رحلة العبدري

أبو عبدالله العبدري

رحلة العبدري

المؤلف:

أبو عبدالله العبدري


المحقق: د. علي إبراهيم كردي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٢٨

١٠ ـ هما يذكران ولا يبصران

كعنقاء مغربة في النّواح (١)

وأعجب بشيء له صحّة

عديم الوجود لعين التماح

وثاني الحروف يرى ظاهرا

وعلّته مالها من براح

وكيف بذي صحّة قد خفي

ضنى وعليل بدا كالصّحاح

ومن شاء إبرازها لفظة

بغير ارتياء وغير انتزاح

١٥ ـ فشعر زهير لها مسرح

أناخت ببعض القوافي الملاح (٢)

ومن عجب إنّها إن تزد

بحرف عدت عن طريق انشراح (٣)

وأولتك في الحين تعبيسة

تريك محيّا بغير سماح

وساء المذاق وناء الشّقاق

وحقّ الفراق بغير انفساح

ومهما حذفت أخير الحروف

فقد فهت حقّا بلفظ افتتاح

٢٠ ـ وإن زدته الحذف من أوّل

فحرف قبيح سليل القباح

وإن زدت محذوفها آخرا

فحذف يزين نحور الملاح (٤)

وإن شئت تبيانه فأتين

بقلب افتتاح تفز باقتراح (٥)

وفي نسخة أخرى زيادة هذه الأبيات :

وأخفيتم اللّغز في لفظة

تكلّ الشّبا من رؤوس الرّماح

أشرتم إليها بأوصافها

لمن هو من سكرة الجهل صاح

__________________

(١) عنقاء مغرب : طائر خرافي انظر : ثمار القلوب ٤٥٠.

(٢) المقصود قول زهير بن أبي سلمى في ديوانه يصف الظليم :

أصكّ مصلّم الأذنين ، أجنى

له بالسّيّ تنّوم وآء

(٣) في ت : من طريق انشراح.

(٤) في ت وط : فشيء يزين.

(٥) البيت ساقط من ت.

٢٤١

[٥٧ / ب] وقد سطّرت لفظة مثلها

سواء فزدها بفرط ارتياح

وقل : هي مقلوب ما سطّرت

أناملنا ما به من تلاح

وفي غربنا لفظة صرّفت

مشهّرة كاشتهار الصّباح

ولكنّها فظّة جهمة

إذا أقبلت قوبلت بالصّياح (١)

وتألف أشكالها في القباح

وما عرّجت بالوجوه الصّباح

وإن صحّف اللّفظ من لغزكم

بدت سمجة حقّها في اطّراح

وأخرى على شرطكم قد أتت

تزاد إليهنّ وفق اقتراح

انتهت الزيادة.

فخذ من مقرّ بفرط القصور

يفرّ إلى العجز خوف النّطاح

صفيّ لعلياكم ذي وداد

كما قد علمت كليم النّواح

فسامح محبّا صفا ودّه

وصنه بصفحك عن لحو لاح (٢)

وأقرأ منّي عليكم سلاما

كريم الغدوّ كريم الرّواح

وأنشدني أيضا قال : أنشدني أخي المرحوم ناصر الدّين المذكور لنفسه : [الرّجز]

يا سائل الخبرة من منجّم

من الورى لا تسأل الغيوب

إن قلت : صادف الصّواب مرّة

قلت : نعم ، قد يصدق الكذوب (٣)

__________________

(١) في ط : قلبت.

(٢) عن قول لاح.

(٣) في ط : إذا قلت : وبها لا يستقيم الوزن.

٢٤٢

وسمعت منه ـ حفظه الله ـ فصلا من كلام أخيه الفقيه (١) الأوحد ، الأكمل ، وحيد عصره ناصر الدّين المذكور ـ رحمه‌الله ـ في ذكر [بعض](٢) مناهل الحجّ ، رأيت إثباته في هذا الموضع ، إذ هو ممّا يليق بالمقصود ، ونقلته من خطّ أخيه ناصر الدّين المذكور ـ قدّس الله روحه ، وبرّد ضريحه ـ وهذه نسخته :

[بعض رسالة ناصر الدّين بن المنيّر في مناهل الحجّ]

«ولقد تجد النّفوس إلى تلك القفار أنسا كأنّها أوطان ، وكأنّ لأشواقها (٣) على القلوب سلطان ، وإنّ لتلك الثّنيّات صباحة ، وإنّ لمياهها (٤) ـ وإن كانت ملحة ـ في القلوب ملاحة : [٥٨ / آ] [الطويل]

يقولون : ملح ، ماء فلجة آجن

نعم هو مملوح إلى القلب طيّب

وحيّا الله الوجه وإن كانت عليه تلك الواقعة ، فما أحسنه إذا لمحه الفكر (٥) وإن كانت عليه السّيوف لامعة. ولله منزلة الحوراء وإن كانت عينها مالحة ، فإنّها لأحسن من العين الحوراء ، وكذلك العرجاء تسبق إلى القلوب بالشّوق على (٦) عرجها ، وعلى ضيق مدخلها ومخرجها. ولعمري إنّها تضاهي

__________________

(١) ليست في ط.

(٢) من ت.

(٣) في ت : لإشراقها.

(٤) في ت : لمياه هذه الثنيات.

(٥) في ت : النظر.

(٦) في ت : إلى عرجها.

٢٤٣

المسك بأرجها ، وتباهي المنابر بدرجها ، ومن أثنى على الدّهناء (١) فما داهن ، ولا ذكر إلّا الحقّ من محاسنها وما حاسن. وكم من حنين إلى حنين ، وما كان البلد في الأمن إلا بدر فإنّها قرّة العين ، ولله رملتها البيضاء مقترنة بالصّفراء ، فإنّهما لأزهى من البيضاء والصّفراء ، ومن وصل إلى الجحفة (٢) ، فقد حصل على التّحفة ، ويعجبني التّشويق إلى عقبة السّويق ، ويحضر في خليص الإخلاص (٣) ، ويتدرّج من المدرج إلى فرجة الخلاص ، ويشتدّ الظّهر عند مرّ الظّهران (٤) ، ويتمتّع عنده بنغمات أهل التّمتّع والقران ، وتعيش النّفس عند مساجد عائشة (٥) وتطير هناك القلوب الطّائرة الطّائشة ، ولله حسن الثّنيّة إذا ابتسمت ، وجلالة مفرق الطّرق إذا انقسمت ، والعدول إلى طريق باب بني شيبة ، بالفوز الّذي ليس بعده خيبة. وهنالك تنثلّ الجعبة ، عند الإشراف على الكعبة ، فلا يبقى كامن إلّا ظهر ، ولا سرّ إلا اشتهر وانتشر ، ولا طرف إلّا انبهت ، ولا قلب إلّا انبهر (٦) ، ولا شمل إلّا انتظم ، ولا دمع إلّا انتثر : (٧) [الخفيف]

__________________

(١) الدهناء : رمال في طريق اليمامة إلى مكة ، لا يعرف طولها ، وأما عرضها فثلاث ليال ، ويقال في المثل : أوسع من الدهناء. انظر ياقوت ٢ / ٤٩٢.

(٢) الجحفة : كانت قرية على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل ، وهي ميقات أهل مصر والشام إن لم يمروا على المدينة ، ويقول حمد الجاسر : درست الجحفة ولم يبق سوى أطلالها ومسجد حديث بني فيها وتقع بقرب بلدة رابغ شرقها بميل نحو الجنوب بما يقارب ال ١٥ كم ، انظر المناسك ٤١٥.

(٣) خليص : حصن بين مكة والمدينة. انظر ياقوت ٢ / ٣٨٧.

(٤) مر الظّهران : موضع على الطريق بين مكة والمدينة ، قال ياقوت على مرحلة من مكة. انظر ياقوت : ٥ / ١٠٤.

(٥) مسجد عائشة وهو بعد الشجرة بميلين وهو دون مكة بأربعة أميال ، وبينه وبين أنصاب الحرم غلوة. انظر رحلة القلصادي حاشية رقم ٢١٨ ، والغلوة قدر رمية بسهم.

(٦) في ت وط : انبهم.

(٧) البيت في المستطرف ١٦٠ ، وفي أنس الساري والسارب ٩٧ دون عزو.

٢٤٤

هذه دارهم وأنت محبّ

ما بقاء الدّموع في الآماق (١)

قلت : والفقيه الإمام أبو الحسن زين الدّين ممّا يسرّ العاقل بمعرفته ، ويطنب القائل في صفته. ولولا اتّقاء فيما يتطرّق إلى الكلام من الهوى ، لبالغت فأبلغت بريد القلب ما نوى ، على أنّه قد ترجم [٥٨ / ب] عن كماله عدم أضرابه في القطر وأشكاله ، لا أخلى الله الأرض من مثله (٢) ، ولا أعدمه من إحسانه ثجّاج وبله ، بمنّه وجوده وفضله.

[لقاؤه للغرّافي]

ولقيت بالإسكندريّة سيدي الشّيخ الأجلّ ، الرّاوية ، المحدّث ، الشّريف ، الأوحد ، ذا الحسب الباهر ، والشّرف الظّاهر ، والأخلاق المعربة عن الكمال ، والعزّة الفاضلة الّتي تدلّ عليه من غير سؤال ، سليل بيت النّبوّة ، وحليف الفضل الظّاهر والمروّة ، تاج الدّين ، أبا الحسن ، عليّ بن الشّيخ الفقيه العالم المحدّث أبي العبّاس أحمد بن عبد المحسن الحسيني الغرّافي (٣) ، حفظ الله عليه ما منحه من الفضائل ؛ وما أقام له على صحّة كماله من الدّلائل ؛ لقيته فرأيت منه فضلا لو تجسّد لملأ الفضاء ؛ وعقلا سلب النّيق (٤) الرّكانة (٥) والمرهف المضاء ، وبشرا لو كان في وجه الدّهر لم تخش (٦) نوائبه ؛ وأريحيّة علويّة (٧)

__________________

(١) في أنس الساري : ما احتباس الدموع.

(٢) في ت : أمثاله.

(٣) توفي تاج الدين الغرّا في سنة ٧٠٤ ه‍ انظر شذرات الذهب ٦ / ١١.

(٤) النّيق : الجبل الطويل.

(٥) في ط : الدكانة ، والركانة : السكون والوقار.

(٦) في ت وط : لم يخش.

(٧) في ط : نبوية.

٢٤٥

لو حلّت في هرم لا هتزّت من الشّباب ذوائبه ؛ وتواضعا أسكنه مهج القلوب ، وأحلّه منها محلّ الغرض المطلوب. له رواية عالية متّسعة ببغداد والعراق ومصر ، وله رحلة إلى الحجاز حجّ فيها. وقد جمع أسماء شيوخه في «برنامج» له ، وهو شيخ مفيد ممتع المجالسة ، كثير (١) التّواضع ، متفنّن في العلم ، متين الدّين ، قويّ الرّجاء في أهله ، حسن الظّن بهم ، سنّي المعتقد ، شافعيّ المذهب ، خير كلّه ، نفعه الله ونفع به ، سألته عن معنى نسبته : الغرّافي ، فقال لي : غرّاف موضع بالعراق وكان موضعنا فنسبنا إليه.

قرأت عليه «ثلاثيّات البخاريّ» (٢) وكتبتها من أصله ، وحدّثني بها عن الشّيخ الصّالح أبي الحسن عليّ بن أبي بكر بن عبد الله بن روزبة القلانسيّ سماعا لجميع «البخاريّ» عليه ، عن أبي الوقت عبد الأوّل بن عيسى بن شعيب السّجزيّ سماعا عليه عن أبي الحسن بن عبد الرّحمن بن محمّد بن المظفّر الدّاوديّ البوشنجيّ عن أبي [٥٩ / آ] محمّد عبد الله بن أحمد بن حمويه السّرخسيّ عن أبي عبد الله محمّد بن يوسف بن مطر الفربريّ عن البخاريّ.

وقرأت عليه أحاديث إسماعيل بن جعفر من جزء أبي صالح محمّد بن أبي الأزهر المكيّ ، عرف بابن زنبور (٣) ، وكتبتها من أصله ، وسمعت من لفظه حديث عبد الله بن عمرو : «الرّاحمون يرحمهم الرّحمن» (٤) ، وهو أوّل حديث

__________________

(١) في ط : كبير.

(٢) والمراد به ما اتصل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الحديث بثلاثة رواة ، وتنحصر الثلاثيات في صحيح البخاري في اثنين وعشرين حديثا الغالب عن مكي بن إبراهيم وهو ممن حدثه عن التابعين وهم في الطبقة الأولى من شيوخه. انظر كشف الظنون ٥٢٢.

(٣) في ت : زيتون.

(٤) هو أول حديث أخرجه الترمذي ، رقم ١٩٢٤ في البر والصلة ، باب ما جاء في رحمة المسلمين ، وأبو داود رقم ٤٩٤١ ، في الأدب ، باب في الرحمة. وقال الترمذي : «هذا حديث حسن صحيح».

٢٤٦

سمعته منه بسنده مسلسلا ، (١) وحديث القلم واللّوح ، حدّثني به ويده على كتفي بسنده مسلسلا (٢) ، وحديث الإيمان بالقدر ، حدّثني به مسلسلا وأخذ بلحيته وقال : «آمنت بالقدر خيره وشرّه ، حلوه ومرّه» (٣). وكتبت هذه الأحاديث من أصله وأسانيد الأجزاء مقّيدة فيها والحمد لله.

وحدّثني رضي‌الله‌عنه إملاء بلفظه من كتابه ، قال : أخبرني أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : أنا أبو المظفّر عبد الرّحيم بن أبي سعد (٤) السّمعانيّ قال : أنا (٥) تاج الإسلام السّمعانيّ ، قال : أنا أبو نصر واضح بن عبد الله الأصبهانيّ قال : أنا أبو عبد الله محمّد بن عبد الواحد الحافظ ، سمعت أبا القاسم الفضل ابن محمد شير مردان سمعت أبا بكر محمّد بن محمّد بن سليمان يقول : سمعت أبا العبّاس بن سعيد يقول : سمعت أبا خليفة يقول : كان السّبب في أن لم يسمع القعنبيّ (٦) من شعبة (٧) غير هذا الحديث ، أنّه وافى البصرة (٨) نحو شعبة ليسمع منه ، وبكّر فصادف المجلس قد انقضى ، وقد انصرف شعبة إلى منزله ، فحمله الشّره على أن سأل عن منزل شعبة ، فأرشد إليه ، فوجد الباب مفتوحا ، فدخل من غير استئذان ، فصادف شعبة جالسا على البالوعة يبول ، فقال :

__________________

(١ ـ ١) ـ سقط من ت.

(٢) أورده علاء الدين الهندي في كنز العمال ١ / ٣٥٢ و ١٦ / ٢٢.

(٣) في ت وط : سعيد.

(٤) أنا تعني : أخبرنا.

(٥) القعنبي : عبد الله بن سلمة بن قعنب الحارثي : راوية ، محدّث ، روى عنه البخاري ومسلم وأهل السنن الأربعة توفي سنة ٢٢١ ه‍. ترجمته في شذرات الذهب ٢ / ٤٩ ، غربال الزمان ٢١٠.

(٦) شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي : شيخ البصرة ، من أئمة رجال الحديث. كان عالما بالأدب والشعر. له «الغرائب» في الحديث. توفي سنة ١٦٠ ه‍. ترجمته في غربال الزمان ١٤٩ ـ شذرات الذهب ١ / ٢٤٧.

(٧) البصرة : مدينة بالعراق بنيت في خلافة عمر سنة ١٤ ه‍. انظر ياقوت ١ / ٤٣٠ ـ الروض المعطار ١٠٥.

٢٤٧

السّلام عليكم ، رجل غريب قدمت من بلد بعيد لتحدّثني بحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فاستعظم شعبة ذلك فقال : يا هذا دخلت منزلي بغير إذن ، وتكلّمني على مثل هذا الحال ، تأخّر عنّي حتّى أصلح من شأني ، فقال : إنّي أخشى الفوت ، فقال : تخشى الفوت بقدر (١) ما أصلح من شأني؟ ، فأكثر عليه الإلحاح ، قال : وشعبة يخاطبه وذكره في يده يستبرىء [٥٩ / ب] فلمّا أكثر قال : اكتب : حدّثنا (٢) منصور بن المعتمر عن ربعيّ بن حراش (٣) عن أبي مسعود البدريّ رضي‌الله‌عنه عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إنّ ممّا أدرك النّاس من كلام النّبوّة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت» (٤). ثم قال : والله لا أحدّثك بغير هذا الحديث ، ولا حدّثت قوما تكون فيهم.

قلت : وقد جمع الإمام أبو الحسن عليّ بن المفضّل المقدسيّ جزءا صغيرا في هذا الحديث ، وذكر فيه أنّ شعبة عتب على القعنبيّ أن تركه بالبصرة ، ورحل إلى مالك ، فلمّا ألحّ عليه القعنبيّ حدّثه بهذا الحديث وحلف لا يحدّثه بغيره ، قال : وقيل إنّ القعنبيّ حلف عليه لتحدّثني ، فحدّثّه بهذا الحديث ثم حلف لاحدّثتك (٥) بغيره. وقرأت هذا بخطّ ابن المفضّل المذكور وأخبرني به جماعة عن ابن (٦) الشّقر عنه.

__________________

(١) في ت وط : بمقدار.

(٢) في ط : حديث.

(٣) ليست في ط.

(٤) أخرجه البخاري في الأدب باب إذا لم تستح فاصنع ما شئت رقم ٦١٢٠ ـ ١٠ / ٥٢٣ وفي الأدب ـ باب الحياء رقم ٤٧٩٧ وابن ماجة ٢ / ١٤٠٠ وابن حنبل ٥ / ٢٧٣ والبيهقي ١٠ / ١٩٢.

(٥) في ت ثم قال : لا أحّدثك بغيره.

(٦) أبي ليست في ت ، وفي ط : أبي الشقر وهو تصحيف.

٢٤٨

وأنشدني ـ حفظه الله تعالى ـ قال : أنشدنا شيخنا الفقيه أبو عبد الله محمّد بن سعيد بن الدّبيثي (١) ببغداد ولم يسمّ قائله : (٢) [الكامل]

علم الحديث فضيلة تحصيلها

بالسّعي والتّطواف في الأمصار

فإذا أردت حصولها بإجازة

فقد استعضت الصّفر بالدّينار

وأنشدني عنه أيضا قال : أنشدنا أبو العبّاس أحمد بن منصور الكازروني قال : أنشدنا شيخ الشّيوخ أبو البركات إسماعيل بن أبي سعد النّيسابوريّ قال : أنشدنا أبو القاسم عليّ بن محمّد الكوفيّ ، قال : أنشدنا أبو زكرياء يحيى بن إبراهيم قال : أنشدني والدي ، (٣) قال : أنشدني (٤) أبو الحسن عبد العزيز بن الحسين البغداديّ ، أنشدني أبو بكر بن بشّار لنفسه : [الطويل]

سيعلم من لا يتّقي الله ربّه

إذا برزت يوم الحساب الفضائح

ومن لم يقدّم صالحا لم يكن له

مكان لعمري في القيامة صالح

فقل لخليع صائح في نشاطة

تذكّر إذا صاحت عليك الصّوائح (٥)

فكم ملك قد بات بالملك قائما

فأصبح قد قامت عليه النّوائح

__________________

(١) محمد بن سعيد بن الدبيثي : مؤرخ من حفاظ الحديث ، من أهل واسط نسبته إلى دبيثا من نواحي واسط ، ولد سنة ٥٥٨ ه‍ وتوفي ببغداد سنة ٦٣٧ ه‍. له ذيل على تاريخ السمعاني الذي جعله ذيلا لتاريخ بغداد للخطيب في أربعة مجلدات وله تاريخ واسط. ترجمته في وفيات الأعيان ٤ / ٣٩٤ ـ ٣٩٥ ـ الوافي بالوفيات ٣ / ١٠٢ ـ غربال الزمان ٥١٥.

(٢) البيتان في ملء العيبة : ٣ / ٥٥ ـ و ٤ / ٣١ ب ، ودرّة الحجال ٢ / ٢١٥ ، والإعلام للمراكشي ٥ / ١٩٤ دون عزو.

(٣ ـ ٣) ـ : سقط من ت.

(٤) في ت وط : لخليع صالح.

٢٤٩

وأنشدني أيضا قال : أنشدني الشّريف علاء الدّين أبو الحسن [٦٠ / آ] عليّ بن محمّد الحسينيّ الموسويّ الطّوسيّ ، المعروف بدفتر خوان العادلي (١) نفسه من قصيدة : [السريع]

لعلّها يا صاح أن تنجلي

إذا بدا ضوء الصّباح الجلي

كلّ حظوظ النّاس في مستوى

وحظّنا يعلو إلى أسفل

من أمّنا نرجو ودادا وقد

طلّقها قدما أبونا علي

وأنشدني له أيضا : [الطويل]

جنان إذا لاح الصّباح تنسّمت

بطيب شذا يثني عليها بآلاء (٢)

وأشبهت الأسحار طيبا ظلالها

فجال خيال الغصن في مقلة الماء

وأنشدني له (٣) أيضا ملغزا في الطّير : [الطويل]

وخرس إذا ما الشّمس ولّت فإن تعد

فساجعة في أيكها تترنّم

وإن قيّد اللّيل البهيم لحونها

فلا تتعجّب إنّما اللّيل أدهم (٤)

__________________

(١) علي بن محمد الحسيني الموسوي الطوسي : أديب ، شاعر ، كان حيّا سنة ٦٥٤ ه‍. له مؤلفات منها ألف جارية وجارية. انظر أعيان الشيعة ٨ / ٣٠٨.

(٢) في ت : بلألاء ، والآلاء : النّعم.

(٣) ليست في ت وط.

(٤) الدّهمة : السواد.

٢٥٠

وأنشدني له أيضا : [الطويل]

بعشر ينال العلم : قوت وصحّة

وحفظ ، وفهم ثاقب في التّعلّم

ودرس ، وحرص ، واغتراب ، وهمّة

وشرخ شباب ، واجتهاد معلّم

وأنشدني له أيضا : [المتقارب]

متى يجمع المرء كلّ العلوم

فيدري بها كلّ ما يجهل

وإن أنفق العمر في بعضها

ففي أيّ حين به يعمل

(١) وأنشدني أيضا قال : أنشدني أبو الحسن عليّ بن موسى بن سعيد العنسيّ (٢) الأندلسيّ المؤرّخ لنفسه (٣) : (٤) [الطويل]

إذا ما غراب البين صاح فقل له

برفق : رماك الله يا طير بالبعد (٥)

لأنت على العشّاق أقبح منظرا

وأكره في الأبصار من ظلمة اللّحد

تصيح بنوح ثمّ تعثر ما شيا

وتبرز في ثوب من الحزن مسودّ

__________________

(١ ـ ١) ـ في ط : وأنشدني لنفسه. وهذا يعني أن البيتين لتاج الدين الغرّافي وهذا غير صحيح.

(٢) علي بن موسى بن سعيد العنسي : ابن سعيد ، مؤرخ أندلسي من الشعراء العلماء بالأدب نشأ واشتهر بغرناطة وقام برحلة طويلة إلى المشرق. توفي بتونس سنة ٦٨٥ ه‍ ومولده سنة ٦١٠ ه‍. له تأليف كثيرة منها : المغرب في حلى المغرب ، المرقصات والمطربات ، والغصون اليانعة في محاسن شعراء المئة السابعة ، والقدح المعلّى. له ترجمة في النفح ٢ / ٢٦٢ ـ بغية الوعاة ٢ / ٢٠٩ ـ فوات الوفيات ٣ / ١٠٣.

(٣) الأبيات في رايات المبرزين ١٨ ـ ونفح الطيب ٢ / ٢٦٧ ـ والمستطرف ٢ / ٣٢٩.

(٤) في الرايات والنفح والمستطرف : ترّفق.

٢٥١

وأنشدني له أيضا : (١) [٦٠ / ب] [المنسرح]

كأنّما النّهر صفحة كتبت

أسطرها والنّسيم منشئها

لمّا أبانت عن حسن منظره

مالت عليه الغصون تقرؤها

وأنشدني أيضا قال : أنشدني نجيب الدّين أبو (٢) الفتح نصر الله بن أبي (٣) العزّ الشّيبانيّ قال : أنشدنا الشّريف أبو هاشم أحمد بن محمّد الهاشميّ الحلبيّ لنفسه بحلب : [الكامل]

من ودّ أنّ عدوّه أعمى فلي

ودّ بأنّ له عيونا أربعا

ليرى كمالي باثنتين ونقصه

بالأخريين فلا يزال مروّعا (٤)

وأنشدني أيضا قال : أنشدنا الإمام أبو سالم محمّد بن طلحة النّصّيبينيّ (٥) في كتابه إليّ لنفسه : (٦) [الكامل]

لا تركننّ إلى مقال منجّم

وكل الأمور إلى الإله وسلّم

واعلم بأنّك إن نسبت لكوكب

تدبير حادثة فلست بمسلم

__________________

(١) البيتان في نفح الطيب ٢ / ٢٧١ ـ المغرب في حلى المغرب ٢ / ١٠٢ و ١٧٣ ـ تعريف الخلف ١ / ١٥ حسن المحاضرة ٢ / ٣٩٣ ـ المقتطف من أزاهر الطرف ١٠٨ ـ اختصار القدح المعلّى ٢ ـ رايات المبرزين ١٧٤ ـ مطالع البدور ١ / ١٢٥ ـ ١٢٦ ـ بغية الوعاة ٢ / ٢١٠ ـ طراز المجالس ٢١٢ ـ الإعلام للمراكشي ٩ / ١٥٩.

(٢ ـ ٢) ـ سقط من ط.

(٣) في ط : موزّعا.

(٤) محمد بن طلحة النّصيبيني : من الأدباء الكتّاب. ولد بالعمرية من قرى نصيبين سنة ٥٨٢ ه‍. وليّ الوزارة بدمشق. ثم تركها وزهد. توفي بحلب ٦٩٢ ه‍. له : «العقد الفريد للملك السعيد» و «مطالب السّول في مناقب آل الرسول». ترجمته في شذرات الذهب ٥ / ٢٥٩ ـ غربال الزمان ٥٢٧.

(٥) البيتان في ملء العيبة ٣ / ٥٥ ، وشذرات الذهب ٥ / ٢٦٠ دون عزو.

٢٥٢

وأنشدني أيضا ، قال : أنشدني بعض المصريّين لنفسه يصف فوّارة : (١)

[السّريع]

فوّارة تشبه في لونها

سبيكة من فضّة خالصه (٢)

تلهيك بالحسن فقد أصبحت

جارية ملهية راقصه

قال : وأنشدني بعضهم أيضا لنفسه : [السريع]

يا مادحا أمرا ولم يأته

ولم ينل منه ولا جرّبه (٣)

لا تغبط الكاتب في عيشه

فإنّه المسكين ذو المتربه (٤)

وله أيضا في القلم : [مخلّع البسيط]

وفارس بالظّلام سار

ودمعه في سراه جار

تراه في السّير مشمعلّا

يسير باللّيل في النّهار (٥)

وأنشدني أيضا قال : أنشدني الإمام ناصر الدّين أبو العبّاس أحمد بن منصور الإسكندريّ الجذاميّ من نظمه : (٦) [٦١ / آ] [البسيط]

الشّعر قسمان : مغسول ومعسول

تداولا السّمع والثّاني هو السّول

أردّه أبدا إلّا إذا شفعت

فيه المحاسن عندي فهو مقبول

__________________

(١) الشاعر هو وجيه الدين المناوي ، والبيتان في حسن المحاضرة ٢ / ٣٩٧ ومطالع البدور ١ / ٣٨.

(٢) في حسن المحاضرة : فوّارة تحسب من حسنها.

(٣) كذا في سائر النسخ «يا مادحا أمرا» وأظن فيه تصحيفا عن : يا مادحا مرءا ... إلخ.

(٤) في ط : ذو المرتبة. والمتربة : المسكنة والفاقة.

(٥) مشمعلّا : مسرعا.

(٦) البيتان في ملء العيبة ٣ / ٥٥.

٢٥٣

وأنشدني أيضا لناصر الدّين المذكور رحمه‌الله : (١) [الكامل]

لا تحسبنّ الشّعر فضلا بارعا

ما الشّعر إلّا محنة وخبال

الهجو قذف ، والرّثاء نياحة

والعتب ضغن ، والمديح سؤال

وأنشدني له أيضا يرثي الفقيه الجليل الورع الصّالح أبا عمرو عثمان ابن عمر بن أبي بكر بن يونس المعروف بابن الحاجب ـ رحمه‌الله ـ ، وكانت وفاته بالإسكندريّة سنة ستّ وأربعين وستّ مئة ، ومولده بإسنا (٢) من صعيد مصر سنة سبعين وخمس مئة ، وأمر بكتب هذه الأبيات على قبره : (٣)

[الطويل]

ألا أيّها المختال في مطرف العمر

هلمّ إلى قبر الفقيه أبي عمرو

تر العلم ، والآداب ، والفضل ، والتّقى

ونيل المنى ، والعزّ جمّعن في قبر (٤)

وتدعو له الرّحمن دعوة صالح

تكافى بها في مثل منزله القفر (٥)

__________________

(١) البيتان في ملء العيبة ٣ / ٥٥ لابن المنيّر ، وهما في رفع الأصر ١٢٠ وشذرات الذهب ٧ / ١٦ منسوبان للقاضي إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علي بن موسى البلبيسي المتوفى سنة ٨٠٢ ه‍ ، وهذا غير صحيح.

(٢) إسنا : بلدة على الضفة الإفريقية للنيل على بعد ٤٩٦ ميلا من القاهر على طريق النهر. انظر وصف إفريقيا ٢ / ٢٤٠.

(٣) الأبيات في الديباج المذهب ١٩١ ـ الطالع السعيد ٣٥٦.

(٤) في الديباج والطالع السعيد : غيّبن في قبر.

(٥) في الديباج : دعوة رحمة ـ يكافى. والبيت الثالث غير موجود في الطالع السعيد وهناك بيت آخر هو :

وتوقن أن لا بدّ ترجع مرّة

إلى صدف الأجداث مكنونة الدّرّ

٢٥٤

وأخبرني ـ حفظه الله ـ عن أبي عبد الله بن الدّبيثيّ ، أنّ أصل سلفة (١) يعني جدّ السّلفي (٢) ، أنّه كانت إحدى شفتيه عريضة مفروقة ، فكأنّ له ثلاث شفاه ، فقيل له بالفارسيّة : سي لبه ، أي : ذو ثلاث شفاه. ثم عرّب فقيل : سلفة ، ثم نسب الحافظ بعد قدومه إلى مصر فقيل : السّلفي. قال : ومولد الحافظ السّلفي سنة ثمان وسبعين وأربع مئة. وتوفي ليلة الجمعة الخامس من ربيع الآخر سنة ستّ وسبعين وخمس مئة.

وقرأت عليه بعض كتاب «فتح الوصيد في شرح القصيد» للشّيخ الإمام علم الدّين أبي الحسن عليّ بن محمّد (٣) بن عبد الصّمد السّخاويّ ، وجميع القصيد المشروح ، وحدّثني بهما جميعا عن السّخاويّ المذكور سماعا عليه (٤) عن ناظمه أبي القاسم وأبي محمّد قاسم بن فيّرة الرّعينيّ الشّاطبيّ رضي‌الله‌عنه ، وأخبرني أنّ وفاة [٦١ / ب] السّخاوي بدمشق في جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وستّ مئة (٥) ومولده تقديرا سنة ثمان أو تسع وخمسين وخمس مئة. وسألته عن نسبه فقال : هو منسوب إلى بلدة سخا (٦) من ريف مصر وأنشدني له ممّا يحمله عنه (٧) إجازة قال : وهي ممّا (٨) أمر أن يكتب في أواخر قصائده النّبويّة الّتي نظمها معارضا للمعلّقات السّبع : [الكامل]

__________________

(١ ـ ١) ـ ليس في ط.

(٢) ليس في ت وط.

(٣) ليس في ت وط.

(٤) في ط : «... أن وفاة السخاوي بدمشق في جمادى الأخرة سنة تسع وخمسين وخمس مئة». وهذا خطأ لأن التاريخ السالف هو تاريخ مولد السخاوي.

(٥) في ت وط : سخاوة ، وسخاكورة بمصر انظر ياقوت ٣ / ١٩٦.

(٦) في ت : منه.

(٧) في ت : فيما.

٢٥٥

العفو شأنكم وعادتكم

يا مورد الإحسان والفضل

دوموا على كرم يليق بكم

ودعوا مجازاتي على فعلي

أنا واقف بالباب معتذرا

أرجو مقالة سيّد الرّسل :

متشفّع بي كان يمدحني

ويحبّني فآرعوه من أجلي (١)

وأخبرني أن الخليفة المستنصر (٢) آخر ملوك بني العبّاس ببغداد ، استدعى منه إجازة ، فكتب له هذه القصيدة وهي : [الطويل]

[قصيدة السّخاوي في خلفاء بني العبّاس]

سلام على معنى الخلافة والهدى

وحيث أقام الدّين والفضل والعلم

على سادة الإسلام شرقا ومغربا

قضاء من الله الّذي حكمه الحكم

قضى لبني العبّاس أن تعلو الورى

فطاعتهم فرض على خلقه حتم

بني عمّ خير العالمين ومن به

مناقبهم تعلو ، وجدّهم يسمو

٥ ـ دعا فسقى الله الورى بإجابة

ليعلم ما أعطاه من عنده فهم (٣)

ولا يرزق الإيمان من لا يحبّه

كذا جاءنا ، والمصطفى قوله جزم

وقل قد أذاني من أذاه وإنّما

أبو المرء في القربى يماثله العمّ (٤)

__________________

(١) البيت ساقط من ط.

(٢) المستنصر : هو عبد الله بن الظاهر بن الناصر توفي سنة ٦٣٩ ه‍.

(٣) في ط : من عندهم.

(٤) في ت وط : وقال قد.

٢٥٦

وأعطي في النّسل الشّريف خلافة الن

نبوّة إن قرم مضى حازها قرم (١)

فهم كنجوم الأخذ إن مال غاربا

لمدّته إكليلها طلع النّجم (٢)

١٠ ـ أنار بها السّفّاح كلّ دجنّة

وقام بها المنصور فابيضّت الدّهم (٣)

فمهديّهم فالهاد ثمّ الرّشيد فال

أمين فمأمون له العفو والحلم

ومعتصم مع واثق متوكّل

ومنتصر والمستعين الذّرى الشّمّ

[٦٢ / آ] ومعتزّهم والمهتدي ثمّ بعده

بمعتضد تسطو ومعتمد تسمو (٤)

وبالمكتفي يتلوه مقتدر كما

إلى القاهر الرّاضي كذا العدّ ينضمّ

١٥ ـ كذلك مستكف أتى بعد متّق

وبعد مطيع طائع للعدا الرّغم (٥)

وقادرها مع قائم ثمّ مقتد

ومستظهر يتلوه مسترشد شهم

وراشدهم والمقتفي ثمّ أنجدت

بمستنجد والمستضيء وقد تمّوا

بناصرهم والظّاهر العفّ وابنه

فعمّ البرايا عدله وانتفى الظّلم

إمام الورى المستنصر ، الأيد الّذي

بنصرة دين الله يعنى ويهتمّ

٢٠ ـ فمن يده نار تجيش لدى الوغى

وأيديه جنّات تجيء بها السّلم

ومنه لإدواء العفاة دواؤها

ومنه لمرّاد العتاة الدّنى السّمّ (٦)

__________________

(١) رواية الشطر الثاني في ت : إن قوم مضوا حازها قوم.

(٢) في ت : نجوم الأفق ، ونجوم الأخذ : منازل القمر ، ويقال : هي نجوم الأنوار.

(٣) يعّدد الشاعر خلفاء بني العباس بدءا من السّفاح وحتى المستنصر ، انظر تاريخ الخلفاء للسيوطي ٢٥٦ ـ ٤٦٤.

(٤) أورد الشاعر في قصيدته المعتضد قبل المعتمد ، مع أن المعتمد ولي الخلافة قبل المعتضد.

(٥) في ط : طالع وهو تصحيف.

(٦) العفاة جمع العافي وهو الضيف ـ والعتاة جمع عاتي وهو الجبار المتمرّد.

٢٥٧

وكم فضّ من ختم عن المال باذلا

وكم في الدّياجي حين يتلو له ختم

أجزت له ـ دامت قواعد مجده

مشيّدة لا نقض يخشى ولا هدم ـ

جميع الّذي ألّفته ونقلته

وما قلته ممّا تضمّنه نظم

٢٥ ـ وللسّيّدين الماجدين تساميا

ولا زال في كسب العلا لهما الغنم

لهم ذاك إن شاؤوه والرّأي رأيهم

ولي شرف فيه إذا ما هم همّوا

وأنشدني له أيضا قصيدته الّتي سمّاها «ذات الشّفافي في مدح المصطفى» صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحدّثني بها عنه سماعا وهي هذه : (١) [الكامل]

[القصيدة النّبويّة للسّخاوي]

قف بالمدينة زائرا ومسلّما

واشكر صنيع الدّمع فيها أن همى (٢)

فهي المنازل لم تزل تشتاقها

أبدا وكنت بها المعنّى المغرما (٣)

ألصق بتربتها الفؤاد فكم شفت

داء دفينا قد أذاب المسقما (٤)

عجبا لصبّ عاينتها عينه

فوعى الجواب أو استطاع تكلّما (٥)

٥ ـ هذا هو الحرم الشّريف فقف به

واقر السّلام على الرّسول متمّما

__________________

(١) الأبيات ١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٤ ـ ٥ ـ ٨ ـ ٩ ـ ١٠ ـ ١١ ـ ١٢ ـ ١٤ ـ في مرآة الزمان ٨ / ٥٠٣.

(٢) همى الدمع : سال.

(٣) المعنىّ : المتعب.

(٤) في مرآة الزمان : والزق ، وأسقما ، والمسقم : المريض.

(٥) في مرآة الزمان : فوعى الحوادث واستطاع تكلّما.

٢٥٨

وقل السّلام عليك يا من أنقذ الض

ضلّال من ظلم الجهالة والعمى

يا سيّد الهادين يا خير الورى

حسبا وأوسعهم ندّى وتكرّما

[٦٢ / ب] يا خاتم الرّسل الكرام ومن له ال

آيات تحكي في السّماء الأنجما

وله انشقاق البدر والجذع الّذي

أبدى حنينا ، والجماد تكلّما (١)

١٠ ـ والماء ينبع في الإناء ومن دعا

زمرا إلى النّزر اليسير فأطعما (٢)

ودعا بأشجار الفلاة فأقبلت

وغدا على الحجر الأصّم فسلّما (٣)

وعلا على متن البراق مشرّفا

وسرا إلى أعلى السّماء معظّما (٤)

يا صاحب الوجه البهيّ كأنّما ال

قمر المنير إليه في النّور انتمى

يا صاحب الخلق الرّضيّ فما يرى

إلّا رحيما مغضيا أو منعما

١٥ ـ يا صاحب القدّ الرّشيق فإن مشى

بين الرّجال علا على من قد سما

يا مطلع الإيمان نورا مشرقا

يمحو من الكفران ليلا مظلما

صلّى عليك الله ما انهلّ الحيا

فكسا الرّياض مفوّفا ومنمنما (٥)

وعليك من ربّي السّلام مضاعفا

ما ردّدت ورق الحمام ترنّما

وأتت إليك اليعملات مشوقة

تطوي المهامه والقفار على الظّما (٦)

٢٠ ـ وعلى أبي بكر خليفتك الّذي

للحقّ قام مثقّفا ومقوّما (٧)

__________________

(١) يعدّد الشاعر بعض معجزات النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) في مرآة الزمان : إلى الزاد اليسير.

(٣) في مرآة الزمان : وأتى على حجر أصّم فسلّما.

(٤) في ط : وسما.

(٥) في مرآة الزمان : مقوّيا ومقيما ، والمفوّف : المزركش ، والمنمنم : المرقوم الموشى.

(٦) اليعملات : جمع اليعملة : وهي الناقة السريعة.

(٧) التثقيف : تقويم الاعوجاج ، والتقويم : التعديل.

٢٥٩

وغدا بأعباء الخلافة ناهضا

لا عاجزا فيها ولا متلوّما

وعلى سبيل الله أنفق ماله

حتّى تخلّل بالعباءة معدما (١)

سمّاه بالصّدّيق صدق يقينه

سبق الرّجال إلى النّجاة فأسلما

وغدا بديل المصطفى متمسّكا

وعلى أوامره يشدّ مصمّما

٢٥ ـ وأنيسه في الغار حيث يقول : لا

تحزن فإنّ الله أمنع من حمى (٢)

وضجيعه في قبره ورفيقه

يوم القيامة في الجنان منعّما

وعلى أمير المؤمنين منكّس ال

أصنام حين غدا عليها مسلّما (٣)

عمر الّذي للدّين كان مؤيّدا

ولمن يعانده مذلّا ، مرغما

في الحقّ فظّ ليّن متعاظم

يجفو القويّ له ويدني الأيّما (٤)

٣٠ ـ سلس القياد لما يرى فيه رضا الر

رحمن ، صعب حين يخشى المأثما (٥)

[٦٣ / آ] فتح الفتّوح وشاد للدّين العلا

وغدا به ربع الضّلال مهدّما (٦)

وعلى ابن عفّان الّذي استحيت لأج

ل وقاره منه ملائكة السّما (٧)

القانت ، العفّ الصّبور أحاطت ال

بلوى فأذعن للقضاء مسلّما (٨)

__________________

(١) العدم : الفقر.

(٢) في ت : أكرم من حمى ، واستفاد من قوله تعالى في سورة التوبة ٤٠ : (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا)

(٣) منكس الأصنام : هو عمر بن الخطاب.

(٤) في ط : فضّ ـ والأيّم : التي لا زوج لها.

(٥) في ت وط : لمن يرى ـ يخشى المأتما.

(٦) في ط : رفع الضلال.

(٧) منه ليست في ت وط ، ودونها لا يستقيم الوزن.

(٨) في ط : العفو ، وقنت : أطاع.

٢٦٠