رحلة العبدري

أبو عبدالله العبدري

رحلة العبدري

المؤلف:

أبو عبدالله العبدري


المحقق: د. علي إبراهيم كردي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٢٨

فأرعد من قبل اللّقاء ابن معمر

وأبرق والبرق اليمانيّ خوّان

وهذا البيت أيضا شاهد لمن قال : أبرق وأرعد ، بالألف ، أي : تهدّد ، وأصله من الرّعد والبرق ، وقد أنكره بعضهم (١) بالألف ، وقال : «إنّما هو رعد وبرق بغير ألف ، وكذلك رعدت السّماء وبرقت» والصّواب : أنّهما لغتان أشهرهما بغير ألف ، وعليها قول الشّاعر : (٢) [الكامل]

فإذا حللت ودون بيتي ساوة

فابرق بأرضك ما بدا لك وارعد (٣)

وقوله : «علامات ذدت» الوجه فيه حذف الألف ؛ لأنّ «ما» الاستفهامية إذا دخل عليه حرف جرّ حذف منها الألف ؛ لكثرة الاستعمال وفرقا بينها وبين الخبرية ، قال تعالى : (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها)(٤) وقال جلّ شأنه : (فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)(٥). ولو حذفت الألف منها لصحّ الوزن ، وكان الجزء معقولا (٦) ، ولكنّه [١٠ / آ] زحاف قبيح ، ولو قال : صددت أو طردت ، أو تذود ، أو نحو ذلك ، لسلم من الوجهين معا ، وتخلّص من الضّرورتين (٧) جميعا ، وبالله التوفيق.

__________________

(١) أنكره المبرّد في الكامل ١٢٣٧ ، وشرح ديوان المتلمّس ١٤٨ نقلا عن الأصمعيّ ، واللسان (برق).

(٢) الشاعر هو المتلمس ، والبيت في ديوانه : ١٤٧.

(٣) في الديوان : غاوة ، وكلاهما اسم مكان.

(٤) سوة النازعات : الآية : ٧٩.

(٥) سورة الزمر : الآية : ٣٩

(٦) العقل : هو حذف الخامس المتحرّك في مفاعلتن فتصبح : مفاعلن ، ويصيب الوافر. انظر المعيار : ٢٦.

(٧) في ط : الصورتين.

٦١

وأنشدني أيضا للفقيه الأديب الكاتب الأبرع ، أبي بكر محمّد بن عبيد الله (١) بن داود بن خطّاب المرسيّ (٢) ممّا أنشده إيّاه لنفسه (٣) :

[الكامل]

أبصرت أبواب الملوك تغصّ بالر

 ـ راجين إدراك الغنى والجاه (٤)

مترقّبين لها فمهما فتّحت

خرّوا لأذقان لهم وجباه

فأنفت من ذاك الزّحام وأشفقت

نفسي على إنضاء جسمي الواهي

ورأيت باب الله ليس عليه من

متزاحم فقصدت باب الله

وتخذته من دونهم لي عدّة

وأفقت من غيّي وطول سفاهي (٥)

وأنشدني عنه أيضا ، ونقلته من خطّ ابن خطّاب ، قال : وممّا نظمته والتزمت فيه حرف الرّاء والتّرصيع : (٦) [مجزوء الكامل المرفّل]

اشكر لربّك وانتظر

في إثر عسر الأمر يسرا

واصبر لكربك وادّخر

في ستر ضرّ الفقر أجرا (٧)

فالدّهر يعثر بالورى

والصّبر بالأحرار أحرى

والوفر أظهر معشرا

والفقر بالأخيار يغرى (٨)

__________________

(١) في ت : عبد الله.

(٢) محمد بن داود بن خطّاب الغافقي الأندلسي : كاتب ، أديب ، عالم بأصول الفقه ، له شعر ، ولد بمرسية ، ورحل إلى تلمسان ، وتوفي فيها سنة ٦٣٦ ه‍ ، ترجمته في الذيل والتكملة ٦ / ٣٣٢ ـ ٣٣٣ ، والبستان ٢٢٧.

(٣) الأبيات في نفح الطيب ٥ / ٢٢٢ ، وتعريف الخلف : ٢ / ٢٢٠.

(٤) في النفح وتعريف الخلف : إدراك العلا.

(٥) في النفح وتعريف الخلف : وجعلته ... وأنفت من غيّي.

(٦) الأبيات في نفح الطيب : ٤ / ٣٣٩ لأبي بكر بن محرز الزّهري.

(٧) في ت : واصبر بربّك ، وفي النفح : واصبر لربّك.

(٨) في ط ، وعلى هامش الأصل : والوفر أكرم. وفي ت : والفقر بالأحرار ...

٦٢

قلت : نظام هذه الأبيات يدلّ على باع في الأدب مديد ، وطبع فاضل ومقول مجيد ، وناظمها ـ رحمه‌الله ـ متمكّن الجلالة ، معروف الأصالة ، لقي جماعة من الأفاضل ، وأخذ عنهم فاضلا عن فاضل ، وقد وقفت على بطاقة بخطّه ، قيّد فيها لصاحبنا أبي عبد الله جملة ممّن لقيه من العلماء والصّلحاء ، ونصّها :

[برنامج شيوخ ابن خطاب المرسي]

«يقول محمّد بن عبيد الله بن داود بن خطّاب الغافقي ـ وفّقه الله ـ : لقيت من الشّيوخ ببلدتي مرسية (١) ـ أعادها الله تعالى للإسلام ـ الفقيه الأستاذ النّحويّ أبا بكر محمّد بن محمّد المعافريّ الشّهير بالقرشيّ ، وقرأت العربيّة عليه ؛ [١٠ / ب] والفقيه الأستاذ النّحويّ المسنّ أبا عليّ الحسن بن عبد الرّحمن الكنانيّ الشّهير بالرّفّاء (٢) وقرأت عليه «مقامات الحريريّ» ومن شعر المتنبّي ، وأكثر «الحماسة» (٣) ؛ والفقيه العالم المسنّ أبا بكر محمّد بن محرز الزّهريّ (٤) ، وقرأت عليه أكثر «التّلقين» (٥) للقاضي أبي محمّد

__________________

(١) مرسية : مدينة بالأندلس من أعمال تدمير ، اختطّها عبد الرّحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرّحمن ابن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان. انظر : الروض المعطار ٥٣٩.

(٢) هو حسن بن عبد الرحمن بن محمد الكناني ، أستاذ ، نحوي ، مقرىء ، شاعر مطبوع ، أخذ القراءات عن أبي محمد الشمني ، وتوفي سنة ٦٣٣ ه‍ ، ترجمته في التكملة ١ / ٥٢ ، بغية الوعاة ١ / ٥١٠ وفيه وفاته ٣٥ ه‍.

(٣) هناك أكثر من حماسة ، وأشهرها حماسة أبي تمام المتوفى سنة ٢٣١ ه‍ ، وهي المرادة عند الإطلاق.

(٤) محمد بن أحمد بن عبد الواحد الزهري : فقيه ، محدّث ، عالم لغوي ، أصله من بلنسية ، واستوطن بجاية ، ومات فيها سنة ٦٥٥ ه‍. له تقييد على التلقين ، ترجمته في عنوان الدراية ٢٤١ ، وشجرة النور الزكيّة : ١٩٤.

(٥) هو كتاب التلقين في الفروع ، وهو كتاب في الفقه المالكي ، انظر كشف الظنون ٤٨١.

٦٣

عبد الوهّاب (١) ، وسمعت عليه دولا كثيرة من «الموطّأ» ، وقرأت عليه بلفظي «كتاب التّرمذي» كلّه ، وسمعت عليه «سنن أبي داود» بقراءة صاحبنا الفقيه أبي بكر بن حبيش (٢) ، وسمعت عليه «السّير» بقراءة أبي الحسن الرّومي المعروف ببلدنا بسحنون (٣) ، وأنشدني جملة من نظمه ، من ذلك قوله لابنه الأصغر أبي عامر : [الخفيف]

يا بنيّ وليس مثلي يسهو

عند وعظ يرويه مثلك عنه

أنت ضيف الدّنا فأقلل عيوبا

من قراها واخش الرّدى من لدنه

ولقيت الفقيه الإمام العالم أبا المطرّف أحمد بن عبد الله بن عميرة المخزوميّ (٤) ولا زمته مدّة إقامته بمرسية ، وقرأت عليه «التّنقيحات» (٥) للسّهروردي (٦) و «مختصر المستصفى» للقاضي أبي

__________________

(١) هو عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي : فقيه مالكي ، قاض ، له نظم ومعرفة بالأدب ، توفي بمصر سنة ٤٢٢ ه‍. له : التلقين ، والإفادة ، والتلخيص ، ترجمته في تاريخ قضاة الأندلس ٢٤٠ ، وفوات الوفيات ٢ / ٤١٩ ، ووفيات ابن قنفذ : ٢٣٣.

(٢) هو محمد بن الحسن بن يوسف بن الحسن بن يونس : أديب نحويّ ، راوية ، برع في النظم والنثر ، ولد سنة ٦١٥ ه‍ ، وكان حيّا سنة ٦٩٠ ه‍ ، انظر ملء العيبة ٢ / ٨٣ ، ونفح الطيب ٤ / ٣١٠.

(٣) لم أقف على ترجمته.

(٤) هو أحمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن عميرة المخزومي : أديب ، شاعر ، برع في النظم والنثر ، دوّن شعره وإنشاءه في مجلّدين سمّيا : «بغية المستطرّف وغنية المتطرّف من كلام إمام الكتابة ابن عميرة أبي المطرّف» توفي بتونس سنة ٦٥٦ ه‍ ، ترجمته في الإحاطة : ١ / ٦٠ ، وعنوان الدراية : ٢٥٠.

(٥) هو كتاب التنقيحات في أصول الفقه. ذكره البغدادي في إيضاح المكنون ٣٣٠.

(٦) يحيى بن حبش بن أميرك : فيلسوف نشأ بمراغة من العراق العجمي ، وسافر إلى حلب فنسب إلى انحلال العقيدة فأفتى العلماء بقتله ، فخنق في سجنه بقلعة حلب سنة ٥٨٦ ه‍ ، من كتبه : هياكل النور ، والتنقيحات ، ترجمته في وفيات الأعيان ٦ / ٢٦٨ ـ الأعلام : ٨ / ١٤٠.

٦٤

الوليد بن رشد (١) المسمّى ب «الضّروري» ، وقرأت عليه بعض «التّلقين» وكان له عليه كلام حسن وتنبيه على مواضع منه لم أر من تفطّن لها سواه ؛ ولقيت الفقيه القاضي المسنّ أبا عيسى محمّد بن أبي السّداد (٢) ، وقرأت عليه بلفظي «شمائل النّبيّ» صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، و «كتاب مسلم بن الحجّاج» من أوّله إلى آخره ، و «كتاب التّرمذي» ، وسمعت بقراءة غيري عليه كثيرا من الكتب ، وكان يروي عن الخطيب أبي القاسم بن حبيش (٣) ؛ ولقيت الفقيه أبا بكر بن جهور الأزديّ (٤) ، وسمعت عليه بقراءة أبي القاسم بن نبيل بعض «كتاب مسلم بن الحجّاج» رحمهم‌الله أجمعين.

وممن لقيته من الرّجال الصّلحاء بمرسية ـ نفع الله [١١ / آ] بهم ـ الفقيه أبو العبّاس الطّرسونيّ ، (٥) كان رحمه‌الله ـ أحد الزّهّاد ؛ والفقيه أبو عبد الله السّمار المؤدّب ، وكان أحد الفضلاء الزّهاد ؛ والفقيه الخطيب بجامع

__________________

(١) محمد بن أحمد بن رشد الأندلسي : فيلسوف من أهل قرطبة ، صنّف نحو خمسين كتابا منها فلسفة ابن رشد ، والضروري في المنطق ، وتهافت التهافت. توفّي بمراكش سنة ٥٩٥ ه‍. بعد أن أحرق المنصور الموحّدي بعض كتبه ، ترجمته في : قضاة الأندلس ، المعجب ٢٤٢ و ٣٠٥ ، شذرات الذهب ٢ / ٣٢٠.

(٢) محمد بن محمد بن أبي السّداد المرسيّ : قاض ، فقيه من أهل مرسية ، سمع أبا القاسم بن حبيش وغيره ، وأجاز له ابن الجد وابن زرقون وابن بونة وغيرهم ، توفي سنة ٦٤٢ ه‍ ، ترجمته في التكملة ١ / ٣٥٧.

(٣) عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الأنصاري الأندلسي : مؤرخ ، عالم بالقراءات وعلوم العربية ، من الحفّاط ، ولي القضاء بجزيرة «شقر» ثم بمرسية حيث توفي فيها سنة ٥٨٤ ه‍ له المغازي. ترجمته في بغية الوعاة ٢ / ٨٥ ، نيل الابتهاج ١٦٢.

(٤) محمد بن محمد بن يوسف بن أحمد بن جهور الأزدي : أخذ عن الكثيرين من المحدثين ، وكان له حظ من النظم والنثر ، توفي سنة ٦٢٩ ه‍. انظر ترجمته في التكملة ١ / ٣٣٨.

(٥) أحمد بن محمد بن أحمد الطرسوني ، عالم فقيه محدث روى عنه ابن سعيد وغيره ، أخذ عنه كثيرون. توفي بنبوط سنة ٦٢٢ ه‍. ترجمته في الذيل والتكملة ١ ـ ٣٩١.

٦٥

مرسية أبو عبد الله بن فتح ؛ والفقيه الورع أبو عبد الله النّجّار ، كان شديد الانقباض عن عشرة النّاس ، وتؤثر عنه في الورع أخبار حسان ، رحم الله جميعهم ورضي عنهم.»

انتهى ما وجدته بخطّ ابن خطّاب رحمه‌الله.

قلت : لو قال ابن محرز : «أنت ضيف الدّنيا» لقام الوزن وسلم من غرابة هذا الجمع ، فإنّ جمع الدّنيا غريب نادر ، وقد عابه صاحب اليتيمة (١) على أبي الطّيّب المتنبّي في قوله (٢) : [الطويل]

أعزّ مكان في الدّنا سرج سابح

وخير جليس في الزّمان كتاب

وأنشدني بيتين للشّيخ الأديب الفاضل أبي الطّيّب صالح بن شريف الرّندي (٣) ـ رحمه‌الله ـ وقال : أنشدنيهما عنه أبو العبّاس اللّبلي (٤) الكاتب ، وكان لابن خميس فيهما نقد لم أرضه فلم يعلق بخاطري ، وذكره لي عن ابن خطّاب وأنّه لم يرضهما ، وذلك منهما تعسّف بيّن ، وهما قوله : [الكامل]

نزعات رام وهي نزعة ريمة

شقّت صميم حشاي قبل أديمي (٥)

__________________

(١) انظر يتيمة الدّهر للثعالبي ، باب استكراه التخلّص : ١ / ١٤٦.

(٢) ديوان المتنبي : ١ / ١٩٣.

(٣) هو صالح بن يزيد بن صالح بن موسى بن علي بن شريف الرّندي : شاعر ، قاض ، من أهل «رندة» بالأندلس تردّد على غرناطة ، توفي سنة ٦٨٤ ه‍ له : الوافي في نظم القوافي ، ترجمته في الإحاطة ٣ / ٣٦٠ ـ ٣٧٦ ، والذيل والتكملة ٤ / ١٣٧.

(٤) هو أحمد بن يوسف بن علي الفهري اللبلي : نحوي ، لغوي ، راوية ، ولد ب «لبلة» من أعمال إشبيلية سنة ٦١٣ ه‍ ، وتوفي بتونس سنة ٦٩١ ه‍ ، له تآليف منها : تحفة المجد الصريح في شرح الكتاب الفصيح ترجمته في الديباج المذهب : ٨٠ ـ ٨١ ، شجرة النور الزكية : ١ / ١٩٨ ، معجم المؤلفين ٢ / ٢١٢.

(٥) الأديم : الجلد.

٦٦

سلّت ظبا الألحاظ مرهفة على

قلب أرقّ من الهوى المكتوم (١)

وهذا أعذب (٢) ما يكون من الشّعر وأرقّه ، وأحسنه لفظا ومعنى.

وأنشدني أيضا لابن الرّوميّ متمثّلا : (٣) [الكامل]

لذوي الجدال إذا غدوا لجدالهم

حجج تضلّ عن الهدى وتجور

وهن كانية الزّجاج تصادمت

فهوت وكلّ كاسر مكسور

والقاتل المقتول ثمّ ؛ لضعفه

ولوهنه ، والآسر المأسور (٤)

وأنشدني أيضا من حفظه قصيدة لم أقف عليها تامّة ، وأنشد منها أبو عليّ (٥) في «نوادره» (٦) أبياتا ولم ينسبها ، وهي قوله : [١١ / ب]

[الكامل]

[١١ / ب] يلقى السّيوف بوجهه وبنحره (٧)

 ..............................

الأربعة الأبيات.

__________________

(١) في ط : البيت الثاني قبل الأول.

(٢) في ط : أغرب.

(٣) ديوان ابن الرومي : ٣ / ١١٣٩.

(٤) في الديوان : فالقاتل ... ولوهيه ...

(٥) أبو علي القالي : إسماعيل بن القاسم بن عيذون : من أئمة اللغة والأدب ، عاش بين (٢٨٨ ـ ٣٥٦ ه‍) من تصانيفه : الأمالي والنوادر ، والبارع ترجمته في جذوة المقتبس ١٦٤ ، بغية الملتمس : ٢٣١ ، شذرات الذهب : ٣ / ١٨.

(٦) هي في الأمالي ١ / ٤٣ وكان يعرف عند الأندلسيين باسم النوادر.

(٧) صدر بيت لابن المولى ، وعجزه : «ويقيم هامته مقام المغفر». وسترد القصيدة كاملة في الصفحة التالية.

٦٧

وكذلك أنشدها أبو عبيد البكريّ (١) في كتاب «التّدريب» غير منسوبة إلّا لإنشاد العتبيّ ، ووصلها بأبيات ، ونسبها في كتابه «اللآلي» (٢) لابن المولى ، وهو محمّد بن عبد الله بن مسلم (٣) مولى بني عمرو بن عوف. قال : وهو من شعراء الدّولتين (٤) ، وقد رأيت أن أثبت القصيدة هنا بجملتها لحسنها وإعوازها ، وهي (٥) : [الكامل]

[قصيدة ابن المولى]

أنسيم ريقك أخت آل العنبر

هذا أم استنشاقة من عنبر (٦)

ونظام ثغرك ما نرى أم لمعة

من بارق أم معدن من جوهر (٧)

__________________

(١) هو عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي ، مؤرخ ، جغرافي ، ثقة علّامة بالأدب ، توفي بقرطبة سنة ٤٨٧ ه‍. له كتب جليلة منها : المسالك والممالك ، ومعجم ما استعجم ، وفصل المقال ، وغيرها. ترجمته في : الصلة ٢٨٧ ، بغية الوعاة ٢ / ٤٩.

(٢) هو كتاب : اللآلي في شرح أمالي القالي ، لأبي عبيد البكري. طبع بتحقيق عبد العزيز الميمني ـ رحمه‌الله ـ وسماه سمط اللآلي.

(٣) توفي ابن المولى حوالي سنة ١٧٠ ه‍. له ترجمة في الأغاني : ٣ / ٢٨٦ ، ومعجم الشعراء ٣٤٢.

(٤) سمط الآلي : ١ / ١٨٢.

(٥) الأبيات ١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٤ ـ ٥ ـ ٦ ـ ٨ ـ ٩ ـ ١٠ ـ ١١ ـ ١٤ ـ ١٦ ـ ١٧ ـ ١٨ ـ ١٩ ـ ٢١ ـ ٢٢ ـ ٢٤ ـ ٢٥ ـ ٢٧ ـ ٣٤ ـ ٣٥ في أنوار الربيع في أنواع البديع : ٤ / ٢٧ ـ ٢٩. منسوبة لحسان بن ثابت ، والأبيات : ١ ـ ٤ ـ ٥ ـ ٦ ـ ٨ ـ ١٨ ـ ١٩ ـ ٢١ ـ ٢٢ ـ ٢٤ ـ ٢٥ في نهاية الأرب ٣ / ٢٠٣ لحسان ، والأبيات : ١٧ ـ ١٨ ـ ١٩ ـ ٢١ ـ ٢٢ ـ ٢٤ ـ ٢٥ ـ في طراز المجالس للخفاجي / ١١٤ دون عزو ، والأبيات ١٨ ـ ١٩ ـ ٢١ ـ ٢٢ في أمالي القالي ١ / ٤٣ ، والأبيات : ١٨ ـ ١٩ ـ ٢٠ في وفيات الأعيان ٦ / ٣٢٥ ـ ٣٢٦ ، والأبيات : ١٧ ـ ١٨ ـ ١٩ ـ ٢١ ـ ٢٢ ـ ٢٤ ـ ٢٥ في زهر الآداب ٤ / ٩١٤ ـ ٩١٥ منسوبة لأعرابي ، والأبيات : ١٨ ـ ١٩ ـ ٢١ ـ ٢٢ في المستطرف ٢٣٦ ، والبيت ٢٠ في شذرات الذهب ١ / ٢٧٥.

(٦) في أنوار الربيع : هذا أم استنشأته من مجمر ، ورواية البيت في نهاية الأرب :

أنسيم ريحك أم خيار العنبر

يا هذه أم ريح مسك أذفر

(٧) في أنوار الربيع : أبديد ثغرك ما أرى.

٦٨

أودعتني ، وجمال وجهك حرقة

ألهبت جمرتها بطرف أحور (١)

قولي لطرفك أن يردّ عن الحشا

لذعات نيران الهوى ثمّ اهجري (٢)

٥ ـ وانهي جمالك أن يصيب مقاتلي

فتصيب قومك سطوة من معشري (٣)

إنّي من القوم الّذين جيادهم

هبّت على كسرى بريح صرصر (٤)

فأثرن نقعا ما انثنت أثناؤه

حتّى تشتّت فوق هامة قيصر

فسلبن تاج الملك غصبا بالقنا

وأجزن باب الدّرب آل الأصفر (٥)

آباي من كهلان أرباب الورى

وبنو الملوك عمومتي من حمير (٦)

١٠ ـ ضربوا بلاد الصّين بالبيض الّتي

ضربوا بها كسرى صبيحة «تستر» (٧)

__________________

(١) في أنوار الربيع : أودعتني ببريق ثغرك ـ وبعده :

ونشرت فرعك فوق متن واضح

وطويت كشحك فوق خصر مضمر

(٢) في أنوار الربيع : أن يكفّ عن الحشا سطوات. وفي نهاية الأرب : أن يصدّ عن الحشا سطوات نيران الأسى.

(٣) في أنوار الربيع : أن ينال مقاتلي فينال قومك ، وفي نهاية الأرب : وانهي رماتك أن يصبن ... فينال قومك.

(٤) في أنوار الربيع : طلعت على كسرى ، وفي نهاية الأرب : إنّا من النفر الذين جيادهم طلعت.

والرّيح الصّرصر : الشديدة البرد أو الصوت.

(٥) في أنوار الربيع : قسرا بالقنا وأخذت قهرا درب آل الأصفر ، وفي نهاية الأرب :

وسلبن تاجي ملك قيصر بالقنا

واجتزن باب الدرب لابن الأصفر

(٦) في أنوار الربيع : أرباب العلا ، وفي نهاية الأرب ثمّة بيتان يليان هذا البيت وهما :

قدنا من اليمن الجياد فما انثنت

حتى حوت بالصين مهجة بعبر

ورمت سمرقندا بكلّ مثقّف

لهج بأحشاء الفوارس أسمر

(٧) تستر : تعريب : «ششتر» المدينة المعروفة بخورستان ، ورواية البيت في أنوار الربيع :

صبحت بلاد الهند بالبيض التي

صبحت بها كسرى صبيحة دستر

٦٩

والأمن ما بين الشّآم وفارس

بالحارث الجفنيّ وابن المنذر (١)

أولاد جفنة معشري وكأنّهم

آساد غيل فوق خيل ضمّر (٢)

وطئت ببدر من قريش خيلنا

ساداتها تحت القنا المتكسّر

ونصرن في الأحزاب حزب محمّد

وكسون مؤتة ثوب موت أحمر (٣)

١٥ ـ وطوين يوم الفتح شركا ظاهرا

ونشرن أثواب الهدى في خيبر (٤)

وطلعن من أرجا حنين شزّبا

يحملن كلّ سليل حرب مسعر (٥)

[١٢ / آ] ما إن يريد إذا الرّماح تشاجرت

درعا سوى سربال طيب العنصر (٦)

يلقى السّيوف بوجهه وبنحره

ويقيم هامته مقام المغفر (٧)

ويقول للطّرف : اصطبر لشبا القنا

فعقرت ركن المجد إن لم تعقر (٨)

٢٠ ـ وإذا الفوارس عدّدت أبطالها

عدّوه في أبطالهم بالخنصر

__________________

(١) رواية البيت في أنوار الربيع :

ووطئن أرض الشام ثمّ وفارسا

بالحارث اليمنيّ وابن المنذر

(٢) جفنة بن عمرو بن مزيقياء أمير غساني جاهلي ، والغيل : موضع الأسد.

(٣) الأحزاب : جنود الكفّار من قريش وغطفان وبني قريظة من يهود. ومؤتة : قرية من قرى البلقاء على حدود الشام ، وفيها استشهد الأمراء : جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة ـ رضي‌الله‌عنهم. وفي أنوار الربيع : وكسون مومة.

(٤) خيبر : ناحية على ثماني برد من مكة ، غزاها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سنة سبع أو ثمان للهجرة ، وكان يسكنها اليهود.

(٥) في أنوار الربيع : من رجوى حنين شزّبا ، وفي ت وط : شرّفا ، وخيل شزّب : أي ضوامر. وحنين : واد قرب مكة.

(٦) تشاجرت : تشابكت.

(٧) في أنوار الربيع : يلقى الرماح الشاجرات بنحره ، وفي نهاية الأرب : بوجهه وبصدره. والمغفر : بيضة الحديد على الرّأس.

(٨) في أنوار الربيع : فهدمت ركن المجد ، والطّرف من الخيل : الكريم العتيق.

٧٠

وإذا تأمّل شخص ضيف مقبل

متسربل أثواب محل أغبر (١)

أو ما إلى الكوماء : هذا طارق

نحرتني الأعداء إن لم تنحري (٢)

فإذا أردت بأن ترى أسد الشّرى

فدع الرّماح لمذحج والأشعر (٣)

كم قد ولدنا من رئيس قسور

دامي الأظافر أو ربيع ممطر (٤)

٢٥ ـ سدكت أنامله بقائم مرهف

في يوم ملحمة وذروة منبر (٥)

إن مرّ يوم لم يفد أكرومة

يعلو الأنام ببعضها لم يعذر

نحن الّذين نذلّ أعناق العدا

ونعزّ بالمعروف ذلّ المعسر (٦)

ولنا بيعرب بسطة من مفخر

لا ينكرون حضورها في محضر

نرعى الجوار ولا نجور على الورى

ويبيت فينا الوفر غير موفّر (٧)

__________________

(١) في الأمالي : أثواب عيش أغبر ، وفي أنوار الربيع ، محل مقتر ، وفي طراز المجالس : متسربل سربال محل أغبر.

(٢) في ت و: ط : الكرماء ، والكوماء : المراد بها الناقة الضّخمة السّنام.

(٣) في ت : فدع الذمام ، وفي ط : فدع المدام. ومذحج والأشعر : جدّ جاهليّان قديمان من كهلان.

(٤) في أنوار الربيع : من نجيب قسور ، وفي زهر الآداب ، وطراز المجالس : كم قد ولدتم ... في الخميس المطر ، وفي نهاية الآرب : من كريم ماجد. والقسور : الأسد.

(٥) في طذ : سركت ... يوم الجفان ، وفي طراز المجالس : وبنشر فائدة وذروة منبر. وفي أنوار الربيع : سلكت انامله ... وبنثر فائدة وذروة منبر ، وفي زهر الأداب : وبنشر فائدة وجذوة منبر. وسدكت : لزمت. وجاء بعد هذا البيت في أنوار الربيع البيتان التاليان :

كم فوق وجه الأرض من ذي ثروة

لولا فواضل رفدنا لم يذكر

لولا صوارم يعرب ورماحها

لم تسمع الأذان صوت مكبّر

(٦) في أنوار الربيع : أعناق القنيا ... قلّ المعسر.

(٧) في ت : الوفد. والوفر من المال والمتاع : الكثير الواسع.

٧١

٣٠ ـ قشرت قشيرا خيلنا عن دارها

وتحطّمت أرماحنا في جعفر (١)

دسنا تميما في قرار ديارها

يوم الجفار بكلّ طرف مجفر (٢)

نقري السّديف ضيوفنا ، ورماحنا

في الرّوع حاضرة القرى للأنسر (٣)

وإذا المنى وردت على أموالنا

آبت محمّلة جميل المصدر

لو رامت الجوزاء أن تعلو على

أعلى ذوائب مجدنا لم تقدر (٤)

٣٥ ـ قحطان والدنا وهود جدّنا

بهما غنينا عن ولادة قيدر (٥)

قال أبو عبيد البكري في قوله :

يلقى السيوف بوجهه وبنحره

 ....................... البيت :

«مذهب أكثر الشعراء المدح بلبس الدّروع (٦) ، وكمال السّلاح» وأنشد على ذلك قول النابغة (٧) : [الكامل]

__________________

(١) قشير أبو قبيلة ، وهو قشير بن كعب بن ربيعة. وجعفر : أبو قبيلة من عامر.

(٢) قرار : واحدها قرارة : المطمئن من الأرض ، ويوم الجفار : كان بين بني بكر وتميم ، وهو ماء لبني تميم بنجد. والطرف : الكريم من الخيل ، ومجفر : عظيم الوسط.

(٣) في ط : السريف. والسديف : لحم السنام.

(٤) الجوزاء : نجم يقال إنّه يعترض في جوز السماء.

(٥) قحطان : أصل العرب القحطانية ، وهود ـ عليه‌السلام : نبيّ عربيّ أرسله الله إلى قوم عاد الأولى ، وقيدر جدّ عدنان أبو إسماعيل.

ويلي هذا البيت في أنوار الربيع أبيات أربعة هي :

قحطان قومي ما ذكرت فخارهم

إلّا علوت على سنام المفخر

السّابقون إلى المكارم والعلا

والحائزون غدا حياض الكوثر

فإذا أردت أن ترى مسعاتنا

فصل النواظر بالسماك الأزهر

ثمّ الصلاة على النبيّ وآله

ما لاح برق في غمام ممطر

(٦) في ط : الدرع.

(٧) ديوانه : ١٠٠.

٧٢

«سهكين من صدإ الحديد كأنّهم

تحت السّنوّر جنّة البقّار (١)

وقال مسلم بن الوليد يمدح بعض آل المهلّب : (٢) [١٢ / ب]

[البسيط]

تراه في الأمن في درع مضاعفة

لا يأمن الدّهر أن يدعى على عجل

وأنشد على المذهب الآخر قول الأعشى : (٣) [الكامل]

كنت المقدّم غير لابس جنّة

بالسّيف تضرب معلما أبطالها» (٤)

[لقاؤه لابن عصام]

وممّن لقيته بتلمسان أبو زكرياء يحيى بن عصام (٥) ، وهو رجل متقلّل حيي متعفّف ، له حظ من اللّغة ، ويقرض من الشّعر ما لا بأس به ، جارا لأبي عبد الله بن خميس فكنت أجتمع به عنده كثيرا ، وممّا أنشدني لنفسه قوله : (٦)

[الطويل]

ألا اعلم بأنّ الموت كأس مدارة

على كلّ من قد راح فيها ومن غدا (٧)

__________________

(١) في ط : الستور. والسّهكة : الرّائحة الكريهة ، والسنوّر : السلاح. والبقّار : موضع منقطع صعب برمل عالج قريب من جبلي طيّئ ، كانوا يزعمون أنّ فيه جنّا.

(٢) ديوانه : ١٢.

(٣) ديوان الأعشى : ٣٣.

(٤) انتهت مقالة أبي عبيد : السمط ١٨٢ ـ ١٨٣ ، بتصرّف يسير.

(٥) في ت : عاصم.

(٦) البيتان في درّة الحجال : ٢ / ٣٠.

(٧) في ط : مرارة.

٧٣

وعضب رسوم شيم في شيع الورى

وماريىء يوما بعد ما شيم مغمدا (١)

وأنشدني أيضا لنفسه مناقضا لبعض المعتزلة (٢) في قوله : (٣) [الكامل]

لجماعة سمّت هواهم سنّة

وجماعة حمر لعمري موكفه (٤)

قد شبّهوا معبودهم وتخوّفوا

شنع الورى فتستّروا بالبلكفه (٥)

وقال ابن عصام : (٦) [الكامل]

قل للّذي سمّى الهداة أولي النّهى

حمرا لأن سلب الهدى والمعرفه

فغدا يرجّح الاعتزال جهالة

ويروقه زور وشاه وزخرفه

الحقّ أبلج واضح لكنّه

يعشي عيون أولي الضّلالة والسّفه

اخسأ فقولك طائح كهباءة

طاحت بها هوج الرّياح المعصفه (٧)

سوّغت ذمّ جماعة سنّيّة

قد أحرزوا من كلّ فضل أشرفه

قطفوا أزاهر كلّ علم نافع

وأتوا بكلّ بديعة مستظرفه

__________________

(١) في ت وط : شيع في شيع الورى ، وفي درّة الحجال : شيح.

(٢) هو الزمخشري كما في درّة الحجال : ٢ / ٣٠.

(٣) الأبيات في أزهار الرّياض ٣ / ٢٩٨ ، وطبقات الشافعية ٩ / ٩ ، ودرّة الحجال : ٢ / ٣٠ و ١٨٤ ، والإعلام للمراكشي ٥ / ٢٠٦.

(٤) في الأزهار ودرّة الحجال : سمّوا. وفي ط : هواها. والإكاف والوكاف : برذعة الحمار.

(٥) في أزهار الرياض والطبقات والإعلام : قد شبهوه بخلقه. وفي درّة الحجال : قد شبهوه بخلقهم. والبلكفة : مصدر مولّد منحوت من قول المتكلمين (بلا كيف) لقول أهل السنة في رؤية الباري تعالى : تجوز رؤيته بلا كيف ؛ أي لا تعلم حال تلك الرؤية ، ولا وسيلتها ، فرارا من القول بالتشبيه والتجسيم انظر أزهار الرياض : ٣ / ٢٩٩ حاشية ١.

(٦) الأبيات في درّة الحجال : ٢ / ٣٠ ـ ٣٢.

(٧) في درّة الحجال : الرياح المعطفة.

٧٤

قوم هم قمعوا الضّلال وحزبه

بمقاول حكت المواضي المرهفه (١)

هم شيعة الحقّ الّذي ما بعده

إلّا مهاو في الضّلالة متلفه (٢)

آراؤهم يجلو البصائر نورها

ويميط أدواء القلوب المدنفه (٣)

أقصر فإنّ شقاقهم كفر فلا

تدع الرّشاد لعصبة متعسّفه

من شذّ عن سنن الجماعة قد غوى

جاءت بذا الكتب الصّحاح معرّفه

[١٣ / آ]

قلت : قد نظم القاضي أبو حفص بن عمر (٤) في هذا أيضا فقال : (٥)

[الكامل]

أجعلتم العلماء حمرا موكفه

هذا لأنّكم أولو تلك الصّفه

أجهلتم صفة الإله وفعله

ونسبتموه لغيره بالزّخرفه

وأردتم تنزيهه فوقعتم

في الشّرك والإلحاد والأمر السّفه

خالفتم سنن النّبيّ وصحبه

وتبعتم في الزّيغ أهل الفلسفه

__________________

(١) في ط : قطعوا الضلال ... بمعاول.

(٢) في ت : التي ما بعده.

(٣) في ت : وتميط أدواء ، والمدنفة : المريضة.

(٤) عمر بن عبد الله بن عمر السّلمي : شاعر ، من القضاة ، أصله من جزيرة شقورة بالأندلس ، وولد بأغمات سنة ٥٣٠ ه‍ ، سكن مدينة فاس ، وولي قضاء تلمسان ثمّ قضاء فاس بعد أبيه ، وولي قضاء إشبيلية وغيرها ، وبها توفي سنة ٦٠٣ ه‍. ترجمته في الغصون اليانعة : ٩١ ، والذيل والتكملة ٨ ـ ١ / ٢٢٢ ، وصلة الصلة ٧٢ ، وأزهار الرياض ٢ / ٣٦١ ، وزاد المسافر ١٤٣ ، ونفح الطيب : ١ / ٢٩١ و ٣ / ٢٠٩ و ٢٤١ و ٤ / ١٦٢ ونسبه خطأ إلى قرطبة ، والعلوم والآداب على عهد الموحّدين ١٧٢.

(٥) الأبيات في : أزهار الرياض ٣ / ٣٢٤.

٧٥

قلت : خفّف القاضي ـ رحمه‌الله ـ «الحمر» ، والتخفيف في «فعل» مطّرد إلا فيما يلبس ، وهو هنا يلبس ملبس بجمع أحمر ، فينبغي ألّا يخفّف ؛ ولم يقرأ في السّبع (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ)(١) إلّا بالتثقيل ؛ ومن هذه الحجة أنكر المحقّقون (٢) إسكان الباء في قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الّلهم إنّي أعوذ بك من الخبث والخبائث» (٣) لّما كان إسكانه يلبس بالمفرد ، وسيأتي ذكر هذا الحديث إن شاء الله تعالى.

وممّا عرض لي نظمه بمدينة تلمسان ـ جبرها الله ـ قولي : [الطويل]

تغرّبت عن أهلي إليك ومالي

وأعرضت عن قيل عداك وقال

تماثل في دنياي ـ إذ أنت مطلبي ـ

محب له شوق إليّ وقال

سموت على قصد إليك بهمّة

ترى عيش كسرى مثل عيش دلال

ولاحت لي الدّنيا فأبصرت عمرها

، ولو زيد أضعافا ، كحلّ عقال

٥ ـ وما عيشها إلّا كظلّ غمامة

وما ملكها إلّا كطيف خيال

وهل بعد أن أسدى إليّ لطائفا

يقصّر عن تبيانهنّ مقالي

وباشر قلبي باليقين مبرّدا

حرارة إشكال أخلّ بحالي (٤)

__________________

(١) سورة المدّثرّ ، الآية : ٥٠. وقال : أبو حيّان : «قرأ الجمهور حمر بضمّ الميم ، والأعمش بإسكانها» البحر المحيط ٨ / ٣٨٠.

(٢) في حاشية الأصل عبارة : بل أجازوا في شرح العمدة.

(٣) أخرجه الترمذي عن أنس في كتاب الطهارة ، باب ما يقول إذا ادخل الخلاء (حديث رقم ٥). ـ وموارد الظّمان للهيثمي : ٦١ ـ وسنن البيهقي : ١ / ٩٥ ـ والمعجم الصغير للطبراني ٢ / ٤٤ ـ وفي الضعفاء الكبير للعقيلي ٣ / ٣٧١. وصحيح ابن حبّان ٢ / ٣٤٢ ، ومسند أبي يعلي الموصلي ٧ / ١٠ ، والخبث جماعة الخبيث ، والخبائث : جمع الخبيثة ؛ يريد ذكر ان الشياطين وإناثهم.

(٤) في ت : أحلّ بحالي.

٧٦

أرى رافعا صوتي إلى غير جاهه

وأبسط للمخلوق كفّ سؤالي؟

أبعد سطوع الشّيب في ليل لمّتي

ونأي ضلالي بعد فيء ظلالي (١)

٥ ـ أهيم بدنيا. ما تساوي قلامة

وأخضع مرتادا لنيل نوال؟ (٢)

[١٣ / ب] أبى ذاك لي قصد إلى الله صاعد

وعلم سما بي فيه نحو كمال (٣)

فما أنا نحو النّحو أسمو بهمّتي

وفي اللّغو أخطار اللّغات ببالي (٤)

ولا منطقي بطّلت في علم منطق

يعدّ حساما في مجال جدال (٥)

وليس كلامي في الكلام أقوده

كما قيد صعب للشّماس موال (٦)

١٥ ـ ولا عارضت علم العروض عنايتي

لأجعله قبّان نظم لآل (٧)

وأحسب تدقيق الحساب بطالة

لإبطال وقت لا يردّ بحال

ولكنّني مهما نحوت تفقّها

خلعت عذاري موضحا لخلالي

ألا لست أعني بالتفقّه ما حوت

دفاتر تملى من ظنون رجال

ولكنّه فقه علا عن تناقض

وليس لآراء الورى بمجال

٢٠ ـ تريك اطّرادا منه كلّ قضيّة

أنابيب تبدو في متون عوال (٨)

__________________

(١) اللّمّة : شعر الرأس المجاوز شحمة الأذن.

(٢) في ط : لا تساوي.

(٣) في ط : أما ذاك.

(٤) في الأصل. فها أنا.

(٥) في ط : بطلب ، وهو تصحيف.

(٦) في ت : للشمال ، وهو تحريف ، وشمست الدابة والفرس : شردت وجمحت ومنعت ظهرها.

(٧) في ت : قفاز ، وهو تصحيف.

(٨) في ت : أنابيب مدّوا.

٧٧

قضايا جلايا مثلما لاح ساطع

يصول بجند اللّيل ايّ صيال

٢٥ ـ قضايا إذا وفّقت يشفيك حكمها

وإلّا فلا تعرض لطبّ عضال

فلست لها في الكتب يوما مطالعا

ولا سامعا فيها نظام مقال

وفي عقل ذي القلب المتيّم رقمها

يبين به عن كلّ أنوك سال (١)

فإن أنت لم توصل لحال وصالها

فدعني وإيّاها حليف وصال (٢)

[ذكر مليانة]

وكان رحيلنا بعد المقام المطوّل (٣) لخمس خلون من شهر ربيع الأوّل ، فنكبّنا عن طريق المدينة (٤) يسارا ، وسرنا لا نألو جدّا وانشمارا (٥). ثمّ وصلنا وقد ألقى جمل الإعياء جرانه ، وغنّى بلبل العناء ألوانه ، إلى البلدة الخصيبة مليانة (٦) ، وهي مدينة مجموعة مختصرة ، وليست مع ذلك عم أمّهات المدن مقصّرة ؛ أشرفت من كثب على وادي شلف ، واستشرفت نسيم طرفها من شرف ، في روضة جمّة الأزهار والطّرف ؛ فرعت في سفح جبل حمى حماها أن يرام ، وشرعت في أصل نهر يشفي الهيّم (٧) من الهيام ، شاق منظرا ، وراق

__________________

(١) الرّقم : الكتابة ، والأنوك : الأحمق.

(٢) في ت : بحال وصالها.

(٣) في ت وط : الطويل.

(٤) في ط : البرية.

(٥) في ت : واشتمارا. ، والأنشمار والاشتمار : المضيّ والنفوذ.

(٦) مليانة : مدينة في آخر إفريقية ، بينها وبين تنس أربعة أيام ، وهي مدينة رومية قديمة ، جدّدها زيري ابن مناد معجم البلدان ٥ / ١٩٦ ، ويقول الحسن الوزّان : تقع في قنّة جبل على بعد نحو ٤٠ ميلا من البحر وصف إفريقية : ٢ / ٣٤ ـ ٣٥.

(٧) في بقية النسخ : المقيم.

٧٨

مخبرا ، وشفى الظّماء موردا ومصدرا ، يشتهي الناظر [١٤ / آ] إليه ـ وهو ريّان ـ الشّروع ، ويقول : لورشّ (١) به لأفاق المصروع ، كأنّ حصباءه (٢) جمان (٣) والماء من رقّته دموع ؛ وبها جامع مليح عجيب ، يدعو الشّوق من رآه فيجيب ، ولكنّ الزّمان قد عوّضه من حليّ عطلا ، (٤) وأدّى له من حكمة خطلا (٥) ، وأبدل هالته السّها من تلك الأقمار ، وكساه بعد الحبر (٦) الأظمار ، (٧) وأحلّ حلاله بعد الأنس بأنسها وحشة العمار ؛ فلو صرّحت في الجوى بالجواب ، وأفصحت عن (٨) وقوع النوى بالنّوائب النّواب ، لأنشدت (٩) باستعجال ، وقالت (١٠) بارتجال : [الطويل]

شباب لدى عهد الشّبيبة قد عسا

أعلّل فيه النّفس علّي أو عسى (١١)

لعلّ ربوعا من حلاها عواريا

تعود لها تلك المفاخر ملبسا

لعلّ نجوما كنت هالة بدرها

ستجلو ظلاما حلّ أفقي فألبسا

لعلّ انتظام الشّمل يرجع ثانيا

ويعطف بالإحسان دهر بنا أسا

__________________

(١) في ت : رقي.

(٢) الحصباء : الحصى.

(٣) الجمان : حبّ يتّخذ من الفضة ، أمثال اللؤلؤ.

(٤) عطلت المرأة : إذا لم يكن عليها حليّ ، ولم تلبس الزينة ، وخلا جيدها من القلائد.

(٥) الخطل : الكلام الفاسد الكثير المضطرب.

(٦) الحبر والحبر : الحسن البهاء.

(٧) الأطمار : جمع طمر ؛ وهو الثوب الخلق.

(٨) في ت : على.

(٩) في ت : لشدت باستحال.

(١٠) ـ في ت : وأنشدت.

(١١) ـ عسا : كبر.

٧٩

٥ ـ رماني زماني بالنّوى من أحبّة

لبينهم عاد الأنيس معبّسا (١)

نأى عمر الحبر الإمام بحاضري

فكيف ألاقي من زماني تأنّسا (٢)

وقد حظيت أغمات منه بما جد

تدرّع من غرّ الفضائل ملبسا (٣)

لقد هنت حتّى شطّ عنّي مزاره

ونالت به أغمات مجدا مؤسّسا

وكنت مقيلا للهداة تؤمّه

فصرت لأخلاط الغواة معرّسا (٤)

١٠ ـ وكنت لباغي الجود والعلم ملتقى

فإن شئت مقراة وإن شئت مدرسا

وكم كنت للضّرغام والظّبي مألفا

أنسّيك إن أبصرت خيسا ومكنسا (٥)

أراغم ريب الدّهر منه بما جد

إذا ضاق خطب أو تفاقم نفّسا

فجلّلت عن تلك الجلالة حلّة

وعوّضت من تلك الأهلّة حندسا

فها أنا أشدو إن نطقت تمثّلا

وليل همومي قد دجا بي وعسعسا (٦) :

__________________

(١) في ت : زماني رماني ، وفي ط : لبعدهم عاد الأنيس.

(٢) هو أبو علي الملياني : عمر بن عبد الجبار ... الملياني : أصله من مليانة ، ثار على الحفصيين ودعا لنفسه في مليانة سنة ٦٥٧ ه‍ ، ثم فرّ إلى المغرب بعد استيلاء الحفصيين عليها ، والتجأ إلى السلطان يعقوب بن عبد الحق المريني الذي ولّاه على أغمات ، توفي سنة ٦٨٦ ه‍ انظر مقدمة تحقيق السفر الثامن من الذيل والتكملة ٦٤ ـ ٦٥.

(٣) أغمات : مدينة بالمغرب الأقصى ، بقرب وادي درعة ، بينها وبين نفيس مرحلة ؛ وأغمات مدينتان ، إحداهما تسمى : أغمات وريكة ، والأخرى : أغمات هيلانة ، وبينهما ثمانية أميال (ياقوت : ١ / ٢٢٥) وتقع على نحو ٢٤ ميلا من مرّاكش. وصف إفريقيا : ١ / ١٣٥.

(٤) الغّاوي : الضّال ، التّعريس : النزول آخر اللّيل.

(٥) في ط : أنيسك. والخيس : موضع الأسد ، والمكنس : مدلج الوحش من الظباء والبقر ، تستكنّ فيه من الحرّ.

(٦) عسعس الليل : أقبل بظلامه.

٨٠