد والمغيث؟ ينادي وهو في قيد المظالم يرسف : (٩) ألا ناصر ينجد؟ ألا راحم يرأف؟ يتذكّر (١٠) ملك

__________________

(١) في ط : الملائكشي ، ولعلّه أراد منصور صاحب ملكيش الذّي سيذكره العبدري فيما بعد عند وصوله إلى تلمسان.

(٢) في ت : يقدح.

(٣) في ت : عن أنظار ، وهي ليست في ط.

(٤) فاس : مدينة مشهورة بالمغرب الأقصى ، كانت منذ القديم مهدا للثقافة الإسلامية ، وبمدينة فاس جامع القرويين ، وهو معهد للعلوم يقصده الطلّاب من كل جهة. معجم البلدان ٤ / ٢٣٠.

(٥) أي على غير هدى.

(٦) في الأصل : ولحمه وهو تحريف.

(٧) الوضم : كلّ شيء يوضع عليه اللحم من خشب أو غيره يوقى من الأرض ، وفي الحديث : إنّ النساء. لحم على وضم. الميداني ١ / ٩١ ؛ وتركهم لحما على وضم : أوقع بهم فذلّلهم وأوجعهم.

(٨) في ت : إليه.

(٩) الرّسف : مشي المقيّد.

(١٠) ـ في ت : يذكر.

٣٣

البّرين فيقرأ : (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ :)(١) [الطويل]

فمن مبلغ علياه عنّي من نظمي

رسالة مستعد شكا ظلمة الظّلم

ضعيف القوى أودت بأنضاء جسمه

فياف برت أهوالها مصمت العظم (٢)

مهامه ينضين الفنيق وإن قضت

على ابن سبيل والت الجور في الحكم (٣)

إذا ضافها ضيف قرته بلحمه

فلم يعدها إلّا عريّا من اللّحم

٥ ـ وخيّم فيها كلّ فظّ إذا رأى

بنيّة شخص لم يكفكف عن الهدم (٤)

يرى أنّ حكم النّبت والنّاس واحد

فما ينثني فيهم عن الخضم والقضم (٥)

ويرتاح للحجّاج حين يراهم

كليث طوى منه الطّوى راح للضّغم (٦)

فكلّهم السّفّاف وهو بشؤمه

على قبره كوم عظيم من الرّضم (٧)

__________________

(١) من الآية : ٤٨ من سورة يوسف. وثمّة تورية بين يوسف النبي عليه‌السلام وملك المغرب يوسف بن يعقوب بن عبد الحقّ المريني من ملوك الدولة المرينية بالمغرب الأقصى ؛ تولّى المملكة بعد وفاة أبيه سنة ٦٨٥ ه‍ ، وهو أوّل من هذّب ملك بني مرين وأكسبه رونق الحضارة. توفي في قصره بالمنصورة قرب تلمسان بعد أن طعنه خصيّ من مماليكه سنة ٧٠٦ ه‍ انظر جذوة الاقتباس ٢ / ٥٤٧ ، والاستقصا ٣ / ٦٦ ـ ٩١.

(٢) في ت : أبدت بأنضاء جسمه. والفيافي : جمع فيف : المفازة لا ماء فيها ، مع الاستواء والسّعة. والمصمت : الذي لا جوف له.

(٣) المهامه : جمع مهمه : المفازة البعيدة لا ماء فيها ولا أنيس. والفنيق : الجمل الفحل المكرم الذي لا يهان ولا يركب.

(٤) في ط : بليّة.

(٥) الخضم : الأكل بأقصى الأضراس ، والقضم : بأدناها.

(٦) الطوى : الجوع ، والضّغم : العضّ غير النهش.

(٧) السّفّاف : رجل من العرب كان يسكن وادي القرّ في الجزيرة العربية ، كان يقطع الطريق على الحجّاج. وسيترجم له المؤلّف في الصفحة ٣٤١ من الرّحلة. والرّضم : الأكوام من الحجارة.

٣٤

وأعجب من هذا ملوك ـ بزعمهم ـ

وجودهم في الأرض شرّ من العدم

١٠ ـ رضوا بأسام لا محصّل عندها

كطفل يرضّى بالمحال من الزّعم

إذا استصرخ المظلوم منهم معظّما

فقد طلب الفتوى إلى غير ذي علم

وإن يشك مضطرّا إليهم فقد شكا

إلى غير ذي فضل فتى غير ذي فهم (١)

[٣ / آ] ألا لا تطل شكوى فلست بمشتك

إلى ملك البرّين واسكت على رغم (٢)

فذاك الّذي أفنى الطّغاة بسيفه

فلم يبق منهم من يشير إلى ظلم

١٥ ـ أباد هم حتّى بدا الغرب حضرة

مطهّرة من كلّ عيب ومن وصم (٣)

بذكراه فالهج تعتصم بسعوده

إذا أنت لم تعصم بسيف له يصمي (٤)

هو المرء يغني حين يعطي وإن يصل

تقل دكّت الدّنيا ولم يبق من رسم (٥)

إذا احتال مغتال لسمّ عدوّه

فصارمه الهنديّ يغني عن السّمّ

وإن دان ذو ضعف بكيد مكتّم

فبالسّيف يمحو الكيد لكن بلا كلم (٦)

__________________

(١) في ت وط : مضطرّ.

(٢) المقصود بملك البرّين : يوسف بن يعقوب بن عبد الحق المريني. والبرّان : المغرب والأندلس.

(٣) ت وط غدا الغرب. والوصم : العيب في الحسب.

(٤) يصمي : يقتل ، و: يهلك.

(٥) في ط : هو البحر.

(٦) الكلم : الجرح.

٣٥

٢٠ ـ له صارم يرنو بعيني محدّق

إلى كلّ من يخطر له الشّرّ في وهم (١)

أراق دماء الظّالمين فقد غدت

على حلّة العلياء أبهى من الرّقم (٢)

ترى سيفه في الحرب يهدي ويهتدي

إذا ضلّ ما يرمى وضلّ الّذي يرمي (٣)

إذا رصّ في أمر بناه عزيمة

فلا تخش من وهي ولا تخش من ثلم (٤)

يوافيك منه وافيا أو معاديا

غمام يروّي أو حسام له يصمي

٢٥ ـ لئن عذبت في السّمع أمداح مجده

فإنّ نداه الجمّ مستعذب الطّعم

وإمّا حوى درّا نظامي فإنّها

فضائله طرّا ومالي سوى النّظم (٥)

لقد لذّ حتّى قلت إن كنت أبتغي

ثوابا به فهو النّهاية في الظّلم

[٣ / ب] ينيل يسارا من غدا الفقر حلفه

ويولي افتقارا من تموّل بالغشم (٦)

ولا غرو في الضّدّين أن جمعا به

غنى وافتقار هكذا حالة اليمّ

٣٠ ـ يقيم بطبع الفضل أوزان نظمه

فقد صين من كفّ لديه ومن خرم (٧)

وليس يعدّ الغنم مالا يحوزه

إذا عدّه ذو البخل من أعظم الغنم

__________________

(١) في ط : يخطوله الشرّ. وسكنّ الراء في يخطر ضرورة. انظر (ضرورة الشعر لأبي سعيد السّيرافي ١١٩)

(٢) الرّقم : ضرب مخطّط من الوشي.

(٣) في ت : وسيفه في الحرب. وبه يختلّ الوزن.

(٤) وهي الحائط ؛ إذا ضعف وهمّ بالسقوط. والثّلمة : الخلل في الحائط وغيره.

(٥) في الأصل ولمّا حوى.

(٦) في ت : ينال يسارا. والغشم : الظّلم والغصب.

(٧) الكفّ : المنع ، والخرم : النقص. وهما من مصطلحات العروضيّين ؛ فالكفّ في العروض : حذف السابع الساكن ، والخرم : ذهاب الفاء من (فعولن) فيبقى (عولن) فينقطع في التقطيع إلى (فعلن) ، ولا يكون الخرم إلّا في أوّل الجزء من البيت انظر : الوافي للتبريزي : ٢٠٥.

٣٦

ولكن نفوسا قد عتت وتجبّرت

فحطّمها وطء المقيّد للهرم (١)

وصيرّها مملوكة بعد ملكها

وحطّ علاها وهي أبعد من نجم (٢)

وعوّضها من عزّة الملك ذلّة

ومن صحّة الأحوال منهكة السّقم

٣٥ ـ إذا حلّ عزم المرء حزم بدا له

رأى الحزم كلّ الحزم في صحّة العزم

طغى الكفر حتّى صدّه بجيوشه

كما صدّ ذو القرنين ياجوج بالردّم (٣)

بحمر وشقر كالدّنانير لونها

وشهب كبيض الصّحف أو لونها ينمي (٤)

وقد شرّدت بالخوف منها عداتها

فلم ترها جمعاء إلّا من الدّهم (٥)

فكم بطل حلف الأباطيل أبطلت

وكم جرمت من قد تجرّم بالجرم (٦)

٤٠ ـ وكم نصبت إذ أنصبت رفع فاعل

وألقت على أفعاله عامل الجزم

وكم مارد مهما علا انقضّ نحوه

شهاب من الفرسان أقصد من سهم

وكم صفّ صفّ في السّلاسل منهم

كما صفّ في الأرباق حاشية البهم (٧)

توزّعهم ريب الزّمان توزّعا

أرى حاسب الأعداد كيفيّة القسم

__________________

(١) الهرم : ضرب من الحمض فيه ملوحة ، وهو أذلّه وأشدّه انبساطا على الأرض واستبطاحا ، وأفاد من قول زهير :

ووطئتنا وطأ على حنق

وطء المقيّد يابس الهرم

(٢) ضمّن العبدري المثل : أبعد من النجم ، وهو في الميداني : ١ / ١١٥.

(٣) ذو القرنين : هو الإسكندر الرومي ، ويأجوج ومأجوج : قبيلتان ، جاءت القراءة فيها بهمز وبغير همز. والرّدم : قيل : السّدّ الذي بيننا وبين يأجوج ومأجوج. انظر اللسان : ردم.

(٤) المراد بالحمر والشقر والشهب : الخيول.

(٥) الدّهم : العدد الكثير.

(٦) في ت وط : حلف الأباطل ، وفي ت و: ط : خرمت ... تحرّم ، وهو تصحيف. والجرم : التعدّي.

(٧) الأرباق : جمع ربق : عروة حبل تجعل في عنق الدّابة أو يدها تمسكها.

٣٧

فأموالهم للنّهب ، والأهل للسبّا

وأرواحهم للنّار والجسم للحطم (١)

٤٥ ـ كذا يبتنى المجد الرّفيع وهكذا

تضمّ خصال المجد في نسق الّنظم

فيا أيّها السّاري المغذّ لأرضه

ليهنك أمن في ذراه من الظّلم (٢)

ويهنك أن تحظى بقرب جنابه

فتأمن من عرب هناك ومن عجم

حنانيك أبلغ نحوه لي رسالة

تبلّغ شكوى مسترمّ من الهمّ (٣)

وشد بالّذي حبّرته من مدائح

يفوق بها الياقوت درّ من الكلم

٥٠ ـ مدائح يختال الزّمان بذكرها

صحائح ما ترمى بزور ولا إثم (٤)

إذا برزت في حلبة الشّعر برّزت

وحاز سواها نعتي السّكت واللّطم

[٤ / آ] كعاب إذا لاحت سبت كلّ ناظر

فيسلو بها عن ذكر هند وعن نعم (٥)

إذا جليت قام العيان بمدحها

فأظهر تفنيد المشير إلى الذّمّ

ولم ألف في مصر ولا الشّام كفأها

فأطرقت إطراق الشّجاع من الغمّ (٦)

٥٥ ـ فأبلغ بها ـ نلت الأماني ـ أمانة

ولا تظلمنها بابتذال ولا كتم

إلى الملك السّامي صعودا على الورى

وليثهم في الحرب ، والغيث في السّلم

إلى من له كفّ إذا المزن أخلفت

فما إن تزال الدّهر ساجمة تهمي (٧)

__________________

(١) السّبي والسباء : الأسر.

(٢) في ط : المغدّ ، بإهمال الدال. وفي الأصل : في داره ، وبه يختلّ الوزن. والمغذّ : المسرع.

(٣) المسترمّ : بالي العظام.

(٤) في ط : صحائف ما ترمى.

(٥) الكعاب : المرأة حين يبدو ثديها للنهود.

(٦) الشّجاع : الحّية ، وفي المثل : أطرق إطراق الشجاع ، انظر الميداني : ١ / ٤٣١.

(٧) أسجمت السّحابة : دام مطرها.

٣٨

إلى فاضل أعيا الأفاضل شأوه

فمن مثله الدّنيا أصرّت على عقم

إلى يوسف سيف الإله الّذي أتى

لحسم العدا ، إنّ الحسام من الحسم (١)

٦٠ ـ فدام ودامت في الصّعود سعوده

منيلا لمن يسمو له كلّ ما يسمي (٢)

مرقى موقى مستجارا مؤمّلا

منيرا مبيرا للظّلام وللظّلم (٣)

عليّا كريم السّعي يرجى ويتّقى

مفيدا مبيدا في رضاه وفي الرّغم (٤)

مصون العلا ما ضمّ درّ مديحه

ورصّع في بدء الحديث وفي الختم

وهذه الرّحلة بدأت بتقييدها في تلمسان (٥) ، ولم يمكنّي إظهارها هنالك ، وأظهرتها بعد خروجنا منها ، ووقف عليها شيوخنا بمصر وغيرها ، وكان شيخنا زين الدّين بن المنيّر (٦) ـ حفظه الله ـ يستحسن ما يقف عليه منها ، وقد أكملتها ـ والحمد لله ـ منتظمة (٧) على نسقها ، ومستنّة في سننها ، جاريا معها حسبما جرت ؛ مستمليا لها فيما قدّمت وأخّرت ، حتّى استوفي الغرض المطلوب ، وحصل المراد منه والمرغوب ؛ وبالله أعتصم وأستعين ، وهو خير عاصم ومعين ، وإيّاه أستهدي الصّواب ، وأستكفي ما يصم ويسم بالعاب (٨) ؛ إنه بنجح المطالب كفيل ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

__________________

(١) المقصود : يوسف بن يعقوب بن عبد الحقّ المريني ، وسلفت ترجمته.

(٢) في ت وط : مثيلا.

(٣) البوار : الهلاك.

(٤) في ت وط : مبيرا في رضاه.

(٥) تلمسان : مدينتان متجاوتان مسوّرتان ، بينهما وبين وهران مرحلة ، كانت مركزا علميا وحضاريّا أيّام ملوكها من بني عبد الوادي انظر : معجم البلدان ٢ / ٤٤.

(٦) هو علي بن منصور بن المنيّر : فقيه ، قاض ، محدّث ، ولي القضاء بالإسكندرية ، له شرح على البخاري في عدّة أسفار ، وحواش على شرح ابن البطّال ، توفي سنة ٦٩٥ ه‍ انظر حسن المحاضرة ١ / ٣١٧ ، والديباج المذهب ٢١٤.

(٧) في ط : منظمة.

(٨) في ت : العتاب. والعاب والعيب : الوصمة.

٣٩

[بداية الرحلة]

كان سفرنا ـ تقبّله الله تعالى ـ في : الخامس والعشرين من ذي القعدة ، عام ثمانية وثمانين وست مئة ، ومبدؤه من : حاحة (١) ـ صانها الله ـ وكان طريقنا على بلاد (٢) القبلة ، فزرنا (٣) ، بموضع أنسا من أعلى بلاد السّوس [٤ / ب] الأقصى (٤) ، قبر الشيخ الصّالح أبي حفص عمر بن هارون (٥) ، وهو من كبار الأولياء ، ومن عظماء الصّالحين ـ نفعنا الله بهم ـ ذكره صاحب كتاب «التشوّف» (٦) وبالغ في الثّناء عليه ، وذكره الشّيخ الفقيه (٧) الصّالح أبو سعيد الحاحيّ المترازيّ في كتابه «منار العلم» أنّه كان يدخل عليهم في الدرس فيقول لهم : «تهنّئكم عبادة القلوب والألسن والأيدي والأعين» يعني العلم. وهذا كلام من أيّد بالتوفيق ، وأمدّ بالتّحقيق. وحضر معنا زيارة قبره جماعة من الصّالحين ؛ ورأينا من حضور القلوب عنده ما قوّى الرّجاء في نيل بركته.

__________________

(١) حاحة : هي إقليم يحدّه من الغرب والشمال المحيط الأطلسي ، ومن الجنوب جبال الأطلس ، ومن الشرق نهر أسيف نوال ، ويشتمل على مدن كثيرة انظر وصف إفريقيا ١ / ٩٥.

(٢) في ت : بلد.

(٣) في ت : فمررنا.

(٤) بلاد السوس الأقصى : بلاد واسعة ، ومدن كثيرة بالمغرب الأقصى ، تقع وراء الأطلس إلى جهة الجنوب ، انظر وصف إفريقيا : ١ / ١١٣.

(٥) عمر بن هارون الماديدي ، عابد من أهل أنسا ، اعتزل الناس في الجبل ولم يتزوّج ، مات في أعوام التسعين وخمس مئة ، انظر التشوّف ٣٤٣.

(٦) هو يوسف بن يحيى بن عبيس بن عبد الرحمن التادلي عرف بابن الزيات ، وكتابه (التشوّف إلى رجال التصوّف) كتاب في تراجم المتصوّفة نشره أدولف فور بالرباط ١٩٥٨ ، وطبع طبعة ثانية بالرّباط بتحقيق الباحث أحمد التوفيق.

(٧) ليست في ت وط.

٤٠