رحلة العبدري

أبو عبدالله العبدري

رحلة العبدري

المؤلف:

أبو عبدالله العبدري


المحقق: د. علي إبراهيم كردي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٢٨

ومع (وَما أُنْزِلَ) ـ قل ـ (إِلَيْنا) (١)

وآل عمران بها (عَلَيْنا) (٢)

ثمّ مرّ على الحروف واحدا واحدا إلى آخرها ، فقال في حرف الياء :

واقرأ (وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ)

من بعد(لا يُقْبَلُ مِنْها) واتل (٣)

وقبل : (لا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ)(٤)

هذا على قراءة الجماعه

إلّا على قراءة المكّيّ

فإنّه بالتّاء ، والبصريّ (٥)

(يُذَبِّحُونَ) (٦) مفرد في البقره

وزد بإبراهيم واوا مظهره (٧)

واقرأه في الأعراف (يَقْتُلُونَ) ٨)

وأفت إن جاؤوك يسألون

ثمّ أتمّ الحروف (٩) فقال :

__________________

(١) من قوله تعالى في سورة البقرة ، من الآية ٣٦(قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا).

(٢) في ط : أنزلنا. وجاء في سورة آل عمران ، من الآية ٨٤(قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا).

(٣) من قوله تعالى في سورة البقرة ، من الآية ٤٨(وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ ...).

(٤) في سورة البقرة ، من الآية ١٢٣(وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ ...).

(٥) المكّي هو ابن كثير ، والبصري هو أبو عمرو بن العلاء ، وقد قرأ ا ولا تقبل منها شفاعة بالتاء ، وقرأ باقي السبعة(وَلا يُقْبَلُ مِنْها) بالياء.

(٦) في سورة البقرة ، من الآية ٤٩(يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ).

(٧) في سورة إبراهيم ، من الآية ٦(يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ).

(٨) في سورة الأعراف ، من الآية ١٤١(يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ).

قرأ نافع (يَقْتُلُونَ) بالتخفيف ، وقرأ الباقون بالتشديد. انظر حجة القراءات ٢٩٤.

(٩) في الأصل : الحرف.

٥٤١

وقد تقضّت كلمات المشتبه

فاشكر لنظمي قائلا جاءك به (١)

لا أدّعي أنّي حصرت المشكلا

لكنّها معينة لمن تلا (٢)

وخمسة من بعد عشرين العدد

مع أربع من المئين لم تزد (٣)

والحمد لله على آلائه

حمدا يباري الدّهر في بقائه (٤)

وصلوات ربّنا العظيم

على النّبيّ الطّاهر الكريم

ويرحم الله امرأ دعا لي

برحمة منه وحسن حال

وقرأت على الشّيخ أبي محمّد أحاديث من أحاديث المعمّرين [١٤٢ / ب] قال : أنا محمّد بن عبد الباقي المقرىء بمدينة سنجار (٥) سنة أربعين وستّ مئة ، قال : أنا قاضي القضاة أبو عليّ الحسن بن إسماعيل الخويّ ، قال : أنا الإمام سعد بن أسعد الجيرانيّ ، قال : أخبرني أبو المحاسن عبد العزيز بن عليّ بن يحيى ، قال : أخبرني والدي أبو الحسن عليّ بن يحيى ، قال : نا الشّيخ الزاهد أبو عليّ الحسن بن خارجة المرنديّ (٦) ، قال : سمعت يسرا خادم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمصر ، وكان موضوعا بين قطن مندوف وقد بلغ

__________________

(١) في ت : تقاضت كلمات ... ، وفي ط : أتمّت كلمات ...

(٢) في ت ، معونة.

(٣) في ت : من الموالين ، وفي ط : من السنين.

(٤) الآلاء : النعم.

(٥) سنجار : مدينة مشهورة من نواحي الجزيرة ، بينها وبين الموصل ثلاثة أيام. انظر ياقوت ٣ / ٢٦٢.

(٦) نسبة إلى مدينة مرند من مدن أذربيجان.

٥٤٢

من العمر ثلاث مئة وستّين سنة بدعاء النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «طوبى لمن رآني ، أو رأى من رآني ، أو رأى من رأى من رآني» (١).

وبهذا الإسناد عنه عليه‌السلام أنّه قال : «الدّنيا ملعون ما فيها ، خلا ذكر الله ، ومن أوى إلى ذكر الله تعالى» (٢).

وبه أنّه قال : «من كذب عليّ متعمّدا فليتبوأ مقعده من النّار» (٣).

وبه أنّه قال : «من أفتى النّاس بغير علم لعنته الملائكة في السّماء والأرض» (٤).

[لقاؤه لابن السّكان]

وممّن لقيه بها (٥) فسرّني لقاؤه ؛ وواليته في ذات الله فنفعني ولاؤه ، وحاضرته فأعجبني فهمه (٦) وذكاؤه ، وصحبته فبهرني فضله وحياؤه ، (٧) وكرمه وسخاؤه ، وتواضعه ورجاؤه ، صاحبنا في الله ووليّنا وصديقنا في

__________________

(١) حديث أورده ابن عدي في الكامل ٣ / ٩٧٧ من طريق أنس ، و ٦ / ٢٣٢٧ من طريق واثلة بن الأسقع ، وهو في المعجم الصغير للطبراني ٢ / ٣١ من طريق أنس وكذلك في فردوس الأخبار ٣ / ٢٠ وفي ميزان الاعتدال ١ / ٤٢٢ عن أبي أمامة ، وكنز العمال ١١ / ٥٣٠ ـ ٥٣٥ ـ ٥٣٦.

(٢) أخرجه الترمذي في الزهد باب الدنيا ملعون ما فيها برقم ٢٣٢٣ وابن ماجة في الزهد باب مثل الدنيا رقم ٤١١٢.

(٣) أخرجه الحاكم في المستدرك ١ / ٧٧ ، و ٣ / ٢٦٢ و ٣ / ٢٨٠ ، و ٤٠١ من طرق مختلفة ، وفي سنن البيهقي ١٠ / ٢٢٢ ، ومجمع الزوائد ١ / ١٤٦ ومسند الطيالسي ٢٧٧ و ٣١٨ وابن عديّ في الكامل ١ / ١٧ وكنز العمال ٣ / ٦٢٦ و ١٠ / ٢٩٣ و ٢٩٨ و ١١ / ٢٧٣ و ١٣ / ١٧٣.

(٤) أخرجه الحاكم في المستدرك ١ / ١٢٦ وكنز العمال ١٠ / ١٩٣.

(٥) ليست في ط.

(٦) في ت ، ذهنه.

(٧) في ت : حياؤه وفضله.

٥٤٣

طاعته وصفيّنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن ميمون الأشعريّ المالقيّ ، (١) يعرف بابن السّكّان. لقيته (٢) مجريا إلى غاية من كمل ، ومبرّزا في حلبة العلم والعمل ، عذبت أخلاقه وفاضت زلالا ، واستقامت أحواله كالبان اعتدالا ، وفاضت أنامله كالمزن انهمالا (٣) ، أدرك مزايا الشّيوخ على فتاء سنّه ، فما يتكلّم (٤) في علم إلّا قلت : هذا معظم فنّه ؛ قد ألف الانقباض فما يبسط [إلايده](٥) ، وصحب قصر الأمل فما يؤمّل غده : [الطويل]

مقلّ من الأموال إذ لا يضمّها

ولكنّه من كلّ مأثوره مثر

سريّ ، غنيّ النّفس ، ما تستفّزه

زخارف دنياه بقلّ ولا كثر (٦)

[١٤٣ / آ] وله اعتناء بتصحيح الرّواية ، وإغياء في تنقيح الدّراية ؛ سمع من الشّيوخ واستجازهم واستجيزوا له ، فاتّسعت لذلك روايته ؛ وله مجموعات (٧) تشوق ، ومؤلّفات تعجب وتروق ؛ منها كتاب في «إكمال التّذييل» (٨) لأبي بكر بن فتحون (٩) على كتاب «الاستيعاب» (١٠) للحافظ أبي

__________________

(١) لم أقف على وفاته ، ولقيه ابن رشيد في رحلته بتونس ، وأخذ عنه. انظر ملء العيبة ٢ / ٤٠٩ ـ ٤١٣.

(٢) في ت : رأيته.

(٣) في ط : همالا : وهو تحريف.

(٤) في ت : تكلّم.

(٥) ليست في الأصل.

(٦) في ت : زخاريف.

(٧) في ط : مجموعة.

(٨) قال حاجي خليفة : استدرك فيه حوالي ٣٥٠٠ ترجمته انظر كشف الظنون ٨١.

(٩) في ت : فتوح ؛ وهو محمّد بن خلف بن سليمان بن فتحون الأندلسي : فاضل ، نقّاد ، عارف بالتاريخ ، من أهل أوريولة من أعمال مرسية. له في الاستدراك على كتاب الاستيعاب لابن عبد البر كتاب سماه التذييل وكتاب في أوهام كتاب الصحابة. توفي بمرسية سنة ٥٢٠ ه‍ له ترجمة في الصّلة ص ٥٧٧ ، والوافي بالوفيات ٣ / ٤٥.

(١٠) ـ هو كتاب الاستيعاب في أسماء الأصحاب. رتب فيه الأصحاب على ترتيب الحروف لأهل المغرب. طبع غير مرّة.

٥٤٤

عمر عبد البرّ قد اعتنى به اعتناء تامّا ، وهو إلى الآن لم يكمل ، ومنها كتاب وسمه ب «الاطّلاع على ما يلزم في رفع الأيدي في الصّلاة من الاتّباع» ومنها «برنامج» جمعه لشيخه الفقيه ، العالم ، الأكمل ، الفاضل ، الصّالح ، الأديب ، الأوحد أبي بكر محمّد بن الحسن بن يوسف بن حبيش بفتح الحاء ، في أسماء (١) شيوخه وقرأه عليه ، فكتب عليه ابن حبيش رحمه‌الله ما رأيت أن أقيّده هنا بنصّه لبراعته ودلالته على فضيلة القارىء والمقروء عليه.

وكان هذا الرّجل رحمه‌الله آية الزّمان في التّواضع ، وطلب الخمول ، وإفراط الانقباض ، مع براعته في فنون العلم ، وإجادته في النّظم والنثر ، واتّساع روايته ؛ فحدّثني عنه صاحبنا ووليّنا في الله أبو عبد الله بن هريرة أنّه كان إذا عرف موضعه ، انتقل عنه إلى موضع آخر لا يعرف به. وأراني تخميساته الثّلاثة لقصيدة الشّقراطسيّ. وقد كتبها صاحبنا أبو عبد الله بخطّه ، وقرأها عليه ، وكتب عليها قراءته إيّاها عليه ، وخطّطه في ذكره بما ينبغي ، ثمّ دفعها إليه ليكتب له عليها ، قال لي : فأدخلها إلى الدّار (٢) وقال لي : لا تستبطئني ، ثمّ (٣) خرج وقد (٤) بشر كلّ ما خططته به ، ومدّ اسمه في ذلك المبشور ، وكذلك بشر كل ما خطّطت به والده إلّا : الشّيخ الكاتب ، فإنّه أبقاهما وقال لي : نعم كان شيخا مسنّا وكان يكتب ، وأراني صاحبنا أبو عبد الله هذا البشر ، وخطّ ابن حبيش عليه ، وهذا نهاية ما يكون من التّواضع وترك التّظاهر. وأغرب من هذا ما كتبه لصاحبنا أبي العبّاس المذكور على ما جمع له من أسماء شيوخه ،

__________________

(١) ليست في ت.

(٢) في ط : للدار.

(٣) (٣) سقطت من ط.

٥٤٥

ومن خط [١٤٣ / ب] ابن حبيش نقلته ونصّه (١) : «الحمد لله (٢) ، أحسن هذا الفاضل فيما صنع ، أحسن الله إليه ، وبالغ فيما جمع بلغ الله (٣) به أشرف المراتب لديه ـ غير أنّي أقول واحدة ، ما سريرتي لها جاحدة (٤) ، وأصرّح بمقال لا يسعني كتمه بحال : والله ما أنا للإجازة بأهل ، ولا مرامها (٥) لديّ بسهل ، إذ من شرط المجيز أن يعدّ فيمن كمل ، ويعدّ العلم والعمل ، اللهم غفرا ، كيف ينيل من عدم وفرا؟ أو يجيز من أصبح صدره من المعارف قفرا ، وصحيفته من الصّالحات صفرا؟ وكيف يرتسم في ديوان الجلّة من يتّسم بالأفعال المخلّة؟ ومتى يقترن الشّبه (٦) بالإبريز ، (٧) أو يوصف السّكّيت بالتّبريز؟ ومن ضعف النّهى محاسنة (٨) الأقمار بالسّها ، ومن أعظم التّوبيخ تشييخ (٩) من لا يصلح للتّشييخ ؛ وإنّ هذا المجموع ليروق ويعجب ، لكنّه جمع لمن لا يستوجب ؛ وإنّ القراءة قد تحصّلت ، ولكن القواعد ما تأصّلت ، وإنّ القارىء علم ، ولكنّ المقروء عليه عدم ؛ وقد شكرت لهذا السّريّ ما جلب ، وكتبت له مسعفا بما طلب ، وقرنت إلى درّه هذا المخشلب (١٠) ، وقلت وحليي عطل ،

__________________

(١) ورد هذا التقييد في ملء العيبة ٢ / ٩٤ ـ ٩٥ ، ونفح الطيب ٤ / ٣١٢ ـ ٣١٣.

(٢) زاد في ملء العيبة ونفح الطيب «حقّ حمده».

(٣) ليست في ط.

(٤) في ت والنفح : بجاحدة.

(٥) في ت : مرآها.

(٦) في ط : الشّب ، والشّبه والشّبه : النحاس الأصفر.

(٧) الإبريز : الذهب الخالص.

(٨) في ط : مجانسة.

(٩) ليست في ط.

(١٠) ـ في ت : الخشب ، والمخشلب : خزر شبيه بالدّر.

٥٤٦

ونطقي خطل : «مكره أخوك لا بطل» (١) والله ينفع بما أخلص له من الاعتقاد ، ويسمح للبهرج عند الانتقاد ؛ وكتب (٢) العبد المذنب المستغفّر محمّد بن الحسن ابن يوسف بن حبيش حامدا الله تعالى ومصلّيا على نبيّه الكريم المصطفى ، وعلى آله أعلام الطّهارة والهدى ومسلّما تسليما» (٣).

وقرأت على صاحبنا أبي العبّاس المذكور قصيدة في مدح النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهي طويلة تزيد على ثلاث مئة وعشرين بيتا ، رام فيها إيعاب (٤) ما نقل من معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ووسمها ب «خلاصة الصّفا في (٥) خصائص المصطفى» وهي مهذّبة منقّحة [١٤٤ / آ] لا حشو فيها البتّة ، ومطلعها : [الطويل]

لأحمد خير الخلق أهدي تحيّتي

محمّد الآتي بحكم وحكمة

مدحت رسول الله والمدح دونه

ولو ملأ المدّاح كلّ صحيفة

[ولو كان كالبحر المحيط مداده

وكالشّجر الأقلام ما قطّ جفّت

يمدّ مدى الدّنيا بسبعة أبحر

لما بلغت من مدحه عشر حبّة (٦)

كفاه ثناء الله في الفتح والضّحى

وتكريره إيّاه في غير سورة](٧)

__________________

(١) في ت : أخاك ، وهكذا وردت في المثل أيضا ، انظر المثل في أمثال العرب للضّبيّ ١١٢ ، وأمثال ابن سلام ٢٧١ وفيها : مكره أخوك ، والوسيط في الأمثال ١٥٦ وهو في الفاخر ٦٢ وجمهرة الأمثال ٢ / ٢٤٢ ـ والميداني ٢ / ٣١٨ والمستقصى ٢ / ٣٤٧.

(٢) في نفح الطيب كتب.

(٣) انتهى تقييد ابن حبيش في ملء العيبة والنفح.

(٤) ليست في ت ، وفي ط : استيعاب.

(٥) في ط من خصائص.

(٦) استفاد الشاعر من قوله تعالى في سورة لقمان الآية ٢٧(وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ).

(٧) الأبيات الثلاثة ساقطة من الأصل.

٥٤٧

فماذا يقول العالمون وربّهم

كساه من الأمداح أسبغ حلّة.

ولكنّ في جهد المقلّ لنفسه

رجاء ، وحسن الظّنّ بيت القصيدة (١)

وكتب على ظهر الجزء من نظمه : [البسيط]

تقرّب النّاس للمولى بجهدهم

من مدح من ساد كلّ الخلق في الأزل

أمّوا الجناب بأمداح ومعذرة

وحمت حول الحمى في غاية الخجل

ثمّ اطّلعت على تقصير مطنبهم

فالعجز عن مبدأ الإدراك من عمل

وأنشدني حفظه الله لنفسه : [الكامل]

من كان يرجو الخلق في حاجاته

خاب الّذي يرجو وخاب المرتجي

فاقصد إله الخلق إمّا حاجة

عرضت فباب الله ليس بمرتج (٢)

وأنشدني لنفسه أيضا : [البسيط]

أزكى الخليقة خلقا عند خالقهم

ذو حرفة عن سؤال النّاس تغنيه (٣)

وخير ما اتّصف المرء التّقيّ به

في دهره تركه ما ليس يعنيه (٤)

وأنشدني لنفسه أيضا : [مخلع البسيط]

__________________

(١) في ط : بيت قصيدتي.

(٢) في ط : غير مرتج.

(٣) في ت : عند خالقه.

(٤) في ت : العبد التقي.

٥٤٨

تركي للذّنب دون شكّ

أكّد من فعلي الرّغائب (١)

فميل نفسي لعكس هذا الن

نظام من أعجب العجائب

وأنشدني لنفسه أيضا : [المتقارب]

أيا خالق الخلق لي مطلب

وما لي سبيل لأسبابه

غذاء حلال بلا منّة

وثوب وبيت لأثوي به

وجودك أمّلت يا خالقي

فقد جئت للبيت من بابه (٢)

وأنشدني لنفسه أيضا : (٣) [١٤٤ / ب] [الطويل]

يقولون لي : إنّ الشّهادة مكسب

ولم تشتغل يوما بصرف المنى لها (٤)

فقلت لهم : [لي] في الشّهادة مذهب

أنا في سبيل الله أرجو منالها (٥)

[لقاؤه لأبي يعقوب الجذامي]

ولقيت بها الشّيخ [العالم](٦) الصّالح ، الفقيه ، الفاضل ، أبا يعقوب يوسف بن إبراهيم بن أحمد بن عقاب الجذاميّ (٧) ، فسمعت عليه أحاديث من «الموطّأ» ومن «جامع البخاريّ» ومن «سنن الدّارقطنيّ» وناولني جميعها

__________________

(١) رواية الشطر الأول في ط : تركي من غير شكّ. وبه يختل الوزن.

(٢) في ط : فقد جئتك وبها لا يستقيم الوزن.

(٣) البيتان في ملء العيبة ٢ / ٤١٠.

(٤) في ملء العيبة : الشهادة مذهب.

(٥) لي : ساقطة من الأصل ، في ملء العيبة : ألا في سبيل الله.

(٦) زيادة من ت.

(٧) ولد سنة ٦١٤ ه‍ وتوفي بتونس سنة ٦٩٢ ه‍. انظر برنامج الوادي آشي ٥٧ ـ ٥٨.

٥٤٩

وحدّثني بها كلّها عن الشّيخ الفقيه القاضي المحدّث أبي الحسن عليّ بن عبد الله بن محمّد بن يوسف الأنصاريّ (١) ، وهو ابن قطرال ، فأمّا «الموطّأ» فقرأ عليه صدرا منه وسمع سائره وسمع عليه بعض «كتاب البخاريّ» وبعض «سنن الدّارقطنيّ» وأجازه سائرها ، وحدّثه (٢) بها ثلاثتها بأسانيده فيها ، وهو يحمل «البخاريّ» عن أبي محمّد بن بونة عن أبي بحر الأسديّ عن العذريّ عن أبي ذرّ الهرويّ ، ويحمل «السّنن» عنه عن أبي عليّ الصّدفيّ عن أبي الفضل بن خيّرون ، وحدّثني «بالأحكام الكبرى» (٣) سماعا لبعضها عليه ، ومناولة عن أبي الحسن سهل بن مالك (٤) عن مؤلّفها ، وأجازني إجازة عامة وكتب لي بها خط يده ، وسألته عن مولده فأخبرني أنّه في سنة أربع عشر وستّ مئة.

[لقاؤه لابن هارون]

ولقيت بها ثانية الشّيخ الفاضل أبا محمّد بن هارون (٥) ، فأكثرت مجالسته والتردّد إليه وقرأت عليه ، «برنامجه في أسماء شيوخه» ، وقرأت عليه

__________________

(١) هو علي بن عبد الله بن محمّد بن يوسف الأنصاري ؛ فقيه مالكي ، من القضاة ، ولي القضاء في أبّدة فلما أخذها الفرنج سنة ٦٠٩ ه‍ أسروه ثم خلّص وولي قضاء شاطبة ثمّ قرطبة ، فقضاء فاس ، وكان يشارك بالعلوم. توفي بمراكش سنة ٦٥١ ه‍. له ترجمة في وفيات ابن قنفذ ٣٢١ وشذرات الذهب ٥ / ٢٥٤.

(٢) في ت : وحدثني.

(٣) في ت : البكري : وهو تحريف وهو كتاب كبير في الحديث في نحو ثلاثة مجلدات ، انتقاه مؤلفه عبد الحق بن عبد الرحمن الأزدي الإشبيلي ت ٥٨٢ ه‍. من كتب الأحاديث. انظر كشف الظنون ١ / ٢٠.

(٤) هو سهل بن محمد بن سهل بن أحمد بن مالك الأزدي : فقيه ، محدّث ، ضابط ، حافظ ، متقدّم في العربية وعلومها ، توفي بغرناطة سنة ٦٣٩ ه‍. له ترجمة في برنامج الرعيني ٥٩ ، الذيل والتكملة ٤ / ١٠٤ ـ الديباج ١٢٥ ، الإحاطة ٤ / ٢٧٧.

(٥) ولد سنة ٦٠٣ ه‍ وتوفي سنة ٧٠٢ ه‍. انظر برنامج الوادي آشي ٥١ ـ ٥٢.

٥٥٠

جملة أحاديث منثورة. وقرأت عليه «برنامج» جدّه لأمّه الشّيخ الفقيه المقرىء (١) الجليل أبي جعفر أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خلصة الحميريّ ، و «برنامج» القاضي الأوحد أبي القاسم أحمد بن يزيد بن بقيّ ، وكلاهما تخريج ابن الطّيلسان ، وتأليفه. وحدّثني بهما معا عن ابن الطّيلسان قراءة منه عليه وعنهما إجازة. وقرأت عليه كتاب «الوعد والإنجاز» (٢) لابن الطّيلسان ، وحدّثني به عنه ، وهو جزء جمع فيه أحاديث لمن سأله جمعها ليرويها عنه ، وقرأت عليه «التسّبيح الموجز» للفقيه [١٤٥ / آ] الخطيب ، العالم ، أبي الحسن سهل بن مالك ، وحدّثني به عنه. وقرأت عليه «درر السّمط في خبر السّبط» (٣) لأبي عبد الله القضاعيّ ، وحدّثني به عنه سماعا وقراءة ، وهو جزء وضعه في مقتل الحسين رضي‌الله‌عنه ، نحا فيه نحو طريقة أبي الفرج بن الجوزيّ (٤) ، وكنت أتكلّم معه في تعقّب بعض مواضع منه فيعجبه قولي فيها. وأنشدني أبياتا من شعره ، ومن شعر غيره ، وسمعت منه وقرأت عليه أشياء غير واحدة فمن ذلك قوله (٥) : ...

ومن ذلك ما أنشدني لشيخه القاضي أبي القاسم بن بقيّ : (٦) [السريع]

ما ميلق العالم إلّا الّذي

يخبره العالم في الميلق (٧)

ذاك الّذي يكشف أسرارهم

فيفضح الفاجر والمتّقي (٨)

__________________

(١) ليست في ت.

(٢) هو كتاب الوعد والانجاز في العجالة المستخرجة للطالب المجتاز.

(٣) هو كتاب صغير ألّفه في مناقب الحسين بن علي بن أبي طالب ـ رضي‌الله‌عنه ـ طبع غير مرّة.

(٤) لابن الجوزي كتاب بعنوان «مناقب الحسين» وأظنّه المقصود. انظر : مؤلفات ابن الجوزي ٢٢٠ و ٢٣٧.

(٥) بياض في جميع النسخ بمقدار سطرين.

(٦) البيتان في برنامج شيوخ الرعيني ٥٣ وملء العيبة ٢ / ١٥٢.

(٧) في برنامج الرعيني وملء العيبة : ما ميذق ، في الميذق.

(٨) في ملء العيبة : يفضح أسرارهم ، ويظهر الفاجر.

٥٥١

وله أيضا : [الطويل]

كرامة من لا يعلم الغيب إنّما

تكون على مقدار ما يتوهّم

فكم من مسيء عنده وهو محسن

وكم محسن في ظنّه وهو مجرم

[فذاك لديه مزدرى مع فضله

وذا مع ما فيه من النّقص مكرم

فلا ترج إلّا الله لا ربّ غيره

تنل فوق ماتهوى وما تتوهّم](١)

وقرأت عليه ، قال : أنشدني الشّيخ الفقيه أبو بكر بن محرز الزّهريّ ببجاية ملغزا في نارنجة : (٢) [الرجز]

وذات حمل وهي حمل نفسها

لا حرّة في جنسها ولا بغي (٣)

قد حملت في بطنها أجنّة

أهلّة إبرازها لا ينبغي (٤)

[تريك من جملتها فاعجب لها]

لسمّها أو خلّها ابن أصبغ (٥)

ولما لقيته سألني عن اسمي وكنيتي ، ونسبي ، وبلدي ، وأين أنزل ، فأخبرته بذلك ، فقال لي : لقيت ابن الطّيلسان فسألني كذا فأخبرته ، فقال لي : لقيت أبا محمد عبد [١٤٥ / ب] الله بن أحمد بن محمّد اللّخمي فسألني فأخبرته ، فقال لي : لقيت (٦) الحافظ أبا بكر بن العربيّ فسألني فأخبرته ، فقال لي : لقيت (٧) الشّريف أبا قاسم عليّ بن إبراهيم الحسيني فسألني فأخبرته ،

__________________

(١) البيتان ساقطان من الأصل وأثبتهمّا من ت وط.

(٢) الأبيات في الوافي ١ / ١٩٨ وتحفة القادم ٢٥١.

(٣) في الوافي والتحفة : ما ذات حمل.

(٤) رواية الشطر الأول في الوافي والتحفه : كالبدر إلّا أنّها مكنة ، إبدارها لا ينبغي.

(٥) موضع الشطر الأول بياض في سائر النسخ ، وثمّة كلمة في أوله هي : كأنها. والتكملة من الوافي. والتحفة. ورواية الشطر الثاني في الوافي والتحفة : شطر اسمها وخاطر ابن أصبغ.

(٦ ـ ٦) ـ سقطت من ت.

٥٥٢

فقال لي (١) لقيت الحافظ أبا محمّد عبد العزيز بن أحمد الكتّاني فسألني فأخبرته ، فقال : لقيت الحافظ أبا النّجيب عبد الغفّار بن عبد الواحد الأرمويّ فسألني فأخبرته ، فقال لي : لقيت أحمد بن عليّ بن مهدي الحافظ فسألني فأخبرته فقال لقيت أبا مسلم (٢) غالب بن عليّ بن محمّد فسألني فأخبرته فقال : لقيت أبا بكر محمّد بن عيسى فسألني فأخبرته ، فقال : لقيت أبا عبد الله الحسين بن عليّ بن يزيد الرّفاعيّ فسألني فأخبرته ، فقال : لقيت هدبة بن خالد القيسيّ فسألني كما سألتك ، وقال : لقيت (٣) حمّاد بن سلمة فسألني كما سألتك وقال : لقيت ثابتا البنانيّ فسألني كما سألتك وقال لقيت أنسا فسألني كما سألتك (٤) وقال : لقيت النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسألني كما سألتك وقال : «يا أنس أكثر من الأصدقاء ، فإنّكم شفعاء بعضكم لبعض» (٥).

وهذا الحديث أورده أبو بكر بن العربيّ (٦) في مسلسلاته (٧) وقال : لم يقل شيخنا الشّريف في سؤال أبي محمد الكتّاني (٨) له : وبلدييّ ، لأنّهما كانا دمشقيّين ، فلم يحتج ـ وهو بلديّه ـ إلى السّؤال عن بلده.

__________________

(١) ليست في ت وط.

(٢) في ت : القاسم.

(٣ ـ ٣) ـ سقطت من ت.

(٤) أخرجه الهندي في كنز العمال ٩ / ١٧٢.

(٥) هو محمد بن عبد الله بن محمد المعافري : قاض من حفّاظ الحديث. ولد في إشبيلية سنة ٤٦٨ ه‍ ورحل إلى المشرق ، توفي بقرب فاس سنة ٥٤٣ ه‍. له مصنفات منها «العواصم من القواصم» و «عارضة الأحوذي في شرح الترمذي» وغيرهما. له ترجمة في الصلة ٢ / ٥٩٠ ـ بغية الملتمس ٩٢ ـ قضاة الأندلس ١٠٥ ، والمغرب ١ / ٢٥٤.

(٦) في ت : مسلطاته وهي تحريف.

(٧) هو عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن علي التميمي : محدّث ، مؤرخ من أهل دمشق توفي سنة ٤٦٦ ه‍. ترجمته في العبر للذهبي ٢ / ٣٢٠ وشذرات الذهب ٣ / ٣٢٥ ، والكامل لا بن الآثير ١٠ / ٩٣.

٥٥٣

قلت : قد يكون السّؤال في مثل هذا مع العلم جريا على طريق التّسلسل ، ولا يشكّ أنّ كثيرا من المذكورين قد عرفوا من حدّثوه قبل السّؤال. ولعلّ ذكر البلد إنّما سقط للمذكور فتوهّم ابن العربيّ أنّ ذلك لما ذكر. وبعيد أن يعرف أنّه بلديّه ولا يعرف اسمه فلو كان العلم بذلك يغني عن السؤال لم يسأله عن اسمه أيضا ولا عن منزله. وهذا واضح والله أعلم.

وذكر ابن العربيّ بعقب هذا الحديث حديثين في معناه ، أحدهما قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، «استكثروا من الإخوان فإنّ لكلّ مؤمن شفاعة» (١) ، والآخر قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا آخى الرّجل الرّجل فليسأله عن اسمه ، واسم أبيه ، وممّن هو فإنّه أوصل [١٤٦ / آ] للمودّة»(٢).

وقرأت عليه أيضا قال : حدّثنا ابن الطّيلسان بقراءتي عليه : نا أبو الحسن (٣) الغافقيّ بقراءتي عليه بمتعبّده بجامع قرطبة ، قال : نا ابن العربيّ ، نا أبو المطهّر سعد بن عبد الله الأثيريّ ، نا الحافظ أبو نعيم ، نا أبو بكر بن خلّاد ، نا الحارث بن أبي أسامة نا هدبة. نا همّام ، نا القاسم بن عبد الله ، نا عبد الله

__________________

(١) رواه ابن النجار في تاريخه عن أنس وهو حديث ضعيف كما قال الألباني في «ضعيف الجامع» رقم ٩٠٢٧ وهو في الجامع الصغير ١ / ٤٠ وفيض القدير ١ / ٥٠٠ وكنز العمال ٩ / ٤.

(٢) أخرجه الترمذي في الزهد باب ما جاء في أعلام الحب رقم ٢٣٩٤ ، وابو نعيم في حلية الأولياء ٦ / ١٨١ والديلمي في فردوس الأخبار ١ / ٣٦١ ، وهو في الجامع الصغير للسيوطي ١ / ١٥ وفيض القدير ١ / ٢٣٦.

(٣) في ط : أبو الحسين وهو تحريف.

٥٥٤

ابن محمّد هو ابن عقيل عن جابر بن عبد الله رضي‌الله‌عنه ، قال : بلغني حديث عن رجل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فابتعت بعيرا ، فشددت عليه رحلي ، ثمّ سرت إليه شهرا حتّى قدمت الشّام فإذا هو عبد الله بن أنيس الأنصاريّ (١) ، فأتيت منزله ، فأرسلت إليه أنّ جابرا على الباب (٢) ، فرجع إليّ الرّسول (٣) وقال : جابر بن عبد الله؟ فقلت نعم. فرجع إليه ، فخرج إليّ فاعتنقته واعتنقني ، قال : قلت : حديث بلغني أنّك سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المظالم ، لم أسمعه ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «يحشر الله العباد ، أو قال: «النّاس ـ شكّ همّام ـ وأومأ بيده إلى الشّام ، «عراة ، غرلا ، بهما» (٤) قال : وما بهما؟ قال «ليس معهم شيء ، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب ، أنا الملك الدّيّان (٥) ، لا ينبغي لأحد من أهل الجنّة أن يدخل الجنّة وأحد من أهل النّار يطلبه بمظلمة ، ولا ينبغي لأحد من أهل النّار أن يدخل النّار وأحد (٦) من أهل الجنّة يطلبه بمظلمة حتى اللّطمة» : قلت وكيف؟ وإنّما نأتي الله حفاة ، عراة ، غرلا قال : «بالحسنات والسّيّئات» (٧).

__________________

(١) هو عبد الله بن أنيس الأنصاري. صحابي من القادة الشجعان من أهل المدينة ، رحل إلى مصر وإفريقية. توفي بالشام سنة ٥٤ ه‍. له ترجمة في الإصابة ٢ / ٢٧٠ ، النجوم الزاهرة ١ / ١٤٦ وحسن المحاضرة ١ / ٢١١.

(٢) في ط : بالباب.

(٣) ليست في ط.

(٤) في ط : عزلا وهو تصحيف وغرل : جمع أغرل ، وهو الذي لم يختن.

(٥) الدّيّان : صيغة مبالغة من دان ، بمعنى جازى ، ومنه يوم الدين ، أي يوم الجزاء.

(٦) في ت وط : وواحد.

(٧) أخرجه البخاري في كتاب الرّقاق ، باب الحشر رقم ٦٥٢٧ ـ ١١ / ٣٧٧ عن عائشة ومسلم في كتاب الجنّة ، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة رقم ٢٨٥٩ ـ والنسائي ٤ / ١١٤ والحاكم في المستدرك ٢ / ٤٣٨ والأسماء والصفات للبيهقي ٧٩ والرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي ١١٠ ـ ١١١.

٥٥٥

وقرأت عليه «ثنائيات مالك» عن ابن الطّيلسان عن ابن بقيّ بسنده في «الموطّأ» وقد تقدّم أنّ شيخنا أبا محمّد أكمل الموطّأ على ابن بقيّ قراءة وسماعا.

وقرأت عليه «ثلاثيّات البخاريّ» بحقّ قراءته لها على ابن الطّيلسان عن القاضي أبي محمّد عبد المنعم بن محمّد بن عبد الرّحيم الخزرجيّ عن الإمام أبي سعد حيدر بن يحيى الجيليّ عن الإمام أبي المحاسن [١٤٦ / ب] عبد الواحد بن إسماعيل الطبريّ ، عن الشيخ الزاهد هبة الله بن محمّد القزوينيّ عن الفربريّ عن البخاريّ.

وقرأت عليه عن ابن الطّيلسان قراءة عن (١) أبي الحسن المقدسيّ كتابا عن أبي عبد الملك بن أبي (٢) القاسم الأزديّ ، عن أبي عامر محمود بن أبي القاسم الأزديّ ، عن أبي محمّد عبد الجبّار بن محمّد المروزيّ ، عن أبي العبّاس محمّد بن أحمد المحبوبيّ ، عن التّرمذيّ عن إسماعيل بن موسى الفزاريّ عن عمر بن شاكر عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «يأتي على النّاس زمان الصّابر فيهم (٣) على دينه ، كالقابض على الجمر» (٤) قال ابن الطّيلسان : هذا حديث عال ، وقف (٥) في «مصنّف أبي عيسى» ثلاثيّا ، وليس في المصنّف مثله ، [وليس في الحديث مثله](٦).

__________________

(١) في ط : على.

(٢) أبي : ليس في ط.

(٣) في ط : منهم.

(٤) أخرجه الترمذي في أبواب الفتن ، باب القابض على دينه كالقابض على الجمر رقم : ٢٢٦ ـ وابن عدي في الكامل ٥ / ١٧١١ والهنديّ في كنز العمال ١٤ ـ / ٢٢١.

(٥) في ط : وقع.

(٦) بياض : في الأصل ، والتتمة من ت.

٥٥٦

[لقاؤه لأبي العباس البطرني]

ولقيت بها الشّيخ الفقيه الصّالح ، الفاضل ، أبا العبّاس أحمد بن موسى ابن عيسى بن أبي الفتح البطرنيّ ، (١) منسوب إلى بطرنّة بفتح الطاء وإسكان الراء ، وهو مؤدّب في بعض أرباض تونس ، ضرير البصر ، ديّن ، صالح ، معتن بالعلم وروايته ، مواظب على أفعال الخير. لقي جماعة من العلماء ، وسمع من أبي عمرو بن الشّقر (٢). وقرأ عليه كثيرا وروى عنه وأجازه. قرأت عليه «الأربعين [حديثا](٣) المسلسلة (٤)» لأبي الحسن بن المفضّل (٥) المقدسيّ. وحدّثني بها عن ابن الشّقر عنه ، وكان عنده (٦) منها أصل ابن الشّقر بخطّه الّذي قرأه على مؤلّفه ، وكان يمسك عليه في وقت قراءتي عليه مع أصله الّذي كتبه هو بخطّه ، وقرأه (٧) على أبي عمرو المذكور ، وسلسلت معه جميع ذلك ، وسمعت من لفظه الحديث الأوّل منها ، وهو أوّل حديث سمعته منه ، وسمع أخي يحيى «الأربعين» المذكورة بقراءتي عليه ، وسلسل معه جميعها ، وأجازني وإيّاه إجازة عامّة ؛ وكان يحضر معنا كثيرا مجلس شيخنا أبي العبّاس بن الغمّار للسّماع ، وكانت له مسموعات [١٤٧ / آ] ومرويات لم يتّسع الوقت لأخذها عنه والحمد لله على كلّ حال.

__________________

(١) ولد سنة ٦٦٨ ه‍ وتوفي سنة ٧٠٣ ه‍. انظر برنامج الوادي آشي ٦٦ ـ ٦٧.

(٢) هو عثمان بن سفيان بن عثمان التميمي ، فقيه ، محدّث ، راوية أخذ عن أبي الحسن المقدسي وأخذ عنه ابن الدّباغ والبطرني. انظر شجرة النور ١ / ١٦٨.

(٣) زيادة من ت.

(٤) في ت : المسلسلات.

(٥) في ت : أبي الفضل وهو تحريف.

(٦) «وكان عنده» سقطت من ت.

(٧) في ت وط : «وقرأه هو».

٥٥٧

[من تونس إلى بجاية]

ثمّ سافرنا من مدينة تونس أمّنها الله تعالى ، فمررنا على باجة ثمّ على خولان فتياسرنا منها عن (١) طريق بونة ، وأخذنا على طريق القلاع ، فدخلناها قلعة قلعة ، وهي ذوات عدد ، وليس بها ما يذكر ولا ما يؤرّخ ؛ ثم على قسنطينة على الطّريق الأولى ثمّ على بجاية.

[لقاؤه لأبي الحسين الرندي]

فرأيت بها الشّيخ الصّالح المسنّ أبا الحسين (٢) الرّنديّ وهو ابن أخي الأديب النّحويّ أبي عليّ عمر بن عبد المجيد الرّندي (٣) شارح كتاب «الجمل» (٤) وقد أدركه ، وسمع منه ومن غيره ، وهو حين رأيته لقى ما به حراك من الكبر ، ولكن صحيح الذّهن ، كلّمته في الرّواية عنه فرأيته لا يشتهي الكلام في ذلك ، فاثرت التّخفيف عليه وألّا أعنته في كثرة الكلام ، والمراجعة مع قلّة روايته فاستوهبت منه الدّعاء وودعته وانصرفت.

[لقاؤه لأبي عبد الله بن صالح]

ولقيت بها ثانية الشّيخ الفقيه ، الخطيب ، المحدّث ، الفاضل أبا عبد الله بن صالح ، فقرأت عليه «برنامجه» في أسماء شيوخه في أصل بخطّه ؛ وقرأت عليه بعض «درر السمّط» وناولنيه بحقّ (٥) قراءته إيّاه على مؤلّفه أبي عبد الله

__________________

(١) في ت وط.

(٢) في ت : الحسن.

(٣) هو عمر بن عبد المجيد بن علي الأزدي : نزيل مالقة ، مقرئ ، عالم بالعربية سمع أبا القاسم بن بشكوال ، وأبا القاسم السّهيلي. توفي ٦١٦ ه‍ له شرح الجمل للزجاجي. له ترجمة في التكملة ٢ / ٦٥٧ وغاية النهاية ١ / ٥٩٤ وفيها المرندي.

(٤) كتاب في النحو للزجاجي المتوفى سنة ٣٣٩ ه‍ وعليه شروح كثيرة طبع غير مرّة.

(٥) في ت : بنحو.

٥٥٨

القضاعيّ. وقرأت عليه بعض كتاب «المحتوي على الشّواذّ من القراءات» (١) للإمام أبي عمرو المقرىء ، وناولنيه في أصله مليح متقن ، ووهبه لي ، نال لي : ناولته لك ، ناولته لك ، مشيرا إلى الهبة ، مباسطا لي بذلك ، وناولني «كتب سيبويه» بحقّ [قراءته له](٢) إيّاه على أبي عثمان بن زاهر عن أبي عبد الله بن نوح عن أبي الحسن بن النّعمة عن أبي محمّد بن السّيد عن أخيه أبي الحسن ، عن الأستاذ أبي محمّد بن يونس ، عن الفقيه أبي محمّد بن الأسلميّة الحجازيّ ، عن أبي نصر هارون بن موسى ، عن أبي عليّ البغداديّ ، عن ابن درستويه ، عن المبرّد ، عن المازنيّ ، [١٤٧ / ب] عن الأخفش ، عن سيبويه.

وناولني «برنامج أبي محمّد بن عبيد الله الحجري» روايته عن ابن السّرّاج عنه. وقرأت عليه بعض «رسالة ابن أبي زيد» (٣) وناولنيها ، وحدّثني بها عن ابن زاهر قراءة على ابن نوح بسنده ، وناولني «كتاب الشّهاب» روايته عن ابن زاهر قراءة ، وعن ابن قطرال سماعا ، وناولني كتاب «القربة إلى ربّ العالمين في فضل الصّلاة على سيّد المرسلين» بحقّ قراءته إيّاه على ابن السّراج عن مؤلّفه أبي القاسم بن بشكوال ، وناولني كتاب «المصابيح» (٤) تأليف الإمام أبي محمّد الحسين بن مسعود ، وحدّثني به عن ابن برطله بسنده ، وناولني

__________________

(١) ذكره حاجي خليفة في كشف الظّنون : ١٦١٢.

(٢) زيادة من ت وط.

(٤) رسالة في الفقه المالكي للشيخ أبي محمّد عبد الله بن أبي زيد المالكي القيرواني المتوفى سنة ٣٨٩ ه‍ وعليها شروح كثيرة ، وطبعت غير مرّة.

(٥) هو كتاب مصابيح السّنة للإمام حسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي توفي سنة ٥١٦ ه‍.

قيل : عدد أحاديثه أربعة آلاف وسبع مئة وتسعة عشر حديثا من الكتب المختلفة. انظر كشف الظنون ١٦٩٨.

٥٥٩

«مختصر حلية الأولياء» للحافظ أبي نعيم باختصار شيخه الفقيه العالم أبي الحسن عبيد الله (١) بن محمّد بن عبيد الله النّفزي (٢) عرف بابن قبّوش ، وحدّثني به عنه. وقرأت عليه لابن قبّوش : (٣) [الطويل]

غنيت بما عندي ومالي لا أغنى

وأعرضت في قصدي عن العرض الأدنى

إلى الملأ الأعلى علوت بهمّتيّ

فرافقت ما يبقى وفارقت ما يفنى (٤)

تركت للذّات البهائم أهلها

وهمت بما يعنى به عالم المعنى

وأنشدني ـ حفظه الله ـ للإمام الحافظ أبي محمّد عبد الحقّ الأزديّ (٥) من قوله حين ولي قضاء بجاية : [الوافر]

وكانت لي ذنوب موبقات

يضيق بحصرها حرف الرّويّ

فلمّا أن وليت الحكم يوما

«أتى الوادي فطمّ على القريّ» (٦)

* * *

__________________

(١) في ط : عبد الله.

(٢) فقيه مدرس ، حافظ توفي ببجاية سنة ٦٤٢ ه‍. انظر الذيل والتكملة ٥ ـ ٢ / ٦٧٤.

(٣) الأبيات في الذيل والتكملة ٥ ـ ٢ / ٦٧٥.

(٤) في الذيل والتكملة : إلى العالم الأعلى ، فوافقت.

(٥) هو عبد الحق الأزدي الإشبيلي ، قاض ، محدّث ، عالم ، له مشاركات في علم القرآن والحديث والأصول والأدب والنحو والتاريخ ، توفي سنة ٦٢٨ ه‍ ـ ومن مصنفاته : الإعلام بفوائد الأحكام ، وشرح مقصورة ابن دريد. له ترجمة في عنوان الدراية ١٩٣.

(٦) ضمّن الشاعر المثل المعروف «أتى الوادي فطمّ على القريّ» ويروى : جرى الوادي ، وهو في الميداني ١ / ٢١٩.

٥٦٠