رحلة العبدري

أبو عبدالله العبدري

رحلة العبدري

المؤلف:

أبو عبدالله العبدري


المحقق: د. علي إبراهيم كردي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٢٨

مقام للعلاء به مقام

وفيه انجاب عن ضوء ظلام

به مثوى السّيادة غير شكّ

به للدّين والدّنيا انتظام

به قمر السّعود ثوى مقيما

فسار بنور غرّته الأنام (١)

به الإشراك في شرك تهاوى

وكان به لمدّته انصرام

٥ ـ به الإيمان أمّن من نحاه

فأضحى لا يذام ولا يضام (٢)

به حلّت نجوم الأفق طرّا

فصار لها بساحته التئام

به أهل المعاني والمعالي

إمام في الشّريعة أو همام

به الآمال دانية فما إن

يشطّ به على الباغي مرام

به سحّت سحائب كلّ علم

كما بالوبل قد هطل الغمام (٣)

١٠ ـ به سجعت على أغصان جود

قواف مثلما سجع الحمام

علا قذيت به عين الثّريّا

فخالف غربها درر سجام (٤)

ومجد ناطح الشّعرى فأضحت

بذاك لها اضطراب واضطرام (٥)

__________________

(١) في ت : فضاء بنور.

(٢) في ت : لا يرام ولا يضام ، ولا يذام : لا يعاب.

(٣) في ت : فما بالوابل هطل الغمام. والوبل : المطر الشديد.

(٤) في ت وط : فحالف.

(٥) في ت : لها منه اضطراب ـ وفي ط : واصطدام. والشّعرى : كوكب نيّر يقال له المرزم يطلع بعد الجوزاء. وطلوعه في شدّة الحر.

٤٢١

به قال الكمال : نظمت سلكا

فليس بغير طيبة لي نظام

به النّور الّذي عمّ البرايا

هداهم للمسالك فاستقاموا

١٥ ـ عليه صلاة ربّي قد حباه

سيادة من عليها والسّلام (١)

ولم يقم الرّكب بالمدينة إلّا يوما وبعض يوم ، وقد استفرغت وسعي (٢) في تأمّلها وتحفّظ صفتها ، وما عسى أن يدرك من ذلك (٣) مع قلّة الإقامة وكثرة الشّواغل ، وترادف الوظائف الدّينيّة والدّنيويّة ، ولكنّه على ما كان من حال فلا بدّ من تقييد بعض ما أدركه العيان من صفتها ، وما علق بالذّكر من نعتها ، وهي [١٠٩ / آ] ـ زادها الله شرفا ـ مدينة مليحة ، ظاهرة الشّراقة والرّونق ، موضوعة في مستو من الأرض على واد به غابة عظيمة من النخّل ، وأرضها سبخة وبظاهرها حرّة (٤) سوداء ووعر. وسورها قد أثّر فيه القدم ، وتربته (٥) حمراء. ولها جملة أبواب ، لا أحصى عدّتها ، والبقيع (٦) شرقيّها ، وجبل أحد شماليّها ، وهو جبل عال إلى الحمرة ، وليس بمفرط (٧) العلوّ ، وقباء (٨) منها في جهة الشّرق تلوح مبانيه وصومعته من المدينة ، وبينهما نحو من ثلاثة أميال. وفي البقيع ـ زاده الله طهارة ـ من المزارات الشّريفة ما لا يحصره

__________________

(١) في ت وط : عليك.

(٢) في ت : جهدي.

(٣) من ذلك : ليست في ط.

(٤) الحرّة : الأرض الغليظة ذات الحجارة السود.

(٥) في ت : وتربتها.

(٦) هو بقيع الغرقد : مقبرة أهل المدينة النبوية.

(٧) في ط : مفروط.

(٨) قباء : منزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل أن يسير إلى المدينة.

٤٢٢

وصف من قبور الصّحابة والتّابعين ، والعلماء والصّالحين ، وعلى أكثرها مبان وقباب متقنة ، ومن أشهرها وأتقنها قبّة عثمان بن عفّان رضي‌الله‌عنه ، وهي عالية متّسعة ، محكمة العمل ، رائقة المنظر ، وتليها قبّة العبّاس (١) رضي‌الله‌عنه ، وفي كل قبّة وبنيّة بالبقيع عدّة مقابر للصّحابة وغيرهم ، إلّا تربة الإمام مالك بن أنس رضي‌الله‌عنه (٢) ، فإنّ قبره في بيت لا يسع غيره ، وقد رفع التّسنيم على القبر (٣) إلى نحو الصّدر ، وأعلاه مستو مفروش بالحصى ، وبإزاء رأسه في الحائط مكتوبا في حجر : توفي الإمام مالك بن أنس رضي‌الله‌عنه في ربيع الأوّل سنة تسع وسبعين ومئة ، ومولده في ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعين ، وقد استصحبت من قبره حصيات تبرّكا بها وتذكرّا لمعاهدها :

[الكامل]

ومن الوفاء بعهد حبّ ظاعن

لثم الطّلول ووقفة بالمنزل

[مسجد النّبيّ]

وأما مسجد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعلى صورة المسجد الحرام ، إلّا أنّه في المساحة دونه بكثير ، وعرضه (٤) على النّصف من طوله ، وطوله من الجنوب إلى الشّمال ، وعرضه (٥) من الشّرق إلى الغرب (٦). وهو عالي السّمك ، مبيّض ،

__________________

(١) هو العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي : عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن أركان قريش في الجاهلية والإسلام وجدّ الخلفاء العباسيين. له في كتب الحديث ٣٥ حديثا توفي سنة ٣٢ ه‍ ـ ترجمته في الاصابة ٢ / ٢٦٣ نكت الهميان ـ ١٧٥.

(٢) في ط : رحمه‌الله.

(٣) في ط : القبور.

(٤ ـ ٤) ـ سقطت من ط.

(٥) في ت وط : من المشرق إلى المغرب.

٤٢٣

مدوّر بالسّقائف ، عجيب المنظر ، ووسطه فضاء مفروش برمل أحمر ، وأساطينه مبيّضة بالفضّة ، عالية ، متّسع ما بينها ، وأوسع سقائفه ناحية الجنوب ، وفيها المحراب ، وهي خمسة صفوف ، وفي مؤخر المسجد ، وهي ناحية الشّمال أربعة صفوف ، وفي ناحية الشّرق ثلاثة صفوف ، وفي الغرب أربعة صفوف ، [١٠٩ ب] وفي النّاحية الشّماليّة من فضاء المسجد بيت مربّع مليح هو مخزن المسجد ، وبالقرب منه نخلات صغار ناضرة عليها أثر التّعاهد بالصّون.

وقد وسّع المسجد مرارا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حسبما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى. وكان المسجد من موضع المنبر إلى الرّوضة المقدّسة شرقا وغربا ؛ ومن موضعه إلى علم هناك جنوبا وشمالا ، (١) وكان المنبر إلى الجدار الغربيّ ، ثم وسّع المسجد غربا وجنوبا وشمالا (٢) ، وبقي المنبر بموضعه ، والزّيادة على المسجد من ناحية الغرب قدر مساحته ، ومن الجنوب صفّ واحد وفيه المحراب ، ومن الشّمال قدر مساحته ثلاث مرات ، وأما ناحية الشّرق فلم ير فيها إلّا مقدار ممرّ إنسان من وراء الرّوضة المقدسة ، وكانت مساحة المسجد حين بناه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مئة ذراع طولا وعرضا. وقيل سبعين طولا وستين عرضا وقيل غير ذلك.

وللمسجد الآن أربعة أبواب : باب السّلام ، وباب الرّحمة من ناحية الغرب ، وباب جبريل وباب النّساء من ناحية الشرق ، وفي الصّفّ الأوّل قريبا من الرّوضة باب آخر هو نفق في الأرض يهبط فيه على درج ، ويخرج منه على حجر في قبلة المسجد ، وذكروا أنّها حجر أزواج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وينسبونها حجرة حجرة وذلك باطل ، فإنّ الرّوضة المقدسة هي حجرة عائشة رضي الله

__________________

(١ ـ ١) ـ سقطت من ت.

٤٢٤

عنها وقد دخل غيرها من الحجر في المسجد في زمان الوليد بن عبد الملك. قال : وذكروا أنّه كان للمسجد عشرون بابا ، ثم سدّت كلّها إلّا الأربعة المذكورة ، والله أعلم.

وفي المسجد ثلاث صوامع : اثنتان على الرّكنين الجنوبيّين ، وواحدة (١) في مؤخر المسجد ، وذكر بعض النّاس أن أساطينه (٢) مئتان وستّ وسبعون أسطوانة ، وأنا لم أعدّها لشغلي بغير ذلك.

[الرّوضة الشّريفة]

وأمّا الرّوضة المقدّسة ـ زادها الله شرفا وجلالة ـ فهي في داخل المسجد (٣) عند الجدار الشّرقيّ (٤) ، قريبا من الرّكن الّذي على يسار المحراب ، وبينها وبين الرّكن الصّفّ الأوّل ؛ وبينها وبين الجدار الشّرقي ممرّ [١١٠ / آ] ضيّق حسبما تقدّم. وهي ـ شرّفها الله ـ معمولة بالرّخام الأبيض من الأساس إلى سقف المسجد ، بأتقن ما يكون من الصّنعة وأعجبه ، وهي موضوعة على شكل التّربيع ؛ ولكن ربعها الشّمالي ينحو نحو الاستدارة ، وفيه أركان وبعض انخراط إلى الجهة الشّرقيّة ، وفي ركنها الواصل بين الجدار الغربيّ والجنوبيّ صندوق مليح من خشب مبنيّ في الحائط بإزاء رأس النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وعلى يمينك وأنت مستقبل له علم بإزاء رأس أبي بكر رضي‌الله‌عنه ، ثم آخر بإزاء رأس عمر رضي‌الله‌عنه ، ويعطي ذلك أنها على هذه الصّورة ..... (٥) وقد قيل فيها صفة أخرى غير هذه والله أعلم.

__________________

(١) ليست في ت.

(٢) في ت وط : أساطنه وهو تحريف.

(٣ ـ ٣) ـ سقطت من ت.

(٤) بياض في جميع النسخ قدر كلمة.

٤٢٥

وعلى الرّوضة ـ زادها الله تشريفا ـ كسوة رائقة أسدلت (١) عليها إلى قريب من القامة ، تكساها في كلّ عام ، كما تكسى الكعبة. وأخبرني الشّيخ الأديب الفاضل أبو الحسن التجّاني (٢) بثغر تونس ، كلأه الله ، أنّه وقف على الرّوضة ـ شرّفها الله ـ وإذا في أستارها مكتوبا : (٣) [الطويل]

هنيئا لكم يا زائرين ضريحه

أمنتم به يوم المعاد من الرّجس

وصلتم إلى قبر الحبيب بطيبة

فطوبى لمن يضحي بطيبة أو يمسي

قال : فقال لي بعض من حضر : زد عليهما شيئا فقلت ارتجالا توطئة للبيتين : (٤) [الطويل]

قفوا سلّموا هذا ضريح محمّد

أما تبصرون النّور أبهى من الشّمس (٥)

وصلّوا عليه ، واسألوا ، وتوسّلوا

إلى الله بالمبعوث للجنّ والإنس

هنيئا لكم .... البيتين.

__________________

(١) في ت وط : انسدلت.

(٢) هو علي بن إبراهيم بن محمد بن أبي القاسم التجاني : أديب وشاعر ، راوية. كان مقصودا لإقراء العربية والأدب تخرّج به جماعة منهم : عبد الله التجاني صاحب الرحلة ومحمد بن جابر الوادي آشي توفي بتونس سنة ٧١٤. ترجمته في الديباج المذهب ٧٩ برنامج الوادي آشي ٥٩ ـ ٦٠.

بغية الوعاة ٢ / ١٤١ ، رحلة التجاني ٢٥٨ ـ ٢٧٠ ـ تراجم المؤلفين التونسيين ١ / ٢١٤ ـ ٢١٥.

(٣) رواية البيتين في ط :

هنيئا لكم يا زائرين ضريحه

فطوبى لمن يضحي بطيبة أو يمسي

وصلتم إلى قبر الحبيب بطيبة

أمنتم به يوم المعاد من الرجس

وهما في رحلة ابن بطوطة ١ / ١٤٥ ، وملء العيبة ٥ / ٢٧١ وروايتهما فيها :

سعدتم به يا زائرين ضريحه

أمنتم به يوم المعاد من الرجس

سلمتم وأصبحتم بأكناف طيبة

فطوبى يضحي بطيبة أو يمسي

ونسبهما لمحمد بن رشيد بفتح الراء وكسر الشين البغدادي الواعظ.

(٤) البيتان في ملء العيبة : ٥ / ٢٧٤.

(٥) في ملء العيبة : أسنى من الشمس ، فصلّوا.

٤٢٦

وعلى الرّوضة ـ شرّفها الله ـ شبّاك من عود محكم الصّنعة ، وله بابان : غربي وشمالي. وأمّا الرّوضة فمصمتة لا باب لها ، وفوقها قبّة بيضاء إلى الدّكنة مصمتة أيضا مليحة [١١٠ / ب] عجيبة ، سمت عالية على البنيان ، ولاحت بادية للعيان ، يثير مرآها من ذي الوجد كامن الأشجان ، ويهيج من القلب ساكن الأحزان ، كأنّها ترقب أو تندب حبيبا بان ، وتذكر من يفكر بزمان كان ، وتترجم عمّا يستعجم من معان بمعان ، تشرح فتفصح (١) عما تلوح إليه ببيان ، يالها واعظة كلّ عن شأوها قس وسحبان ، وتضمّنت ، غير ناطقة ، ما لم يتضمّن ديوان : [الوافر]

أرنّت بالعويل وبالنّحيب

مرجّعة على ربع الحبيب (٢)

أقامت ليس تبرح منتداه

وقامت لا تملّ من الدّؤوب

تشير إلى علوم قد حوتها

إشارة عالم فطن لبيب

وقد لبست بدكنتها حدادا

وجدّ لنا الأسى عري السّليب

٥ ـ غدت تمري مدامع من رآها

بما أبدت من الحال الغريب (٣)

وقلّ لها البكاء ولو أمدّت

غزار دموعنا مهج القلوب

فقل للقلب صعّد لي زفيرا

وقل للعين بي ظمأ فصوبي (٤)

ونح شجوا وسح بالوجد دمعا

ورح نشوان من خمر الكروب (٥)

__________________

(١) في ت وط : فتصبح.

(٢) الرنين : الصوت الشجي. العويل : رفع الصوت بالبكاء. الترجيع : ترديد الصوت.

(٣) المري : مسح ضرع الناقة لتدرّ.

(٤) صوبي : انصبّي.

(٥) في ط : وصح. وسحّ الدمع : سال.

٤٢٧

وقم فاندب ، وذب جزعا وشوقا

وصله من الشّروق إلى الغروب

١٠ ـ كفى بتواصل العبرات شغلا

يعوقك عن مديح أو نسيب

ولم أر بالمدينة ، مع شدّة البحث ، وإلحاح الطلب ، وتكرار السّؤال من هو بالعلم موصوف ، ولا من هو بفنّ من فنونه معروف ، وكلّ من نال بها خطّة علميّة ، فلسان حاله قد نادى وندّد (١) : [الكامل]

خلت الدّيار فسدت غير مسوّد

 ...............................

(٢) ولا غرو إن انعكس الحال في تلك الدّيار ، وصار الأمر إلى ما إليه صار ، فالدّنيا مطيّة سريعة العثار ، ولكل شىء إقبال وإدبار ، وقد (٣) لقيت إمام حرمها الشّريف ، وخطيب المنبر العالي المنيف ، فوجدت سماء شرفه من شياطين الجهل لم تحرس ، وتربة قلبه لم تزرع بحبّة من المعارف ولم تغرس ، فاستفهمته عمّا يتلى ويدرّس ، (٤) وهو بأمثاله يعفى ويدرس (٥) : [الطويل]

 .................................

ف «كأنيّ أنادي أو أكلّم أخرس» (٦)

[١١١ / آ] إلى هنات هو بها مذكور ، وصفات ليس المتّصف بها بمحمود ولا مشكور.

__________________

(١) في ت : وردّد ، والتنديد : رفع الصوت.

(٢) صدر البيت وعجزه : ومن الشقاء تفردّي بالسّؤدد. وهو في عيون الأخبار ١ / ٢٦٨ لرجل من خثعم وأمالي الزجاجي ٣٠ ، والأغاني ٨ / ٤٠٨ ، وشرح المرزوقي ٨٠٧ لرجل من خثعم ، والبيان والتبيين ٣ / ١٩٦ و ٢٧٦ ومعجم البلدان ١ / ٤٧٣ لعمرو بن النعمان البياضي ، ووفيات الأعيان ٢ / ٣٩٢ و ٤ / ٢٢٠ دون والوافي بالوفيات ٢ / ٧٣.

(٣) في ت وط : ولقد. وقوله «لكلّ شيء إقبال وإدبار» من أقوال الفقهاء ، وهو في : كشف الخفاء ٢ / ١٩٢.

(٤ ـ ٤) ـ سقطت من ت.

(٥) عجز بيت لامرئ القيس في ديوانه ١٠٥ وصدره :

«ألّما على الرّبع القديم بعسعا»

وفي الديوان : أخرسا.

٤٢٨

[لقاؤه لعبد السّلام التّمّار

بيد أنّه ذكر لي شيخا من أهل العراق ، مجاورا بالمدينة ، معنيّا بالعلم وحملته ، قديم الرّحلة إلى الحجاز ، طويل المقام بها ، وهو عفيف الدّين أبو محمّد عبد السّلام بن محمّد بن مزروع البصريّ التّمار (١) فسألت عنه حتّى وجدته في حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تجاه الرّوضة المقدّسة ـ زادها الله جلالة ـ فألفيته شيخا ركينا ، ذا سمت وهيئة ، ولقاء جميل ، رحل في البلاد ولقي النّاس ، وسمع من الشّيوخ ، واستقرّ به القرار آخرا بالمدينة مجاورا ، واستجزته فأجازني لفظا في كلّ ما يحمل ، وأخرج إليّ جزءا ناولنيه ، وهو الجزء الثّاني من حديث أبي بكر بن محمّد بن العبّاس بن نجيح البزّار ، وانتقيت منه أحاديث علقتها إثر صلاة الصّبح بين المنبر والرّوضة أثبت منها هاهنا. (٢) حديثين تبرّكا بهما : أخبرنا الشّيخ الصّالح المحدّث جار (٣) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عفيف الدّين ، أبو محمّد عبد السّلام بن محمّد (٤) بن مزروع البصريّ التّمّار إجازة بلفظه ، ومناولة من يديه إلى يدي بمسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تجاه الحجرة الشّريفة المعظّمة ، زادها الله جلالة ، ونقلته من كتابه ، قال : أنا الشيخ أبو الحسن المبارك بن محمّد (٥) بن مزيد بن هلال الخوّاص الحنفيّ قراءة عليه وأنا أسمع في يوم الجمعة السّادس

__________________

(١) محّدث. حافظ ولد بالبصرة سنة ٦٢٥ ه‍. وتوفي بالمدينة النبوية سنة ٦٩٦ ه‍. انظر تذكرة الحفاظ ٢ / ١٤٨١.

(٢) زيادة من ت وط.

(٣) في ت : مجاور.

(٤) ابن محمد سقطت من ط.

(٥) سقطت من ط.

٤٢٩

من ربيع الأوّل سنة خمسين وستّ مئة بمستنصريّة بغداد (١) ، أنا أبو الفتح عبيد الله بن عبد الله بن محمّد بن نجا بن شاتيل قراءة عليه وأنا أسمع ، أنا أبو بكر أحمد بن المظفّر بن سوسن التمّار قراءة عليه ونحن نسمع ، أنا أبو عليّ الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمّد بن شاذان ، قال : أنا أبو بكر محمّد بن العبّاس بن نجيح البزّار من لفظه ، نا عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن كثير ، نا إبراهيم بن المنذر ، نا عبد الله بن موسى التّميميّ ، عن يعقوب بن عبد الله بن أميّة الضّمريّ ، عن جعفر بن عمرو بن أميّة ، عن أبيه قال : قلت يا رسول الله : أرسل دابة وأتوكّل؟ قال : بل قيّد وتوكّل». (٢)

وبه إلى ابن نجيح : نا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، [١١١ / ب] نا إبراهيم بن زياد سبلان ، نا عبّاد بن عبّاد المهلّبيّ ، عن يونس بن عبيد ، عن سعيد ابن أبي سعيد المقبريّ ، عن أبي هريرة قال : أظنّه رفعه ، قال : «ثلاثة يهلكون عند الحساب : جواد ، وعالم ، وشجاع ، يؤتى بالعالم فيقال : ماذا صنعت؟ فيقول : يا ربّ! آتيتني علما فعلّمت عبادك ، وأفشيت علمي ابتغاء وجهك ؛ فيقال (٣) : كذبت ، ولكن فعلت ليقال : فلان عالم ، فقد قيل ذلك فيهلك. ويؤتى (٤)

__________________

(١) هي المدرسة المستنصرية التي أفتتحها الخليفة العباسي المستنصر سنة ٦٣١ ه‍ على ضفة دجلة الشرقية ، في بغداد لتدريس الفقه على المذاهب الأربعة إضافة إلى تدريس التفسير وعلوم القرآن. انظر تاريخ علماء المستنصرية ٢٧ ـ ٤٣.

(٢) أخرجه الترمذي في القيامة باب اعقلها وتوكّل ٢٥١٦ من طريق أنس بن مالك بخلاف في اللفظ ، وفي كنز العمال ٣ / ١٠٣ ـ ١٠٦ ـ وميزان الاعتدال ١ / ١٩٩ عن ابن عمر.

(٣) في ط : فيقول.

(٤) في ت وط : فيؤتي.

٤٣٠

بالشّجاع فيقال له : ماذا صنعت؟ فيقول : يا ربّ جاهدت في سبيلك ، وقاتلت عدوّك ابتغاء وجهك ، فيقول : كذبت ، ولكن فعلت ليقال فلان شجاع ، فقد قيل ذلك. ويؤتى بالجواد فيقول له (١) : ماذا صنعت؟ فيقول : يا ربّ أعطيتني مالا وصلت به الرّحم ، وصنعت المعروف ابتغاء وجهك ، فيقول : كذبت ، ولكن ليقال : فلان جواد فقد قيل ذلك» (٢).

وسمع مني شيخنا عفيف الدّين المذكور القصيدة الّتي نظمتها بالحجاز في مدح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحضر لسماعه ناس وقيّد عليها طبقة السّماع بخطّه ، وذلك بحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تجاه الرّوضة المعظّمة ـ زادها الله شرفا ـ وقد رأيت إثبات القصيدة بجملتها في هذا الموضع إذ هو أليق المواضع بها فأقول وبالله أستعين : [الكامل]

[القصيدة النّبويّة للعبدريّ]

فوّق إلى غرض الفلاة وسدّد

سهم السّرى تقصد وتحظ بمقصد (٣)

أوتر قسيّا من مطيّ إن رمت

رنّت كما رنّت قسيّ المقصد

شم سيف عزم لا يفلّ ذبابه

قرع الزّمان ، ولا قراع الفدفد (٤)

هم بالعلاء بهمّة تعلو على

سمك السّماك وسام سامي الفرقد (٥)

__________________

(١) في ت وط : فيقال.

(٢) أخرجه الترمذي في الزهد. باب ما جاء في الرياء والسمعة رقم ٢٣٨٣ ، وابن حنبل ٢ / ٣٢٢.

بخلاف في اللفظ والنسائي ٦ / ٢٣.

(٣) التفويق : وضع السهم في الوتر للرمي ، والغرض : الهدف الذي ينصب فيرمى إليه.

(٤) في الأصل : شف سيف عزم ، وهو تحريف. شم : اختبر ، وذباب السيف : حد طرفه الذي بين شفريته ، الفدفد : الأرض الواسعة المستوية لا شيء فيها.

(٥) السّماك : نجم معروف ، وهما سما كان : رامح وأعزل.

٤٣١

٥ ـ أجب النّداء وجب بكلّ تنوفة

قفرا تنكّر للدّليل المرشد (١)

رافق رفيق العزم واترك من ونى

حلف البطالة نائما في مرقد (٢)

شمّر ثيابك للثّواب فقد بدا

أمما له أمّ البصير المهتدي (٣)

بادر بدور العمر قبل أفولها

واركض بجدّك في الفضاء الجدجد (٤)

سامر سمير النّجم في سمر السّرى

واجف التّخيّل من خيال المرقد (٥)

١٠ ـ كن في مضاء العزم فعلا ماضيا

واترك لسوف مسّوفا حلف الغد (٦)

حتّى تحلّ بذروة المجد الّتي

فاتت مرام الحائر المتردّد

حتّى تحلّ بمنزل ما حلّه

إلّا نزيل طلوع سعد الأسعد

حتّى تفوز بمطلب في مرقب

ترك المسامي في الحضيض الأوهد (٧)

حتّى تواصل في وصالك رتبة

أعيت على عزمات كلّ معرّد (٨)

١٥ ـ حتّى تنال منال كلّ ممجّد

حتّى تنال منال كلّ مسوّد

حتّى تحصّل ما نويت مبرّءا

من نقص حين حال دون المقصد (٩)

حتّى تشاهد مشهدا شهدت له

بالفضل أنباء تروح وتغتدي

حتّى ترى مرأى يجلّ كماله

عن أن يقيّده لسان مقيّد

حتّى ترى ما لا يحيط بمدحه

نغمات شاد أو ترنّم منشد

__________________

(١) في ت وط : نتوفة وهو تحريف ، والتّنوفة : القفر من الأرض.

(٢) ونى : ضعف وفتر.

(٣) في ت : إعلاله ، والأمم : القصد.

(٤) في ت : بدور القمر. والجد جد : الأرض الغليظة.

(٥) السّرى : السير في الليل.

(٦) في ت وط : حلق الغد.

(٧) المسامي : المفاخر ، المباري.

(٨) المعرّد : الشديد القوي.

(٩) في ط : نقص جبن ، وهو تحريف.

٤٣٢

٢٠ ـ حتّى تقبّل من بساط العزّ ما

خفقت له أحشاء كلّ موحّد (١)

حتّى يجرّد من مخيط ثيابه

حلف الرّفاهة فاغتسل وتجرّد (٢)

حتّى تلبّي داعيا ما مثله

داع يجاب من المكان الأبعد (٣)

حتّى ترى ذا نعمة متبذّلا

وترى الملوك غدوا بزيّ الأعبد (٤)

حتّى تحلّ بمكّة وحلالها

خير الحلال فحطّ رحلك واقعد

٢٥ ـ حتّى تطوف بكعبة ما مثلها

من مسجد يبنى ولا متعبّد

حتّى تقبّل ركنها الفرد الّذي

ضمّ المواثيق الّتي لم تجحد

حتّى ترى حجرا منيرا أسودا

واعجب ـ فديتك ـ للمنير الأسود

حتّى ترى ذاك المقام وحسنه

واذكر به قاري الضّيوف ومجّد (٥)

حتّى ترى في ماء زمزم شارعا

فأطل لتجلو ذلك القلب الصّدي

٣٠ ـ حتّى تخبّ إذا سعيت من الصّفا

وإليه فعل الخادم المتودّد (٦)

حتّى تبيت مبيت عبد في منى

متبذّلا تنوي وقوفك من غد

[١١٢ / ب] حتّى تعاين في الوقوف عجائبا

مهما يلاحظها فؤادك يرعد (٧)

حتّى ترى جمعا بجمع جامعا

وتجدّ في رمي الجمار من الغد

حتّى تحلّق أو تقصّر في منى

حتّى تفيض بفيض ذاك المورد

__________________

(١) في ت : موجد.

(٢) في ط : يجرّ.

(٣) في ط : يلبيّ.

(٤) تبذّل : ترك التزيّن على جهة التواضع.

(٥) في ط : واذكر فيه ، وبها لا يستقيم الوزن.

(٦) في ت وط : إليه ؛ دون الواو ، وبها لا يستقيم الوزن.

(٧) في ط : ترعد.

٤٣٣

٣٥ ـ حتّى تودّع مكّة وربوعها

قلق الحشا لفراق ذاك المعبد (١)

حتّى ترى برق الهداية لا معا

يبدو لعين النّاظر المتفقّد

حتّى ترى نهج الولاية لائحا

لم يخف إلّا في لحاظ الأرمد (٢)

حتّى تربّع طيبة وربوعها

فيطيب وقتك في المكان الأسعد (٣)

حتّى ترى نجم السّعادة طالعا

حتّى ترى قبر النّبيّ محمّد

٤٠ ـ فهناك سرّ أخو الظّواهر ظاهرا

وأخو الحقائق في المقيم المقعد (٤)

وبه قلوب قد تنفّس غمّها

وبه قلوب ذات عيش أنكد

ما للمحقّ وللسّرور وكم غدا

عمل كثير ساقطا لم يصعد

ما للمحقّ وللسّرور وإنّه

يفري ظلام الغيب طول المسند (٥)

ما للمحقّ وللسّرور وقد رأى

في معهد الأحباب من لم يعهد (٦)

٤٥ ـ ما حال من أمسى غريم غرامه

وافى فلم يردد هواه بمعهد (٧)

بانوا فأوحشت الدّيار لبينهم

ومضوا وخلّفنا بحال مجهد

وجدي أناخ على الفؤاد بجنده

فثوى وناري في الحشا لم تخمد (٨)

يا عين جودي بالدّموع عليهم

تحكي نظيم اللّؤلؤ المتبدّد

يا عين جودي بالدّموع وأتبعي

منهنّ أصفى مورد بمورّد

__________________

(١) في ط : ذاك المعهد.

(٢) في ت : نجم.

(٣) في ط : حتى ترى. وبها لا يستقيم الوزن.

(٤) في ت : سراج الظواهر وفي ط : سر أخي.

(٥) المسند : الدهر.

(٦) في ت : ما لم يعهد.

(٧) كذا في الأصل ، «لم يردد» ، وفي ت وط : لم يردأ ، وردأ : دعم وقوّى.

(٨) في ت : فترى.

٤٣٤

٥٠ ـ يا عين جودي بالدّموع فإنّها

علم على شوق المشوق المكمد (١)

يا عين جودي بالدّموع وسلسلي

سلسالها ورديه أعذب مورد (٢)

يا عين جودي بالدّموع هو املا

لا تسأمي أن تسجمي وسط النّدي (٣)

يا عين جودي بالدّموع فإنّها

أشفى لغلّة ذي اشتياق مبعد (٤)

جودي وسحّي لا تشحّي وانثري

درر الجفون وواصليها واصردي (٥)

٥٥ ـ يا نفس للدّمع الغزير فصوّبي

طول الحياة وللزّفير فصعّدي

[١١٣ / آ] هذي حلال المصطفى وربوعه

هذي منازله فقومي واقعدي (٦)

لا عذر للأحشاء لم تضرم بها

لا عذر للعبرات لم تتبدّد

لا عذر للأجسام لا تبلى بها

لا عذر للأحزان لم تتجدّد

لا عذر في ترك النّحيب خلالها

حتّى يروّي ذو الهوى القلب الصّدي

٦٠ ـ كذب الهوى من حلف زعم مدّع

أصغى لنوح حمامة لم يسعد

كذب الهوى من حلف زعم مدّع

نحو الحبيب وربعه لم يسبد (٧)

كذب الهوى ممّن أتى ربع الهوى

فاختار فرقته ولم يتقيّد

يثني الأعنّة راجعا أدراجه

شوقا عراه لزينب أو مهدد (٨)

يا ربع قد أخليت ربع تصبّري

يا ربع قد أبليت حبل تجلّدي (٩)

__________________

(١) شوق : ليست في ط ، والكمد : الهم والحزن.

(٢) السّلسال : الماء العذب السهل في الحلق.

(٣) في ط : أو تسجمي ، والندي : المنتدى. وسجم الدمع : سال.

(٤) الغلّة : شدّة العطش وحرارته.

(٥) في ت وط : واسردي ، والتصريد : سقي دون الري ، والتصريد في العطاء : تقليله.

(٦) في ت : هذي خلال. في ط : هذه جلالة مصطفى ، والحلال : جمع بيوت الناس.

(٧) التسبيد : الحلق واستئصال الشعر.

(٨) في ط : عده. وورد اسم مهدد في مطلع قصيدة الفرزدق :

عرفت المنازل من مهدد

كوحي الزبور لدى الغرقد

(٩) في ت : أخليت ربع تجلدي.

٤٣٥

٦٥ ـ يا ربع ربعك في فؤادي آهل

لم تعفه ريح الزّفير المصعد (١)

يا ربع إن ساواك عندي منزل

طول المدى فأنا المسيء المعتدي

يا ربع أنساني هواك منازلي

حتّى سلوت ـ ولم أخن ـ عن مولدي (٢)

يا ربع والاك الزّمان بلينه

بدّدت دمعي فيك كلّ مبدّد

ويقلّ أن أبكي دما لأحبّة

كانوا نجوما في حماك لمهتد

٧٠ ـ يا ربع قادتني إليك محبّة

ملأت ضلوعي بالسّعير الموقد

إن كنت لم أزمع جوارك برهة

فأنا من اوصاف الهوى صفر اليد (٣)

ونويت أنّي إن عدمت مساعدا

صابرت فيك توحّدي وتفرّدي

وحلفت لا طاوعت فيك مفنّدا

تبّا لمصغ فيك نحو مفنّد

لكن قضاء الله عاق إقامتي

وأقامني نحو التّرحّل مقعدي

٧٥ ـ لولا موانع ما قضاه وصبية

تبكي لكلّ مسجّع ومغرّد

خلّفتهم في غربة تبكي لهم

ورق الحمام بكلّ غصن أملد (٤)

في منتهى الغرب الّذي ما دونه

إلّا تلاطم موج بحر مزبد (٥)

ما كنت أخطو نحو غيرك خطوة

حتّى أوافي مضجعي في ملحدي

[١١٣ / ب] لكننّي إن يقض لي بلقائهم

أفن الزّمان بعيش صبّ مبعد

٨٠ ـ شوقا إليك مكرّرا ذكراك في

ضوء النّهار وجنح ليل أربد (٦)

__________________

(١) في ط : لم يعفه. وعفت الريح الأثر : محته ودرسته.

(٢) في ط : لم أنحن.

(٣) وصلت حمزة أوصاف ضرورة.

(٤) غصن أملد : أي ناعم.

(٥) المقصود بالبحر : المحيط الأطلسي حيث كان يقيم العبدري وأهله على شاطئه.

(٦) ليل أربد : ليل أسود.

٤٣٦

يا صاح كرّر ذكرهم وحديثهم

في سمع ذي القلب المشوق وردّد

يا صاح لا تأثر سوى آثارهم

وأثر مآثرهم وأمّل واعدد (١)

سكّن بما تحكيه بعض بلابلي

كم منّة لك إن فعلت وكم يد (٢)

نقّر ونقّب عن مناقب نقبهم

ومتى ترد وصف الجواد فجوّد (٣)

٨٥ ـ حق لآل المصطفى ولصحبه

ولربعه حرّ الثّناء فنضّد

وانثر نثار الجفن منك فإنّه

حقّ على من زار ربع محمّد (٤)

خير الأنام رفيعهم وربيعهم

وشفيعهم في هول يوم الموعد

خير الأنام ، حسيبهم ونسيبهم

وطبيبهم من كلّ داء مقصد (٥)

خير الأنام نبيّهم وولّيهم

وعليّهم ، أعظم به من سيّد (٦)

٩٠ ـ قد أمّ أمّته علاء مجادة

فعلت ، ولولا مجده لم تمجد

بهر الخلائق منه نور باهر

أعشى ، بلى أعمى عيون الحسّد

أعيا بلاغة ذي البلاغة مدحه

فالواصف النّطّيق مثل المفرد

نور جلا ظلم الضّلالة فانجلت

وبه استنار فؤاد ذي قلب هدي (٧)

أربى على الشّمس المنيرة بالضّحى

فغدت لديه شبيهة بالفرقد

٩٥ ـ أضحى المسيح مبشّرا بقدومه

وغدا به قسّ خطيب المشهد (٨)

__________________

(١) في ت وط : تؤثر. وانثر مآثرهم.

(٢) البلابل والبلبال : شدّة الهمّ والوسواس في الصدور وحديث النفس.

(٣) في ط : ثقبهم. ونقّب عن الشيء : فحص عنه فحصا شديدا والمناقب : المفاخر.

(٤) في ت : قبر محمد.

(٥) داء مقصد : قاتل.

(٦) في ط : وعليمهم ، أعظم به ...

(٧) في ت : فاجتلت.

(٨) هو قسّ بن ساعدة الإيادي الخطيب المشهور.

٤٣٧

ولطالما هتفت بذاك هواتف

في سجعها أو في قريض منشد

وكذا سطيح عند شقّ ضريحه

والى البيان به ولم يتردّد (١)

كم كاهن باحت به أسجاعه

من قبل منع السّمع للمتمرّد (٢)

أو راهب في ديره متعبّد

لم يخل منه معالم المتعبّد

١٠٠ ـ قصر اللّسان عن الوفاء بحقّه

إن رمت ذاك تكلّ عنه وتجهد

فانظم بقدرك لا بقدر كماله

وارفع صحيفة غارم لم يجحد (٣)

[١١٤ / آ] واخضع خضوع مقصّر عن واجب

واجأر جؤار حليف روع منجد

وأفض غروب الدّمع منك وقل له :

خدّ الخدود ومرّ لا تتردّد (٤)

وامدد إليه يد السّؤال لعلّه

يرثي لها فتعود ملآن اليد

١٠٥ ـ يا خير من وطىء الثّرى قدم له

يا خير ناطق حكمة في مشهد

يا خير أهل الأرض يا أرضاهم

يا خير سام في السّماء ممجّد

يا خير مولود تقدّم كونه

يا خير من هو بعد لمّا يولد (٥)

يا خير من نيط الرّجاء بجاهه

يا خير مأمول لخطب مكمد (٦)

يا خير من قرأ الكتاب مرتّلا

يا خير من هجر الكرى لتهجّد (٧)

١١٠ ـ إنّي أتيتك قاصدا ومسلّما

مستسلما لتغرّبي وتوحّدي

__________________

(١) ط : إليه لم يتردّد ، وسطيح هو ربيع بن ربيعة بن مسعود بن عدي بن الذئب : كاهن جاهلي غساني كان العرب يحتكمون إليه ويرضون بقضائه. توفي بعد مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الحابية على مشارف الشام. انظر ثمار القلوب ١٢٥. مروج الذهب ٢ / ١٧٩ وتاريخ الخميس ١ / ٢٠١.

(٢) يشير إلى منع الجنّ من استراق السمع بعد بعثة النبي محمد عليه‌السلام.

(٣) الغارم : من عليه دين.

(٤) خدّ : شقّ.

(٥) البيت ساقط من ت.

(٦) الكمد : تغيّر اللّون وذهاب صفائه.

(٧) التهجّد : الصّلاة بالليل.

٤٣٨

أفري المهامه لم يلتني عائق

«عجلان ذا زاد وغير مزّود» (١)

هاجرت عن أهلي إليك ومعشري

لتجيرني من شرّ ما اجترحت يدي (٢)

وأتيت بابك كي تؤمّن روعتي

وقصدت جاهك في بلوغ المقصد

وجمعت في قصدي إليك مآربي

فعل الفقير أتى الكريم لموعد

١١٥ ـ ثقة بفضلك لا اغترار بالمنى

والغيث إن ينزل بأرض يقصد

حاشاك أن يأتي جنابك قاصد

فيعود دون تمكّن بالسّؤدد

كم ذا ندبت مآثما بمآثم

أرجو لها عفوا بقصدك سيّدي

كم حاجة عمرت حشاي ومطلب

أرجو لديك قضاءها وكأن قد (٣)

ما إن رفعت إلى سواك مطالبي

ما إن حللت سوى نداك بمورد

١٢٠ ـ لم أرج ذا ملك ولا ذا إمرة

وإذا تهمّ النّفس قلت لها ابعدي

فمن استنار بنور شمس باهر

ألقى الذّبال فأوقدي أو أخمدي (٤)

لمّا حللت ذراك دام بهاؤه

وعلمت أنّي منه جدّ مؤيّد (٥)

ناديت دهري : لا أخافك مرّة

«فابرق بأرضك ما بدا لك وارعد» (٦)

أنا ضيف ربّي ثمّ ضيف نبيّه

أمن إلى أمن فأوعد أوعد (٧) [١١٤ / ب]

__________________

(١) لاته عن أمره ليتا وألاته : صرفه ، أفري : أقطع. الهامه : واحدها مهمه المفازة البعيدة. وقد ضمّن العبدري عجز بيت النابغة في ديوانه ٢٨ وصدره :

أمن آل مية رائح أو مغتدي

وهو مطلع قصيدة مدحية.

(٢) في ط : جرحت يدي ، واجترح السيئة : اقترفها.

(٣) في ت وط : أرجو إليك. أي وكأن قد قضيت فحذف الجملة.

(٤) في ت : فأخمدي أو أوقدي. والذّبالة : الفتيلة.

(٥) في ت : دارك وبها لا يستقيم الوزن.

(٦) تضمين عجز بيت المتلمّس في ديوانه ١٤٧ وصدره : فإذا حللت ودون بيتي غاوة.

(٧) في ت : أوعدّد ، وبها لا يستقيم الوزن.

٤٣٩

١٢٥ ـ وانهض بحق ليس يجحد أوكد

حقّ النّهوض لحقّ ربّك أوكد

واهجر ، وجر ، أو عد إلى وصل امرىء

ما إن يبالي نال وصلك أوعد (١)

أنا في حمى من لا يخيس بذمّة

فخر الورى خير البريّة أحمد (٢)

أنا في حمى من لا يوفّي مدحه

شعر الكميت ولا أغاني معبد (٣)

أنا في حمى من لا يحيط بمدحه

لفظ البليغ ولا يراع ممجّد (٤)

١٣٠ ـ أنا في حمى من هدّ كسرى ذكره

ومحا الرّسوم على قديم الفرقد

بدر الدّجا ، بحر النّدى ، فخر الورى

مأوى الضّعيف وملجإ المستنجد

قصر امتداحي عن عظيم خلاله

هذا وقد أسكتّ كلّ مقصّد (٥)

يا نفس إنصافا قصرت عن المدى

فقفي على قدم الحياء وأنشدي

هذا رسول الله تحفة قادم

مزجي البضاعة سائل مسترفد (٦)

١٣٥ ـ فاصفح بفضلك واقبلنها إنّها

جهد المقلّ وبلغة المتزوّد (٧)

وعليك من عطر السّلام مردّد

كالنّور فاح بساحة الرّوض النّدي

منّي ومن أبويّ جاد عليهما

عفو الإله بمسكن وبملحد

__________________

(١) في ت : ملاق لا يبالي ، وبها لا يستقيم الوزن.

(٢) لا يخيس : لا يغدر.

(٣) هو الكميت بن زيد الأسدي شاعر الهاشميين صاحب الهاشميات توفي سنة ١٢٦ ه‍ ترجمته في خزانة الأدب ١ / ١٤٤. الأغاني ١٧ / ١ ـ ٤٠. ومعبد هو ابن وهب. أبرز المغنين في العصر الأموي. كان أديبا فصيحا توفي سنة ١٢٦ ه‍ ترجمته في الأغاني ١ / ٣٦ ـ ٥٩.

(٤) في ت وط : مجوّد ، واليراع : القلم.

(٥) في ت وط : عظيم جلاله.

(٦) بضاعة مزجاة : قليلة مردودة تدفع وترفض رغبة عنها.

(٧) رواية البيتين في ط :

وعليك من عطر السلام مردد

جهد المقل وبلغة المتزوّد

فاصفح بفضلك واقبلنها إنها

كالنور فاح بساحة الروض الندي

٤٤٠