أبو عبدالله العبدري
المحقق: د. علي إبراهيم كردي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٢٨
فراخا نأى أنسي بنأي محلّهم |
|
وصحبا كراما ضمّهم أفق الغرب |
فأفطرت من قبل الغّدو بعبرة |
|
غنيت بها يومي عن الأكل والشّرب |
وكنت نزلت بالمدرسة الكامليّة (١) منها في علّو مشرف على السّوق ، فكنت قلّما أرقد إلّا منغصّا لصياح الباعة ؛ وهم يبيعون طول اللّيل ، وقلّما يكون طعام الشّريف منهم والوضيع إلّا من السّوق ، والضّغط على ذلك ، والزّحام متّصل ، والطّرق غاصّة بالخلق ، حتّى ترى الماشي فيها ماله همّ سوى التّحفّظ من دوس الدّواب إيّاه ، ولا يمكنه تأمّل شيء في السّوق لأن الخلق يندفعون فيها مثل اندفاع السّيل. وقد ضاعت لي بها دابّة بسبب الزّحام ، كان عليها شخص راكبا ، فتكاثر عليه الزّحام حتّى أسقط عنها ، واندفعت في غمار الخلق ولم يمكنه التوصّل إليها وهو [٦٩ / آ] يبصرها حتّى غابت عنه ، وكان آخر العهد بها.
وحدّثت أنّ رسولا من قبل ملك الرّوم ـ أخزاهم الله ـ وصل إليها في مدّة الملك الظّاهر (٢) ، فأمرهم الملك أن يدوروا به بعد العصر في البلد قصدا لأن يرى إفراط (٣) عمارة البلد ، فداروا به ، فقال لهم : إنّ بلدكم هذا ضعيف. فقالوا : وكيف ذلك؟ أو ماترى المخلوق الذّي به؟ فقال لهم : إنّ هؤلاء جميعا
__________________
(١) بناها الملك الكامل وتمّ الانتهاء من عمارتها سنة ٦٢١ ه. انظر خطط المقريزي ٢ / ٣٧٥.
(٢) الملك الظاهر بيبرس العلائي : فاتح ، قائد شهير ، تولى سلطنة مصر والشام سنة ٦٥٨. له وقائع مع التتار والإفرنج. توفي بدمشق ٦٧٦ ه ودفن فيها. ترجمته في فوات الوفيات ١ / ٢٣٥ ـ النجوم الزاهرة ٧ / ٩٤ ـ بدائع الزهور ١ / ٣٠٨ ـ ٣٤٢ ـ حسن المحاضرة ٢ / ٩٥.
(٣) ليست في ط.
ما خرجوا إلّا لشراء عشائهم من السّوق ، ولو كان في ديارهم طعام لاستغنوا عنه ، ولو تعذّر السّوق عليهم لماتوا جميعا من الجوع.
ومن المألوف عندهم الأكل في الأسواق ، والطّرقات ، والمحافل. والعرض عندهم ساقط ، وقد شاهدت من بعض أكابرهم ، والمشار إليه عندهم في هذا المعنى ما لا منتهى وراءه في القبح ، ونعوذ بالله من وضاعة الأخلاق.
وقد حدّثنا الشّيخ [الإمام](١) المعمّر شهاب الدّين أبو الهيجاء غازي بن أبي الفضل بن عبد الوهاب الدّمشقيّ ، قراءة عليه وأنا أسمع ، أخبركم الشّيخ أبو حفص عمر بن محمّد بن طبرزد البغداديّ الدارقزّي (٢) المؤدّب بدمشق في سنة ثلاث وستّ مئة ، قال : أخبرنا الشّيخ الرّئيس أبو القاسم هبة الله بن محمّد بن عبد الواحد بن الحصين الشّيباني في سنة خمس وعشرين وخمس مئة ، قال : أخبرنا الشّيخ أبو طالب محمّد بن محمّد بن إبراهيم بن غيلان البزّار ، قال : أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشّافعي ، قال : نا عبد الله بن إسحاق الخطيب ، قال : نا لوين ، نا بقية ، حدّثني عمر بن موسى ، حدّثني القاسم مولى ابن يزيد عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «الأكل في السّوق دناءة» (٣).
وحدّثنا الفقيه المقرىء تقيّ الدّين أبو محمّد إبراهيم بن عمر بن إبراهيم الجعبريّ ـ بحرم الخليل (٤) عليهالسلام قراءة منّي عليه ، قال : أنا
__________________
(١) زيادة من ت.
(٢) نسبة إلى محلّة دار القزّ في بغداد.
(٣) أخرجه ابن عدي في الكامل ٢ / ٥١٢ والبغدادي في تاريخ بغداد ٣ / ١٦٣ و ١٠ / ١٢٥ ـ وهو في فيض القدير ٣ / ١٨١ وكنز العمال ١٥ / ٢٦٠.
(٤) الخليل : مدينة شهيرة في فلسطين ، تقع إلى جنوب القدس إلى المغرب ، وتبعد عنها نحو ٥٩ كم. وفيها قبر الخليل عليهالسلام في مغارة تحت الأرض ، انظر ياقوت ٢ / ٣٨٧.
الشّيخ العالم الصّالح تقيّ الدّين أبو عبد الله محمّد بن شبل بن عبد الله المقريء الضّرير ، قال : أنا [الشّيخ](١) الشّريف أبو المكارم محمّد بن عبد الواحد ابن أحمد بن المتوكّل على الله ، والشّيخ أبو محمّد [٦٩ / ب] عبد الرّحمن بن أبي العزّ محمّد بن أبي البركات البزّار المعروف بابن الخبّازة ، قراءة عليهما وأنا أسمع ، قالا : أخبرنا أبو الوقت عبد الأوّل بن عيسى السّجزيّ ، قال : أنا الإمام أبو إسماعيل عبد الله بن محمّد بن عليّ بن متّى (٢) الأنصاريّ قراءة عليه ، قال : أنبأنا بشر بن محمّد بن عبد الله الأبوورديّ الصّوفي ، حدّثنا أحمد ابن محمّد بن عليّ السّوسيّ (٣) بالسّوس ، قال : أنا أبو جعفر محمّد بن محمّد المقريء (٤) بالبصرة ، نا سهل بن عليّ بن عفير الأنصاريّ ، نا إسماعيل بن توبة الثّقفيّ ، نا إسماعيل بن جعفر ، قال حدّثني حميد الطّويل عن أنس بن مالك رضياللهعنه ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «سمعت جبريل يقول : سمعت ميكائيل يقول : سمعت إسرافيل يقول : قال الله عزوجل : إنّ هذا الدّين ارتضيته لنفسي ولن يصلحه إلّا السّخاء والخلق الحسن» (٥) ورواه عليّ بن سلّام متابعا لإسماعيل بن توبة وزاد فيه «فأكرموه بهما ما صحبتموه».
__________________
(١) زيادة من ت.
(٢) في ت وط : مت.
(٣) في الأصل : التونسي وهو تحريف.
(٤) في ت : المصري.
(٥) حديث قدسي أخرجه ابن حبّان في المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين ٢ / ١٣٤ والهندي في كنز العمال ٣ / ٢٠ ، وهو في الاتحافات السنية في الأحاديث القدسية ٥٥.
[عناية أهل القاهرة بالمنطق]
ومن الأمر المنكر عليهم ، والنّكر المألوف لديهم ، تدارسهم لعلم الفضول ، وتشاغلهم بالمعقول عن المنقول ، في إكبابهم على علم المنطق ، واعتقادهم أنّ من لا يحسنه ، لا يحسن أن ينطق ، فليت شعري هل قرأه الشّافعيّ ومالك ، أو هو أضاء لأبي حنيفة (١) المسالك. وهل عاركه أحمد بن حنبل (٢) ، أو كان الثّوريّ (٣) على تعلّمه قد أقبل ، وهل استعان به إياس (٤) في ذكائه ، أو بلغ به عمرو (٥) ما بلغ من دهائه. أو تمرّس به قسّ وسحبان (٦) ، ولولاه ما أفصح أحد منهما (٧) ولا أبان. أترى عقول القوم كليلة. إذ لم تشحذ على مسنّه ، أترى فطنهم عليلة لمّا لم تكرع (٨) في أجنه (٩) عجبا كيف رويت قرائحهم ولم تمطر بعارض دجنه (١٠) ، كلّا هي أشرف من أن تقيّد في سجنه. وأشفّ من أن يستحوذ (١١) عليها طارق جنّه. تالله لقد أغرق القوم فيما لا يعنيهم ، وأظهروا
__________________
(١) النعمان بن ثابت التّميميّ بالولاء فقيه ، صاحب المذهب الحنفي توفي سنة ١٥٠ ه.
(٢) أحمد بن حنبل : إمام المذهب الحنبلي ، توفي سنة ٢٤١ ه.
(٣) هو سفيان بن سعيد بن مسروق : مفسّر محدّث ، كان عالم هذه الأمة. وعابدها وزاهدها ولد ونشأ بالكوفة وتنقّل بين المدن إلى أن توفي بالبصرة سنة ١٦١ ه. له تفسير القرآن الكريم ، ترجمته في سير أعلام النبلاء : ٧ / ٢٢٩ ، ومصادرها ثمة.
(٤) هو إياس بن معاوية : قاضي البصرة ضرب به المثل في الذكاء والفطنة توفي سنة ١٢٢ ه ترجمته في وفيات الأعيان ١ / ٢٤٧ ـ ثمار القلوب ٧٢.
(٥) عمرو بن العاص : أحد عظماء العرب ودهاتهم فاتح مصر توفي سنة ٤٣ ه. ترجمته في الإصابة ٣ / ٢ ـ الاستيعاب ٢ / ٥٠٢.
(٦) قس بن ساعدة الإيادي وسحبان وائل فصيحان من فصحاء العرب يضرب بهم المثل في البلاغة.
(٧) في ط : أحدهما.
(٨) كرع في الماء : تناوله بفيه من موضعه.
(٩) أجن الماء : تغيّر لونه وطعمه ورائحته.
(١٠) ـ العارض : ما اعترض في الأفق فسدّه من سحاب وغيره. الدّجن : ظلمة الغيم في اليوم المطير.
(١١) ـ يستحوذ : يستولي ويغلب.
الافتقار إلى ما لا يغنيهم ، بل يعنتهم مع (١) السّاعات ويعنيّهم. والشّيطان (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ)(٢) أما إنّه قد كان الآحاد من أهل العلم ينظرون فيه غير مجاهرين ، ويطالعونه لا متظاهرين ، لأنّ أقلّ آفاته أن يكون شغلا بما لا يعني الإنسان ، وإظهار حوجه (٣) إلى ما أغنى عنه الرّبّ المنّان ، والّذي دعا بعض الفضلاء إلى مطالعته [٧٠ / آ] هو اتّقاء شرّه ، والحذار من غائلته (٤) ومكره ، وقد قال عمر رضياللهعنه : «من لم يعرف الشّرّ أجدر (٥) أن يقع فيه» ونظم هذا بعضهم فقال (٦) : [الهزج]
عرفت الشّرّ لا للشّر |
|
ر لكن لتوقّيه |
ومن لم يعرف الشّرّ |
|
من النّاس يقع فيه |
وأما هؤلاء ، فقد جعلوه من أكبر المهمّات ؛ واتّخذوه عدّة لللنّوائب والملمّات ؛ فهم يكثرون فيه الأوضاع ؛ وينفق كلّ منهم في تحصيله العمر المضاع. ويحهم! أما سمعوا قول داعي الهدى لمن أمّه ، حين رأى عمر كتب التّوراة في لوح فضمّه (٧) ، فغضب وقال مفهما للحافظ الواعي : «لو كان موسى وعيسى حيّين ما وسعهما إلّا اتّباعي» (٨) وإذا لم يوسعه عذرا في الكتاب الّذي
__________________
(١) في ط : على.
(٢) سورة النساء الآية ١٢٠.
(٣) في ط : حوج.
(٤) في ط : غوائله.
(٥) في ت وط : كان أجدر.
(٦) الشاعر هو أبو فراس الحمداني ، والبيتان في ديوانه ٣ / ٤٣١.
(٧) في ط : من فضّة.
(٨) أخرجه أحمد في مسنده : ٣ / ٣٣٨ ، وهو في الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ٢٩٢.
جاء به موسى نورا ، فما ظنّك بما وضعه المتخبطّون في ظلام الشّرك ، وافتروا فيه كذبا وزورا ، فيا لله (١) للعقول المنحرفة ، غرقت في بحور ضلال الفلسفة. ولله درّ شيخنا شرف الدّين الدّمياطيّ (٢) فإنّه مباين لهم في ذلك ، منزّه لنفسه عن تلك المسالك ، وقد أنشدني في هذا المعنى لنفسه : (٣) [الطويل]
وما العلم إلّا في كتاب وسنّة |
|
وما الجهل إلّا في كلام ومنطق |
وما الخير إلّا في سكوت بحسبة |
|
وما الشّرّ إلّا من كلام ومنطق (٤) |
ومن قول الفقيه القاضي الأوحد فريد عصره أبي حفص عمر بن عبد الله بن عمر السّلمي رحمهالله في بعض كلامه : (٥)
[خطبة أبي حفص بن عمر]
«عباد الله! الدّين النّصيحة (٦) ، فخذوها محضة صريحة ، هدي الله هو الهدى ، ومن اتّبع رسل (٧) الله اهتدى ، فإيّاكم والقدماء وما أحدثوا ، فإنّهم عن
__________________
(١) ليست في ت.
(٢) عبد المؤمن بن خلف الدمياطي : حافظ للحديث من أكابر فقهاء الشافعية ، ولد بدمياط سنة ٦١٣ ه وتنقّل في البلاد وتوفي في القاهرة سنة ٧٠٥ ه. له «معجم» ضمنّه أسماء شيوخه و «كشف المغطى في تبيين الصلاة الوسطى». ترجمته في طبقات لشافعية للسبكي ٤ / ١٠ ، فوات الوفيات ٢ / ٤٠٩ ـ شذرات الذهب ٦ / ١٢.
(٣) البيتان في مستفاد الرحلة والاغتراب ٧٧.
(٤) في ت : سكوت بخشية ـ وما الشر إلا في كلام ومنطق.
(٥) الخطبة بتمامها في الذيل والتكملة ٨ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨.
(٦) في الحديث الشريف : ( إن الدين النصيحة). الشفا ٢ / ٥٨٢ ـ وابن عدي ٢ / ٨١٨ ـ ومسند أبي يعلى ٣ / ٢٥٩.
(٧) في ت وط : رسول.
عقولهم حدّثوا ؛ أتوا من الافتراء بكلّ أعجوبة ، وقلوبهم عن الأسرار محجوبة. الأنبياء ونورهم ، لا الأغبياء (١) وغرورهم ، عنهم يتلقّى ، وبهم يدرك السّول ، (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ)(٢)(الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ)(٣) [٧٠ / ب] والعلم كتاب الله وسنّة محمّد عليهالسلام. ما ضرّ من وقف عندهما ما جهل بعدهما ، خير نبيّ في خير أمّة (يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ)(٤) دلّهم من قرب عليه ، واختصر لهم الطّريق إليه ؛ فما ضرّ تلك النّفوس الكريمة ، والقلوب السّليمة ، والألباب العظيمة ، ما روي عنها من العلوم القديمة ، نقّاهم من الأوضار والأدناس ، وقال : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)(٥). كتابهم أعظم كتاب أنزل ، ونبيّهم أكرم نبيّ أرسل. السّيّد الإمام ، لبنة التّمام ، خير البريّة على الإطلاق ، بعث ليتممّ مكارم الأخلاق (٦) ، أنزل الكتاب إليه (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) ، (٧) هو الشّفاء والرّحمة ، وفيه العلم كلّه والحكمة. معجز في رصفه ، عزيز في وصفه (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ)(٨). آياته باهرة قائمة ، ومعجزاته باقية دائمة. إذ هي للنّبوّة والرّسالة خاتمة. لا تنقضي عجائبه ، ولا تنتهي غرائبه. ماذا أقول وقد بهر
__________________
(١) في الأصل : الأغنياء.
(٢) سورة الجن ٢٦ ـ ٢٧.
(٣) سورة آل عمران ١٩.
(٤) سورة الجمعة ٢.
(٥) سورة آل عمران ١١٠.
(٦) اقتباس من الحديث الشريف : (إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق).
(٧) سورة المائدة ٤٨.
(٨) سورة فصلت ٤٢.
العقول حسبي. حسبي (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي)(١) : [السريع]
هذا كلام للهدى جامع |
|
فآصغ إليه أيّها السّامع (٢) |
الشّرع للعقل هدى من يصل |
|
بينهما برهانه قاطع |
الشّرع للعقل بلا مرية |
|
كالشّمس للعين سنا طالع (٣) |
الشّرع متبوع به يهتدي |
|
من ضلّ والعقل هو التّابع (٤) |
لا يهتدي العاقل في قصده |
|
إلّا بما سنّ له الشّارع |
هذا كتاب الله يهدي الورى |
|
لكلّ علم نوره ساطع (٥) |
معرفة الله وآياته |
|
ومنهج الرّسل وما الرّابع (٦) |
والعلم والحكمة في طيّه |
|
أجمع وهو المعجز الصّادع |
وهو من الله فما فوقه |
|
هاد إلى الله ولا شافع |
ومن غيرها :
تحت لواء الشّرع يمضي الحجا |
|
والشّرع وال ماله خالع [٧١ / آ] |
__________________
(١) سورة الكهف ١٠٩.
(٢) الأبيات في الذيل والتكملة ٨ / ٢٢٨.
(٣) في الذيل والتكملة : سنا ساطع.
(٤) في الذيل والتكملة : له تابع.
(٥) في الذيل والتكمله : الساطع.
(٦) في الذيل والتكملة : وما نهج.
[لقاؤه لشرف الدّين الدّمياطيّ]
ولم أر بهذه المدينة ـ على كثرة الخلق بها ـ أمثل وأقرب إلى الإنسانيّة ، وأجمل معاملة ، من الشّيخ الفقيه ، المحدّث ، الرّاوية ، المسند ، المفتي ، الثّقة ، الضّابط ، شرف الدّين ، ذي الكنيتين أبي محمّد وأبي أحمد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن الدّمياطيّ (١) ، المحدّث بالمدرسة الظّاهريّة (٢) ـ حفظه الله ـ وهو شيخ وسيم أبيض ، ذو صورة مقبولة ، وهيئة حسنة ، وركانة ، وحسن خلق ، وسراوة همّة (٣) ، راوية جمّاعة ، مقيّد ، ضابط ، حافظ ، رحل في طلب العلم ، ولقي من أهله أعدادا ، وجمع ، وألّف ، وروى حتّى صار أوحد وقته في ذلك ، وله «معجم» في أسماء شيوخه ، ومن لقيه وأخذ عنه في أيّ فنّ كان ؛ كبير في أربعة أسفار. وسمعته يقول : إنّهم ينيفون على ألف ومئتين وسبعين. فقال له بعض الحاضرين : وهل كانوا كلّهم أئمّة؟ فقال لهم : لو لم أكتب إلّا عن العلماء الأئمّة ما كتبت عن خمسة. ونشأته بدمياط ، مدينة هي قاعدة ريف مصر ، وعندها يصبّ بحر النّيل في البحر الرّومي (٤) ، وتقييدها : بدال مكسورة وبعدها ميم ساكنة وياء باثنتين تحتها بعدها ألف وطاء ، والدّال والطّاء مهملتان. وأكثر النّاس يعجم الدّال منها ، وقد سألته عن ذلك فقال : إعجامها
__________________
(١) توفي شرف الدين الدمياطي سنة ٧٠٥ ه. انظر شذرات الذهب ٦ / ١٢.
(٢) أمر ببنائها بيبرس سنة ٦٦٠ ه وانتهت عمارتها ٦٦٢ ه ، وجعل بها خزانة كتب تشتمل على أمهات الكتب في سائر العلوم. انظر خطط المقريزي ٢ / ٣٨٧ ـ ٣٧٩.
(٣) في ط : سمت.
(٤) هو البحر الأبيض المتوسط.
خطأ ، وقد غلط في ذلك أبو محمّد الرّشاطيّ (١) فوضعها في باب الدّال المعجمة ، وإنّما هي بالمهملة.
وقد كتبت عنه أحاديث ، وسمعت منه حديث عبد الله بن عمرو «الرّاحمون يرحمهم الرّحمن» (٢) ، وهو أوّل حديث سمعته منه ، وحدّثني به بسنده (٣) مسلسلا ، وسمعت عليه جملة من سنن الشّافعيّ ـ رحمهالله ـ وسمعته يقول وهو يقرأ عليه : العجب من حديث هذا الرّجل أكثر ألفاظه مخالف لما في الصّحيح ، وكان إذا ذكر مالكا ـ رحمهالله ـ وفّاه حقّه كما يجب حتّى ظننت أنّه مالكيّ ، فسألته عن مذهبه فقال : شافعيّ ، وإذا ذكره قال : ذهب الإمام مالك إلى كذا. وهكذا يعرف إنصاف أهل العلم.
وقد سألته عن سنّه فقال لي : أقبل على شأنك ، فإنّي سألت شيخنا بهاء الدّين [٧١ / ب] أبا الحسن عليّ بن أبي الفضائل هبة الله بن سلامة (٤) بن المسلم بن أحمد بن عليّ الشّافعيّ عن سنّه ، فقال [لي](٥) : أقبل على شأنك ، فإنّي سألت الإمام شرف الدّين مفتي العراقين شيخ المذاهب أبا سعيد عبد الله بن محمّد بن هبة الله بن عليّ بن المطهّر بن أبي عصرون (٦) عن سنّه
__________________
(١) عبد الله بن علي بن عبد الله اللخمي الأندلسي : عالم بالأنساب والحديث من أهل أوريولة بالأندلس وسكن ألمرية وتعلم بها. له تصانيف منها : «اقتباس الأنوار والتماس الأزهار في أنساب الصحابة ورواة الآثار». استشهد بألمرية عند تغلّب الروم عليها سنة ٥٤٢ ه. ترجمته في الصلة ٢٩٧ ـ المعجم لابن الأبار ٢٢٧ ـ وفيات الأعيان ٣ / ١٠٦.
(٢) تقدم صفحة ١٦٦.
(٣) ليست في ط.
(٤) ليست في ط.
(٥) زيادة من ت.
(٦) في ت : عمرون.
فقال : أقبل على شأنك فإنّي سألت القاضي الإمام أبا عبد الله الحسين بن نصر بن محمّد بن خميس عن سنّه فقال : أقبل على شأنك ، فقد حدّثنا الشّيخ أبو بكر أحمد بن عليّ الطّريثيثي وسألته عن سنّه ، فقال : أقبل على شأنك ، حدّثنا (١) القاضي هنّاد بن إبراهيم وسألته عن سنّه ، فقال : أقبل على شأنك ، فإنّي سألت أبا الفضل محمّد بن أحمد الجاروديّ عن سنّه ، فقال : أقبل على شأنك ، فإنّي سألت أبا بكر محمّد بن عديّ بن جزء (٢) المنقريّ البصريّ عن سنّه ، فقال لي : أقبل على شأنك ، فإنّي سألت أبا أيّوب الهاشميّ عن سنّه ، فقال لي : أقبل على شأنك ، فإنّي سألت أبا إسماعيل التّرمذيّ عن سنّه فقال لي : أقبل على شأنك فإنّي سألت الشّافعيّ عن سنّه ، فقال لي : أقبل على شأنك ، فإنّي سألت مالك بن أنس عن سنّه ، فقال لي : أقبل على شأنك ثم قال [لي](٣) : «ليس من المروءة أن يخبر الرّجل بسنّه» (٤) قلت : وفي بعض الروايات : «فإنّه إن كان صغيرا احتقر ، وإن كان كبيرا استهرم» وقد يقال : إنّما ذلك لئلّا يكذّب ، لأنّ كثيرا من النّاس لا توافق صورته سنّه ، فربّما يظنّ به الكبر وهو صغير أو بالعكس.
وحدّثني بالحديث المعروف بحديث الفقهاء ، لأنّ رواته كلّهم فقهاء وأئمّة ، وهو حديث ابن عمر المشهور : «المتبايعان كلّ واحد منهما على صاحبه (٥)
__________________
(١) في ط : أخبرنا
(٢) في ت وط : جزي.
(٣) زيادة من ت.
(٤) مرآة الزمان ٨ / ١٠٩.
(٥) في ت : يفترق.
بالخيار ما لم يتفرّقا إلّا بيع الخيار» (١) وذكر الإمام السّلفي أنّ أبا الحسن عليّ بن محمّد الكياء (٢) ، شيخه ، قال عقيب هذا الحديث : «إذا بدت رايات النّصوص في ميادين (٣) الكفاح ، طاحت أعلام المقاييس في مدارج الرّياح». وسند الحديث مقيدّ في الجزء الّذي كتبت عنه.
وحدّثني ـ حفظه الله ـ سماعا من لفظه ، قال : أخبرنا الشّيخ الصّالح أبو الحسن بن أبي عبد الله [٧٢ / آ] بن أبي الحسن البغداديّ الأزجيّ بقراءة الحافظ أبي بكر محمّد بن شيخنا الحافظ أبي محمّد عبد العظيم المنذريّ قال : أنا أبو بكر محمّد بن عبيد الله بن نصر بن الزّاغونيّ (٤) إجازة ، قال : أنا (٥) أبو القاسم عليّ بن أحمد بن محمّد البسريّ البندار (٦) قراءة عليه وأنا أسمع ، قال : أنا (٧) أبو طاهر محمّد بن عبد الرّحمن الذّهبيّ المخلص ، قال : نا عبد الله ابن محمّد بن عبد العزيز ، نا داود بن رشيد ، نا الفضل بن زياد ، قال : نا شيبان عن الأعمش ، عن سليمان بن مسهر ، عن خرشة بن الحرّ ، قال : شهد رجل عند عمر بن الخطّاب ـ رضياللهعنه ـ بشهادة فقال له : لست أعرفك ،
__________________
(١) أخرجه البخاري في البيوع باب البيّعان بالخيار رقم ٢١١١ ـ ٤ / ٣٢٨ ـ ومسلم في البيوع ـ باب خيار المجلس للمتبايعين رقم ١٥٣١ ـ وأبو داود في البيوع باب في خيار المتبايعين رقم ٣٤٥٤ ، والترمذي في أبواب البيوع باب ما جاء في البيعين بالخيار رقم ١٢٤٥ بخلاف في اللفظ ، والنسائي ٧ / ٢٤٨ والموطأ ٤٦٦.
(٢) علي بن محمد بن علي الطبري : فقيه شافعي مفسّر ، درّس ببغداد. توفي سنة ٥٠٤ ه ترجمته في وفيات الأعيان ٣ / ٢٨٦.
(٣) في ت وط : ميدان.
(٤) في ت : الزغاوي.
(٥ ـ ٥) ـ سقط من ت بنقلة عين.
(٦) في ط : البنداري.
ولا يضرّك ألّا أعرفك ، ايت بمن يعرفك ، فقال رجل من القوم : أنا أعرفه. قال : بأيّ شيء تعرفه؟ قال : بالعدالة والفضل. قال : هو جارك الأدنى الّذي تعرف ليله ونهاره ، ومدخله ومخرجه؟ قال : لا. قال : فمعاملك بالدّينار والدّرهم اللّذين (١) بهما يستدلّ على الورع؟ قال : لا. قال : فرفيقك في السّفر الّذي يستدلّ به على مكارم الأخلاق؟ قال : لا. قال : فلست تعرفه. ثمّ قال للرّجل : ايت بمن يعرفك.
وأنشدني ـ حفظه الله ـ قال : أنشدني لنفسه شيخنا العلامّة حجّة العرب أبو الفضائل الحسن بن محمّد بن الحسن العدويّ العمريّ من ولد عمر بن الخطّاب رضياللهعنه ، ويعرف بالصّغانيّ ، بصاد مهملة وغين معجمة ، وآخره نون بعدها ياء النّسبة ، قال : ومولده بلوهور (٢) من بلاد الهند ، عاشر صفر سنة سبع وسبعين وخمس مئة ، ووفاته ببغداد في ليلة الجمعة التّاسع عشر من شعبان من سنة خمسين وستّ مئة ، ودفن بداره ببغداد. ثمّ نقل بوصيّة منه إلى مكّة ، ودفن مع الفضيل بن عياض (٣) رحمهماالله تعالى ، وكان شرف الدّين الدّمياطيّ ، يثني عليه كثيرا ، ويذكر أنّه كان إماما مقدّما في الأدب (٤) واللّغة ، وأنّ له شعرا كثيرا ، وتآليف في اللّغة عديدة مفيدة ،
__________________
(١) في ت وط : الذي.
(٢) لوهور : قال ياقوت : المشهور من اسم هذا البلد لهاور : وهي مدينة عظيمة مشهورة في بلاد الهند. وتقع اليوم في باكستان. واسمها لاهور. انظر معجم البلدان ٥ / ٢٦ ـ ٢٧.
(٣) الفضيل بن عياض بن مسعود التميمي اليربوعي : شيخ الحرم المكّي ، من أكابر العبّاد والصلحاء. كان ثقة في الحديث. ولد بسمر قند سنة ١٠٥ ه وتوفي بمكة سنة ١٨٧ ه. ترجمته في شذرات الذهب ١ / ٣١٦ ـ غربال الزمان ـ ١٧٣ ـ طبقات الحفاظ للسيوطي ١١٠ ـ تذكرة الحفاظ ١ / ٢٤٥.
(٤) في ت وط : الآداب.
وخمّس «مقصورة ابن دريد (١)» ثمّ شرحها بتخميسها شرحا جيّدا مفيدا : (٢) [البسيط]
يوم بمكّة خير من مضيّ سنه |
|
بغيرها تنقضي باللهو أو بسنه |
فلا القلوب إلى الأهواء مائلة |
|
ولا النّفوس بكسب الإثم مرتهنه |
[٧٢ / ب] ولا الفقير مع الإملاق ذو جزع |
|
ولا الغنيّ تحامى النّاس ما احتجنه (٣) |
ولا يمرّ على من لا طباخ له |
|
أقلّ من لحظة لا يقتني حسنه |
ولا يذمّهم أو من يساكنهم |
|
إلّا القويّ الّذي جدّ العلا رسنه |
وأنشدني أيضا قال : أنشدني الصّغانيّ المذكور لنفسه : (٤) [البسيط]
إذا اختبيت تجاه الرّكن يحدق بي |
|
أفاضل النّاس من شام ومن يمن |
ذوو محابر أعداد النّجوم ومن |
|
قد آثر السّفر المضني على الوطن |
أظلّ أنشدهم شعري وأخبرهم |
|
بما سمعت من الآثار والسّنن |
__________________
(١) هي قصيدة لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزري إمام اللغة والأدب في عصره ، المتوفى ببغداد سنة ٣٢١ ه ويمدح فيها ابن ميكال الشاه وأخاه ويصف سيره إلى فارس ويتشوق إلى البصره وإخوانه بها ومطلعها :
أما ترى رأسي حاكى لونه |
|
طرّة صبح تحت أذيال الدّجا |
وعدد أبياتها ٢٢٩. وطبعت غير طبعة مع شروحهما.
(٢) الأبيات في مستفاد الرحلة والاغتراب ٢٤٠.
(٣) في ت وط : مع الأماق ذو جزع.
(٤) الشعر في مستفاد الرحلة والاغتراب ٧٩.
موثّقا عدل أهليها ، وأجرح من |
|
تكلّموا فيه في ماض من الزّمن |
أروي الأحاديث عن ثبت أخي ثقة |
|
أقول : حدّثني شيخي وأخبرني |
وأشبع القول في إيضاح معضلها |
|
وحلّ معظمها جريا على السّنن |
خطّت على جبهة الأيّام خالدة |
|
«تلك المكارم لا قعبان من لبن» (١) |
قلت : وقد تقدّم إلى هذا الفقيه أبو مروان الطّبنيّ (٢) في قوله : (٣) [البسيط]
إنّي إذا حضرتني ألف محبرة |
|
يكتبن حدّثني طورا وأخبرني (٤) |
نادت بعقوتها الأقلام معلنة |
|
«هذي المفاخر لا قعبان من لبن» (٥) |
وأنشدني له أيضا : (٦) [الطويل]
__________________
(١) تضمين صدر بيت أمية بن أبي الصلت في ديوانه ٤٥٩ ، وعجزه :
«شيبا بماء فعادا بعد أبوالا»
(٢) عبد الملك بن زيادة الله الطّبني : أصله من طبنة بإفريقية وهي قاعدة اقليم الزاب : عالم باللغة والحديث ، شاعر ، توفي سنة ٤٥٧ ه انظر جذوة المقتبس ٢٨٤ .. المغرب ١ / ٩٢ ، الصلة ١ / ٣٦١.
(٣) الأبيات في جذوة المقتبس ٢٨٥ ، بغية الملتمس ٣٧٩ ، الصلة ٣٦١ ، المغرب ١ / ٩٣ ، النفح ٧ / ٤٩ ، الذخيرة ١ / ٥٤٢.
(٤) في الصلة والبغية والجذوة : إذا احتوشتني ، وفي المغرب : تقول أخبرني هذا وحدثني ، وفي الذخيرة : تقول أنشدني طورا وأخبرني.
(٥) في الصلة والبغية والجذوة والمطمح : بعقوتي ، وفي النفح : نادت بمفخري ، وفي المغرب : صاحت بعقوتي الأقلام زاهية وفي الذخيرة : يا حبذا ألسن الأقلام ناطقة.
(٦) البيتان ١ و ٢ في مستفاد الرحلة والاغتراب ٧٨ والعقد الثمين ٤ / ١٧٨.
تسربلت سربال القناعة والرّضا |
|
صبيّا فكانا في الكهولة ديدني (١) |
وقد كان ينهاني أبي ـ حفّ بالرّضا |
|
وبالعفو ـ أن أولي يدا من يدي دني |
[فمذ كنت لم أقبل يدا من يدي فتى |
|
سنيّ فهل أرضى بها من يدي دني](٢) |
وأنشدني أيضا ، قال : أنشدنا الشّيخ الأجلّ ، العدل ، الفاضل ، عزّ الدّين أبو القاسم عبد الله بن الحسن بن عبد الله بن رواحة الأنصاريّ الحمويّ ، قال :
أنشدتنا الشّيخة الأديبة أمّ عليّ تقيّة بنت الإمام أبي الفرج غيث بن عليّ بن عبد السّلام الأرمنازيّ الصّوريّ (٣) لنفسها بالإسكندريّة : [الطّويل]
[٧٣ / آ] سلام على هند ، وإن بعدت عنّا |
|
فقد خلّفت قلبا كئيبا بها مضنى |
يظلّ مدى الأيّام يقرع سنّه |
|
ولا غرو للمشتاق أن يقرع السّنا |
ويمشي على جمر الغضى متقلّبا |
|
ويبكي على أوطانه أبدا حزنا (٤) |
ويرقب نجما لا يغور ، ويرتجي |
|
خيالا من الأحباب يلتبس الجفنا |
٥ ـ ترى تجمع الأيّام شملي بجلّق |
|
على روضة غنّاء طيّبة المغنى |
وأنهار ثورا ، والبساتين حولها |
|
وأطيارها يبكين شجوا ويندبنا |
تمنّيتها دارا أحلّ بقربها |
|
رضيت ولو كانت منازلها سجنا (٥) |
__________________
(١) في ط : تسرّبت.
(٢) البيت غير موجود في الأصل. وهو في ت وط.
(٣) تقية بنت غيث بن علي بن عبد السلام الأرمنازي : فاضلة ، متأدبة ، لها شعر جيد جمع في ديوان صغير أصلها من بلدة صور. وولدت بدمشق سنة ٥٠٥ ه. وسكنت الإسكندرية وتوفيت بها سنة ٥٧٩ ه ، ترجمتها في أعلام النساء ١ / ١١٤ ـ النجوم الزاهرة ٦ / ٩٦ ـ وفيات الأعيان ١ / ٢٩٧ خريدة القصر : قسم مصر ٢ / ٢٢١ ـ.
(٤) في ت وط : يمسي.
(٥) في ط : تمنّيتمو دارا.
بلاد رباها المسك والرّاح ماؤها |
|
فلو سيّرونا في الهوى نحوها سرنا (١) |
لأنّ بها أختا عليّ عزيزة |
|
وقد أخذت قلبي لدى قربها رهنا |
١٠ ـ وأضحيت في دار غريبا بأرضها |
|
وحيدا بلا قلب ، وما طاب لي سكنى (٢) |
ولولا نسيم جاءنا بنسيمها |
|
وقرب الإمام الحافظ الحبر ما عشنا |
تعني الحافظ السّلفيّ رحمهالله.
وأنشدني شيخنا المذكور لنفسه : [البسيط]
سروا بقلبي الّذي قدما له أسروا |
|
وخلّفوني بنار الشّوق أستعر |
أهوى نسيم الصّبا هبّت لنا سحرا |
|
في طيّها خبر من نشرهم عطر |
يا عاذلي لورأت عيناك حسنهم |
|
علمت أنّي مالي عنه مصطبر |
يقيمني نحوهم وجدي ، ويقعدني |
|
إذا نهضت إلى مغناهم القدر |
٥ ـ أليّة برّة بالخيف خيف منى |
|
وبالحجيج ، وما حجّوه واعتمروا (٣) |
ما زلت بعدهم صبّا لرؤيتهم |
|
ليلي بهم ، ونهاري كلّه فكر |
قرّت عيونهم بالنّوم في دعة |
|
ومقلتي سخنت قد شفّها السّهر |
وأحسد العيس إذ فازت بقربهم |
|
دوني وقربهم المأمول والوطر (٤) |
يا صاح إن جزت بالجرعاء عج بهم |
|
واحذر ومن قدر لا ينفع الحذر (٥) |
__________________
(١) في ط : تربها الملك.
(٢) في ط : في داري ، وفي ت : ولا طاب.
(٣) الأليّة : اليمين.
(٤) في ت : وأحسد العين. وفي ط : وأحسد العيش.
(٥) اقتباس من الحديث الشريف : (لن ينفع حذر من قدر ، ولكن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم بالدعاء عباد الله). وقد أخرجه أحمد في مسنده : ٥ / ١٣٤ من حديث معاذ رضياللهعنه.
١٠ ـ فإن رموك بسهم اللّحظ متّ جوى |
|
ولم يداووك إذ قتلاهم هدر (١) |
وأنشدني أيضا لنفسه مشيرا إلى أنّ ما روي عن رسول الله [٧٣ / ب] صلىاللهعليهوسلم من التّرجيع في القراءة إنّما أوجبه ركوب البعير (٢) : [الطويل]
روينا بإسناد عن ابن مغفّل |
|
حديثا شهيرا صحّ من علّة القدح (٣) |
فإنّ رسول الله حين مسيره |
|
لثامنة وافته في غزوة الفتح |
تلا خير مسموع بمتن بعيره |
|
فرجّع في الآيات من سورة الفتح (٤) |
وأنشدني أيضا لنفسه : (٥) [البسيط]
علم الحديث له فضل ومنقبة |
|
نال العلاء به من كان معتنيا |
ما جازه كامل إلّا ونقّصه |
|
أو حازه عاطل إلّا به حليا (٦) |
وأنشدني أيضا لنفسه :
وما العلم إلّا في كتاب وسنّة ... البيتين. وقد مضى تقييدهما (٧) والحمد لله.
__________________
(١) في ط : ولم يدروا ودما قتلاهم هدر.
(٢) الأبيات في طبقات الشافعية ١٠ / ١٢ ، والأول والثاني في النجوم الزاهرة ٨ / ٢١٩ ومستفاد الرحلة والاغتراب ٧٦.
(٣) هو عبد الله بن مغفل المزني : صحابي من أصحاب الشجرة ، سكن المدينة ، ثم أرسل إلى البصرة لتفقيه الناس حيث توفي فيها سنة ٥٩ أو ٦٠ ه. له ترجمة في الإصابة ٢ / ٤٦٣ ، الجمع بين رجال الصحيحين ٢٤٢.
(٤) رواية الشطر الأول في طبقات الشافعية : تلا خير مقروء على خير مرسل.
(٥) البيتان في مستفاد الرحلة والاغتراب ٧٦ وفهرس الفهارس ١ / ٤٠٩.
(٦) رواية الشطر الأول في ت : ما حازه ناقص إلّا وكّمله ، وفي ط : إلّا به عليا.
(٧) سلف البيتان في الصفحة ٢٨٦.
ولمّا استجزته لي ولولدي محمّد ـ هداه الله ـ ووقف على الاستدعاء لذلك قال لي : ألك ولد غيره؟ فقلت : نعم ، ثلاثة. فقال لي : ولم لم تستجز لهم جميعا؟ فقلت : لأنّهم صغار. وهذا الّذي استجزت له قد حفظ القرآن ، فقال لي : أنا أكتب لك ولهم جميعا ، (١) حتّى يكون من يكتب في هذا الاستدعاء بعد خطّي يجيزكم جميعا (٢). فكتب الإجازة بكلّ ما يحمل ، وكلّ ماله من تأليف وتخريج لي ولجميع الأولاد ـ وفّقهم الله ـ وكنّى أحد المحمّدين الآخرين (٣) أبا عليّ ، والآخر أبا بكر ، وقيّد خطّه بذلك في الاستدعاء. وهو مليح الخطّ. ما رأيت بديار مصر أملح منه خطّا ، وكان يسائلني عن أشياء ويباسطني. ولمّا وردت مصر راجعا من الحجاز ، وكنت مريضا ، أنزلني عنده في المدرسة وكان عنده بها طبيب ماهر يحضر مواعيده ، فأمره أن يتفقّدني بالغداة (٤) والعشيّ (٥) فكان يفعل ذلك ، ولم يقصّر في العلاج حتّى استقللت ، ومنّ الله بالرّاحة له الحمد والشّكر كثيرا.
[لقاؤه لابن دقيق العيد]
وممّن لقيته بها الشّيخ ، الفقيه المحدّث ، الأصوليّ ، المتفنّن ، عالم الدّيار المصريّة ، تقيّ الدّين أبو الفتح محمّد [٧٤ / آ] بن عليّ بن وهب بن مطيع بن أبي الطّاعة القشيريّ (٦) ، ويعرف بابن دقيق العيد ، صاحب المدرسة الكامليّة. لقيت منه حبرا [كاملا عالما](٧) يحقّ له اللّقاء ، وبحرا من علم لا تكدّره
__________________
(١) سقط من ط.
(٢) ليست في ت وط.
(٣) في ط : بالغدوة.
(٤) ليست في ط.
(٥) توفي ابن دقيق العيد سنة ٧٠٢ ه. انظر شذرات الذهب ٦ / ٥.
(٦) زيادة من ت.
الدّلاء (١) ، وطبّا آسيا يشفي بقوله الدّاء العياء ، له تفنّن في فنون العلوم ، وتسلّط عليها بذهن يردّ المجهول إلى المعلوم ، وقلّما يلفى له في سعة المعارف نظير ، أو يوجد من يماثله في صحّة البحث والتّنقير (٢) ، وله في البلاد ذكر شهير ، وصيت مستطير ، وخطر خطير ، يضرب في كلّ فنّ بسهم مصيب ، ويحظى منه بأوفر نصيب ، ولقي جماعة من الأعلام فأخذ عنهم وحصّل ؛ وما زال يؤصّل نفسه في المعارف حتّى تأصّل. فهو الآن قطب مصر وعلمها ، لولا وسوسة تصحبه ، وأخلاق يجلّ عنها منصبه ، لو كانت لها صورة كانت أشنع الصّور ؛ أو تليت له سورة كانت أبدع السّور ، وكان في أوّل أمره مالكيّا على رأى أبيه ، ثم انتقل بعد شافعيّا لصورة تسمج ، وقضيّة عن أحكام المروءة تخرج. وقد ذكر لي عنه بعض من أثق به ممّن له به اختصاص ، كلاما في حقّ الإمام مالك ـ رضياللهعنه ـ جاريا على سنن أخلاقه ، ودالا على إنهاج (٣) ثوب المروءة وإخلاقه ، ومن جملة ما يصحبه من الوسواس أنّه لا يمسّ منه عضو ولا لباس ، بل يقتصر الوارد عليه على الإشارة بالسّلام إليه ، وحطّ الرّأس على العادة الذّميمة بين يديه. (٤)
وقد حدّثني عنه [بعض](٥) من أثق به أنّه يأتي إلى جابية الماء في شدّة البرد ، فينغمس فيها بثيابه لأقلّ وسوسة تعتريه ، حتّى أثّر ذلك في ضعف قوّته ، ولاح أثره في اختلال صحّته. ورأيته وهو يملي عليّ من حديثه يمسك
__________________
(١) أفاد من قول حسان في ديوانه ١٠ :
لساني صارم لا عيب فيه |
|
وبحري لا تكدّره الدلاء |
(٢) التنقير : التفتيش.
(٣) نهج الثوب : إذا بلي.
(٤) ذكر التجيبي في مستفاد الرحلة والاغتراب ١٧ أمثلة كثيرة على وسواس ابن دقيق العيد.
(٥) زيادة من ت وط.