تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-66-5
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٠١

صحّ لأنّ السّفه لم يسلبه أهلية التصرف مطلقا.

٣٨٨٦. التاسع عشر : الولاية في مال الطفل والمجنون ، للأب والجدّ للأب ، فإن لم يكونا ، فالوصيّ لأحدهما ، فإن لم يكن فالحاكم أو أمينه ، ولا ولاية للأمّ ، أمّا السفيه ، فالولاية في ماله للحاكم ، أو أمينه خاصّة.

٣٨٨٧. العشرون : الرشيد إذا صار فاسقا إلّا انّه غير مبذّر ، قال الشيخ : الظاهر أنّه يحجر عليه. (١) والوجه عندي خلافه.

الفصل الثالث : في التصرّف (٢) في مال اليتيم

وفيه تسعة عشر بحثا :

٣٨٨٨. الأوّل : اليتيم من مات أبوه قبل بلوغه ، ولو مات وقد بلغ الصبيّ ، لم يكن يتيما ، وكذا لو ماتت الأمّ قبل بلوغه لم يكن يتيما ، إذا كان أبوه باقيا.

٣٨٨٩. الثاني : للأب والجدّ للأب ، التصرّف في مال الطفل ، ولا يداخلهما الحاكم ولا غيره في ذلك ، أمّا الأمّ فلا ولاية لها ، وإن كان الأب والجدّ مفقودين ، فإذا لم يكن أب ولا جدّ ، كان وليّه من أوصى أحدهما إليه بالنظر في أمره ، وإن لم يكن وصيّ ، فالنظر إلى الحاكم ، ولا يتصرّف الحاكم مع وجود الوصيّ.

٣٨٩٠. الثالث : يجوز لوليّ الطفل ـ سواء كان الأب ، أو الجدّ ، أو الوصيّ ، أو

__________________

(١) المبسوط : ٢ / ٢٨٥.

(٢) في «ب» : في التصرفات.

٥٤١

الحاكم ، أو أمينه ـ أن يتّجر للطفل نظرا له ومصلحة ، وينبغي له أن يشتري العقار ، ويكون مأمون التلف بحيث لا يكون قريبا من الماء يخشى غرقه ، ولا بين طائفتين متعاندتين بحيث يخشى عليه الحريق.

ويستحبّ له أن يبني عقاره بالآجر والطّين ، لا الجصّ واللّبن (١) ، لأنّه أعود في النفع (٢) من غيره ، ولو اقتضت المصلحة بناءه باللّبن والجصّ ، فعل.

٣٨٩١. الرابع : يكره للوليّ بيع عقار الطفل إلّا مع الحاجة إلى ذلك ، واقتضاء المصلحة ، وإذا كان البائع أبا أو جدّا ، جاز للحاكم إسجاله وإن لم يثبت عنده أنّه مصلحة ، أمّا غيرهما كالوصيّ وشبهه ، فإنّ الحاكم لا يسجل على بيعه إلّا بعد ثبوت أنّه مصلحة عنده.

وإذا بلغ الصبيّ ، وأنكر كون بيع الأب أو الجدّ مصلحة ، كان القول قول الأب والجدّ ، ولو أنكر بعد بلوغه كون بيع الوليّ أو الوصيّ أو غيرهما مصلحة ، افتقر البائع إلى البيّنة ، وكان القول قول الصبيّ.

٣٨٩٢. الخامس : يقبل قول وليّ الطفل ، سواء كان أبا ، أو جدّا ، أو وصيّا ، أو غيرهم في الإنفاق وقدره بالمعروف ، ولا يلتفت إلى إنكار الصبيّ. ولو قال الوصيّ : أنفقت منذ ثلاث سنين ، فقال الصبيّ : لم يمت أبي إلّا منذ سنتين ، فالقول قول الصبيّ.

٣٨٩٣. السادس : تجوز المضاربة بمال الطفل للوليّ ، ويكون للعامل ما يشترطه الوليّ من الربح ، ويجب أن يكون العامل أمينا ، فإن دفعه إلى غير الثقة

__________________

(١) اللّبن : المضروب من الطين يبنى به دون أن يطبخ. المعجم الوسيط : ٢ / ٨١٤.

(٢) في «ب» : في البيع.

٥٤٢

ضمن ، ولو كان الوليّ هو العامل ، فالأقرب أنّه لا تصحّ المضاربة ، وتكون له أجرة المثل.

٣٨٩٤. السابع : يجوز إبضاع مال اليتيم ، وهو : دفعه إلى ثقة يتّجر به ، ويكون الربح بأجمعه لليتيم ، ولا يجوز بيع عقاره لغير حاجة ، ويجوز له كتابة عبده مع المصلحة. ولو اقتضت المصلحة عتقه ، فالوجه جوازه.

٣٨٩٥. الثامن : يجوز للوليّ (١) تسليم اليتيم إلى معلّم الصنعة ، وتركه في المكتب أيضا.

٣٨٩٦. التاسع : يجوز أن يفرد اليتيم بالمأكول ، والملبوس ، والسكنى ، وأن يخلطه بعائلته ، ويحسبه كأحدهم ، فيأخذ من ماله بإزاء ما يقابل مئونته ، ولا يفضله على نفسه ، بل يستحبّ أن يفضل نفسه عليه ، ولو كان إفراده أرفق به ، أفرده ، وكذا لو كان الرفق في مزجه ، أمزجه استحبابا.

٣٨٩٧. العاشر : الوليّ إذا كان موسرا لا يأكل من مال اليتيم شيئا ، وإن كان فقيرا ، قال الشيخ : يأخذ بأقلّ الأمرين من أجرة المثل وقدر الكفاية (٢) وهو حسن. وقال ابن إدريس : يأخذ قدر كفايته (٣) إذا عرفت هذا ، فلو استغنى الوليّ لم يجب عليه إعادة ما أكل إلى اليتيم ، سواء كان أبا ، أو غيره.

٣٨٩٨. الحادي عشر : إذا اتّجر الوليّ بمال اليتيم نظرا له ، قال الشيخ : يستحبّ

__________________

(١) في «ب» : للوصيّ.

(٢) المبسوط : ٢ / ١٦٣ ـ كتاب البيوع ـ والخلاف : ٣ / ١٧٩ ، المسألة ٢٩٥ من كتاب البيوع.

(٣) السرائر : ٢ / ٢١١.

٥٤٣

له أن يخرج الزكاة ، والربح بأجمعه لليتيم (١) ومنع ابن إدريس من إخراج الزكاة (٢).

٣٨٩٩. الثاني عشر : لا يجوز لغير الوليّ التصرّف في مال اليتيم ، ويجوز للوليّ مع اعتبار المصلحة من غير قيد ، ولو اتّجر الوليّ بالمال لنفسه ، قال الشيخ :

إن كان متمكّنا من ضمان المال ، كان الربح له والخسارة عليه. (٣) ومنع ابن إدريس ذلك ، وحرّم اقتراض مال اليتيم على الوليّ. (٤) قال الشيخ : ولو لم يكن متمكّنا من ضمانه ، كان عليه ما يخسر ، والربح لليتيم. (٥)

٣٩٠٠. الثالث عشر : إذا كان لليتيم مال على غيره ، فصالحه وليّه على بعضه ، جاز مع المصلحة ، وحلّ للمصالح ما يأخذه من باقي المال ، قال الشيخ (٦) والوجه ما قاله ابن إدريس [من] ان الصلح جائز للوليّ مع المصلحة ، أمّا من عليه الحقّ ، فلا يجوز له منعه من باقي المال إذا كان ثابتا في ذمّته ، وليس للوليّ إسقاطه بحال (٧).

٣٩٠١. الرابع عشر : يجوز لمن عليه حقّ لليتيم إيصاله إليه ، وإن لم يعلمه أنّه حقّ عليه ، بل على جهة الصّلة والجائزة ، وينوي براءة ذمّته.

٣٩٠٢. الخامس عشر : المتولّي للنفقة في أموال اليتامى ، ينبغي أن يثبت على كلّ واحد منهم ما يصل إليه من الكسوة ممّا يحتاج إليه ، أمّا المأكول فالتفاوت بينهم فيه يسير ، لا يجب إفراد كلّ واحد منهم بشي‌ء ، بل يجوز مزجهم وتسويتهم في الحساب عليه.

__________________

(١) النهاية : ٣٦١ ـ كتاب المكاسب ، باب التصرف في أموال اليتامى ـ.

(٢) السرائر : ٢ / ٢١٢.

(٣) النهاية : ٣٦١.

(٤) السرائر : ٢ / ٢١٢.

(٥) النهاية : ٣٦١ ـ ٣٦٢.

(٦) النهاية : ٣٦٢.

(٧) السرائر : ٢ / ٢١٣.

٥٤٤

٣٩٠٣. السادس عشر : لا يجوز إقراض مال اليتيم إلّا مع المصلحة ، مثل أن يكون له مال يحتاج إلى نقله إلى غير ذلك البلد ، ويخاف الطريق ، فيقرض الثقة ، وإن استرهن كان أحوط ، وكذا لو خاف على المال النهب أو الحريق ، جاز إقراضه من الثقة ، وكذا لو كان ممّا يتلف بتطاول مدّته ، أو حديثه خير من قديمه.

ولو لم تكن لليتيم مصلحة ، بل قصد إرفاق المقترض (١) وقضاء حاجته ، لم يجز ، ولو أراد الوليّ السفر ، لم يصحبه ، بل ينبغي إقراضه من الثقة ، ولو لم يجد المقترض ، أودعه ، وله إيداعه مع وجود المقترض ، ولا ضمان عليه.

٣٩٠٤. السابع عشر : الأقرب أنّه ليس للوصيّ الاستنابة فيما يتولّى مثله بنفسه مع المكنة.

٣٩٠٥. الثامن عشر : لا يجوز للوصيّ البيع على البالغ ، سواء كان حاضرا ، أو غائبا ، وسواء كانت حقوقهم مشتركة بينهم وبين الصغار في عقار يتضرر بالقسمة أو لا ، وسواء بيع فيما لا بدّ في الصغار والكبار منه ، أو فيما منه بدّ.

٣٩٠٦. التاسع عشر : هل يجوز تصرّف الصبيّ المميّز فيما أذن له الوليّ فيه أو لا؟ الأقرب العدم ، وكذا لو تصرّف من غير إذن الوليّ ، الأقرب عدم توقّفه على الإجازة ، بل يقع باطلا على إشكال.

__________________

(١) في : بل قصد إرفاق المقترض ولا ضمان عليه وقضى حاجته لم يجز.

٥٤٥
٥٤٦

كتاب الضمان

٥٤٧
٥٤٨

المقصد الخامس : في الضمان

وهو التعهّد بالمال أو النفس وأقسامه ثلاثة : ضمان ، وحوالة ، وكفالة.

فهاهنا فصول ثلاثة.

[الفصل] الأوّل : في الضمان

ومطالبه أربعة

[المطلب] الأوّل : [في] الضامن

وفيه ثمانية مباحث :

٣٩٠٧. الأوّل : يصحّ ضمان كلّ جائز التصرّف في ماله ، سواء كان رجلا ، أو امرأة ، ولا يصحّ من غيره ، فلو ضمن المجنون ، أو المغمى عليه ، أو المبرسم (١) ، أو الطفل كان باطلا ، ولو ادّعى وقوع الضمان بعد البلوغ ، أو بعد الإفاقة ، فالقول قول المنكر ، هذا إذا عرف له حال جنون ، ولو لم يعرف وادّعى الضامن أنّه كان

__________________

(١) البرسام ـ بالكسر ـ علّة معروفة يهذى فيها ، يقال : برسم الرجل فهو مبرسم. مجمع البحرين.

٥٤٩

مجنونا وقت الضمان. قال الشيخ : إنّ القول قوله (١).

٣٩٠٨. الثاني : لا يصحّ ضمان المحجور عليه للسّفه ، ولا ضمان الصبيّ المميّز ، امّا المحجور عليه للفلس فيصحّ ، ويتبع به بعد فكّ الحجر ، ولا يشارك المضمون له الغرماء.

٣٩٠٩. الثالث : لا يصحّ ضمان العبد بغير إذن مولاه ، سواء كان مأذونا له في التجارة أو لا. وإن أذن له مولاه صحّ ، وتعلّق مال الضمان برقبته لا بكسبه ، ولو شرط أن يكون الضمان ممّا في يده أو كسبه ، وأذن المالك صحّ ، كما لو شرط في ضمان الحرّ أن يكون من مال بعينه.

٣٩١٠. الرابع : المكاتب : لا يصحّ ضمانه إلّا بإذن مولاه. كما قلنا في العبد ، وحكمه حكم القنّ في تعلّق الضمان برقبته أو كسبه ، وفي اشتراط إذن السيّد في اشتراط الضمان بالكسب ، ولو ضمن ما على العبد في ذمّته ، فالوجه الصحّة.

٣٩١١. الخامس : المريض يصحّ ضمانه إذا كان عقله ثابتا ، ثمّ إن توفّي في مرضه ، صحّ ما ضمنه من ثلث تركته ، ولو أجاز الورثة صحّ في الجميع. وكذا لو برئ من مرضه سواء مات بعد برئه ، أو لم يمت.

٣٩١٢. السادس : الزوجة يصحّ ان تضمن من دون إذن الزوج.

٣٩١٣. السابع : الأخرس يصحّ ضمانه إن علمت إشارته ، ولا تكفي كتابته بالضمان منفردة عن إشارة يفهم فيها قصده للضمان ، ولو لم تعلم إشارته لم يصحّ ضمانه.

__________________

(١) المبسوط : ٢ / ٣٣٦.

٥٥٠

٣٩١٤. الثامن : يشترط في الضامن (١) الملاءة وقت الضمان ، أو علم المضمون له بإعساره ، فلو ضمن المعسر ولم يعلم المضمون له ، كان له فسخ الضمان عند العلم بالإعسار ، والعود على المضمون عنه ، وهل يشترط الفسخ على الفور؟ إشكال.

ولا يشترط استمرار الغنى ، فلو ضمن وهو مليّ ، ثمّ أعسر لم يبطل الضمان وبرأ المضمون عنه ، ويشترط في الضامن الاختيار ، فلو ضمن مكرها ، لم يصحّ إجماعا.

المطلب الثاني : في الحق المضمون

وفيه خمسة عشر بحثا :

٣٩١٥. الأوّل : يصحّ ضمان كلّ مال ثابت في الذمّة ، سواء كان مستقرّا ، كثمن المبيع بعد انقطاع الخيار ، أو معرضا للبطلان كالثمن بعد قبضه في مدّة الخيار ، ولو كان قبل القبض لم يصحّ.

وكذا يصحّ ضمان ما ليس بلازم ، لكن يؤول إلى اللزوم ، كما في الجعالة قبل الفعل ، وكذا مال السبق والمناضلة ، أمّا لو ضمن العمل في الجعالة أو السبق ، فانّه لا يصحّ قطعا.

٣٩١٦. الثاني : لا يصحّ ضمان ما ليس بلازم ، ولا يؤول إلى اللزوم ، مثل ضمان الدين قبل تحقّقه ، بأن يقول : ضمنت عنه ما يستدينه منك ، أو ما تعطيه فهو من ضماني ، سواء أطلق أو عيّن ، مثل ضمنت ما تعطيه من درهم إلى عشرة.

__________________

(١) في «أ» : في الضمان.

٥٥١

وقد نصّ الشيخ على لزوم من قال : الق متاعك في البحر وعليّ ضمان قيمته ، ويكون ذلك بدل ماله ، ويكون غرضه التخفيف عن السفينة وتخليص النفوس ، وكذا قال : يصحّ لو قال لغيره : طلّق امرأتك وعليّ ألف ، ففعل ، ويلزمه الألف لجواز أن يعلم أنّه على فرج حرام ، يستنزله ببذل ماله ، وكذا لو قال : أعتق عبدك وعليّ ألف ، أو قال للكافر : فكّ هذا الأسير وعليّ ألف. (١)

وهذا إن صحّ ، فلأنّه في محلّ الحاجة ، بخلاف غيره.

٣٩١٧. الثالث : يصحّ ضمان الحق المجهول ، ولا يشترط العلم بكميّة المال. فلو ضمن ما في ذمّته صحّ ، ويلزمه ما يقوم به البيّنة أنّه كان ثابتا في ذمّته وقت الضمان ، لا ما يوجد في كتاب ، ولا ما يقرّ به المضمون عنه ، ولا ما يحلف عليه المضمون له بردّ اليمين من المضمون عنه ، أمّا لو كان الردّ من الضامن ، فإنّه يلزمه ، ولو ضمن ما تقوم البيّنة عليه ، لم يصحّ لعدم العلم بثبوته في الذمّة وقت الضمان.

وقال الشيخ في النهاية : لو قال : أنا أضمن له ما يثبت لك عليه ، إن لم آت به إلى وقت كذا ، ثمّ لم يحضره ، وجب عليه ما قامت به البيّنة للمضمون عنه ، ولا يلزمه ما لم تقم به البيّنة ممّا يخرج به الحساب في دفتر أو كتاب ، وانّما يلزمه ما قامت به البيّنة ، أو يحلف خصمه عليه، فإن حلف على ما يدّعيه، واختار هو ذلك وجب عليه الخروج منه(٢).

__________________

(١) المبسوط : ٢ / ١٩٨ ـ كتاب الرهن ـ ولاحظ أيضا المبسوط : ٧ / ١٧١ ـ كتاب الديات ـ والخلاف : ٥ / ٢٧٥ ، المسألة ٩٥ من كتاب الديات.

(٢) النهاية : ٣١٦.

٥٥٢

وقال في المبسوط : لا يصحّ ضمان المجهول ، سواء كان واجبا حال الضمان ، أو غير واجب ، ولا يصحّ ضمان ما لم يجب سواء كان معلوما أو مجهولا ، فالمجهول غير الواجب مثل أن يقول : ضمنت لك ما تعامل به فلانا ، أو (ما) (١) تقرضه ، فهذا لا يصحّ ، لجهالته ، ولعدم وجوبه ، والمجهول الواجب مثل أن يقول : أنا ضامن لما يقضي لك به القاضي على فلان ، أو ما تشهد لك به البيّنة من المال عليه ، أو ما يكون مثبتا في دفترك ، فهذا لا يصحّ لجهالته ، وإن كان واجبا في الحال ، وقال قوم من أصحابنا (٢) : إنّه يصحّ أن يضمن ما تقوم به البيّنة دون ما يخرج به دفتر الحساب ، ولست أعرف به نصّا. (٣)

وكلامه في النهاية مشكل ، وما ذكره في المبسوط لا ينافي ما اخترناه إن قصد ما قلناه ، والظاهر أنّ قصده هنا أنّ ضمان المجهول مطلقا لا يصحّ ، والأقوى ما فصّلناه نحن أوّلا.

٣٩١٨. الرابع : أرش الجناية يصحّ ضمانه ، سواء كان نقودا ، أو حيوانا ، أو غيرهما.

٣٩١٩. الخامس : يصحّ ضمان نفقة الزّوجة الماضية ، وضمان نفقة اليوم ، لأنّها تجب بأوّله ، ولا يصحّ ضمان نفقة المستقبل ، لتوقّفها على التمكين ، وفي الفرق بين مال الجعالة قبل العمل ، وبين النفقة المستقبلة إشكال.

ولا فرق في صحّة ضمان الماضية بين أن يحكم بها حاكم أو لا ، ولا بين

__________________

(١) ما بين القوسين موجود في المصدر.

(٢) منهم المفيد في المقنعة : ٨١٥ ، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه : ٣٤٠.

(٣) المبسوط : ٢ / ٣٣٥.

٥٥٣

أن تكون معلومة أو مجهولة ، على ما اخترناه في جواز ضمان المجهول خلافا للشيخ في بعض أقواله (١) ولا بن إدريس (٢) وإذا ضمن النفقة الماضية ، وجب على الضامن نفقة مثل المرأة على قدر حال الرجل ، وقال الشيخ : تجب نفقة المعسر. (٣)

٣٩٢٠. السادس : يصحّ ضمان مال السلم ، لثبوته في الذمّة.

٣٩٢١. السابع : قال الشيخ : لا يصحّ ضمان مال الكتابة لعدم لزومه في الحال ، إذ للمكاتب إسقاطه بتعجيز نفسه ، ولا يؤول إلى اللزوم ، لأنّ المكاتب إذا أدّى المال عتق ، وخرج من كونه مكاتبا ، فلا يتصوّر أن يلزمه مال الكتابة بحيث لا يكون له الامتناع من أدائه (٤) والأقرب عندي جواز ضمانه ، ويمنع جواز تعجيز المكاتب نفسه ، وينعتق بالضمان.

٣٩٢٢. الثامن : الأعيان المضمونة ـ كالمغصوب في يد الغاصب ، والمستعار في يد المستعير مع شرط الضمان ، والمقبوض بالبيع الفاسد ـ يصحّ ضمانها.

٣٩٢٣. التاسع : الأمانات كالوديعة ، والعين المؤجرة ، ومال المضاربة والشركة ، والمستعار مع عدم التضمين ، والعين المدفوعة إلى الصانع ، لا يصحّ ضمانها ، ولو ضمن من هي في يده بتفريط أو تعدّ ، صحّ ضمانها ، أمّا قبل ذلك فلا ، ولو ضمنها إن تعدّى فيها ، لم يصحّ.

٣٩٢٤. العاشر : يصحّ ضمان العهدة عن البائع والمشتري ، أمّا عن البائع فعهدة المثمن متى خرج المبيع مستحقّا ، وإنّما يصحّ هذا الضمان إذا

__________________

(١) النهاية : ٣١٥.

(٢) السرائر : ٢ / ٧٢.

(٣) المبسوط : ٢ / ٣٢٦.

(٤) المبسوط : ٢ / ٣٢٥.

٥٥٤

قبض البائع الثمن ، أمّا قبله فلا ، وأمّا عن المشتري فضمان الثمن الواجب بالبيع قبل تسليمه ، أو إن ظهر مستحقّا.

والعهدة اسم للكتاب الّتي يكتب فيه وثيقة البيع ، ويذكر فيه الثمن ، فنقل إلى الثمن المضمون ، والوجه أنّ ضمان العهدة ناقل ، فلو خرج المبيع مستحقّا كان للمشتري الرجوع على الضامن دون البائع (١).

٣٩٢٥. الحادي عشر : ألفاظ ضمان العهدة أن يقول : ضمنت عهدته ، أو ضمنت عنه ، أو ضمنت دركه ، أو يقول للمشتري : خلاصك منه ، ولو ضمن خلاص المبيع لم يصحّ ، لأنّه إذا خرج حرّا ، لم يحل تخليصه ، وإن خرج مستحقّا لم يستطع إلّا بالبيع ، وذلك ضمان ما لم يجب فلم يصحّ ، وإن ضمن عهدة المبيع وخلاصه ، بطل في الخلاص ، وصحّ في العهدة.

٣٩٢٦. الثاني عشر : إذا ضمن العهدة عن البائع ، فاستحقاق رجوع المشتري بالثمن ، إن كان لسبب حادث بعد العقد مثل تلف المبيع قبل قبضه ، أو غصبه منه ، أو يحصل التقايل بينه وبين البائع ، فانّ المشتري يرجع على البائع خاصّة دون الضامن ، وإن كان بسبب مقارن ، فإن كان بغير تفريط من البائع ، كأخذه بالشفعة ، فإنّ المشتري يأخذ الثمن من الشفيع دون البائع والضامن ، وإن كان بتفريط من البائع. فإن كان باستحقاق أجرته ، كان له الرجوع على الضامن ، وإن كان بالردّ بالعيب ، فالوجه أنّه لا يرجع على الضامن.

ولو أراد أخذ أرش العيب ، فالوجه أنّه لا يرجع على الضامن أيضا ، بل يرجع في ذلك كلّه على البائع.

__________________

(١) في «ب» : من دون البائع.

٥٥٥

ولو خرج بعض المبيع مستحقّا ، أو حرّا ، فاختار المشتري الفسخ ، كان له الرجوع على الضامن بما قابل المستحقّ والحريّة من الثمن خاصّة ، ويرجع على البائع بالباقي.

٣٩٢٧. الثالث عشر : إذا ضمن عن البائع ، أو ضمن البائع ما يحدثه المشتري من بناء وغرس ، لم يصحّ ، لعدم وجوبه ، قال الشيخ : لا يصحّ لأنّه ضمان ما لم يجب (١) ويحتمل الجواز للزومه بالعقد على ضعف.

قال الشيخ : ولو شرط في البيع ذلك بطل البيع. وكذا لو شرطاه في مدّة الخيار لا بعد انقضائه ٢ وهو بناء على قوله بعدم انتقال الملك قبل الخيار.

٣٩٢٨. الرابع عشر : يصحّ ضمان نقصان الصحّة ، وفي صحّة ضمان رداءة الجنس في البيع إشكال ، أقربه الجواز ، وكذا الأقرب جواز ضمان أرش العيب وعهدة تلحق بالمبيع ، إمّا بالعيب ، أو بالفساد من جهة أخرى غير كونه مستحقّا على إشكال ، لكن ذلك كلّه لا يندرج تحت ضمان مطلق العهدة على تردّد.

٣٩٢٩. الخامس عشر : يصحّ ضمان الثمن في مدّة الخيار ، والأقرب جواز «ضمنت» من واحد إلى عشرة.

المطلب الثالث : في باقي أركان الضمان

وهي ثلاثة : المضمون عنه ، والمضمون له ، وعقد الضمان وفيه خمسة مباحث :

٣٩٣٠. الأوّل : المضمون عنه كلّ من في ذمّته حقّ ماليّ ، ولا يشترط رضاه

__________________

(١) و ٢. المبسوط : ٢ / ٣٢٨.

٥٥٦

في الضمان ، فلو ضمن عنه لزم الضمان ، وإن كره المضمون عنه ، أو ردّه بعد الضمان. أمّا المضمون له ، فإنّه يشترط رضاه ، فلو ضمن من غير رضا المضمون له ، لم يصحّ ، وكذا يعتبر رضا الضامن ، وقد تقدّم.

٣٩٣١. الثاني : لا يشترط في صحّة الضّمان معرفة الضامن للمضمون عنه(١) وللشيخ قولان (٢) هذا أجودهما ، نعم يجب تمييزه بما يصحّ معه القصد إلى الضمان عنه بخصوصيّته.

٣٩٣٢. الثالث : يصحّ الضمان عن الميّت ، سواء ترك وفاء أو لا ، وسواء ترك ضامنا ضمن عنه في حياته أو لا ، وكذا يصحّ الضمان عن المفلّس.

٣٩٣٣. الرابع : لا يشترط معرفة الضامن للمضمون له ، بل يصحّ ضمانه وإن جهل المضمون له ، وللشيخ قولان (٣) ويشترط رضاه قولا واحدا ، والأقرب اعتبار قبوله.

٣٩٣٤. الخامس : الضمان عقد جائز بالنصّ والإجماع ، قال الله تعالى : (وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ). (٤)

وقال عليه‌السلام : «الزعيم غارم». (٥)

__________________

(١) في «أ» : بالمضمون عنه.

(٢) احدهما عدم الاشتراط ، ذهب إليه في الخلاف : ٣ / ٣١٣ ، المسألة ١ من كتاب الضمان. والثاني الاشتراط ، ذهب إليه في المبسوط : ٢ / ٣٢٣.

(٣) قول بعدم الاشتراط ، ذهب إليه في الخلاف : ٣ / ٣١٣ ، المسألة ١ من كتاب الضمان. وقول بالاشتراط ، اختاره في المبسوط : ٢ / ٣٢٣.

(٤) يوسف : ٧٢.

(٥) سنن الترمذي : ٣ / ٥٦٥ برقم ١٢٦٥ ؛ وسنن ابن ماجة : ٢ / ٨٠٤ برقم ٢٤٠٥ ؛ والسنن الكبرى : ٦ / ٧٢ ؛ ومسند أحمد بن حنبل : ٥ / ٢٦٧ ؛ والمغني لابن قدامة : ٤ / ٧١ ـ ٧٢.

٥٥٧

ولا خلاف بين العلماء كافّة في جوازه ، وهو عقد لازم من جهة الضامن.

واشتقاقه إمّا من الضمّ بمعنى أنّ ذمّة الضامن ينضمّ إلى ذمّة المضمون عنه ، أو من التضمين ، لأنّ ذمّة الضامن تتضمّن الحقّ ، ويقال : ضمين ، وكفيل ، وقبيل ، وحميل ، وزعيم ، وصبير ، بمعنى واحد.

وعبارته : ضمنت ، وتكفّلت ، وتحمّلت ، وما ينبئ عن اللزوم. ولو كتب وانضمّت (إلى كتابه) (١) القرينة الدالة ، انعقد الضمان ، وإلّا فلا. ولا ينعقد بقوله أؤدّي. أو أحضر.

ولا يقع إلّا منجّزا ، فلو علّقه بمجي‌ء الشهر فسد ، بخلاف ما لو نجّزه وعلّق الاداء.

ولا يدخله الخيار. ولو شرط فيه الخيار ، ففي إبطال الضمان إشكال.

المطلب الرابع : في الأحكام

وفيه عشرون بحثا :

٣٩٣٥. الأوّل : الضمان إذا صحّ لزم الضامن أداء ما ضمن ، وكان للمضمون له مطالبته بلا خلاف ، ولا اعتبار بتعذّر مطالبة المضمون عنه.

٣٩٣٦. الثاني : الضمان ناقل للمال من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن ، ولا يجوز للمضمون له مطالبة المضمون عنه ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون المضمون عنه حيّا ، أو ميّتا ، ويبرأ المضمون عنه بالضمان ، وإن لم يؤدّ الضّامن ،

__________________

(١) ما بين القوسين موجود في «أ».

٥٥٨

ولو أبرأ المضمون له ذمّة المضمون عنه ، لم يبرأ الضامن. ولو أبرأ ذمّة الضامن ، برئا جميعا ، ولم يكن للضّامن مطالبة المضمون عنه بشي‌ء.

٣٩٣٧. الثالث : إذا أطلق الضمان صحّ ، وله أن يطالب به أيّ وقت شاء ، وإن كان مؤجّلا صحّ أيضا ، ولو كان الدّين حالّا فضمنه مؤجّلا صحّ ، وكذا لو كان الدّين مؤجّلا فضمنه حالّا على إشكال ، والأقرب أنّه ليس له مطالبة المضمون عنه قبل الأجل ، وإن ضمن بإذنه وأدّى حالّا.

ولو كان مؤجّلا فضمنه إلى أجل أزيد أو أنقص على إشكال صحّ.

وللشيخ قول بالمنع من الضمان الحالّ مطلقا (١) وقول آخر : بالمنع من ضمان المؤجّل حالّا (٢).

٣٩٣٨. الرابع : إذا ضمن الحالّ مؤجّلا صحّ ، وبرئت ذمّة المضمون عنه ، وليس للضّامن مطالبة المضمون عنه إلّا بعد الأداء ، وليس للمضمون له مطالبة الضّامن قبل الأجل ، ولو قضاه الضامن قبل الأجل ، فالوجه أنّه ليس له مطالبة المضمون عنه إلّا بعد الأجل ، ولو كان الدّين مؤجّلا فضمنه حالّا ، وجب عليه الدفع في الحال ، وليس له مطالبة المضمون عنه إلّا بعد الحلول والأداء.

٣٩٣٩. الخامس : إذا ضمن مؤجّلا ، فمات الضامن حلّ الدّين عليه ، وليس لورثته الرجوع على المضمون عنه إلّا بعد الأداء وانقضاء الأجل إن كان الأصل مؤجّلا ، ولا اعتبار بموت المضمون عنه.

__________________

(١) اختاره في النهاية : ٣١٥ ـ باب الكفالات والضمانات والحوالات ـ.

(٢) ذهب إليه في المبسوط : ٢ / ٣٤١.

٥٥٩

٣٩٤٠. السادس : يصحّ ترامي الضمان ، فيجوز الضمان عن الضامن ويتحوّل الحقّ إلى ذمّة الأخير ، ومتى أدّى أحدهم ، أو المضمون عنه ، برئ الجميع ، وإن أبرأ المالك الضامن الأخير ، فكذلك ، ولو أبرأ من قبله من الضمناء ، أو المضمون عنه ، لم يبرأ أحد ، ولو أدّى الضامن الأخير ، رجع على الضامن الّذي قبله ، وهكذا إلى أن يرجع الحال إلى المضمون عنه ، وليس للفرع مطالبة السابق على أصله ، وإن تعذّر الاستيفاء من الأصل.

٣٩٤١. السابع : يجوز للمضمون عنه أن يضمن الضامن ، فيتحوّل الحقّ إلى ذمّته كما كان قبل الضمان ، ومنع الشيخ من ذلك لئلّا يصير الفرع أصلا (١) وليس بشي‌ء ، وتابعه ابن البرّاج. ولو ضمن المضمون عنه عن الضامن من غير مال الضمان ، جاز قولا واحدا.

٣٩٤٢. الثامن : يجوز تعدّد الضمان بأن يضمن اثنان فما زاد واحدا ، فإن ضمن كلّ واحد منهما بعض الدّين صحّ ، وبرئ المضمون عنه ، وكان على كلّ واحد منهما قدر ما ضمنه ، سواء تساويا ، أو اختلفا ، وإن ضمن كلّ واحد منهما جميع ما عليه ، صحّ ضمان السابق.

ولو اقترنا بأن يضمنا من المالك والوكيل في وقت واحد ، فيه تردّد بين البطلان ، لتحقّق ضمان كلّ واحد منهما حال ضمان الآخر ، أعني حالة براءة الذمّة ، وبين الصحّة مع القرعة أو التنصيف ، وبين بطلان ضمان الوكيل ، من حيث إنّه فعل حين فعل الموكّل متعلّق الوكالة ، أعني حالة بطلان الوكالة.

__________________

(١) المبسوط : ٢ / ٣٤٠.

٥٦٠