رحلة العبدري

أبو عبدالله العبدري

رحلة العبدري

المؤلف:

أبو عبدالله العبدري


المحقق: د. علي إبراهيم كردي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٢٨

ذلك بالنّجوم إلّا أنّه قوي عندي (١) بالحدس (٢) أنّها كما قيل إلى المنقلب الشّتويّ أو بميل يسير إلى الجنوب ، ودخلنا به بيت الكتب فأخرجت لنا مصاحف كثيرة بخطّ مشرقيّ ، ومنها ما كتب كلّه بالذّهب. وفيها كتب محبّسة قديمة التّاريخ من عهد سحنون (٣) وقبله ، منها : موطّأ ابن القاسم (٤) وغيره. ورأيت بها مصحفا كاملا مضموما (٥) بين لوحين مجلّدين غير منقوط

__________________

ـ فإنك تسمع بين يديك تكبيرا لا يسمعه أحد من المؤمنين غيرك ، فالموضع الذي يقطع عنك التكبير فيه فهو مصلّاك وهو محراب مسجدك ، فاستيقظ من نومه وهو في المسجد ومعه أشراف قريش فتوضأ ، فلما طلع الفجر صلى ركعتين فإذا بالتكبير بين يديه فقال لمن حوله : أتسمعون شيئا؟ قالوا : لا ، فعلم أن الأمر من عند الله ، فأخذ اللواء وجعله على عاتقه وأقبل يتبع التكبير حتى وصل إلى موضع المحراب ، فانقطع التكبير ، فركز لواء وقال هذا محرابكم. فاقتدى به جميع مساجد المغرب». معالم الإيمان ١ / ٩ ـ وانظر : البيان المغرب ١ / ٢٠ ـ ٢١.

(١) ليس في ط.

(٢) الحدس : الظنّ والتخمين.

(٣) هو عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي : قاض ، فقيه ، انتهت إليه رياسة العلم بالمغرب. ولد سنة ١٦٠ ه‍ بالقيروان ، وتتلمذ على خير علمائها. كان زاهدا لا يهاب سلطانا في حق يقوله. ولي القضاء بالقيروان سنة ٢٣٤ ه‍ واستمر إلى أن مات سنة ٢٤٠ ه‍. ترجمته في قضاة الأندلس ٢٨ ـ وفيات ابن قنفذ ١٧٤ ـ الديباج المذهب ١٦٠ ـ معالم الإيمان ٢ / ٤٩.

(٤) عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة العتقي المصري : فقيه جمع بين الزهد والعلم. تفقه بالإمام مالك ونظرائه ، ولد بمصر سنة ١٣٢ ه‍ ، وتوفي بها سنة ١٩١ ه‍. له «المدوّنة» في الفقه المالكي. ترجمته في : وفيات الأعيان ٣ / ١٢٩ ـ الديباج المذهب ١٤٦ ـ شجرة النور الزكية ١ / ٥٨ ـ وفيات ابن قنفذ ١٥٠.

(٥) ط : مضمونا.

١٦١

ولا مشكول ، وخطّه مشرقيّ بيّن جدّا ، مليح ، وطوله شبران ونصف في عرض شبر ونصف ، وذكروا أنّه الّذي بعثه عثمان ـ رضي‌الله‌عنه ـ إلى المغرب وأنّه بخطّ عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما والله أعلم.

[مقبرة القيروان]

وأما مقبرتها فهي من المزارات العظيمة الشّريفة ، وفيها من الأفاضل وأخيار الأمّة ما يقصر عنه الوصف ، وبها قبر أبي زمعة البلويّ (١) صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقبره مشهور بها ، وكذلك قبر الشّيخ [الوليّ](٢) الفقيه العالم أبي الحسن عليّ بن محمّد القابسيّ (٣) رحمه‌الله. [٣٦ / آ]

وأمّا قبر الشّيخ [الفقيه العالم](٤) أبي محمّد عبد الله بن أبي زيد ـ رحمه‌الله ـ فهو بداره داخل البلد (٥) ، وفي بيت منه على يسار الدّاخل ،

__________________

(١) أبو زمعة البلوي : صحابي ممن بايع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيعة الرضوان تحت الشجرة. نزل بمصر وغزا إفريقية مع معاوية بن حديج ، ومات هناك بعد سنة ٣٤ ه‍ ، ودفن بأرض القيروان قبل بنائها. ترجمته في : الإصابة ٤ / ٧٧ ـ الاستيعاب ٤ / ٨١ ـ رياض النفوس ١ / ٥٤ ـ ٥٥ معالم الإيمان ١ / ١٠.

(٢) زيادة من ت.

(٣) هو علي بن محمد بن خلف المعافري القيرواني : فقيه مالكي ، كان حافظا للحديث وعلله ورجاله ، من أهل القيروان ، رحل إلى المشرق سنة ٣٥٢ ه‍ وعاد إلى القيروان ٣٥٧ ه‍ ، تولى الفتيا مكرها ، توفي سنة ٤٠٣ ه‍ بها بعد أن عمي في كبره. ترجمته في : معالم الإيمان ٣ / ١٦٨ ـ نكت الهميان ٢١٧ ـ الديباج المذهب ١٩٩ ـ وفيات ابن قنفذ ٢٢٧.

(٤) زيادة من ط.

(٥) هو عبد الله بن عبد الرحمن أبي زيد النّفزاوي : فقيه مالكي ، نسبته إلى نعزة مدينة جنوب تونس ، ولد في القيروان سنة ٣١٠ ه‍ ، كان يلقب بقطب المذهب وبمالك الأصغر. توفي سنة ٣٨٦ ه‍ ، له تصانيف أشهرها. «الرسالة» وهي خلاصة الفقه المالكي. ترجمته في : الديباج المذهب ١٣٦ ـ معالم الإيمان ٣ / ١٣٥ وفيات ابن قنفذ ٢٢١.

١٦٢

وقد زرته ودخلت البيت فوجدت فيه عدّة قبور ، وسألت العجوز القيّمة على الدّار عن قبره فأخبرتني أنّه الّذي في وسط البيت المقابل للباب ، فنظرت تاريخه فوجدته لغيره ، ثم أتيت الّذي على يسار الباب ، وعليه دكّان مبني ، فقرأت في حجر من رخام عند رجليه أنّه قبر الشّيخ أبي محمّد وأنّ وفاته كانت ليلة الجمعة الثّامن والعشرين أو الثّامن عشر من شعبان (١) ـ الشّك منّي ـ سنة ستّ وثمانين وثلاث مئة ، فعرّفت الشّيخ الفقيه المحصّل أبا زيد عبد الرّحمن بن محمّد بما قالت العجوز ، وبما وجدت من التّاريخ فقال لي : طرأ في ذلك مشكل ، وذلك أنّه كان فيما مضى قد احتيج إلى تجديد السّقف ، واستقبحوا الهدم عليهم فأخرجت توابيتهم إلى بيت آخر ، فلما أصلح السّقف ، وأرادوا ردّ التّوابيت أشكلت عليهم ، وكان الشّيخ أبو محمّد مدفونا قبالة الباب كما ذكرت العجوز ، فلما أعيد دفنهم غلب على ظنون أكثر النّاس أنّه دفن على اليسار حيث الدّكان والتّاريخ.

[لقاؤه للدّبّاغ]

وقد بذلت وسعي إذ دخلت القيروان في البحث عمّن بها من أهل العلم ، فلم أجد بها من يعتبر وجوده ، ولا يسع جهله ، سوى هذا الشّيخ الفقيه المحدّث ، الرّاوية المتفنّن ، أبي زيد عبد الرّحمن بن محمّد بن عليّ بن عبد الله الأنصاريّ الأسيدي من ولد أسيد بن حضير (٢) رضي‌الله‌عنه ، ويعرف

__________________

(١) يبدو أنّ التاريخ الثاني هو الأقرب للصّواب ، ولكن يوم الجمعة يوافق السابع عشر من شعبان ـ وليس الثامن عشر ـ من سنة ست وثمانين وثلاث مئة.

(٢) أسيد بن الحضير بن سماك بن عتيك الأوسي : صحابي ، كان شريفا في الجاهلية والإسلام ، شهد العقبة الثانية ، وكان أحد النقباء الاثني عشر ، شهد أحدا والخندق. وفي الحديث : «نعم الرجل أسيد بن حضير» توفي في المدينة سنة ٢٠ ه‍. ترجمته في : الإصابة ١ / ٦٤ ـ صفة الصفوة ٣ / ٥٠٢ ـ طبقات ابن سعد ٣ / ٦٠٣ ـ ٦٠٧.

١٦٣

بالدبّاغ. لقيته يوم وردنا (١) القيروان فرأيت شيخا ذكيّا حصيفا ذا سمت (٢) وهيئة وسكون ظاهر ، محبّا لأهل العلم ، حسن الرّجاء برّ اللّقاء ، لم يؤثّر الكبر في جسمه على علوّ سنّه ولا تغيّر شيء من ذهنه وحواسه ، سألته عن مولده فقال لي : سنة خمس وستّ مئة. وهو ـ حفظه الله ـ من أهل التّهمّم والعناية بالعلم ، مع عدم (٣) المعتني به والطّالب له ، موطّأ الأكناف ، ليّن الجانب ، جميل العشرة ، على سنن [٣٦ / ب] المشايخ من أهل العلم والفضل ، أوحد وقته رواية ودراية ، لقيت من برّه وحسن خلقه ، ورقّة شمائله مالم إخل مثله باقيا ، وما وجوده بالقيروان في هذا الأوان إلّا من جملة بركات سلف أهله ، وقد نيّف شيوخه على الثّمانين ، وله «برنامج» ضمّ فيه أسماء هم وما روى عنهم ، وقد قرأت عليه بعضه ، وأجازني في كلّ ما تضمّنه ، وما شذّ عنه من رواياته إجازة عامة ، وكذلك أجاز ولدي محمّدا ـ وفّقه الله ـ وكتب لي بذلك خطّ يده ، وقال لي مرارا : إذا قضى الله حاجتك وحججت ، فلا تقم في البلاد فإنّي كثير الشّفقة على ولدك ، وقد أوقع الله حبّه في قلبي منذ ذكرته لي.

ومن عجيب أخلاقه أنّي قلّما طلبت جزءا لأنقل منه إلّا وهبه لي ، وقد أعطاني أكثر من عشرة أجزاء من فوائده وفوائد شيوخه وفهارسهم ، وقال لي : أنت أولى بها منّي ، فإنّي شيخ على الوداع ، وأنت في عنفوان عمرك ، ومن حين (٤) رأيتك انعرز حبّك في قلبي.

__________________

(١) في ت : ورودنا.

(٢) الحصيف : الكامل ذو الرأي الجيد. والسّمت : حسن النحو في مذهب الدين ، والسّمت : هيئة أهل الخير.

(٣) في ط : قلّة.

(٤) ليست في ت.

١٦٤

وله مجموعات وتواليف ، ونظم جيّد كثير ، ومشاركة في العلوم : نقليّها وعقليّها وألفّ كتابا حسنا مفيدا في طبقات من دخل القيروان من الفضلاء منذ دخلها الإسلام إلى زمانه ، وهو كبير في مجلّدين وسمّاه : «معالم الإيمان وروضات الرّضوان في مناقب المشهورين من صلحاء القيروان» (١). وقد ذكر لي شيخنا (٢) الفقيه العالم إمام ديار مصر أبو الفتح محمّد بن عليّ بن وهب القشيريّ أنّه كان (٣) كلّف الفقيه الأوحد الفاضل (٤) أبا العبّاس الغماريّ التّونسيّ (٥) ـ رحمه‌الله ـ استنساخ هذا الكتاب له حين صدر من المشرق ، وأنّه لمّا وصل إلى تونس اعتنى باستنساخه له حتّى كمل ، ثم اعتنى بتصحيحه ومقابلته ، فلمّا فرغ منه توفي فبيع في تركته ، وأثنى على مؤلّفه المذكور كما ينبغي ؛ وقد (٦) حدّثني به مناولة. وسألته لم لم يذكر فيه أبا الحسن اللّخميّ فقال لي : (٧) لم يثبت عندي أنّه دخل القيروان ، وسألته عن تاريخ وفاته فقال لي (٨) : [٣٧ / آ] توفي سنة ثمان وسبعين وأربع مئة ، وذكر لي أنّه

__________________

(١) طبع غير مرة مع زيادات عليه لابن ناجي ، وسمي «بمعالم الإيمان في معرفة أهل القيروان» ونسبه البغدادي لابن ناجي القيرواني. انظر إيضاح المكنون ٤ / ٥٠٤.

(٢) في ت : شيخي.

(٣) ليست في ت.

(٤) في ت : الأفضل.

(٥) هو أحمد بن عيسى بن عبد الرحمن الغماري : قاض ، أديب ، فقيه ، مشارك في عدّة علوم من أهل بجاية ، تعلم بها وبمصر ، وعاد فسكن تونس وتولى القضاء ، توفي بتونس سنة ٦٨٢ ه‍.

ترجمته في : عنوان الدراية ١١٢ ـ ١١٣ ، نيل الابتهاج ٦٣ ، تعريف الخلف ٢ / ٧٤ ، معجم أعلام الجزائر ٢٥١ وفيه وفاته سنة ٨٦٢ وهو خطأ.

(٦) ليست في ت وط.

(٧ ـ ٧) ـ سقط من ت.

١٦٥

قرأ ذلك في حجر عند رأسه بمدينة سفاقس (١) ـ حرسها الله ـ وناولني «صحيحي البخاريّ ومسلم» في أصله منهما ، وقرأت عليه بعض الأحاديث الثّنائيّة الإسناد من حديث مالك ـ رضي‌الله‌عنه ـ من تخريجه وبعض أحاديثه التّساعيّة (٢) من تأليفه وانتقائه وناولني سائرهما ، وناولني أجزاء من عوالي حديثه ، وحديث شيوخه ، وناولني «الأحاديث الأربعين في عموم رحمة الله لسائر المؤمنين» من تأليفه.

وحدّثني ـ حفظه الله ـ بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الرّاحمون يرحمهم الرّحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السّماء (٣)». وهو أوّل حديث سمعته منه عن الفقيه أبي عبد الله محمّد بن إبراهيم بن عثمان الحنفيّ سمع منه بالمهديّة (٤) عام ثمانية وعشرين بسنده مسلسلا ، وبحديث أنس بن مالك (٥) رضي‌الله‌عنه قال : «صافحت بكفّي هذه كفّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فما مسست خزّا ولا حريرا ألين من كفّ

__________________

(١) سفاقس : مدينة بتونس على ساحل البحر بينها وبين قابس ثلاثة أيام. انظر ياقوت ٣ / ٢٢٣.

(٢) الأحاديث التساعية التي يكون في سندها تسعة رجال. من الراوي إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٣) أخرجه الترمذي برقم ١٩٢٥ في البر والصلة باب في رحمة الناس ، وأبو داود رقم ٤٩٤١ في الأدب ـ باب الرحمة ، وهو في جامع الأصول ٤ / ٥١٥ ، والأسماء والصفات للبيهقي ٤٢٣.

(٤) المهدية : مدينة بساحل إفريقية بناها عبيد الله العبيدي الخارج على بني الأغلب وسماها المهدية نسبة إلى نفسه ، وكان ابتداء بنيانها سنة ٣٠٠ ه‍ وبينها وبين القيروان ستون ميلا ، ويحيطها البحر من جهاتها.

(٥) أنس بن مالك الأنصاري الخزرجي : صاحب رسول الله وخادمه ، توفي سنة ٩٣ ه‍. له ٢٢٨٦ حديثا ، ترجمته في الإصابة ١ / ٨٤ ، والاستيعاب ١ / ٤٤.

١٦٦

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١)» بسنده مسلسلا بالمصافحة. وبحديث عبد الله بن مسعود (٢) في التّشهّد مسلسلا بأخذ اليد إليه قال : «أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيدي فعلّمني التّشهّد : التّحيّات لله والصّلوات والطّيّبات ، السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته ، السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين ، أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله (٣)».

وفيه عن إبراهيم بن سعيد الجوهريّ (٤) ، رواية عن الحسين بن عليّ الجعفيّ (٥) أنّ هارون الرّشيد قدم مكّة ، فجلس عند الأسطوانة الحمراء ، ثم قال للفضل بن الرّبيع (٦) : بلغني أنّ الحسين بن علي الجعفيّ حاجّ فانظر أين

__________________

(١) الكامل لابن عدي ٧ / ٢٧٣٨.

(٢) عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي ، صحابي من أهل مكة ، توفي في خلافة عثمان بالمدينة سنة ٣٢ ه‍ ، له ٨٤٨ حديثا. ترجمته في الإصابة ٢ / ٣٦٠.

(٣) أخرجه البخاري في الأذان ، باب التشهد رقم ٨٣٥ ـ ٢ / ٣٢٠ ، وفي العمل في الصلاة ، باب من سمى قوما أو سلم في الصلاة رقم ١٢٠٢ ـ ٣ / ٧٦ ، وفي الاستئذان ، باب السلام اسم من أسماء الله رقم ٦٣٢٠ ـ ١١ / ١٣ ، وباب الأخذ باليد رقم ٦٢٦٥ ـ ١١ / ٥٦ ، وفي الدعوات باب الدعاء في الصلاة رقم ٦٣٢٨ ـ ١١ / ١٣١ ، ومسلم في الصلاة باب التشهد في الصلاة رقم ٥٥ و ٦٠ و ٦٢ ، وأبو داود في الصلاة ، باب التشهد رقم ٩٦٨ ، والترمذي في الصلاة باب ٢١٥ رقم ٢٩٠ ، وابن ماجة في إقامة الصلاة باب ما جاء في التشهّد رقم ٨٩٩ ، والنكاح باب خطبة النكاح / ١٨٩٢ ، وابن حنبل ١ / ٢٩٢ ـ ٣٧٦ ـ ٣٨٢ ـ ٤٠٨ ـ ٤١٣ ـ ٤١٤ ـ ٤٢٢ ـ ٤٢٣.

(٤) إبراهيم بن سعيد الجوهري : من أعلام رجال الحديث من أهل بغداد ، له المسند في الحديث ، توفي سنة ٢٤٧ ه‍ ترجمته في شذرات الذهب ٢ / ١١٣ ـ غربال الزمان ٢٣٠.

(٥) الحسين بن علي الجعفي : مولاهم ، حافظ للحديث ، مقرئ من أفاضلهم ، كان زاهدا عابدا ، توفي سنة ٢٠٣ ه‍ ترجمته في شذرات الذهب ٢ / ٢٥ غربال الزمان ١٨٨.

(٦) الفضل بن الربيع : وزير ، أديب ، حازم ، كان من خصوم البرامكة. توفي بطوس سنة ٢٠٨ ه‍. ترجمته في البداية والنهاية ١٠ / ٢٦٣ ـ شذرات الذهب ٢ / ٢٠ ـ غربال الزمان ١٩٨.

١٦٧

هو حتّى آتيه ، فقال له رجل : هو ذاك يصلّي عند المقام. فقال الفضل : أنا آتيك به يا أمير المؤمنين ؛ فإنّه أحقّ أن يأتيك. فجاء الفضل فوقف عليه فقال له : إنّ أمير المؤمنين [٣٧ / ب] عزم على إتيانك. فسلّم الحسين ثمّ قال له : أنا أحقّ أن آتيه. قال : فانهض بنا. فجاء معه فاعتنقه هارون وسلّم عليه وأجلسه إلى جنبه على مقعده ثم أقبل عليه هارون وسأله عن حاله وسفره ، قال : ثم تنحّى عنه حتّى صار بين يديه وضرب بيده إلى قلم وقرطاس ، ثم قال له : تملي عليّ حديث عبد الله بن مسعود في التّشهّد. فقال : أخبرنا (١) الحسن بن الحرّ ، قال : أخذ القاسم بن مخيمرة (٢) بيدي وقال : أخذ علقمة بن قيس بيدي وقال : أخذ عبد الله بيدي .. وذكر الحديث ، فقال له هارون : أخذ بيدك الحسن بن الحرّ؟

قال : نعم. قال : فتأخذ بيدي كما أخذ بيدك؟ قال : فأخذ يده في يده ، قال : فترك هارون يده وجعل يقبّل يد نفسه ، وقال : بأبي يد صافحت كفّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وحدّثني أيضا وهو آخذ بيدي بسنده مسلسلا إلى أبي الرّبيع الزّهراني قال : حدّثنا مالك وهو آخذ بيدي : (٣) حدّثنا نافع وهو آخذ بيدي (٤) قال (٥) : حدّثني ابن عبّاس وهو آخذ بيدي ، قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو آخذ بيدي (٦) : «من أخذ بيد مكروب أخذ الله بيده (٧)».

__________________

(١) في ت وط : أخبرني.

(٢) في ت وط : عميرة. والصحيح المذكور ، وهو من رجال الحديث الكوفيين توفي سنة ١٠٠ ه‍.

انظر طبقات الحفّاظ للسيوطي : ٥٤.

(٣ ـ ٣) ـ سقط من ت وط.

(٤ ـ ٤) ـ سقط من ت.

(٥) لم أقف له تخريج.

١٦٨

وهذه الأحاديث كلّها من مسلسلات الإمام أبي الحسن عليّ بن المفضّل المقدسيّ (١) رحمه‌الله ، وشيخنا الفقيه أبو زيد يرويها عن الفقيه المحدّث الرّاوية أبي عمرو عثمان بن سفيان بن عثمان التّميميّ التّونسيّ (٢) عرف بابن شقر ، ويقال ابن الشّقر ، معرّفا ، عن الإمام أبي الحسن المقدسيّ المذكور ، وقد ذكر في هذا أيضا نحو ما تقدّم ، عن الرّشيد ، وهذه المسلسلات قرأتها كلّها على الفقيه الصّالح أبي العبّاس أحمد بن موسى البطرنيّ (٣) ، وسلسلتها معه ، وحدّثني بها عن ابن (٤) شقر المذكور قراءة وسيأتي ذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.

وأنشدني شيخنا أبو زيد وأعطانيه في ورقة بخطّه ، قال : أنشدنا (٥) الفقيه المحدّث أبو المكارم وأبو بكر محمّد بن أبي أحمد يوسف بن موسى ، هو ابن مسدي بسين ودال مهملتين المهلّبي ، وكتبه لي بخطّه قال : أنشدني القاضي أبو الحسن عليّ بن عبد الله بن محمّد بن يوسف الأنصاري ، هو

__________________

(١) علي بن المفضل بن مفرج بن حاتم اللّخمي المقدسي الاسكندراني : فقيه مالكي ، من حفاظ الحديث ، له تصانيف وشعر ، توفي بالقاهرة. سنة ٦١١ ه‍. ترجمته في : شذرات الذهب ٥ / ٤٧ ـ طبقات السيوطي ٤٩٢ ـ غربال الزمان ٤٩٤ ـ وفيات الأعيان ٣ / ٢٩٠.

(٢) عثمان بن سفيان بن عثمان التميمي التونسي : إمام ، فقيه ، محدث ، راوية ، أخذ عن ابن جبير وأبي الحسن المقدسي وأخذ عنه جماعة منهم ابن الدباغ ، وأبو العباس البطرني. لم أقف على وفاته. ترجمته في شجرة النور ١ / ١٦٨.

(٣) أحمد بن موسى الأنصاري الشهير بالبطرني : مقرئ ، راوية ، مسند ، عالم من أهل تونس توفي سنة ٧١٠ ه‍. انظر برنامج الوادي آشي ٦٦ ـ ٦٧ ، درة الحجال ١ / ٣٩.

(٤) في الأصل : أبي شقر ، وهو تصحيف.

(٥) في ت وط : أنشدني.

١٦٩

ابن قطرال بثغر شاطبة (١) ، وكتبه لي بخطّه قال : (٢) أنشدنا أبو الحجّاج يوسف ابن محمّد [٣٨ / آ] هو ابن الشّيخ البلويّ ، وكتبه لي بخطّه ، قال (٣) ابن مسدي : وقرأت على أبي عبد الله محمّد بن أحمد التّميمي قال : أنشدنا أبو محمّد عبد الله بن أبي الفضل القاضي بثغر الإسكندريّة ، وكتبه لنا بخطّه (٤) قال : أنشدنا أبو عبد الله محمّد بن صدقة بن سليمان ، وكتبه لي بخطّه قال : أنشدنا (٥) محمد بن إبراهيم البكريّ ، وكتبه لي بخطّ يده ، قال : أنشدنا أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم بن قاسم (٦) الطّليطليّ وكتبه لي بخطه ، قال : أنشدنا محمّد بن شدّاد بن الحدّاد وكتبه لي بخطّه ، قال : أنشدنا أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم بن موسى (٧) بطلبيرة (٨) لنفسه ، وكتبه لي بخطّه (٩) : [الوافر]

__________________

(١) شاطبة : مدينة كبيرة قديمة شرقي الأندلس وقرطبة. انظر الروض لا معطار ٣٣٧.

(٢ ـ ٢) ـ سقط من ت.

(٣) ليس في ت.

(٤ ـ ٤) ـ سقط من ت.

(٥) «ابن قاسم» ليس في ت وط.

(٦) محمد بن إبراهيم بن موسى بن عبد السلام بن شق الليل : فقيه ، عالم ، حافظ للحديث والفقه ، من أهل الرواية والدراية والمشاركة بالعلوم ، أديب شاعر ، كثير التصنيف في الحديث ، توفي بطلبيرة سنة ٤٥٥ ه‍. ترجمته في نفح الطيب ٢ / ٥٣ ـ ٥٤ ـ بغية الملتمس ٥٧.

(٧) طلبيرة : مدينة كبيرة بالأندلس ، فيها قلعة حصينة ، بينها وبين طليطلة سبعون ميلا ، وتقع على نهر تاجة. انظر الروض المعطار : ٣٩٥.

(٨) الأبيات في برنامج الرعيني ١٨ ـ التكملة لابن الأبار ١ / ١٣٧ ، والذيل والتكملة ٤ / ١٦٩ ، وهي في التشوف ١٣١ ونيل الابتهاج ٧٩ والنفح ٤ / ٣٤٢ والحلل السندسية ١ / ٢٥٣ وتعريف الخلف ١ / ٤٧ و ١٥٣ دون عزو.

١٧٠

رأيت الانقباض أجلّ شيء

وأدعى في الأمور إلى السّلامه

فهذا الخلق سالمهم ودعهم

فخلطتهم تقود إلى النّدامه

ولا تعن بشي غير شيء

يقود إلى خلاصك في القيامه (١)

وأنشدني أيضا قال : أنشدني أبو عمرو بن الشّقر عن أبي الحسن المقدسيّ عن الإمام أبي الطّاهر أحمد بن محمّد بن أحمد السّلفي ، عن الخطيب أبي زكريا يحيى بن عليّ التّبريزيّ ، عن أبي الحسن علي بن محمّد الفالّيّ (٢) لنفسه وهو بالفاء أخت القاف واللّام المشدّدة ، كذا وجدته بخط ابن شقر ، ومنه نقلت السّند والشّعر (٣) : [الطويل]

تصدّر للتّدريس كلّ مهوّس

بليد تسمّى بالفقيه المدرّس

فحقّ لأهل العلم أن يتمثّلوا

ببيت قديم شاع في كلّ مجلس (٤)

«لقد هزلت حتّى أبان هزالها

كلاها وحتّى استامها كلّ مفلس» (٥)

__________________

(١) في التشوف : ولا تعبأ.

(٢) علي بن محمد الفالّي كان مؤدبا أصله من فالّة ، انتقل إلى البصرة ، واستوطن بغداد ، وكان له معرفة بالأدب والشعر ، توفي سنة ٤٤٨ ه‍. ترجمته في معجم الأدباء ١٢ / ٢٢٦.

(٣) الأبيات في معجم الأدباء ٩ / ٢٦٨ ـ ٢٦٩ ، ١٢ / ٢٦٦ ـ ٢٢٧ منسوبة للفالي ـ المنتظم ٨ / ١٧٤ ـ بغية الوعاة ١ / ٥٣٣ منسوبة للحسين بن سعد الآمدي ـ وخطط المقريزي ٢ / ٣٨٠ دون نسبة ـ والحلل السندسية ١ / ٢٥٣.

(٤) في ت والحلل : بشعر قديم. وفي معجم الأدباء : يسّمى.

(٥) في معجم الأدباء : بدا من هزالها ـ سامها.

١٧١

وانشدني أيضا قال : أنشدني أبو عمرو بن الشّقر ، قال : أنشدني الفقيه الزّاهد المنقطع إلى الله سبحانه أبو الحسين محمّد بن أحمد بن جبير (١) الكنانيّ بالإسكندريّة لنفسه (٢) : [المنسرح]

تأنّ في الأمر لا تكن عجلا

فمن تأنّى أصاب أو كادا

وكن بحبل الإله معتصما

تأمن به بغي كلّ من كادا

فكم رجاه فنال بغيته

عبد مسيء بنفسه كادا

[٣٨ / ب] ومن تطل صحبة الزّمان له

يلق خطوبا به وأنكادا

(٣) وبنحوه له (٤) : (٥) [المتقارب]

صن العقل عن لحظة في هوى

فإنّ البصيرة طوع البصر

وغضّ الجفون على عفّة

فإنّ زناء العيون النّظر

وبنحوه له (٦) : (٧) [الطويل]

__________________

(١) محمد بن أحمد بن جبير الكناني : رحالة أديب ولد في بلنسية ، ونزل بشاطبة وبرع في الأدب ونظم الشعر الرقيق ، رحل إلى المشرق ثلاث مرات. مات في الإسكندرية في رحلته الثالثة سنة ٦١٤ ه‍. له رحلة معروفة ، وديوان شعر. ترجمته في جذوة الاقتباس ١٧٢ ـ الإحاطة ٢ / ٢٣٠ ـ شذرات الذهب ٥ / ٦٠ ـ نفح الطيب ٢ / ٣٨١ ـ الذيل والتكملة ٥ / ٥٩٥ ـ زاد المسافر ١١٤.

(٢) الأبيات في : شجرة النور ١٦٨ ـ الحلل السندسية ١ / ٢٥٤.

(٣ ـ ٣) ـ سقط من ت.

(٤) الحلل السندسية ١ / ٢٥٤.

(٥) سقط من ت.

(٦) البيتان في الذيل والتكملة ٥ / ٦١٣ ـ نفح الطيب ٢ / ٤٩١ ـ نيل الابتهاج ٦٧ ـ ٢٣٥ ـ الحلل السندسية ١ / ٢٥٤.

١٧٢

من الله فاسأل كلّ أمر تريده

فما يملك الإنسان نفعا ولا ضرّا (١)

ولا تتواضع للولاة فإنّهم

من الكبر في حال تموج بهم سكرا

وإيّاك أن ترضى بتقبيل راحة

فقد قيل فيها : إنّها السّجدة الصّغرى (٢)

قلت : قوله : «ولا تتواضع للولاة ... البيت» ينظر إلى قول الأوّل : (٣) [الخفيف]

قل لنصر والمرء في دولة السّل

طان أعمى مادام يدعى أميرا (٤)

فإذا زالت الولاية عنه

واستوى والرّجال عاد بصيرا (٥)

وفي نحو منه قول منصور الفقيه (٦) : [المتقارب]

إذا عزل المرء واليته

وعند الولاية أستكبر (٧)

لأنّ الولاة لهم نبوة

ونفسي على الذّلّ لا تصبر (٨)

__________________

(١) في الذيل والتكملة : كل شيء تريده.

(٢) النفح : فقد قيل عنها.

(٣) البيتان في نهاية الأرب للفزردق ٣ / ٧٥ ولم أجدهما في المطبوع من ديوانه ـ سمط اللآلي ١ / ٤٥٢ ـ ابن أبي الحديد ٥ / ٤٤٨ ـ الجليس الصالح ٢ / ٦٢ ـ بهجة المجالس ١ / ٣٤٣ ـ الحلل السندسية ١ / ٢٥٤ ، التمثيل والمحاضرة ٧٠.

(٤) في ابن أبي الحديد : يا أبي وهب والمرء ...

(٥) ت : وإذ زالت.

(٦) هو منصور بن إسماعيل التميمي : فقيه شافعي ضرير ، شاعر هجاء مات بمصر سنة ٣٠٦ ه‍.

ترجمته في معجم الشعراء ٢٨٠ ـ معجم الأدباء ١٩ / ١٨٥ ـ شذرات الذهب ٢ / ٣٤٩ ، والبيتان في الذيل على الروضتين ٢٣٤ لأبي طاهر السلفي ـ زهر الآداب ٣ / ٨٨٣ ـ الحلل السندسية ١ / ٢٥٥ حماسة الظرفاء ١ / ١٥٤ ـ التمثيل والمحاضرة ١٥٠.

(٧) في ت وحماسة الظرفاء وزهر الآداب : واصلته. وفي الذيل على الروضتين : يوافيته.

(٨) في الزهر والذيل والحماسة : لأن المولّى. وفي الحماسة والزهر : لهم نخوة. وفي الذيل : له صولة.

١٧٣

ونهيه عن التّواضع للولاة حكم شرعيّ ؛ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من تواضع لغنيّ ذهب ثلثا دينه» (١). وأرى هذا الحديث مبنيّا على الحديث الآخر وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله احبّ إليه ممّا سواهما ، وأن يحبّ المرء لا يحبّه إلّا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النّار» (٢).

فكان (٣) من تواضع لغنيّ لأجل غناه ، قد سقطت عنه الخصلتان الأوليان ، إذ صار الغنى أحبّ الأشياء إليه ، وأحبّ المرء لغير الله ، وإذا سقطت الخصلتان من الثّلاث فقد ذهب الثّلثان ، فهذا وجه تخصيصهما والله أعلم.

وأنشدني لابن جبير بمثل السّند (٤) : [٣٩ / آ] [الخفيف]

أيّها المستطيل بالبغي أقصر

ربّما طأطأ الزّمان الرّؤوسا

وتذكّر قول الإله تعالى

(إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى)(٥)

__________________

(١) هو خبر موقوف على ابن مسعود من قوله ، انظر أسنى المطالب ٢٨٩ ، وكشف الخفاء ٢ / ٣١٦ وتمييز الطيّب من الخبيث ١٨٢ ، والموضوعات لابن الجوزي ٣ / ١٣٩.

(٢) أخرجه البخاري : في الإيمان ، حلاوة الإيمان ١٦ ـ ١ / ٦٠ ـ من كره أن يعود في الكفر ٢١ ـ ١ / ٧٢ : الإكراه ، من اختار الضرب والقتل على الكفر ٦٩٤١ ـ ١٢ / ٣١٥. ومسلم : في الإيمان ، بيان خصال الإيمان ٦٧. والترمذي : في الإيمان ، ثلاث من كن فيه ٢٦٢٦. والنسائي : ٨ / ٩٤ ـ ٩٦ ـ ٩٧. وابن ماجه : الفتن ، الصبر على البلاء ٤٠٣٣. الجامع لشعب الإيمان : ٢ / ٣٤٠ ـ ٣ / ٥٣٥.

(٣) في ت وط : فصار.

(٤) البيتان في نفح الطيب ٢ / ٤٩٢ ـ الحلل السندسية ١ / ٢٥٥.

(٥) اقتباس للآية ٧٦ من سورة القصص.

١٧٤

وأنشدني (١) له أيضا (٢) بمثله وقد أظلّه عيد الأضحى بطندة (٣) قرية بمقربة من مصر (٤) : [الطويل]

شهدنا صلاة العيد في أرض غربة

بأحواز مصر والأحبّة قد بانوا (٥)

فقلت لخلّي في النّوى : جد بدمعة

فليس لنا إلّا المدامع قربان (٦)

وأنشدني أيضا قال : أنشدني بعض أصحاب أبي عمرو عثمان بن حسن (٧) وهو ابن دحية المعروف بابن الجميّل عنه ، قال : ولا أدري هل هو له أو تمثّل به (٨) : [الطويل]

ألا إنّ هذا الدّهر يوم وليلة

يكرّان من سبت عليك إلى سبت (٩)

فقل لجديد العيش لا بدّ بلى

وقل لا جتماع الشّمل لا بدّ من شتّ (١٠)

__________________

(١ ـ ١) سقط من ط.

(١ ـ ١) سقط من ط.

(٢) طندة : مدينة كبيرة فيها الحمامات والفنادق الكبيرة والأسواق ، هي غير مسوّرة ، وبينها وبين ساحل محلة المحروم ثلاثة أميال ، وبينها وبين النيل من ناحية المشرق ميلان. انظر جغرافية مصر للبكري ٨٦.

(٣) المقصود بها القاهرة.

(٤) البيتان في نفح الطيب ٢ / ٤٩٢ ، والحلل السندسية ١ / ٤٥٥.

(٥) النفح : جد بمديع.

(٦) عثمان بن الحسن بن علي بن دحية الكلبي : حافظ ، مؤرخ تولى مشيخة دار الحديث الكاملية بعد أخيه أبي الخطاب بن دحية ، توفي سنة ٦٣٤ ه‍ بالقاهرة. انظر بغية الوعاة ٢ / ١٣٣.

(٧) البيتان في ديوان علي بن أبي طالب ٢٦ ، ونسبهما التجيبي في مستفاد الرحلة والاغتراب ٤٠٤ لابن المعتز ولم أجدهما في المطبوع من ديوانه ، وفي النفح ٥ / ١١٨ دون نسبة ، وفي الكشكول ٣ / ١٩ دون نسبة ، وفي الحلل السندسية ١ / ٢٥٦.

(٨) في الديوان والنفح : ألم تر أن الدهر ـ وفي الديوان والكشكول : من سبت جديد إلى سبت.

(٩) في الديوان والكشكول : لجديد الثوب.

١٧٥

وأنشدني ـ حفظه الله ـ عند الموادعة : (١) [الخفيف]

إن نعش نجتمع وإلّا فما أش

غل من مات عن جميع الأنام (٢)

وهذا البيت يأتي ذكره ومن أنشده عند الموادعة في موضعه إن شاء الله.

وقد نظمت بالقيروان قصيدة بعثت بها إلى ولدي محمّد ـ وفّقه الله ـ وكان شيخي زين الدّين بن المنيّر ـ حفظه الله ـ يستحسنها كثيرا ، وسمعها منّي شيخنا الشّريف الحسيب الفقيه الفاضل أبو الحسن عليّ بن أحمد الغرّافي (٣) وقيّدها بخطّه ، وكتب عليها سماعه ، فرأيت إثباتها في هذا الرّسم ، إذ هو أليق المواضع بها بحول الله تعالى وهي هذه : [الوافر]

[قصيدة العبدري لابنه]

أصخ سمعا أوصّك يا بنيّ

وصيّة والد برّ حفيّ

جرى القدر المتاح لنا ببين

قضاء جاء من ملك عليّ (٤)

وقد فتّت نواكم في فؤادي

وأشجت بالأسى قلب الخليّ

وأبدلت الماقي عن كراها

دموعا فيضها مثل الأتيّ (٥)

__________________

(١) البيت في الحلل السندسية ١ / ٢٥٦ ـ تاريخ بغداد ٢ / ٣٨٤ دون.

(٢) في تاريخ بغدا : نلتقي.

(٣) علي بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني الغّرافي : عالم محدث ، مسند ، عابد ، ولد سنة ٦٢٨ ه‍ وتوفي بالإسكندرية سنة ٧٠٤ ه‍. أخذ عنه مجموعة من المغاربة والرّحالة. انظر ملء العيبة ٣ / ٥٣ ، شذرات الذهب ٦ / ١٠.

(٤) في ت وط : المتيح.

(٥) ط : الأماقي ، والأتيّ : السّيل.

١٧٦

٥ ـ ولولا أنّ حكم البين حتم

يمرّ على المطاوع والأبيّ

[٣٩ / ب] لعاجلني الأسى بقضاء نحبي

ووافتني النّوى بردى وحيّ (١)

ولكن كلّ جمع لافتراق

ونشر العيش آخره لطيّ

فمرّ على المقابر باعتبار

وسل تنبئك عن حيّ فحيّ

وقد شاهدت في الدّنيا أمورا

محرّضة على نهج التّقيّ (٢)

١٠ ـ أمالك في تقلّبها اعتبار

يبيّن قبحها من غير عيّ

ألم تر ما حبتك وأنت طفل

فنون أذى همى مثل الحبيّ (٣)

وذي جدّ أحلّك من حشاه

محلّ بشارة بعد النّعيّ

وترك منازل وثقاف عمّ

بكم برّ ونائي أب حفيّ

وذاك وإن أذابك غير بدع

فهذا دأبها مع كلّ حيّ

١٥ ـ فكن بالله منها مستعيضا

كفى عوضا به من كلّ شيّ (٤)

وكن متعفّفا عنها عيوفا

وإن أعطتك قصدك دون ليّ (٥)

ولا تأسف لفرقتها ففيها

وصال تواصل العيش الهنيّ

هي الطّلل المحيل وما بكاها

سوى غاو يهيم بوصل غيّ (٦)

_________________

(١) ط : لعالجني ، ت : لعالجني القضاء.

(٢) ت : نهي التقي.

(٣) الحبيّ : سحاب فوق سحاب ، وهمى : سال.

(٤) ت : مستعينا.

(٥) الليّ : المطل.

(٦) رجل غاو وغو وغيّان : ضال ، والغيّ الضلال.

١٧٧

يبكّي في منازل مقفرات

ضلال سنّه غيّلان ميّ (١)

٢٠ ـ ومازالت تردّ الرّفع خفضا

وترمي بالسّناد إلى رويّ

سراب إن نظرت تقل شراب

ولم يظفر فتى منه بريّ

فلاتك يا بنيّ بها ولوعا

وإن أبدت مطاوعة الأبيّ (٢)

هي العصيان شيمتها ولكن

تغرّ الغرّ نادرة العصيّ (٣)

وكن بالله ذاثقة تقيّا

ولا تغبط بنيّ سوى تقيّ

٢٥ ـ ونل بالزّهد مرتبة المعالي

فلم يزهد سوى عال سريّ (٤)

وليس سواه للأرواح روح

يتيه به الفقير على الغنيّ

فشدّ به يديك وكن ضنينا

بوجهك أن تعرّضه لكيّ (٥)

ولا تبذله للأطماع يوما

فتخدشه بذا الخلق الدّنيّ (٦)

[٤٠ / آ] وباعد ما استطعت حليف دنيا

تعلّق حبلها من فرط غيّ

٣٠ ـ ولا يغررك أن أبدى خيالا

إلى قرب يصير غير شيّ (٧)

فحظّكما من الدّنيا بلاغ

إلى لحد يسوّي كلّ حيّ (٨)

__________________

(١) غيلان هو ذو الرمة الشاعر المعروف ، صاحب ميّ.

(٢) الولوع : المتعلّق. والأبي : مصدر أبي : امتنع.

(٣) الغرّ : الغافل. وندر الرّجل إذا مات ، يريد : قاتلة العصيّ.

(٤) السّرو : المروءة والشرف ، والسريّ : السيد الشريف.

(٥) الكي : حرق الجلد بحديدة أو نحوها.

(٦) الدّنّي : الخسيس.

(٧) ت : اختيالا.

(٨) اللّحد : الشق الذي يكون في جانب القبر موضع الميت لأنه قد أميل عن وسط إلى جانبه.

١٧٨

بنيّ يسؤوني أن اراك عبدا

لغير الواحد الصّمد العليّ

فكن عبدا له من غير شرك

وإلّا تأت بالأمر الفريّ (١)

بنيّ تسؤوني منك المعاصي

فلا عمرت حلالك يا بنيّ (٢)

٣٥ ـ قبيح أن أكون عصيت ربّي

وتقفو إثر والدك العصيّ

يمرّ المشتهى كالبرق خطفا

ويترك حسرة الأمد القصيّ

تزيّن بالحياء فليس وصف

يزان به الفتى مثل الحييّ

وجانب ما يقود إليه طبع

يرى طبعا على الثّوب النّقيّ (٣)

وكن بالعلم ذا لهج فإنّي

أجزتك واستجزت بكّل حيّ (٤)

٤٠ ـ لكي تروي الحديث حديث سنّ

لأشياخ ذوي فهم سنيّ (٥)

مصابيح الدّجنّة لو تراهم

رأيت بدور كلّ دجا دجيّ (٦)

لقيتهم وأنت هناك ثاو

فيا للشّكر للسّعد القويّ

محضتك يا بنيّ النّصح منّي

وحقّ النّصح للولد الرّضيّ

وإن مدّ البقاء إلى لقاء

كسوتك ما يزينك في النّديّ (٧)

٤٥ ـ فترفل في حلى حلل تسامى

إليها كلّ حبر ألمعيّ (٨)

__________________

(١) الفرية : الكذب.

(٢) الحلال : البيوت مجتمعة.

(٣) الطّبع : الدّنس.

(٤) لهج بالأمر : أولع به واعتاده. وفي ت : كل حيّ.

(٥) السّنيّ : الرفيع.

(٦) الدّجنّة : الظلمة ، والدّجا : سواد الليل مع غيم.

(٧) النّديّ : المجلس ما داموا مجتمعين فيه.

(٨) الحبر : العالم ، الألمعي : الداهي الذي يتظنن الأمور فلا يخطئ.

١٧٩

وأرجو ذاك من إنعام ربّي

إلهي مالكي ثقتي ولييّ

وأقرأ من سلامي كلّ زاد

عليك يفوح بالمسك الذّكيّ

وأقرأ ضعفه في كلّ حين

بلا أمر على خلّ وفيّ (١)

يروح صبا جرت ويفوح روضا

بكى الوسميّ فيه مع الوليّ (٢)

٥٠ ـ وباكره النّسيم غداة صحو

فنشّر نشره من بعد طيّ

ومن ذي العرش أسأل أن يوالي

لكم صون الغدوّ مع العشيّ

[ذكر قابس]

[٤٠ / ب] ثم وصلنا إلى مدينة قابس (٣) ، ذات المخبر (٤) الخبيث ، والمحيّا العابس. هواء وخيم ، ولؤم طبع وخيم (٥) وتضييع المصلّيات والمساجد ، وقلة اعتناء بكل راكع وساجد ، مغانيهم (٦) إلى النّجوم عالية ، ومعانيهم (٧) أسفل التّخوم هاوية ، إلى عفونات تخبو لقربها المصابيح ، وتنحو بالنّحول كلّ وجه صبيح (٨) ، تفسد الأذهان (٩) والألوان ، وتضرم للمزاج (١٠) المعتدل نار الحرب

__________________

(١) في ت وط : أمد.

(٢) في ت : الوسيم ، والوسميّ : مطر أول الربيع ، والوليّ : مطر يأتي بعد الوسميّ.

(٣) قابس : مدينة تونسيّة على ساحل البحر بين طرابلس وسفاقس بناها الرومان في داخل الخليج.

انظر ياقوت ٤ / ٢٨٩ وصف إفريقية ٢ / ٩١ ـ رحلة التجاني ٨٦.

(٤) في ت وط : المنظر.

(٥) الخيم : الأصل أو الشيمة والطبيعة والخلق والسّجيّة ، يريد وسوء خيم.

(٦) في ت : معانيهم ، والمغاني : المنازل التي كان بها أهلوها.

(٧) في ت : معاليهم.

(٨) الوجه الصبيح : الوضيء.

(٩) في ط : الألوان والأذهان.

(١٠) ـ في ت : للمجاز.

١٨٠