رحلة العبدري

أبو عبدالله العبدري

رحلة العبدري

المؤلف:

أبو عبدالله العبدري


المحقق: د. علي إبراهيم كردي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٢٨

تميتني من الدّنيا حتّى توليني مشرق الأرض ومغربها ، ولا ينازعني أحد إلّا أتيت برأسه ثمّ جاء حتّى جلس ، ثم قالوا : قم يا عبد الله بن عمر فقام حتّى أخذ بالرّكن اليمانيّ ، فقال : اللهم [إنّك](١) رحمن رحيم ، أسألك برحمتك (٢) الّتي سبقت غضبك ، وأسألك بقدرتك على جميع خلقك ألّا تميتني من الدّنيا حتّى توجب لي الجنّة ، قال الشّعبيّ : فما ذهبت عيناي من الدّنيا حتّى رأيت كلّ واحد منهم أعطي ما سأل ، وبشّر عبد الله بن عمر بالجنّة ورئيت له»(٣).

وقرأت عليه أيضا ، حدّثنا الفقيه ، التّقي ، أبو الحجّاج يوسف بن حجّاج ابن يوسف قال : ثنا الفقيه الزّاهد أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن حسن بن تامتيت اللّواتي ، قال : أنا الفقيه أبو الحسين (٤) يحيى بن محمّد ، وقرأته عليه ، قال : أنا أبو القاسم خلف بن [١٣٢ / آ] عبد الملك ، قال أنا الفقيه العدل أبو عبد الله محمّد بن أحمد التّجيبيّ ، قال : أنا أبو علي حسين بن محمّد الغسّاني ، قال : نا أبو العبّاس أحمد بن عمر العذريّ قال : نا أبو العبّاس الرّازيّ قال : نا سليمان بن أيّوب الطّبرانيّ قال : نا بشر بن موسى قال : نا عبد الله بن يزيد المقرىء قال : نا حيوة (٥) بن شريح عن عقبة بن مسلم ، عن

__________________

(١) زيادة من ت وط.

(٢) في ط : بحرمتك.

(٣) الخبر في عيون الأخبار ١ / ٢٥٨ بتلخيص ، وفي نور القبس ٢٤٦ / ٢٤٧ ومكء العيبة ٢ / ٣٣٢ ـ ٣٣٣ بالسند نفسه.

(٤) في ت وط : أبو الحسن.

(٥) في ت : خيرة ، وهو تصحيف.

٥٠١

أبي عبد الرّحمن عن (١) الصّنابحيّ عن معاذ بن جبل (٢) : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ بيده فقال : «يا معاذ والله إنّي لأحبّك ، فقال : أوصيك يا معاذ لا تدع في كلّ صلاة أن تقول : اللهم أعنّي على ذكرك وشكرك ، وحسن عبادتك» (٣). وأوصى بذلك معاذ الصّنابحيّ وأوصى به الصّنابحيّ أبا عبد الرّحمن ، وتسلسلت الوصيّة هكذا إلى شيخنا فأوصانا به.

وحدّثنا أيضا قراءة منّي عليه قال : نا أبو عبد الله محمّد بن أحمد (٤) ابن لبّ الملّيلي (٥) عن أبي عبد الله بن قاسم ، عن أبي الخطّاب عمر بن دحية ، عن الإمام أبي الوليد يوسف بن عبد العزيز ابن يوسف الّلخميّ (٦) بن الدّباغ ، قال : أخبرني الشّيخ الصّالح أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن عبد الله الخولانيّ عن أبي عمر الطّلمنكيّ عن أبي جعفر أحمد بن محمّد. قال : قرأت على أبي محمّد عبد الله بن محمّد بن أمية ابن غلبون ، قال : أنا محمّد بن عبد الله بن أبي حليم ، قال : نا محمّد بن وضّاح ، قال : نا أبو نجدة يزيد بن مجالد ، قال : نا كثيّر بن سليم قال : أتيت أنس بن مالك بواسط القصب (٧) ،

__________________

(١) ليس في ت.

(٢) هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي : صحابي ، كان أعلم الأمة بالحلال والحرام وهو أحد الستة الذين جمعوا القرآن على عهد النبي ، بعثه الرسول بعد غزوة تبوك قاضيا ومرشدا لأهل اليمن ، توّفي سنة ١٨ ه‍ وله في كتب الحديث ١٥٧ حديثا. ترجمته في الإصابة ٣ / ٤٠٦ والاستيعاب ٣ / ٣٣٥.

(٣) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة ، باب الاستغفار رقم ١٥٢٢ ، ٥ / ٢٤٥ ـ ٢٤٧ والنسائي ٣ / ٥٣.

(٤) الاسم في ط : محمد بن عبد الله بن أحمد وهو تصحيف.

(٥) في ت : الملياني.

(٦) في ط التجيبي.

(٧) واسط القصب : قرية بناها الحجّاج أوّلا قبل أن يبني واسط هذه التي تدعى اليوم واسطا ثم بنى هذه فسمّاها واسطا بها.

٥٠٢

فسمعته يقول :قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أمّتي أمّة مرحومة لا عذاب عليها في الآخرة ، إنّما عذابها في الدّنيا بالفتن والزّلازل. فإذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم ومسلمة رجلا من أهل الكتاب ، أو من المشركين فقال : «هذا فداؤك من النّار» (١)

وقرأت عليه أيضا قال (٢) : أملى عليّ الشّيخ الفقيه أبو الحجّاج : قال : أملى علينا (٣) الفقيه الزّاهد أبو العبّاس هو (٤) ابن تامتّيت ، قال : قرأت على أبي الحسين يحيى بن محمّد قال : قرأت على أبي القاسم خلف بن عبد الملك ، قال : نا أبو محمّد هو ابن عتّاب قراءة [١٣٢ / ب] منّي عليه قال : كتب إليّ أبو عمرو عثمان بن أبي بكر : نا أبو الحسين عبد الله بن محمّد بن بكار بكازرون (٥) من أرض فارس (٦) قال : نا أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكريّ ، قال : نا أحمد ابن إسحاق التّمّار ، قال : نا زيد بن أحزم ، قال : نا ابن عائشة ، قال. نا محمّد بن عبد الرّحمن القرشيّ ، قال : كنت عند الأعمش (٧) فقيل : إنّ

__________________

(١) أخرجه أبو داود في الفتن ، باب ما يرجى في القتل رقم ٤٢٧٨ ـ وابن ماجة في الزهد ، باب صفة أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم رقم ٤٢٩٢ بخلاف في اللفظ ـ وابن حنبل ٤ / ٤٠٢ بخلاف في اللفظ.

(٢) ليست في ط.

(٣) في ت : عليّ.

(٤) ليست في ت.

(٥) كازرون : مدينة بفارس بين البحر وشيراز ، وبينها وبين شيراز ثلاثة أيام ، ثمانية عشر فرسخا.

انظر ياقوت ٤ : ٤٢٩.

(٦) في الأصل : فاس وهو تحريف.

(٧) الأعمش : هو سليمان بن مهران الأسدي بالولاء : تابعي أصله من بلاد الريّ ، نشأ بالكوفة ، كان عالما بالقرآن والحديث والفرائض يروي نحو ١٣٠٠ حديثا توفي سنة ١٤٨ ه‍ ـ ترجمته في طبقات ابن سعد ٦ / ٣٤٢ ـ تاريخ بغداد ٩ / ٣.

٥٠٣

الحسن بن عمارة (١) ولي المظالم ؛ فقال الأعمش : وا عجبا من ظالم ولي المظالم ، ما للحائك بن الحائك والمظالم؟ فخرجت ، فأتيت الحسن فأخبرته ، فقال : عليّ بمنديل وأثواب ، فوجّة بها إليه ، فلّما كان من الغد ، بكّرت إلى الأعمش ، فقلت : أخبرني الحديث قبل أن يجتمع النّاس ، فأجريت ذكره فقال : بخ بخ هذا الحسن بن عمارة زان العمل ولم يزنه العمل ، فقلت له : بالأمس قلت ما قلت ، واليوم تقول هذا : فقلت : دع عنك هذا ، حدّثني خيثمة عن (٢) عبد الله بن مسعود أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «جبلت القلوب على حبّ من أحسن إليها ، وبغض من أساء إليها» (٣).

وبه إلى ابن عتّاب ، قال : قرأت على أبي القاسم حاتم بن محمّد التّميميّ قال : أنا أبو الحسن القابسيّ بمنزله بالقيروان ، قال : أخبرني حمزة ابن محمّد الكنانيّ بمصر وقد اجتمع عنده (٤) الطّلبة ، يسأله (٥) كلّ واحد منهم برغبته في دواوين أرادوا أخذها عنه ، فقال : اجتمع قوم من الطّلبة (٦) بباب قتيبة بن سعيد (٧) فسأله بعضهم أن يسمعه من الحديث ، وبعضهم من الفقه

__________________

(١) هو أبو محمد الحسن بن عمارة الكوفي ، تولّى القضاء ببغداد وروى عن أبن أبي مليكة والحكم توفي سنة ١٥٣ ه‍. انظر تاريخ بغداد ٧ / ٣٤٥ ـ شذرات الذهب ١ / ٢٣٤.

(٢) في ط : ابن.

(٣) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ٤ / ١٢١ وابن عدي في الكامل ٢ / ٧٠١ والديلمي في فردوس الأخبار ٢ / ١٧٩ وميزان الاعتدال ١ / ٥١٤ ـ تاريخ بغداد ٤ / ٢٧٧ و ٣٤٦.

(٤) في ط : له.

(٥) في ط : يسألونه.

(٦) «من الطلبة» سقطت من ط.

(٧) قتيبة بن سعد بن جميل بن طريف بن عبد الله الثقفي : فقيه ، محدّث ، قاض ، ولي قضاء بغداد ، ولد في بلخ سنة ١٤٨ ه‍. سمع من مالك والليث وابن لهيعة وحماد بن زيد وأخذ عنه كثيرون توفي سنة ٢٤٠ ه‍. انظر ترتيب المدارك ٢ / ٥٢١.

٥٠٤

وأكثر كلّ واحد منهم برغبته ، وألّح عليه الرحّالون ، وكان روى كثيرا ، ولقي رجالا فتبسّم ثمّ قال (١) : [الرجز]

تسألني أمّ صبيّ جملا

يمشي رويدا ويكون أوّلا

 [مهلا خليلي فكلانا مبتلى](٢)

وبه إلى ابن عتّاب ، قال : أنشدني أبو عمرو عثمان بن أبي بكر ، قال : أنشدني أبو نعيم (٣) الحافظ قال : أنشدني أبو محمّد الجابري ، قال : أنشدني ابن المعتزّ لنفسه : (٤) [مجزوء الكامل المرفل]

ما عابني إلّا الحسو

د وتلك من خير المعائب (٥)

والخير والحسّاد مق

رونان إن ذهبوا فذاهب

وإذا ملكت المجد لم

تملك مذمّات الأرقاب (٦)

[١٣٣ / آ] وإذا فقدت الحاسدي

ن فقدت في الدّنيا الأطايب

__________________

(١) الشعر والسّند بكامله في الصلة ١ / ١٥٨ ـ ١٥٩ ، وترتيب المدارك ٢ / ٥٢٢ وورد البيتان. ١ و ٢ في زهر الأكم ٣ / ١٥٨ وفيه رواية البيت الأول : تسألني أبا الوليد جملا.

(٢) زيادة من ت وط.

(٣) في ت أبو عمرو.

(٤) ديوانّ المعتز ٢ / ٤٠.

(٥) في الديوان : والمجد والحسّاد.

(٧) في الديوان : تملك مودّات.

٥٠٥

وبه إلى أبي الحسين يحيى بن محمّد بن عليّ الأنصاريّ ، عرف بابن الصّائغ قال : أنشدنا أبو الطّاهر أحمد بن محمّد السّلفي رضي‌الله‌عنه لنفسه (١) : [الكامل]

أهل الحديث هم الرّجال البزّل

ومن العوالي في المعالي نزّل (٢)

أنّى يدانيهم عدوّ ملحد

يزري بهم وهو الهويّ الأنزل

قولوا له قول امرىء متنصّح

مأموله هذا الصّواب الأجزل (٣)

هل يستوي السّمك الّذي تحت الثّرى

أبدا مقيما والسّماك الأعزل (٤)

وقد أنشدني هذه الأبيات شيخنا شرف الدّين الدّمياطيّ حفظه الله بمصر ولم أكتبها عنه. وقرأت أيضا على شيخنا أبي محمّد ، قال الشّيخ أبو الحجّاج : أنشدنا الشّيخ أبو العبّاس ، قال : أنشدنا أبو الحسين محمّد بن (٥) الكتّاني (٦) قال : أنشدنا الشّيخ الفقيه ضياء الدّين أبو أحمد عبد الوهاب بن عليّ الصّوفيّ البغداديّ ، قال : أنشدنا الإمام أبو زرعة طاهر بن محمّد ، قال : أنشدني والدي الشّيخ الإمام أبو الفضل محمّد بن طاهر المقدسيّ ، قال : أنشدني أبو الحسن عليّ بن عبد الرّحيم في التّصّوف واندراس أهله :

__________________

(١) البيتان ١ و ٤ في ألف باء للبلوي.

(٢) في ت وط : ومن المعالي.

(٣) في ت : متنصّف.

(٤) في ألف باء : مقيم ـ والسماك الأعزل : من كواكب الأنواء وهو إلى جهة الجنوب.

(٥) ابن ليست في ط.

(٦) في ت وط : الكناني.

٥٠٦

[مجزوء الكامل]

أهل التّصوّف قد مضوا

صار التّصوّف مخرقه

صار التّصوّف صيحة

وتواجدا ومطبّقه (١)

مضت العلوم فلا علو

م ، ولا قلوب مشرقه

كذبتك نفسك ليس ذا

سنن الطّريق الملحقه

حتّى تكون بعين من

عنه العيون محدّقه (٢)

تجري عليك صروفه

وهموم سرّك مطرقه

وبه إلى أبي الفضل المقدسيّ قال : أنشدنا أبو الحسن عليّ بن عبد الله الخراسانيّ لنفسه : [١٣٣ / ب] [الطويل]

أمدّعيا في النّاس علم التّصوّف

أتيت بفعل الجاهل المتكلّف (٣)

متى كنت من أهل التّصوّف أو متى

سلكت طريقا غير طرق التّعسّف

القصيدة إلى آخرها ، وهي اثنان وعشرون بيتا وآخرها :

فديتك دع علم التّصوّف مسكتا

فلست وإن موّهت بالمتصوّف

__________________

(١) في ط : سبحة.

(٢) في ط : محرقة وهو تحريف.

(٣) في ت : أتيت بعلم.

٥٠٧

وقرأت عليه : أنشدكم الفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد بن الحجّاج البلفيقيّ ، قال : أنشدني (١) أبو عبد الله بن فرحون السّلميّ ، قال : أنشدني (٢) أبو عمران الزّاهد (٣) لنفسه : (٤) [البسيط]

إلمام كلّ ثقيل قد أضرّ بنا

أروم نقصهم ، والشّيء يزداد (٥)

ومن يخفّ علينا لا يلمّ بنا

وللثّقيل مع السّاعات ترداد

وقرأت عليه : أنشدكم أبو إسحاق البلفيقيّ ، قال : أنشدني أبو بكر محمد ابن قسّوم (٦) لنفسه : (٧) [المجتث]

تبّا لفرقة قوم

لا ينتمون لمذهب (٨)

إذا تزندق وغد

قالوا : فلان تهذّب (٩)

__________________

(١ ـ ١) ـ سقطت من ت.

(١ ـ ١) ـ سقطت من ت.

(٢) ليست في ط. وهو أبو عمران موسى بن حسين بن عمران الميرتلي : فقيه ، زاهد ، سكن إشبيلية. له نظم ونثر في النصائح والزهد ، توفي بإشبيلية سنة ٦٠٤. ترجمته في المغرب ١ / ٤٠٦ ، الغصون اليانعة ١٣٥ ، تحفة القادم ١٣٢ ، الروض المعطار ٥٢١.

(٣) البيتان في تحفة القادم ١٣٣ ، ملء العيبة ٢ / ٣٣٠ وشرح مقامات الحريري للشريشي ٢ / ١٠٠ وطراز المجالس ١٣٢.

(٤) في تحفة القادم : يزيد بعضهم.

(٥) هو محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله بن قسّوم بن أصبغ بن مهني اللخمي : عالم ، زاهد ، أديب من إشبيلية توفي سنة ٦٣٩ ه‍. له ديوان شعر ومصنفات منها «مجالس الأبرار» في فضلاء أهل عصره. له ترجمة في برنامج شيوخ الرّعيني ٩٢ ـ والتكملة ١ / ٣٥٤ و ٢ / ٧٥٣.

(٦) البيتان في ملء العيبة ٢ / ٣٣ والتكملة لكتاب الصلة ٢ / ٧٥٣.

(٧) في التكملة :

تبّا لفرقة سوّ

لا ينتمون لمذهب

(٨) في التكملة : تزندق شخص.

٥٠٨

وقرأت عليه أخبركم الشّيخ الفقيه المقرىء أبو عمرو عثمان بن سفيان عثمان التّميميّ التّونسيّ هو ابن شقر ، قال : أنا الشّيخ الإمام أبو الحسن عليّ بن المفضّل المقدسيّ ، قال : أخبرنا الإمام أبو الطّاهر السّلفي ، قال : أنا أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن الخطّاب الرّازي ، قال سمعت أبا عبد الله الحسين بن علي بن نعيم المصري قاضي البرلّس (١) يقول عن بعض سكان البرلّس ، قال : سمعت قائلا يقول ليلا من جانب البحر ، وينشد بيتين ، فقصدت الصّوت فلم أر أحدا ، فعلمت أنّه هاتف وهما : (٢) [البسيط]

لولا رجال لهم ورد يقومونا

وآخرون لهم صوم يصومونا (٣)

لزلزلت أرضكم من تحتكم سحرا

لأنّكم قوم سوء لا تبالونا (٤)

وقرأت عليه أنشدكم أبو عمرو وهو ابن شقر ، قال : أنشدنا أبو الحسن ابن المفضّل المقدسيّ لنفسه : [١٣٤ / آ] [البسيط]

يا ربّ عفوك عن ذي زلّة عظمت

به المهابة حتّى لاذ بالكرم (٥)

إن لم يكن هو أهلا أن تسامحه

فإنّه من جميل الظّنّ في حرم

__________________

(١) البرلّس : بلدة على شاطئ نيل مصر قرب البحر من جهة الإسكندرية. انظر ياقوت ١ / ٤٠٢.

(٢) البيتان في التكملة لكتاب ٢ / ٤٨٠ ، وملء العيبة ٢ / ٣٣٦ ، ونفح الطيب ٢ / ٦٥١ وذيل تعليقات ابن جزيّ على رحلة ابن بطوطة ٨٠٥.

(٣) في التكملة : لهم سرد يصومونا ، لهم ورد يقومونا. وفي النفح وملء العيبة والذيل : يقومونا ، يصومونا.

(٤) في النفح : من تحتكم غضبا ، فإنكم قوم سوء.

(٥) في ت : لاذ بالحرم.

٥٠٩

وأيضا : (١) [المنسرح]

يا حبّذا الصّالحون إنّهم

في سبل الصّالحات قد سلكوا

إن لم أكن قد فعلت ما فعلوا

فليتني قد تركت ما تركوا

وبه إلى ابن (٢) المفضّل ، قال : سمعت أبا الطّاهر السّلفي غير مرّة ينشد من قيله : (٣) [الرمل]

أنا من أهل الحديث

وهم خير فئه (٤)

جزت تسعين وأرجوا

أن أجوزنّ المئه (٥)

قلت : قد حقّق الله رجاءه ، وصدّق ظنّه رضي‌الله‌عنه ، فإنّه توفي عام ستة وسبعين وخمس مئة ، ومولده تخمينا عام اثنين وسبعين وأربع مئة. أخبرني بذلك شيخنا شرف الدّين الدّمياطيّ عن الإمام زكيّ الدّين أبي محمّد عبد العظيم المنذريّ (٦) رحمه‌الله.

__________________

(١) البيتان في ملء العيبة ٢ / ٣٣٦.

(٢) في ط : أبو المفضل وهو تصحيف.

(٣) البيتان في طبقات الشافعية الكبرى ٦ / ٤٠ وسير أعلام النبلاء ٢١ / ٧ ـ نفح الطيب ٣ / ١٤٣ وتعريف الخلف ٣ / ١٤٣ ويقال : ما أحسن قيلّك وقولك.

(٤) في تعريف الخلف : خير البّرية.

(٥) في التكملة : عشت ، وفي النفح والتكملة : أن أعيش لمئة.

(٦) عبد العظيم المنذري : عالم بالحديث والعربية ، من الحفاظ المؤرخين ، أصله من الشام وتولى مشيخه دار الحديث الكاملية نحو عشرين سنة توفي سنة ٦٥٦ ه‍. له الترغيب والترهيب ، والتكملة لوفيات النقلة وغيره. ترجمته في طبقات الشافعية ٨ / ٢٥٩ وما بعد ، فوات الوفيات ٢ / ٣٦٦ ـ شذرات الذهب ٥ / ٢٧٧ ـ طبقات الحفاظ للسيوطي ٥٠٤.

٥١٠

وقرأت على شيخنا أبي محمّد أيضا : أملى عليكم الفقيه أبو الحجّاج من كتابه قال : أملى علينا الشّيخ الفقيه أبو العبّاس من كتابه قال : أنشدنا أبو الحسين رحمه‌الله ، قال : أنشدنا أبو القاسم خلف بن عبد الملك ، قال : أنشدنا أبو محمّد بن عتّاب ، قال : أنشدنا أبو عمرو عثمان بن أبي بكر ، قال : أنشدنا إسماعيل بن عبد الرّحمن الصّابونيّ عند الموادعة : (١) [الخفيف]

إن نعش نجتمع وإلّا فما أش

غل من مات عن جميع الأنام

وقرأت عليه ، أنشدكم أبو إسحاق البلفيقيّ (٢) عن غير واحد من شيوخه عن أبي محمّد الحجريّ عن أبي العبّاس بن العريف لنفسه يعارض (٣) أبيات إسحاق الموصليّ (٤) الّتي أوّلها (٥) : [الطويل]

وامرة بالبخل قلت لها : اقصري

فذلك شيء ما إليه سبيل (٦)

تعاتبني في الجود ، والجود شيمتي

ومالي بتبديل الطّباع زعيم (٧) [١٣٤ / ب]

ولم أر مثل الجود ، أمّا حديثه

فحلو ، وأمّا حبّه فقديم

__________________

(١) البيت في تاريخ بغداد ٢ / ٣٨٤ دون نسبة.

(٢) نسبته إلى بلفيق.

(٣) في ت وط : فعارض.

(٤) إسحاق بن إبراهيم الموصلي : من ندماء الخلفاء وكان شاعرا عالما بصناعة الغناء ومختلف العلوم. ولد ببغداد ١٥٥ ه‍ وتوفي فيها ٢٣٥ ه‍. أخباره في الأغاني ٥ / ٢٦٨ و ٤٣٥ ، إنباه الرواة ١ / ٢١٥ سمط اللآلي ١٣٧ ـ ٢٠٩ و ٥٠٩.

(٥) البيت في الأغاني ٥ / ٣٢٢ ـ والأمالي ٣١ وسمط اللآلي ١٣٧ ـ والعقد الفريد ١ / ٢٥٨ ـ وإنباه الرواة ١ / ٢١٧ ومرآة الجنان ٢ / ١١٥ ـ ومعجم الأدباء ٦ / ١٨ والمستطرف ١٨٦ ونهاية الأدب ٣ / ٢٠٣ ونور القبس ٣١٧.

(٦) في العقد الفريد : فليس إلى ما تأمرين سبيل.

(٧) الأبيات في التشوّف ١٣٢ ، وأنس الساري والسارب ١٧ ، والإعلام للمراكشي ٢ / ١٢ دون عزو.

٥١١

ولا خير فيمن لا يعاش بعيشه

ولو أنّه فوق السّماك مقيم

ذريني فإنّ البخل عار لأهله

وما ضرّ مثلي أن يقال : عديم

أرى كلّ طلق كلّ خلق حميمه

وليس لمقبوض اليدين حميم

وكيف يخاف الفقر أو يحرم الغنى

كريم وربّ العالمين كريم

ومولد شيخنا أبي محمّد ـ رزقنا الله بركته ـ عام عشرة وستّ مئة.

[لقاؤه لأبي الحسن بن رزين]

ولقيت بها الأديب الفاضل ، العارف ، الأوحد ، الحسيب ، النّاظم ، النّاثر أبا الحسن عليّ بن محمّد بن أبي القاسم بن رزين التّجيبيّ المرسي (١) أمدّه الله وإيّاي بتوفيقه. وأعاننا على اقتفاء الحقّ وسلوك طريقه ، فلقيت منه خيّرا فاضلا ، ليّن الجانب ، وطيء الأخلاق ، مقيّدا مفيدا ، له النّظم الرّائق ، والنّثر الفائق ، وأدرك جلّة من الأعلام ، وجملة من علماء الإسلام وسمع كثيرا منهم ، وأجازه خلق كثير ، وله في ذلك «فهرسة» جمعها فحسّن ونمّق ، وأتقن وحقّق ، كتبت لي من أصله (٢) ، وقرأتها عليه ، وقرأت عليه أيضا جملة من كتاب «الصّلة» لأبي القاسم بن بشكوال. وحدّثني بها عن ابن عمّته الفقيه الفاضل أبي القاسم بن نبيل ، وعن أبي جعفر أحمد بن يوسف بن فرتون (٣) قراءة

__________________

(١) ولد سنة ٦٢٥ ه‍ وتوفي سنة ٦٩٢ ه‍. انظر برنامج الوادي أشي ٦٥.

(٢) في ت : أصلها.

(٣) هو أحمد بن يوسف بن فرتون السلمي. مؤرخ ولد بفاس سنه ٥٨٠ ه‍ وتوفي سنة ٦٦٠ ه‍. ومن آثاره : ذيل على صلة ابن بشكوال في تراجم من جاء بعد بشكوال من مشاهير علماء الأندلس. انظر نيل الابتهاج ٦٣.

٥١٢

لجميعها عليهما بسندهما فيها ؛ وقرأت عليه حديث زريب (١) ، وموعظة داود ابن جهوة ، وقرأهما هو على الرّواية المسند أبي الحسين أحمد بن محمّد بن أحمد بن السّراج الأنصاريّ.

(٢) وأراني بخطّ ابن الأبّار أنّ جهوة بالتّاء هو الصّواب. قلت : بالتّاء ذكره أبو عليّ البغدادي وأنشد له : (٣) [الطويل]

أقاسي البلى ، لا أستريح إلى غد

فيأتي غد إاّ بكيت على أمس (٤)

[سأبكي بدمع أو دم أشتفي به

فهل لي عذر إن بكيت على نفسي](٥)

وقال البكريّ : أنشده ابن الجرّاح وغيره لداود بن جهوة لم يختلفوا (٦) في ذلك (٧).

__________________

(١) هو زريب بن برثملي : أحد حواريي المسيح ، وهو الذي عاش إلى زمن عمر ، وسمع نضلة بن معاوية أذانا في الجبل فكلّمه فإذا رجل عظيم الخلق سأل نضلة والجيش الذي معه عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : قبض وعن أبي بكر فقالوا قبض ، ثم سألهم عن عمر فقالوا هو حيّ ونحن جيشه ، فقال لهم أقرئوه مني السلام ثم أمرهم أن يبلغوا عنه وصايا كثيرة ...» انظر الروض الأنف ٤ / ٢٤٩.

(٢ ـ ٢) ـ الفقرة ساقطة من ت. ومقولة البكري من سمط اللآلي ١ / ٣٢٨ وفيه : «وهكذا ثبت عن أبي علي ابن جهوة ، وأنشد ابن الجراح وغيره هذا الشعر لداود بن جمهور ولم يختلفوا في ذلك ...».

(٣) البيتان في : الأمالي للقالي ١ / ١٠٨ ويليهما أبيات ثلاثة وهي :

سلام على الدنيا ولذة عيشها

سلام غدّو أو رواح على رمسي

وأنكرت شمس الشيب في ليل لمتّي

لعمري لليلي كان أحسن من شمسي

كأن الصّبا والشيب يطمس نوره

عروس أناس مات في ليلة العرس

والبيت الأول في سمط اللآلي ١ / ٣٢٨.

(٤) في الأصل : لقاني البلى.

(٥) البيت ساقط في الأصل.

(٦) في ط : لم يتخلّفوا وفيها تحريف.

٥١٣

وقرأت عليه «الأمثال الكامنة في القرآن» للحسن بن الفضل ، وقرأها على ابن السّرّاج ، وقرأها ابن السّرّاج على الإمام أبي القاسم بن بشكوال [١٣٥ / آ] ، وقيّد لي إجازته العامّة في رقعة ، قيّد في آخرها أبياتا من نظمه عارض (١) بها مثلها ممّا تسلسل فيها القول والإسناد إلى أبي العلاء المعرّي ، وأنشدنيها من لفظه ، وهي : (٢) [الطويل]

نصيبك من دنياك أيسر بلغة

قليل لديها صحّة وفراغ (٣)

فما بالنا نلهو ونغترّ بالمنى

كأن ليس للأخرى الغداة بلاغ

وكيف وقد ولّى الشّباب ولاح لل

 ـ مشيب بفودي عارضيك صباغ (٤)

يساغ لنا نسء الحياة لغاية

ولكن خلود المرء ليس يساغ (٥)

فشمّر ، وبادر منك فضل إنابة

فحادي المنايا ليس عنه مراغ (٦)

وممّا (٧) قرأت عليه في برنامجه ، قال : أنشدني الشّيخ أبو الحسين بن السّراج قال : أنشدني القاضي الأديب أبو إسحاق إبراهيم بن عليّ بن أغلب الخولانيّ (٨) لنفسه : (٩) [الخفيف]

__________________

(١) في ط : عرض.

(٢) الأبيات عدا الثالث في ملء العيبة ٤ / ٧٧ ب

(٣) في ملء العيبة يا صاح بلغة. وإن عزّ فيها.

(٤) الفود : جانب الرأس مما يلي الأذن إلى الأمام. العارض : صفحة الخدّ.

(٥) النّسيء : التأخير.

(٦) الإنابة : التوبة. مراغ : محيد.

(٧) مما : ليست في ط.

(٨) هو إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن أغلب الخولاني الزّوالي : أديب شاعر له حظ من الحفظ للآداب. قرأ على جماعة من العلماء. وتولى القضاء بألش من أعمال مرسية ، توفي بمرّاكش سنة ٦١٦ ه‍. انظر برنامج شيوخ الرّعيني : ١٠٨.

(٩) الأبيات في برنامج شيوخ الرعيني ١٠٩. وملء العيبة ٤ / ٦٦ / آ.

٥١٤

ونهار بنهر قلعة جابر

كان منّي لواهن الأنس جابر

بطيور كأنّها خطباء

في غصون كأنّهنّ منابر (١)

سترتها الأوراق فهي تغنّي

فسمعنا القيان خلف السّتائر (٢)

أسمعيني يا أمّ حاء وسين

ثمّ نون كعقرب الصّدغ دائر (٣)

نوبة تبرىء المنوّب حتّى

لو غدا ميّتا لأصبح ناشر

كيف تدعون قينة الرّوض أمّا

وهي بكر ، رضيع ثدي الأزاهر (٤)

وقرأت عليه لأبي عبد الله القضاعيّ ، قال : وهو آخر ما أنشدني من شعره : (٥) [السريع]

إلام في حلّ وفي ربط

تخبط جهلا أيّما خبط

دع الورى ، وارج إله الورى

فإنّه ذو القبض والبسط

ليس لما يعطيه من مانع

ولا لما يمنع من معط

وقرأت عليه في رسم أبي محمّد عبد الله بن عبد الرّحمن بن برطله (٦)

__________________

(١) في برنامج الرعيني : ذي طور.

(٢) في ت : فهما تغني ـ وفي ملء العيبة : سترتها الأغصان.

(٣) في برنامج الرعيني : أسمعينا ـ كعطفه الصدغ ـ والصّدغ : الشعر المتدلّي بين العين والأذن. وعقرب الصّدغ : خصلة شعر تدليها المرأة على صدغها في شكل حمة العقرب.

(٤) في برنامج الرعيني : وهي طفل.

(٥) ديوان ابن الأبّار : الملحق الأول صفحة ٤٤٩.

(٦) سلفت ترجمته.

٥١٥

منها قال [١٣٥ / ب] أنشدني أبو عمرو (١) بن عتّاب قال : أنشدني أبو الحسن ابن المفضّل (٢) : [الطويل]

أيا نفس بالمأثور عن خير مرسل

وأصحابه والتّابعين تمسّكي

عساك إذا بالغت في نشر دينه

بما طاب من عرف به أن تمسّكي (٣)

وخافي غدا يوم الحساب جهنّما

إذا لفحت نيرانها أن تمسّك

وقرأت عليه لابن برطله ممّا قرأه (٤) هو عليه : (٥) [الطويل]

بأربعة أرجو خلاصي وإنّها

لأكرم مذخور لديّ وأعظم (٦)

شهادة إخلاصي ، وحبّي محمّدا

وحسن ظنوني ثمّ أنّي مسلم

وقيّد هذا الاسم : برطله ، بضمّ اللّام وإسكان الهاء. وقال : كذا ثبت (٧) عنه ، وقيّدت هذا الاسم على شيخنا أبي عبد الله بن صالح (٨) بهاء التأنيث.

وقرأت عليه أيضا في رسم أبي عبد الله بن الجلّاب ممّا كتب إليه : (٩) [الكامل]

__________________

(١) في الأصل عمر.

(٢) الأبيات في الذيل والتكملة ١ / ٥٦٢ ، ووفيات الأعيان ٣ / ٣٩١ ، وملء العيبة ٤ / ٦٦ / ب ، وغربال الزمان ٤٩٤ ومرآة الجنان ٣ / ٢٨٣ و ٤ / ٢٢ ، وسير أعلام النبلاء ٢٢ / ٦٩.

(٣) في الوفيات والسير والمرآة : نشر له أن تمسّكي. والعرف : الرائحة الطيبة.

(٤) في ت : قرأ.

(٥) البيتان : ملء العيبة ٤ / ٦٦ / ب ، ونفح الطيب ٣ / ٢٢٧.

(٦) في ت وملء العيبة والنفح : أرجو نجاتي.

(٧) في ط : أثبت.

(٨) أبو عبد الله بن صالح : فقيه عالم ، لقيه العبدري في تونس ، نسبه عبد الحي الكتاني إلى قسنطينة. انظر فهرس الفهارس ١ / ٣٤٠.

(٩) الأبيات في ملء العيبة ٤ / ٦٧ / آ.

٥١٦

بيني وبين الدّهر فيك عتاب

سيطول إن لم يمحه الإعتاب

يا غائبا بكتابه ولقائه

هل يرتجى من غيبتيك إياب (١)

لولا التّعلّل باللّقاء تقطّعت

نفس عليك شعارها الأوصاب (٢)

وقرأت عليه للأديب الكاتب أبي عثمان سعد (٣) بن عبد الله الأنصاريّ المعروف بالأكوبي ، قال : أنشدنيه لنفسه في نسوة مرّ بهن يتباكين على قبور في أيام عيد : (٤) [الكامل]

برزوا بأحسن زينة وعرتهم

ذكرى من الأهلين والخلّان

فتهافتت درر الدّموع لما رمت

من شتّ شملهم يد الحدثان

فآعجب لضدّي حالتين تلاقيا

زيّ السّرور وعبرة الأحزان

وقرأت عليه : قال : أنشدني الأكوبيّ ، قال : أنشدني أبو الرّبيع بن سالم ، قال : أنشدني أبو بكر عتيق بن عليّ المعروف بالفصيح قال : أنشدني الحسن ابن أبي الفتح بن وزير (٥) الواسطيّ (٦) ببغداد قال : أنشدني أحمد بن محمّد الواسطيّ : قال أنشدني صدقة بن الحسين ، قال : أنشدني ابن (٧) المندائيّ (٨) ، قال : أنشدني أبو محمّد الحريريّ [١٣٦ / آ] لنفسه ، وكتب بها إلى صهره أبي

__________________

(١) في الأصل : يا راغبا وهو تصحيف.

(٢) في ملء العيبة شفاؤها الأوصاب ، والأوصاب جمع وصب : وهو التعب والفتور.

(٣) في ط : سعيد.

(٤) الأبيات في ملء العيبة ٤ / ٦٧ / ب.

(٥) في ت : رزين.

(٦) (٦) سقط من ت.

(٦) (٦) سقط من ت.

(٧) في ت : المندابي.

٥١٧

زيد السّروجيّ (١) ، واسمه المطهّر ، وكان مدمنا ينهاه عن ذلك : (٢) [الطويل]

أبا زيد اعلم أنّ من شرب الطّلى

تدنّس فاسمع قول واع مهذّب (٣)

ومن قبل سمّيت المطهّر والفتى

يصدّق بالأفعال تسمية الأب

فلا تحسونها ما دعيت مطهّرا

وإلّا فغيّر ذلك الإسم واشرب (٤)

وقرأت عليه أنشدني الأكوبيّ ، قال : أنشدني أبو الحجّاج يوسف بن عبد الرّحمن بن المرينة لنفسه : [المتقارب]

إذا كنت في الجود ذا رغبة

فلا تنتظر موقف السّائل (٥)

فإنّ الجواد على رغبة

جواد لعمرك كالباخل

وقرأت عليه للأديب الكاتب أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن محمّد الجذاميّ القرطبيّ (٦) المعروف بابن العطّار. ممّا أنشده إيّاه ملغزا في السّكين : (٧) [الطويل]

أحاجيك ما شيء إذا ما سرقته

وفيه نصاب ليس يلزمك القطع

__________________

(١) اسمه مطهر بن سلار ، وكان أديبا لغويا صحب الحريري وتخرّج به وتوفي بعد عام ٥٤٠ ه‍. ترجمته في إنباه الرواة ٣ / ٢٧٦ وسير أعلام النبلاء ١٩ / ٤٦٢.

(٢) الأبيات في معجم الأدباء ١٦ / ٢٧٢ وملء العيبة ٤ / ٦٧ / ب و ٦٨ / آ.

(٣) في معجم الأدباء : فافهم سرّ قولي المهذب.

(٤) في معجم الأدباء : فلا تحسها كيما تكون مطهرا ، وقطع همزة الاسم ضرورة.

(٥) في ت : وقفة السائل.

(٦) هو محمد بن عبد الله محمد الجذامي القرطبي : أديب ، شاعر ، ظريف ، مطبوع النوادر ، التقاه ابن سعيد بالإسكندرية. ترجمته في اختصار القدح المعلّى ٢١٥ / ـ نفح الطيب ٢ / ١٢٤.

(٧) البيتان في اختصار القدح المعلى ٢١٥ ونفح الطيب ٢ / ١٢٥ وملء العيبة ٤ / ٦٨ / ب.

٥١٨

على أنّ فيّه الحدّ والقطع ثابت

ولا حدّ فيه هكذا حكم الشّرع (١)

وملغزا في اللّغز : (٢) [البسيط]

ما اسم تحار به الأوهام والفكر

ويعتري اللّسن فيه العيّ والحصر

يستبشر المرء إذ يبدو له فإذا

لم يبد يعتاده الوسواس والسّهر

يغرى به كلّ نحرير وذي فطن

ويفتدي منه من لا عنده النّظر (٣)

هذا هو اللّغز قد جلّيته لكم

كما يجلّي سواد الحندس القمر

ومولد الفقيه أبى الحسن بن رزين من عام ستّة وعشرين إلى عام سبعة وعشرين وستّ مئة. أخبرني به هكذا على الشّكّ.

[لقاؤه لابن زيتون]

ولقيت بها الشّيخ الفقيه الحسيب العالم ، الفاضل ، الكامل ، الزّكي ، الرّضيّ ، مفتي إفريقية ، والمنظور إليه بها ، وقطب أصولها وفروعها ، والمرجوع إليه في أحكامها ، غير مدافع ولا منازع ، أبا القاسم بن أبي بكر اليمنيّ (٤) شهر [١٣٦ / ب] بابن زيتون ، لقيته ، وسمعت كلامه في بعض المسائل فسمعت كلام ممارس للعلم ؛ طويل الخدمة له ، مدلّ على الخوض فيه غير هيوب ولا فرق ، وحقّ ذلك لمن زاوله جمعا وفرقا ، وطلبه غربا وشرقا ، وخدمه من لدن

__________________

(١) في القدح المعلى والنفح وملء العيبة فيه القطع والحدّ.

(٢) الأبيات في ملء العيبة ٤ / ٦٨ / ب.

(٣) النّحرير : العالم الحاذق في علمه.

(٤) ولد سنة ٦٢٠ ه‍ وتوفي سنة ٦٩٠. انظر برنامج الوادي آشي ٤٠ ـ ١٤١.

٥١٩

شبّ إلى أن دبّ ، وأولع (١) به ولوع متيّم صبّ ، يحبّ لحبّه كلّ منتم إليه ، ويعكف (٢) بباطنه وظاهره عليه.

ولم أكثر مجالسته لقلّة تفرّغه للرّواية ، وكثرة شغله بالمسائل ، واستجزته فأجازني وكتب لي بذلك خطّ يده ، وكان رحل قديما إلى المشرق فلقي به جماعة من أحبار العلماء ، وأخيار الفضلاء ، وسمع منهم وأجازوه ؛ فمنهم الإمام زكيّ الدّين أبو محمّد عبد العظيم المنذريّ (٣) قرأ عليه نحو الرّبع من «اختصاره لصحيح مسلم» وقدر الثّلث من أوّل «كتاب البخاري» وأجازه. ومنهم شرف الدّين أبو عبد الله محمّد (٤) بن أبي الفضل السّلميّ المرسيّ ، سمع عليه «موطأ» يحيى بن يحيى وكتاب مسلم وأجازه. ومنهم عزّ الدّين أبو محمّد عبد العزيز بن عبد السّلام ، وسمع عليه «مختصر الرّعاية» من تأليفه ، وسمع عليه مواضع من قواعده الّتي سماها «مصالح الطّاعات».

وأجازه رشيد الدّين أبو الحسين يحيى بن علي بن عبد الله بن العطّار (٥) ، وصدر الدّين أبو عليّ الحسن بن محمّد بن محمّد بن محمّد

__________________

(١) في ت : والع.

(٢) في ط : ويعطف.

(٣) سلفت ترجمته.

(٤) سقط من ت. وهو محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الفضل السّلمي المرسي فقيه ، محدّث ولد بمرسية سنة ٥٧٠ ه‍ ورحل إلى المشرق للحجّ وطلب العلم ، توفي بالزّعقة بالقرب من الرملة في ربيع الأول سنة ٦٥٥ ه‍. له كتاب تفسير القرآن سماه «ريّ الظمآن» وكتاب «الضوابط الكلّية» في النحو. ترجمته في التكملة لابن الأبّار ١ / ٣٦٣ ـ بغية الوعاة ١ / ١٤٤ ـ ١٤٦ ونفح الطيب ٢ / ٢٤١ ـ ٢٤٢.

(٥) هو يحيى بن علي بن عبد الله بن علي بن مفرج القرشي : حافظ ، محدّث ثقة ، انتهت إليه رئاسة الحديث بالديار المصرية ، ألّف معجم شيوخه. توفي سنة ٦٦٢ ه‍. انظر تذكرة الحفاظ للذهبي ٤ / ١٤٤٢ وحسن المحاضرة ١ / ٣٥٦ ـ وشذرات الذهب ٥ / ٣١١ وطبقات الحفاظ للسيوطي ٥٠٥.

٥٢٠