رحلة العبدري

أبو عبدالله العبدري

رحلة العبدري

المؤلف:

أبو عبدالله العبدري


المحقق: د. علي إبراهيم كردي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٢٨

ظلوم تضمّن مال الزّكاة

لقد تعست صفقة الخاسر

يسرّ الخيانة في باطن

ويبدي النّصيحة في الظّاهر (١)

٤٠ ـ فأوقع به حادثا إنّه

يقبّح أحدوثة الذّاكر

فما للمناكر من زاجر

سواك وبالعرف من آمر

وحاشاك إن لم تزل رسمها

فمالك في النّاس من عاذر

ورفعك أمثالها موسع

رداء فخارك للنّاشر

وآثارك الغرّ تبقى بها

وتلك المآثر للآثر

٤٥ ـ نذرت النّصيحة في حقّكم

وحقّ الوفاء على النّاذر

وحبّك أنطقني بالقريض

وما أبتغي صلة الشّاعر

ولا كان فيما مضى مكسبي

وبئس البضاعة للتّاجر

إذا الشّعر صار شعار الفتى

فناهيك من لقب شاهر

وإن كان نظمي له نادرا

فقد قيل : لا حكم للنّادر

٥٠ ـ ولكنّها خطرات الهوى

تعنّ فتغلب بالخاطر (٢)

وأمّا وقد زار تلك العلا

فقد فاز بالشّرف الباهر

وإن كان منك قبول له

فتلك الكرامة للزّائر

ويكفيه سمعك من سامع

ويكفيه لحظك من ناظر (٣)

ويزهى على الرّوض غبّ الحيا

بما حاز من ذكرك العاطر (٤)

__________________

(١) في الذيل والتكملة : ظاهر.

(٢) في ت وط : فتلعب بالخاطر ـ وفي الذيل والتكملة : فتغلب للخاطر.

(٣) سمعك : ليست في ط.

(٤) الحيا : المطر. وغبّ الحيا : بعد نزوله.

٢٢١

قلت : هكذا حدّثني أبو عبد الله بهذه الحكاية ، وكذا وقعت في كتابه منشورة ، لم يذكر فيه إلّا ما أثبتّه ، وبالله [٥٢ / آ] تعالى التّوفيق.

وأنشدني أبو عبد الله أيضا عن أبي العبّاس المذكور عن ابن جبير قصيدة نظمها ارتجالا ، حين تراءت له مدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١). وهي هذه : (٢)

[المتقارب]

أقول وآنست باللّيل نارا

لعلّ سراج الهدى قد أنارا

وإلّا فما بال أفق الدّجا

كأنّ سنا البرق فيه استطارا

ونحن من اللّيل في حندس

فما باله قد تجلّى نهارا

وهذا النّسيم شذا المسك قد

أعير أم المسك منه استعارا

وكانت رواحلنا تشتكي

وجا فلقد سابقتنا ابتدارا (٣)

٥ ـ وكنّا شكونا عناء السّرى

فعدنا نباري سراع المهارى (٤)

__________________

(١) هنا بدأ النقص في طبعة الجزائر ويستمر حتى نهاية الصفحة

(٢) القصيدة في الإحاطة ٢ / ٢٣٥ ـ ٢٣٦ ، وفي الذيل والتكملة ٥ / ٦٠٢ وفي جذوة الاقتباس ١ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩ ، وفي نفح الطيب ٢ / ٤٨٧ الأبيات الثلاثة الأولى.

(٣) في الجذوة : وجاها فقد سبقتنا ابتدارا.

في الإحاطة والذيل : فقد سابقتنا ـ والوجا : الحفا ، أو أن يشتكي البعير باطن خفه ، والفرس باطن حافره.

(٤) السّرى : السّير بالليل. المهارى : كرام الإبل.

٢٢٢

أظنّ النّفوس قد استشعرت

بلوغ هوى تخذته شعارا

تباشير صبح السّرى آذنت

بأنّ الحبيب تدانى مزارا (١)

جرى ذكر طيبة ما بيننا

فلا قلب في الرّكب إلّا وطارا (٢)

١٠ ـ حنينا إلى أحمد المصطفى

وشوقا يهيج الضّلوع استعارا

ولاح لنا أحد مشرقا

بنور من الشّهداء استنارا (٣)

فمن أجل ذلك ظلّ الدّجا

يحلّ عقود النّجوم انتثارا

ومن ذلك الشّرف طاب النّسيم

نشرا وعمّ الجناب انتشارا (٤)

ومن طرب الرّكب حثّ الخطا

إليها ونادى البدار البدارا

١٥ ـ ولمّا حللنا فناء الرّسول

نزلنا بأكرم خلق جوارا (٥)

وحين دنونا لفرض السّلام

قصرنا الخطا ولزمنا الوقارا

فما نرسل اللّحظ إلّا اختلاسا

ولا نرفع الطّرف إلّا انكسارا (٦)

ولا نظهر الوجد إلّا اكتتاما

ولا نلفظ القول إلّا سرارا

سوى أنّنا لم نطق أعينا

بأدمعها غلبتنا انفجارا

__________________

(١) في الإحاطة والذيل : بشائر.

(٢) طيبة : هي مدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٣) في الإحاطه : استعارا ، وأحد : جبل شمال المدينة ، وعنده كانت غزوة أحد.

(٤) في ت وط : الشرب وفي الذيل والتكملة : الترب ـ وفي جذوة الاقتباس انتثارا. والبيت بكامله غير موجود في الإحاطة.

(٥) في الإحاطة : مجد جوارا.

(٦) في الإحاطة : نرجع الطرف.

٢٢٣

٢٠ ـ وقفنا بروضته للسّلام

نعيد السّلام عليه مرارا (١)

[٥٢ / ب] ولولا مهابته في النّفوس

لثمنا الثّرى ولزمنا الجدارا (٢)

قضينا بعمرتنا حجّنا

وبالعمرتين ختمنا اعتمارا (٣)

إليك إليك نبيّ الهدى

ركبنا البحار وجبنا القفارا (٤)

وفارقت أهلي ولا منّة

وربّ كلام يجرّ اعتذارا

٢٥ ـ وكيف يمنّ على من به

نؤمّل للسيّئات اغتفارا (٥)

دعاني إليك هوى كامن

أثار من الشّوق ما قد أثارا

فناديت لبيّك داعي الهدى

وهل كنت عنك أطيق اصطبارا (٦)

فرضّيت نفسي بحكم الهوى

عليّ ، وقلت : رضيت اختيارا (٧)

أخوض الدّجا وأروض السّرى

ولا نطعم النّوم إلّا غرارا (٨)

٣٠ ـ ولو كنت لا أستطيع السّبيل

لطرت ولمّا أصادف مطارا (٩)

وأجدر من نال منك الرّضا

محبّ ثراك على البعد زارا (١٠)

__________________

(١) في الإحاطة : بروضة دار السلام ـ عليها مرارا.

(٢) في الإحاطة : والتزمنا الجدارا.

(٣) في الإحاطة والجذوة : بزورته ، والذيل والتكملة : بزورتنا ـ وفي الذيل والتكملة : وبالعمرين. والعمران : أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنهما.

(٤) في الإحاطة والجذوة : ركبت البحار وجبت القفارا.

(٥) في ت وط : نمنّ.

(٦) في الإحاطة : فناديتك. وفي ت وط : داعي الهوى ـ في الإحاطة : وما كنت.

(٧) في ت وط وجذوة الاقتباس : ووطنت نفسي. في الذيل والتكملة : لحكم الهوى.

(٨) في الإحاطة والذيل والتكملة والجذوة : أطعم.

(٩) في الإحاطة والذيل والتكملة : ولو لم أصادف.

(١٠) ـ في ط وجذوة الاقتباس : ثواك.

٢٢٤

عسى لحظة منك لي في غد

تمهّد لي في الجنان القرارا

فما ضلّ من بهداك اهتدى

ولا ذلّ من بذراك استجارا (١)

[عليك سلام كزهر الرّبا

يفيح عشيّا بها وابتكارا](٢)

وأنشدني أيضا بمثله : [مجزوء الوافر]

أما في الدّهر معتبر

ففيه الصّفو والكدر

فسلني عن تقلّبه

«فعند جهينة الخبر» (٣)

صحبناه إلى أجل

نراقبه ونحتذر

فيا عجبا لمرتحل

ولا يدري متى السّفر

وأنشدني إملاء من كتابه أيضا ، عن أبي العبّاس المذكور عن الشّيخ أبي عبد الله بن شيبة الأندلسيّ ، ولم يسمّ قائله : (٤) [متقارب]

وإنّي لأكره من شيمتي

زيارة حيّ بلا منفعه (٥)

ولا أحمد القول من قائل

إذا لم يكن فعله متبعه (٦)

ومن ضاق ذرعا بإكرامنا

فلسنا نضيق بأن نقطعه

__________________

(١) في الإحاطة : بمسراك اهتدى ، وجذوة الاقتباس : ولا ضلّ من بذراك.

(٢) البيت ليس في الأصل وط ، وأضفناه من ت.

(٣) إشارة إلى المثل : «عند جهينة الخبر اليقين». انظر : الميداني ٢ / ٣ وفصل المقال ٢٩٥ ، وأمثال أبي عبيد ٢٠١ ـ المستقصى ٢ / ١٦٩ ـ والجمهرة ٢ / ٤٤ ، والفاخر ١٢٦ ـ وتمثال الأمثال ٤٧٤ ، والوسيط ١٢٠ ويروى : عند جفينة.

(٤) الأبيات لأبي بشر الفارسي الحافظ في يتيمة الدهر ٣ / ١٦٠.

(٥) في ط : أكره. وفي اليتيمة : وإني لا أكره.

(٦) في اليتيمة : فعله معه.

٢٢٥

وأخبرني أيضا إنشادا عن الشّيخ الفقيه العالم أبي السّرايا عامر بن الوتّار المالكي ، إجازة عن ابن جبير المذكور إجازة لنفسه : [الطويل]

إلى الله أشكو ما تكنّ الجوانح

تقاطعت الأرحام حتّى الجوارح

فلست ترى إلّا قلوبا وألسنا

مخالفة هذي لهذي كواشح (١)

فللقلب عقد واللّسان بنطقه

يخالفه والفعل للكلّ فاضح

قال الفقيه أبو السّرايا : أخذه ـ والله أعلم ـ من قول الحسن رضي‌الله‌عنه : [٥٣ / آ] «ألسن تصف ، وقلوب تعرف ، وأعمال تخالف».

وأخبرني عنه أيضا إملاء من كتابه ، قال : أخبرني الشّيخ الصّالح عبد الله الحرموليّ (٢) الفريابيّ ، قال : سئل فقهاء الثّغر (٣) ، هل لضرب صبيان المكتب حدّ؟ فاختلفوا في تحديده وأجاب الفقيه أبو الطّاهر إسماعيل بن عوف الزّهريّ (٤) قال : «الضّرب للصّبيان كالغيث للنّبات».

__________________

(١) الكاشح : العدوّ المبغض.

(٢) في ت : الحرملي.

(٣) في ت : الشرع.

(٤) هو إسماعيل بن مكي بن عيسى بن عوف الزهري : فقيه ، مالكي ، متكلّم ، من أهل الإسكندريّة ولد سنة ٤٨٥ ه‍ وتوفي في سنة ٥٨١ ه‍. من آثاره : التذكرة في أصول الدين وشرح على التهذيب لأبي سعيد البرادعي. له ترجمة في الديباج ٩٥ ـ ٩٦ وحسن المحاضرة ١ / ٤٥٢ ـ ٤٥٣.

٢٢٦

وأنشدني أيضا ، قال : أنشدني الشّيخ الصّالح أبو عبد الله بن النّعمان لبعض شيوخه:[الطويل]

تواضع إذا نلت العلاء تزد علا

وتكتسب الشّكر الجزيل من الورى

فلن يشكر الغيث الرّفيع (١) محلّه

قرين الثّريّا أو يصير إلى الثّرى

قلت : قد جمح (٢) القلم في هذا الفصل بحسب استطراد القول ، فقطع عمّا كنت فيه من ذكر (٣) أهل الإسكندريّة ، ووصف بعض أحوالهم الرّديّة ، وهي أكثر من أن يحصرها بيان ، أو يحيط بها خبر ولا عيان ، لكنّها نفثة مصدور ، ولفظة جرى بها المقدور. وبودّي لو لم أر إلّا حسنا فأذكره ، ولم ألق إلّا مشكورا فأشكره. ولو كان القبيح يجمل بغير أوصافه ، والنّاقص يكمل بذكر أسلافه. لكان أهل الإسكندريّة أجمل النّاس حسنا ، وأكملهم في كلّ معنى ، بوجود بعض الأفراد فيهم ، وسكنى الآحاد (٤) المبرّزين في العلم والدّين بمغانيهم. ولكن الموتى إذا جاورهم الأحياء (٥) ، لم يحصل لهم بمجاورتهم الإحياء (٦) ، بل : [الكامل]

 ...................................

بضدّها تتبيّن الأشياء (٧)

__________________

(١) في ت : الشكر الجميل.

(٢) في ت وط : جمع.

(٣) ليست في ت.

(٤) في ت : آحاد.

(٥) في ط : الأحيا.

(٥) في ط : الأحيا.

(٦) عجز بيت للمتنبّي وصدره : ـ ونذيمهم وبهم عرفنا فضله ـ وهو في ديوانه ١ / ٢٢. والرواية فيه وبضدّها.

٢٢٧

وقد رأيت بها أفرادا من أهل الفضل علما ودينا ، وددت لو منحت في ذكر فضلهم قلبا حافظا ، ولسانا مبينا ، فمنهم من استكتمني اسمه ، وعاهدني (١) على ألّا أذكر رسمه ؛ عملا على منهج زهده ، ومحجّة تقواه ، وصونا للأخوّة أن يشوبها حظّ لغير الله ، على أنّي لو سمّيته وحليّته ، لقصّر بي كلّ ما رويته وروّيته (٢) ، وكيف يوفي اللّسان ـ وإن أطنب في شكره ـ حقّ من يستنزل القطر بذكره. نفعه الله وإيّاي [٥٣ / ب] بجميل قصده ، وتغمّد كلّا منّا برحمة تولّيه الصّفح عن سهوه وعمده ، وأوزعني شكر ما منحني من إقباله عليّ بحبّه ، وأفاض عليّ من بركاته وأنوار قلبه.

[لقاؤه لابن المنيّر]

ومنهم الشّيخ الجليل الفاضل ، الفقيه العالم الكامل ، الرّئيس الأوحد ، القاضي العادل (٣) ، شرف الفقهاء والمفتين ، واسطة قلادة المدرّسين. صدر البلغاء ورأس الكّتاب والنّاظمين. وحيد العلماء وفخر (٤) المصنّفين ، ذو المآثر السّنية ، والمفاخر العليّة ، زين الدّين أبو الحسن عليّ بن محمّد بن منصور المالكيّ (٥) ، يعرف بابن المنيّر ، حفظ الله مجادته ، ومكّن سعادته. لقيت منه بحر علم تفيض أمواجه ، وغيث سماح لا يغيض ثجّاجه (٦). له تصرّف في

__________________

(١) في ت وط : وعاقدني.

(٢) ليست في ط.

(٣) في ت : العدل.

(٤) في ت وط : وبحر.

(٥) توفي زين الدين بن المنير في ذي الحجة سنة ٦٩٥ ه‍ ، انظر شجرة النور الزكية ١ / ١٨٨.

(٦) مطر ثجّاج : مصبوب سائل.

٢٢٨

صنوف العلم وفنونه ، وتحقّق بتمييز أبكاره وعونه (١). وتسلّط بثاقب ذهنه على استنباط عيونه ، وما رأيت أحدا اجتمع له من حسن الحفظ ، وجودة اللّفظ ، وذكاء الفهم ما اجتمع له. ولا رئيسا جعل العلم قيد همّته كما جعله. وقد استظهر دواوين من العلم في صغره ، ولم يتغير حفظه لها في زمان كبره ، وقد منح من حسن الخلق وجميل العشرة وكمال الإنصاف ، ما يعيا ببعض أوصافه اللّسن الوصّاف ، وما يكلّ دون شأوه طرف (٢) البيان ، مع (٣) ما خصّ به من طلاقة الوجه واليد واللّسان.

وله على التّأليف حسن اقتدار ، وفي إجادة التّصنيف مكنة (٤) تدلّ على أنّه لراية المجد ذو ابتدار. بدأ على «البخاريّ» شرحا مؤسّس المباني ، محقّق المعاني. زانه حسن العبارة في التّصريح والإشارة. إن قضى الله له بالتّمام كان مفتاحا يعّول في حلّ (٥) مشكلات المشروح عليه. ومصباحا يلجأ في إزاحة ظلام الشّكوك إليه. قرأت عليه بعضه ، وسمعت منه مواضع قصد قراءتها عليّ ، وأجازني ما نجز منه ، وما سينجز إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) الأبكار : ج بكر وهي الجارية لم تفتضّ ، واستخدم المصنف اللفظة على المجاز والمراد بالمعنى : العلوم التي لم تطرق.

العون : ج : عوان وهي التي لها زوج ، والمعنى المجاز لها أن هذا الشيخ له معرفة. بمختلف صنوف العلم.

(٢) في ت : صرف. وفي ط : طرفان.

(٣) ليست في ط.

(٤) المكنة : التمكّن.

(٥) في ت وط : كل.

٢٢٩

وقد كان ـ حفظه الله ـ استصحب سفرا من هذا [٥٤ / آ] التّأليف في سفره إلى الحجّ فوقف عليه الشّيخ الصّالح رئيس العلماء بمكّة ـ شرّفها الله ـ محبّ الدّين الطّبريّ (١). فاستحسنه وكتب على ظهره ما نصّه : «نظر فيه العبد الفقير إلى رأفة (٢) مولاه. في سرّه ونجواه ، المحبّ أحمد بن عبد الله بن محمّد الطّبريّ المكيّ (٣) مستضيئا بفرائده ، مستفيدا من فوائده ، متيمّنا بنظره مستسعدا بأثره (٤) ، متبرّكا برؤياه ، حرس الله مجد مؤلّفه وتولّاه ، فألفاه رياضا أريضة (٥) ودررا منيرة ، وشمسا بازغة ، وبراهين لحجج أهل الزّيغ (٦) دامغة ، ومعاني لطيفة ، وأحكاما منيفة ، وموردا لكلّ ظمان لهفان ، ومصدرا للبيان والتّبيان ، وصادرا عن ضبط وإتقان ، وواردا من التّحقيق مورد الإيقان ، نفع الله به مفيده والمستفيد ، وعمّر بإفادته أقطار الوجود ، وعطّر بذكاء شهرته الآفاق ، ونوّر بذكاء أنواره مواطن الإشراق ، ما تناسقت الظلم والأنوار ، وفي الوقت عن استيفاء مدحه شغل شاغل ، وما عسى أن (٧) يقول القائل ، ومحاسنه أظهر من أن تشهر ، وأبين من أن تنشر ، والحمد لله على نواله ، وصلواته على سيّدنا (٨) محمّد وآله».

__________________

(١) أحمد بن عبد الله بن محمد الطبري : حافظ للحديث ، فقيه شافعي من أهل مكة ولد فيها سنة ٦١٥ ه‍ وكان شيخ الحرم بمكة توفي سنة ٦٩٤ ه‍ له تصانيف منها : السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين. والرياض النضرة في مناقب العشرة. والأحكام في ستة مجلدات. ترجمته في العقد الثمين ٣ / ٦١ ـ ٧٢ ، طبقات الشافعية للسبكي ٨ / ١٨ وفيها مولده ٦١٠. غربال الزمان ٥٧١ ، شذرات الذهب ٥ / ٤٢٥.

(٢) في ط : رحمة.

(٣) في الأصل : المالكي وهو تصحيف.

(٤) في ت : بنظره.

(٥) رياضا أريضة : زكيّة كثيرة العشب.

(٦) الزّيغ : الميل عن الحق.

(٧) ليست في ط.

(٨) ليست في ت.

٢٣٠

قلت : كلام مثل هذا الرّجل يطوى على غرّه ، ويحوى لما يجب من برّه ، وقد راجعت شيخنا زين الدّين في مواضع منه ، فقال لي : مثل هذا ينقل تبّركا بقائله ، ولقد أجاد مالك بن أنس رضي‌الله‌عنه في قوله : «من النّاس من لا تذكر عيوبه». وما أراد بذلك ـ والله أعلم ـ إلّا قادة أهل الدّين ، وفضلاء المسلمين ، والفاضل من عدّت سقطاته وبالله التّوفيق.

ووقف عليه أيضا (١) الشّيخ الفقيه العالم (٢) قدوة المدرّسين بديار مصر ، علم الدّين ، سبط الإمام أبي إسحاق العراقيّ (٣) فكتب عليه ما نصّه : «وقف على كثير من هذا التّصنيف المنيف (٤) ، والتّأليف الشّريف ، الفقير إلى الله عبد الكريم بن عليّ الأنصاريّ (٥) ، فوجده قد اتّقد في مشكاة النّبوّة [٥٤ / ب] مصباحه ، وأسفر في دجا المشكلات صباحه ، وكشف ظلمات الشّبهات بيانه وإيضاحه ، وتأمّل (٦) فيه من الفوائد (٧) المستجادة ، والمباحث المستفادة ، ما لا يطمع (٨) بعده في الزّيادة ، وجلا عن القلوب عمايتها (٩) ، وبلغ في تحقيق المعاني غايتها : [الطويل]

__________________

(١) ليست في ط.

(٢) ليست في ت.

(٣) في ت : الغرافي وهو تحريف.

(٤) ليست في ط. والمنيف : الشريف.

(٥) هو عبد الكريم بن علي بن عمر الأنصاري : مفسّر ، فقية ، أصله من وادي آش بالأندلس ، ومولده بمصر سنة ج ٦٢٣ ه‍. ووفاته فيها سنة ٧٠٤ ه‍ عمي في أواخر حياته ، له مختصر في أصول الفقه ، ومختصر قي تفسير القرآن. ترجمته في نكت الهميان ١٩٥ ـ الدرر الكامنة ٢ / ٣٩٩ ـ ملء العيبة ٥ / ٣٣٥.

(٦) في ط : تأصل.

(٧) في ط : فوائده.

(٨) في ت وط : مطمع.

(٩) العماية : الجهل.

٢٣١

وكان ابن بطّال تصدّى لمثل ما

تصّدّى له قاضي القضاة من الشّرح (١)

فأجهد في شرح البخاريّ نفسه

وأظهر تحقيقا وبالغ في النّصح

فلمّا سما زين الأنام لنيل ما

تقاصر عنه الشّارحون مع الكدح (٢)

فأوضح أسرار الشّريعة ظافرا

على إثر هذا السّعي بالأجر والنّجح

وفاز بتحقيق وحسن تصرّف

وشقّ ظلام الجهل عن فلق الصّبح

تعيّن أن يعنى الأنام به وأن

يكافوه بالتّعظيم والشّكر والمدح

وأن يجعلوه رأس مال علومهم

ليظفر من يبغي التّجارة بالرّبح

كتب سابع ربيع الأوّل سنة ثمان وثمانين وستّ مئة.»

قلت : لو عوّض من حرف في ، حرف من في قوله : قد اتّقد في مشكاة النّبوة مصباحه. لكان أليق بالأدب (٣) ، وأبعد عن الاشتراك والله الموفّق.

__________________

(١) علي بن عبد الملك بن بطال : عالم بالحديث من أهل قرطبة. له شرح على البخاري توفي سنة ٤٤٩ ه‍. ترجمته في شذرات الذهب ٣ / ٢٨٣.

(٢) في ت : زين الإمام.

(٣) في ط : بالآداب.

٢٣٢

وقد كان الفقيه الأوحد ناصر الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمّد (١) ، أخو شيخنا المذكور ، جرّد من جامع البخاريّ أربع مئة ترجمة مشكلة ، فتكلّم عليها وحلّ إشكالها. ووضع شيخنا هذا الكتاب عليه شرحا موعبا شافيا ، وسمعته يذكر تأليف أخيه المذكور ، وقال : إنّه تكلّم على أربع مئة ترجمة مشكلة ، ولا يعدم فيما (٢) تخلص من تأليفنا هذا (٣) أربعة آلاف ترجمة كلّها مشكل.

وقرأت عليه «الأربعين حديثا البلدانيّة» (٤) للإمام الحافظ أبي طاهر أحمد ابن محمّد السّلفي (٥) رضي‌الله‌عنه في مجلس واحد. وحدّثني بها عن الشّيخ جمال الدّين أبي الفضل يوسف بن عبد المعطي بن نجا المخيليّ قراءة منه عليه عن مؤلّفها المذكور [٥٥ / آ] وقرأت عليه صدرا من «الموطّأ» (٦) رواية يحيى بن يحيى وناولني سائره في أصلي ، وحدّثني بجميعه عن الشّيخ الرّاوية العلّامة أبي عبد الله محمّد بن أبي الفضل السّلميّ المرسيّ ، شرف الدّين ، سماعا عليه بأسانيده.

__________________

(١) أحمد بن محمد بن منصور بن أبي القاسم الجذامي الإسكندري : فقيه مالكي ، إمام ، قاض ، مقرئ ، مفسّر ، أخذ عن مجموعة من العلماء منهم جمال الدين بن الحاجب ، وأخذ عنه جماعة. له مصنفات منها تفسير سّماه : البحر الكبير في نخب التفسير ، والانتصاف من الكشّاف ، له شعر لطيف ، مولده سنة ٦٢٠ ه‍ ووفاته سنة ٦٨٣ ه‍ ترجمته في الوافي بالوفيات ٨ / ١٢٨ ـ فوات الوفيات ١ / ١٤٩ ـ الديباج المذهب ٧١ ، شذرات الذهب ٥ / ٣٨١ ، شجرة النور الزكية ١ / ١٨٨.

(٢) في ت : ما تخلص.

(٣) ليست في ت.

(٤) جمع فيه أربعين حديثا من أربعين شيخا في أربعين مدينة أبان بها عن رحلة واسعة وأظهر فيها رتبة عالية. انظر كشف الظنون ٥٤.

(٥) هو أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم سلفة الأصبهاني : حافظ ، فقيه ولد بأصبهان سنة ٤٧٨ ه‍ ورحل في طلب الحديث ، واستقر بالقاهرة وبها توفي سنة ٥٧٦ ه‍ له معجم السفر ومعجم مشيخة أصبهان وغيره. ترجمته في وفيات الأعيان ١ / ١٠٥ ـ أزهار الرياض ٣ / ١٦٧ ـ شذرات الذهب ٤ / ٢٥٥ ـ غاية النهاية ١ / ١٠٢.

(٦) في ط : صدر الموطأ.

٢٣٣

وقرأت عليه بعض الجزء الثّاني من «مختصر الفقيه الإمام العالم أبي عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن الحاجب (١)» ـ رضي‌الله‌عنه ـ في الفقه على مذهب مالك ، وأجازني سائره عن مؤلّفه المذكور ، وهو ممّا استظهره حفظا وإتقانا.

وسمعت من لفظه قصيدته النّبويّة التي نظمها في سفره إلى الحجاز ، ثم كتبها ، وقرأتها عليه ، وهي من حرّ القصائد ، ومن جملة إنصافه ـ حفظه الله ـ أنّي راجعته منها في ألفاظ قليلة رأيت غيرها أقعد بالمعنى منها (٢) ، فاستحسن ما ذكرته ، وأذن لي في إصلاحها على ما رأيت ، وأنا إن شاء الله أثبت القصيدة هنا بجملتها وهي هذه : [الطويل]

[القصيدة النّبويّة لابن المنيّر]

أجب دعوة الرّحمن يا صاح تسعد

وبادر لفرض الحجّ غير مفنّد (٣)

ولذ بالمتاب الآن وازدد من التّقى

فإنّ اتّقاء الله خير التّزوّد

ودع خاطر التّسويف والخوف جانبا

وسلّم لأمر الله أمرك في غد

__________________

(١) هو مختصر في فروع المالكية استخرجه من ستين كتابا في فقه المالكية. انظر كشف الظنون ١٦٢٥ ، وصاحبه هو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن الحاجب : فقيه مالكي ، من كبار العلماء بالعربية. ولد في إسنا من صعيد مصر سنه : ٥٧٠ ه‍ ومات بالإسكندرية سنة ٦٤٦ ه‍. من تصانيفه الكافية في النحو والشافية في الصرف. ترجمته في وفيات الأعيان ٣ / ٢٤٨. والديباج المذهب ١٨٩ ـ شجرة النور الزكية ١ / ١٦٧.

(٢) ليست في ط.

(٣) التّفنيد : اللوم وتضعيف الرأي.

٢٣٤

فكم ذي صدى ما بين أهل ومنهل

وريّان ماء بين قفر وفدفد (١)

٥ ـ وكم قاطن في موطن غير آمن

وراكب أخطار يفوز بمقصد

وكم ذي سرى سرّى سراه همومه

وأعقبه مرآه قبر محمّد (٢)

أياد لأيدي العيس إن تبد يثرب

وكم منّة فيها عليّ وكم يد

تبلّغنا مثواك يا سيّد الورى

وتشهدنا منه مقرّ التعبّد

فنمحوا خطايانا بدمع إنابة

ونظفر بالغفران والعفو في غد (٣)

١٠ ـ وننشد والآفاق تبكي مسّرة

وخاطرنا بالشّوق كالمتوقّد (٤)

عليك سلام الله يا خير مرسل

عليك سلام الله يا خير مرشد

عليك سلام الله يا خير من هدى

عليك سلام الله من كلّ مهتد

[٥٥ / ب] عليك سلام الله من كلّ عالم

عليك سلام الله من كلّ مقتد (٥)

عليك سلام الله من كلّ عابد

عليك سلام الله في كلّ معبد

١٥ ـ عليك سلام الله في كلّ مجلس

عليك سلام الله في كلّ مسجد

عليك سلام الله من كلّ قارن

عليك سلام الله من كلّ مفرد (٦)

عليك سلام الله من كلّ وافد

تجرّد للإحرام حقّ التّجرّد (٧)

__________________

(١) الصّدى : العطش ، والفدفد : الفلاة الواسعة لا نبت فيها.

(٢) السّرى : السير ليلا ، وسرّى : كشف وأزال.

(٣) الإنابة : التوبة ولزوم الطاعة.

(٤) في الأصل : وتنشد والآماق.

(٥) في الأصل : من كل مهتد.

(٦) القران : الجمع بين الحج والعمرة في الإحرام.

(٧) الوافد : الحاجّ ، الإحرام : نية الدخول في الحج والعمرة. انظر القاموس الفقهي ٨٥.

٢٣٥

عليك سلام الله من كلّ شيّق

وشيّقة في خدرها كالمصفّد (١)

عليك سلام الله عن سلف لنا

وعن ولد يتلو كطير مغرّد

عليك سلام الله في كلّ مصدر

عليك سلام الله في كلّ مورد

وصلّى عليك الحقّ جلّ جلاله

مع الملإ الأعلى صلاة ممجّد

وصلّى عليك الرّسل في الخلد كلّهم

وصلّى عليك الآن كلّ موحّد

وأولى ضجيعيك الرّضا عنهما معا

وأتبعه أزكى سلام مجدّد (٢)

وحيّاك يا مثوى الرّسالة والهدى

وحيّاك يا مثوى لأصحاب أحمد

٢٥ ـ منازل كان الوحي ينزل بينها

ويعهد فيها الخير في كلّ معهد

منازل فيها أظهر الله دينه

وأخمد دين الكفر حدّ المهنّد

أو اهل من آل النّبيّ وصحبه

أئمّة دين الله فاقتد تهتد (٣)

هم ورثوا علم النّبيّ وعاينوا

له معجزات فتن حصر المعّدد (٤)

وهم نصروا حزب الإله وأرعدوا

فرائص أسد بالسّنان المحدّد (٥)

٣٠ ـ فكم بطل قد أسكنوا الرّعب قلبه

وكم أسد أذروه عن ظهر أجرد (٦)

فإمّا لقتل أو صغار مؤبّد

وإمّا لإسلام وعزّ وسؤدد (٧)

__________________

(١) شيق : مشتاق للزيارة.

(٢) ضجيعا رسول الله هما أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب.

(٣) في ط : وأهّل.

(٤) في ت : دين النبي ـ حصر التعدّد.

(٥) في ت : فرائس. والفرائض : جمع فريصة : لحمة بين الجنب والكتف ترتعد من الخوف.

(٦) أذرى : ألقى. فرس أجرد : سابق.

(٧) في ط : لصغار وبها لا يستقيم الوزن.

٢٣٦

وقد أسدل البدر المنير حجابه

وأظهر فينا فرقدا بعد فرقد (١)

وما غيّب البدر المنير حجابه

لأنّ له نورا به الدّهر نهتدي

قصدناه نستشفي بطيب ترابه

ونحظى بمرآنا مقام التّهجّد (٢)

٣٥ ـ فنطرق إجلالا ونخضع هيبة

وندرك أنوارا بأعظم مشهد

[٥٦ / آ] ونسجد فيه بين قبر ومنبر

فنرتاح في روض الجنان المخلّد (٣)

فأجر صلاة فيه كالألف في سوا

ه فاغنم وأكثر من ركوعك واسجد (٤)

وحافظ على الوقت الّذي قد منحته

ولا تخله من طاعة الله واجهد

وقم خاضعا لله واسأله عفوه

سؤال ملحّ في الدّعاء مردّد

٤٠ ـ وقل يا رسول الله جئتك تائبا

ومن توبتي قصد لبابك سيّدي (٥)

وحبّك ديني ، ثمّ حبّك مذهبي

وحبّك أحلى من قران بمولد (٦)

ولولاك ما سرنا بتيهاء مجهل

ولولاك مابتنا بطرف مسهّد (٧)

ولولاك ما جبنا بقفر ومهمه

ولولاك ما جئنا كجيش مجرّد (٨)

ولولاك ما استحلى الأجاج منعّم

ولولاك عاف المرء من لم يعوّد (٩)

__________________

(١) الفرقد : النجم.

(٢) التهجّد : صلاة الليل.

(٣) في ط : أرض الجنان.

(٤) إشارة إلى الحديث الشريف : (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) سنن ابن ماجة ١ / ٤٥٠.

(٥) في ت : قصدي لبابك.

(٦) في ت : قراري بمولد.

(٧) التيهاء : المفازة لا علامة فيها يهتدى بها ، والمجهل : الأرض لا يهتدى فيها.

(٨) في ت : ولولاك ما جئنا بقفر. والمهمه : المفازة البعيدة.

(٩) في ط : مالم ، والأجاج : الشديد المرارة أو الملوحة.

٢٣٧

٤٥ ـ وقد أدّني قيد الذّنوب وأسرها

فكن منقذي من أسر ذنب مقيّد (١)

وإنّي من وفد أتاك محبّة

وهاجر يرجو الأمن يوم التوّعد

أحنّ حنين الجذع شوقا لقبلة

بأخمصك الأعلى وموطئك النّدي (٢)

وأسأل من قبل الممات شفاعة

فأسعف وكن في ما سألتك مسعدي

ومن يسأل المولى بجاه محمّد

يقينا تكن منه الإجابة في اليد

٥٠ ـ كذا جاء في الأخبار عنه محرّرا

فكن واثقا بالنّقل فيه وأسند

فأعظم بآيات له وخوارق

وباهر إعجاز وفخر مخلّد

وعزّ اصطفاء واقتراب محبّة

ورفع لواء الحمد في خير مشهد

إذا قيل : قل تسمع ، وسل تعط ما تشا

ء واشفع تشفّع ، فاشكر الله واحمد

وزوّد بمدحي كلّ من جاء زائرا

وردّده في سمع البطيء المقيّد

وكرّر سؤال الله عفوا بجاهه

وصلّ عليه آخرا ثمّ مجّد

وأنشدني ـ حفظه الله ـ لأخيه الفقيه العالم أبي العبّاس أحمد (٣) ـ رحمه‌الله ـ ممّا كتب إليه ملغزا : (٤) [المتقارب]

__________________

(١) في ط : وقد آذاني وبها لا يستقيم وزن وأدّه الأمر : أثقله وعظم عليه.

(٢) إشارة إلى حنين الجذع الذي كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب بجواره فلما صنع المنبر وتحول إليه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم حن إليه ، فلما التزمه النبي سكن وهدا.

(٣) ليست في ت وط.

(٤) ألغز بلفظة : آء وهو ضرب من الشجر واحدته : آءة ، انظر الصحاح : آء.

٢٣٨

أبن مسرعا لفظة سطّرت

مقطّعة من جميع النّواحي

[٥٦ / ب] وأشكال أحرفها بالسّواء

وألقابها حسب الاصطلاح

تشاكل آحادها الألفين

وتذكرهم بالقدود الملاح

ثلاثيّة ذات حرف فأصغ

فإنّ الملاحي قليل الفلاح

ومعتلّة الوسط ليست تصحّ

وأوّل قائمة في الصّحاح (١)

ولو طلب الأصمعيّ نظيرا

لها لم يفز قدحه في القداح (٢)

قال : فقلت مجيبا له : [المتقارب]

أيا من تفرّد في عصره

وجلّت مجاراته عن تلاح

عنيت نباتا له مغرس

بأوّل ترجمة في الصّحاح

وأهديت درّا ليشهد أنّ

بصدرك بحر النّدى والسّماح

وبالغت في صونه غيرة

بلفظ يهاب كحدّ السّلاح

٥ ـ وقد أذهب العبد إشكاله

كما أذهب اللّيل ضوء الصّباح

فإن فاز قدحي فأنت الإمام

وحيعلت قدما لنا بالفلاح (٣)

وقد سطّرت نحوها لفظة

مقطّعة من جميع النّواحي

ترى شكل أحرفها واحدا

إذا أنت جرّدتها بالتماح

وتزداد في النّطق حرفا خفيّا

وقدما بدت في صدور الصّباح

__________________

(١) في ت وط : وفعتلّة اللفظ.

(٢) عجز البيت ساقط من ت ، والأصمعي : عبد الملك بن قريب العالم باللّغة المتوفّى بالبصرة سنة ٢١٦ ه‍.

(٣) في ط : فاز مدحي.

٢٣٩

١٠ ـ وإن خفيت عن غبيّ فكم

يمكنّها من نحور الملاح

فيا أيّها الحبر زدنا فقد

تميّز صدرك بالانشراح (١)

ومن رام شأوك يوما كمن

نوى أن يطير بغير جناح

ولما تأمّلت اللّغزين استبان لي المراد منهما ، ثم انزعجت للسّفر فلمّا استقرّبي القرار بقاعدة مصر ، كتبت إليه في ذلك قصيدة وبعثت بها إليه ، وقد (٢) زدت فيها بعد ذلك أبياتا وهي هذه : [المتقارب]

أيا فاضلا قد سما للسّماح

فلم يصغ أذنا إلى قول لاح

هنيئا لك المجد من فاضل

هدى من نحاه طريق الفلاح

[٥٧ / آ] سما صنوك الفذّ في علمه

إلى غاية واثقا بالنّجاح

فأدركها ساميا عاليا

وخصّص فيها بفوز القداح (٣)

٥ ـ وأجريت من خلفه ثانيا

عنان جواد عظيم المراح

فأدركته فائزا حائزا

بما قد منحت كريم امتداح

فأوضحت لغزا دجا ليله

ومذ لاح أزرى بضوء الصّباح

وذلك لفظ له أحرف

غرائب في خفية واتّضاح

فأوّلها لا يرى شكله

وثالثها ، وهما في الصّحاح (٤)

__________________

(١) في ت وط : تمكن صدرك.

(٢) ليست في ط.

(٣) في ط : بفوز الفلاح.

(٤) أراد أن الحرفين صحيحان ليسا من أحرف العلة.

٢٤٠