تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-66-5
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٠١

أتاك زائرا بعد موتك فله الجنة» (١).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من زار أمير المؤمنين عليه‌السلام ماشيا ، كتب الله له بكلّ خطوة حجّة ، فإن رجع ماشيا كتب الله له بكلّ خطوة حجّتين وعمرتين» (٢).

والأحاديث في ذلك كثيرة (٣).

٢٦٥٣. الرابع : الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، الإمام الزكيّ ، كنيته أبو محمد أحد سيدي شباب أهل الجنة ، ولد بالمدينة في شهر رمضان ، سنة اثنين من الهجرة ، وقبض في المدينة مسموما في صفر سنة تسع وأربعين من الهجرة ، وله سبع وأربعون سنة.

أمّه فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، دفن بالبقيع.

وفي زيارته فضل كثير ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسين عليه‌السلام :

«من زارني حيّا أو ميتا ، أو زار أباك حيّا أو ميّتا ، أو زار أخاك حيّا أو ميّتا ، أو زارك حيّا أو ميّتا ، كان حقّا عليّ ان استنقذه يوم القيامة» (٤).

٢٦٥٤. الخامس : الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، الإمام الشهيد أحد سيدي شباب أهل الجنة ، كنيته أبو عبد الله ، ولد بالمدينة آخر شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث من الهجرة ، وقبض عليه‌السلام بكربلاء من أرض العراق قتيلا يوم الاثنين وقيل : الجمعة ،

__________________

(١) التهذيب : ٦ / ٤٠ برقم ٨٤.

(٢) التهذيب : ٦ / ٢٠ برقم ٤٦.

(٣) لاحظ التهذيب : ٦ / ٢٠ ، الباب ٧ فضل زيارته عليه‌السلام.

(٤) التهذيب : ٦ / ٤٠ برقم ٨٣ ، وفيه «الحسن» بدل «الحسين» عليه‌السلام.

١٢١

وقيل : السبت (١) عاشر المحرّم قبل الزوال سنة إحدى وستّين من الهجرة ، وله ثمان وخمسون سنة.

أمّه فاطمة سيدة نساء العالمين بنت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قبره بالطف بكربلاء ونينوى والغاضرية في قرى النهروان.

وفي زيارته فضل كثير ، روى محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام ، قال :

«مروا شيعتنا بزيارة الحسين عليه‌السلام ، فأنّ إتيانه يزيد في الرزق ويمدّ في العمر ، ويدفع مواقع السوء. وإتيانه مفترض على كل مؤمن يقرّ بالإمامة من الله» (٢).

وعن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : «من أتى قبر الحسين عليه‌السلام في السنة ثلاث مرّات أمن من الفقر» (٣).

ويستحبّ زيارته في يوم عرفة والعيدين وأوّل رجب ونصفه ونصف شعبان وليلة القدر ويوم عاشوراء والعشرين من صفر وفي كلّ شهر.

ويستحبّ زيارة الشهداء عنده وزيارة ولده عليّ عليه‌السلام المقتول معه وزيارة العباس.

٢٦٥٥. السادس : يستحبّ زيارة الأئمة في البقيع وهم : الحسن بن علي عليه‌السلام ، وقد تقدم ، وعليّ بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام ، كنيته أبو محمد ، ولد بالمدينة سنة ثلاث وثلاثين (٤) من الهجرة ، وقبض عليه‌السلام بالمدينة سنة خمس وتسعين ، وله

__________________

(١) لاحظ التهذيب : ٦ / ٤٢ ، الباب ١٥ (نسب أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام).

(٢) التهذيب : ٦ / ٤٢ برقم ٨٦.

(٣) التهذيب : ٦ / ٤٨ برقم ١٠٦.

(٤) كذا في النسخ ، والصحيح ثمان وثلاثين بشهادة قوله بعده : وله سبع وخمسون سنة.

١٢٢

سبع وخمسون سنة ، أمّه شاه زنان بنت يزد جرد بن كسرى ، وقبره مع عمّه الحسن عليه‌السلام بالبقيع.

ومحمد بن عليّ بن الحسين عليه‌السلام ، باقر علم الأوّلين والآخرين ، كنيته أبو جعفر ، ولد بالمدينة سنة سبع وخمسين من الهجرة ، وقبض بالمدينة سنة أربع عشر ومائة ، وسنّه سبع وخمسون سنة ، أمّه أمّ عبد الله بنت الحسن بن علي عليه‌السلام ، وهو هاشميّ من هاشميّين ، علويّ من علويّين. وقبره بالبقيع مع أبيه وعم أبيه عليهما‌السلام.

وجعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام ، كنيته أبو عبد الله ، ولد بالمدينة سنة ثلاث وثمانين من الهجرة وقبض بالمدينة في شوّال سنة ثمان وأربعين ومائة ، وله خمس وستّون سنة ، أمّه أمّ فروة بنت القاسم بن محمد النجيب بن أبي بكر ، وقبره مع أبيه وجده وعمّه الحسن بن عليّ عليهم‌السلام.

وفي زيارتهم فضل كثير ، قال الصادق عليه‌السلام :

«من زار الأئمة بالبقيع غفر له ذنوبه ولم يمت فقيرا» (١).

وقال العسكري عليه‌السلام : «من زار جعفرا وأباه لم يشتك عينه ولم يصبه سقم ولم يمت قتيلا» (٢).

٢٦٥٦. السابع : موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، الكاظم العبد الصالح عليه‌السلام ، كنيته أبو محمد ، ويكنّى أبا إبراهيم وأبا علي وأبا الحسن عليه‌السلام ، ولد

__________________

(١) التهذيب : ٦ / ٧٨ برقم ١٥٣ ، لكن فيه : من زارني غفرت له ذنوبه ولم يمت فقيرا.

(٢) الوسائل : ١٠ / ٤٢٦ ، الباب ٧٩ من أبواب المزار برقم ٢.

١٢٣

بالأبواء (١) سنة ثمان وعشرين ومائة من الهجرة ، وقبض مسموما ببغداد في حبس السندي بن شاهك ، لستّ بقين من رجب ثلاث وثمانين ومائة ، وله خمس وخمسون سنة.

أمّه أمّ ولد ، يقال لها : حميدة البربرية ، قبره ببغداد من مدينة السلام في المقبرة المعروفة بمقابر قريش.

في زيارته فضل كثير : قال الرضا عليه‌السلام :

«من زار قبر أبي ببغداد كمن زار قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبر أمير المؤمنين عليه‌السلام ، إلّا أنّ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولأمير المؤمنين عليه‌السلام فضلهما» (٢).

٢٦٥٧. الثامن : عليّ بن موسى بن جعفر الرضا عليه‌السلام ، وليّ المؤمنين ، كنيته أبو القاسم ، ويكنّى أبا الحسن ، ولد بالمدينة سنة ثمان وأربعين ومائة من الهجرة ، وقبض بطوس في سناباد من أراضي خراسان في سنة ثلاث ومائتين ، وله خمس وخمسون سنة. أمّه أمّ ولد ، يقال لها أمّ أنس.

وفي زيارته فضل كثير : قال الرضا عليه‌السلام :

«من زارني على بعد داري ومزاري أتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن حتّى أخلّصه من أهوالها : إذا تطايرت الكتب يمينا وشمالا ، وعند الصراط ، والميزان» (٣).

__________________

(١) الأبواء : قرية من أعمال الفرع من المدينة بينها وبين الجحفة ممّا يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا ، قال ياقوت الحموي : وفيها قبر آمنة أمّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. معجم البلدان : ١ / ٧٩.

(٢) الوسائل : ١٠ / ٤٢٧ ، الباب ٨٠ من أبواب المزار برقم ٢.

(٣) الوسائل : ١٠ / ٤٣٣ ، الباب ٨٢ من أبواب المزار برقم ٢.

١٢٤

٢٦٥٨. التاسع : محمد بن علي بن موسى بن جعفر الجواد عليه‌السلام ، كنيته أبو جعفر ، ولد بالمدينة في شهر رمضان سنة خمس وتسعين ومائة من الهجرة ، وقبض ببغداد في آخر ذي القعدة سنة عشرين ومائتين ، وله خمس وعشرون سنة.

أمّه أمّ ولد يقال لها : خيزران ، دفن ببغداد في مقابر قريش عند جدّه الكاظم عليه‌السلام.

وفي زيارته فضل كثير ، روى إبراهيم بن عقبة قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام ، أسأله عن زيارة أبي عبد الله عليه‌السلام وزيارة أبي الحسن وأبي جعفر عليهما‌السلام ، فكتب إليّ : أبو عبد الله المقدم وهذا أجمع وأعظم أجرا (١).

٢٦٥٩. العاشر : عليّ بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر ، الإمام المنتجب الهادي عليه‌السلام ، كنيته أبو الحسن ، ولد بالمدينة منتصف ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة ومائتين للهجرة ، وقبض بسرّ من رأى في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين ، وله إحدى وأربعون سنة وتسعة أشهر.

أمّه أمّ ولد يقال لها : سمانة ، قبره بداره في سرّ من رأى.

وفي زيارته فضل كثير ، روى زيد الشحام ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما لمن زار أحدا منكم؟ قال : كمن زار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

٢٦٦٠. الحادي عشر : الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن

__________________

(١) الوسائل : ١٠ / ٤٤٧ ، الباب ٨٩ من أبواب المزار برقم ١.

(٢) الوسائل : ١٠ / ٢٥٦ ، الباب ٢ من أبواب المزار برقم ١٥.

١٢٥

جعفر عليه‌السلام ، الإمام العسكري ، كنيته أبو محمد ، ولد بالمدينة في ربيع الآخر سنة اثنين وثلاثين ومائتين ، وقبض بسرّ من رأى لثمان خلون من ربيع الأوّل سنة ستين ومائتين ، وله ثمان وعشرون سنة.

أمّه أمّ ولد يقال لها : حديثة ، قبره إلى جانب قبر أبيه في الدار الّتي لأبيه بسرّ من رأى.

وفي زيارته فضل كثير ، قال عليه‌السلام : «قبري بسرّ من رأى أمان لأهل الجانبين» (١).

قال المفيد : إذا أردت زيارة الإمامين بسرّ من رأى فقف بظاهر الشباك (٢).

قال الشيخ : هذا المنع من دخول الدار أحوط ، ولو دخلها لم يكن مأثوما (٣).

ويستحبّ زيارة القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف في كلّ وقت في كلّ مكان.

٢٦٦١. الثاني عشر : يستحبّ زيارة سلمان بالمنقول ، وكذا زيارة المؤمنين ، قال الرضا عليه‌السلام :

«من أتي قبر أخيه المؤمن من أيّ ناحية يضع يده ويقرأ إنّا أنزلناه سبع مرات أمن من فزع الأكبر (٤)».

__________________

(١) الوسائل : ١٠ / ٤٤٨ ، الباب ٩٠ من أبواب المزار برقم ٢.

(٢) المقنعة : ٤٨٦.

(٣) التهذيب : ٦ / ٩٤ ، الباب ٤٤.

(٤) الوسائل : ٢ / ٨٦٢ ، الباب ٥٧ من أبواب الدفن برقم ١ و ٢.

١٢٦

كتاب الجهاد وتوابعه

١٢٧
١٢٨

وفيه فصول

[الفصل] الأوّل : من يجب عليه

وفيه اثنان وعشرون بحثا :

٢٦٦٢. الأوّل : الجهاد من أعظم أركان الإسلام ، وفيه ثواب عظيم ، قال الله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً). (١)

وقال رسول الله : «والّذي نفسي بيده ، لغدوة في سبيل الله ، أو روحة خير من الدنيا وما فيها» (٢).

وقال عليه‌السلام : «فوق كلّ ذي برّ برّ حتّى يقتل في سبيل الله ، فإذا قتل في سبيل الله ، فليس فوقه برّ، وفوق كل ذي عقوق عقوق حتّى يقتل أحد والديه فليس فوقه عقوق» (٣).

__________________

(١) النساء : آية ٩٥.

(٢) الوسائل : ١١ / ١٠ ، الباب ١ من أبواب جهاد العدوّ ، برقم ٢١.

(٣) التهذيب : ٦ / ١٢٢ برقم ٢٠٩.

١٢٩

والأخبار في ذلك كثيرة.

وهو واجب بالنصّ والإجماع ، ووجوبه على الكفاية ، إذا قام به من في قيامه كفاية وغنا ، سقط عن الباقين ، وهو سائغ في كلّ وقت ، إلّا في الأشهر الحرم : ـ هي رجب وذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ـ فانّه لا يسوغ القتال فيها لمن يرى لها (١) حرمة ، ومن لا يرى لها حرمة ، جاز قتاله فيها ، ويجوز في كلّ مكان ، وقد كان محرّما في الحرم فنسخ.

٢٦٦٣. الثاني : المهاجرة واجبة ، والناس فيها على أقسام ثلاثة :

أحدها : من يجب عليه ، وهو من أسلم في بلاد الشرك ، وكان مستضعفا فيهم ، لا يمكنه إظهار دينه ، ولا عذر له من مرض ، وغيره.

الثاني : من يستحبّ له ، وهو من أسلم بين المشركين ، وله عشيرة تحميه عنهم ، ويمكنه إظهار دينه ، ولا ضرر عليه في المقام عندهم ، كالعباس.

الثالث : من يسقط عنه وجوبا واستحبابا ، وهو الممنوع بمرض (٢) أو ضعف أو عدم نفقة.

والهجرة باقية ما دام الشرك باقيا.

٢٦٦٤. الثالث : الذكورة شرط في وجوب الجهاد ، فلا يجب على المرأة ، ولا الخنثى المشكل ، ومن التحق بالرجال وجب عليه الجهاد.

٢٦٦٥. الرابع : البلوغ شرط ، فلا يجب الجهاد على الصبيّ حتّى يبلغ.

__________________

(١) في «أ» : لمن يرى فيها.

(٢) في «أ» : لمرض.

١٣٠

٢٦٦٦. الخامس : العقل شرط في الوجوب ، فلا يجب على المجنون.

٢٦٦٧. السادس : الحرية شرط في الوجوب ، فلا يجب على العبد ولا المدبّر ولا المكاتب المشروط ، ولا المطلق ، وإن انعتق أكثره.

٢٦٦٨. السابع : الإسلام ليس شرطا في الوجوب بل يجب على الكفّار.

٢٦٦٩. الثامن : لو اخرج الإمام العبيد بإذن ساداتهم ، والنساء والصبيان ، جاز الانتفاع بهم ، ولا يخرج المجنون لعدم الانتفاع به.

٢٦٧٠. التاسع : يسقط فرض الجهاد عن الشيخ الكبير لعجزه وضعف قوّته عن الحرب ، وعن الأعمى ، والأعرج (١) ، إذا لم يقدر على المشي أو الركوب ، وعن المريض إذا كان يضرّ به.

٢٦٧١. العاشر : لو احتاج إلى نفقة ، وعجز عنها ، سقط عنه فرض الجهاد ، فإذا كانت المسافة قصيرة ، لم يجب عليه حتّى يكون له زاد ونفقة عياله في غيبته ، وسلاح يقاتل به ، وإن كانت طويلة ، افتقر مع ذلك إلى وجود الراحلة. والضابط ، الحاجة إليها ، سواء قصرت المسافة أو طالت. والشيخ اعتبر مسافة التقصير (٢) وليس بمعتمد.

٢٦٧٢. الحادي عشر : إذا قام بالجهاد من فيه كفاية ، سقط عن الباقين ، ولا يجب على غيرهم إلّا أن يعيّنه الإمام ، لاقتضاء المصلحة ، أو قصور القائمين (٣) عن الدفع ، أو تعيّنه على نفسه بالنذر أو بالاستيجار أو إذا التقى الزحفان وتقابل الصفّان. (٤)

__________________

(١) في «ب» : وعن الأعرج.

(٢) المبسوط : ٢ / ٥.

(٣) في «أ» : «الغانمين».

(٤) في «ب» : ويقاتل الصفان.

١٣١

٢٦٧٣. الثاني عشر : من تعيّن عليه الجهاد ، وجب أن يخرج بنفسه ، أو يستأجر غيره عنه إلّا أن يعيّنه الإمام.

٢٦٧٤. الثالث عشر : الجهاد قد يكون للدعاء إلى الإسلام ، وقد يكون للدفع ، بأن يدهم المسلمين عدوّ ، ويشترط في الأوّل إذن الإمام العادل أو من يأمره الإمام ، والثاني : يجب مطلقا ، وكذا لو كان المسلم في أرض العدوّ من الكفّار ساكنا بينهم بأمان ، فدهمهم قوم من المشركين وخشى على نفسه ان يتخلّف (١) ، جاز له مساعدة الكفّار ، ويقصد بالجهاد الدفع عن نفسه لا معاونة المشركين ، وكذا من خشي على نفسه مطلقا ، أو ماله إذا غلبت السلامة ، جاز أن يجاهد للدفع.

٢٦٧٥. الرابع عشر : من وجب عليه فاستأجر غيره للجهاد عنه ، صحت الإجارة ، ولزم الأجير الجهاد ، ولا يلزمه ردّ الأجرة.

ولو عيّنه الإمام للخروج ، لم يجز له الاستنابة ، ولا يجوز لمن وجب عليه الجهاد ، أن يجاهد عن غيره بجعل ، فإن فعل وقع عنه ووجب عليه ردّ الجعل إلى صاحبه.

قال الشيخ : «للنائب ثواب الجهاد وللمستأجر ثواب النفقة. وأمّا ما يأخذه أهل الديوان من الأرزاق ، فليس بأجرة ، بل هم يجاهدون لأنفسهم ، ويأخذون حقّا جعله الله لهم ، فإن كانوا أرصدوا أنفسهم للقتال ، وأقاموا في الثغور ، فهم أهل الفي‌ء ، لهم سهم من الفي‌ء يدفع إليهم ، وإن كانوا مقيمين في

__________________

(١) في «ب» : أن يخلف.

١٣٢

بلادهم ، يغيرون إذا حفّوا (١) ، فهم أهل الصدقات ، يدفع إليهم سهم منها» (٢).

ويستحبّ إعانة المجاهدين ومساعدتهم ، فيها فضل كثير ، من السلطان والعامة وكل أحد.

٢٦٧٦. الخامس عشر : الفقير إذا بذل له ما يحتاج إليه ، وجب عليه الجهاد حينئذ ، ولو كان على سبيل الأجرة لم يجب ، ولو عجز عن الجهاد بنفسه ، وكان موسرا ، ففي وجوب إقامة غيره قولان.

٢٦٧٧. السادس عشر : من عليه دين حالّ متمكّن من أدائه ، لم يجز له الخروج إلى الجهاد إلّا بإذن صاحبه ، أو بترك وفاء ، أو يقيم كفيلا يرضى به (٣) ، أو يوثقه برهن ، وإن لم يكن متمكّنا منه ، فالأقرب جواز خروجه بغير إذن صاحب الدين ، وإن كان مؤجّلا فالوجه انّه ليس لصاحبه المنع.

ولو تعيّن عليه الجهاد ، وجب عليه الخروج وإن كان حالا ، أذن غريمه أو لا.

ويستحبّ له أن لا يتعرّض لمظانّ القتل : بأن يبارز ، أو يقف في أوّل المقاتلة.

٢٦٧٨. السابع عشر : من له أبوان مسلمان لم يجاهد تطوّعا إلّا بإذنهما ، ولهما منعه ، ولو كانا كافرين ، جاز له مخالفتهما والخروج مع كراهتهما.

ولو تعيّن عليه بأحد الأسباب السائغة خرج مع منع أبويه المسلمين ،

__________________

(١) في «أ» : «خفوا» وفي المصدر : «خيفوا» والظاهر ما أثبتناه والمراد أحاط بهم العدو.

(٢) المبسوط : ٢ / ٧ باختلاف يسير في العبارة.

(٣) في «ب» : يرتضى به.

١٣٣

ولا يجوز لهما منعه ، وكذا جميع الواجبات ، وحكم أحدهما حكمهما معا.

ولو كان أبواه رقيقين ، ففي اعتبار إذنهما إشكال ، ولو كانا مجنونين لم يعتبر إذنهما ، ولو سافر لطلب العلم أو التجارة استحبّ له أن يستأذنهما (١) ، ولو منعاه لم يحرم عليه مخالفتهما ، بخلاف الجهاد.

ولو خرج في جهاد تطوّعا بإذنهما ، فمنعاه منه بعد مسيره وقبل وجوبه ، كان عليه أن يرجع إلّا أن يخاف ، أو يمرض ، أو يذهب نفقته ، أو نحو ذلك ، فيقيم في الطريق إن أمكنه ، وإلّا مضى مع الجيش ، فإذا حضر الصفّ ، تعيّن بحضوره ، ولم يبق لهما إذن ، ولو رجعا في الإذن بعد وجوبه عليه وتعيّنه ، لم يؤثّر رجوعهما.

ولو كانا كافرين ، فأسلما ومنعاه ، فإن كان بعد تعيّنه لم يعتدّ بمنعهما ، وإن كان قبله وجب عليه الرجوع مع المكنة ، وكذا البحث إذا أذن المدين له ثمّ رجع.

ولو أذن في الغزو والداه وشرطا عدم القتال فحضر ، تعيّن عليه القتال ، ولو خرج بغير إذنهما فحضر القتال ، لم يجز له الرجوع ، وحكم المولى إذا رجع في الإذن للعبد حكم الأبوين.

٢٦٧٩. الثامن عشر : لو تجدّد العذر قبل أن يلتقي الزحفان ، تخيّر في الرجوع والمقام إن كان العذر في نفسه كالمرض ، وإن كان في غيره كرجوع المدين ، والأبوين أو المولى في الإذن ، وجب الرجوع ، وإن كان بعد التقاء الزحفين ، جاز الرجوع في الأوّل دون الثاني.

__________________

(١) في «ب» : استحبّ له استئذانهما.

١٣٤

٢٦٨٠. التاسع عشر : يستحبّ أن يتجنب قتل أبيه المشرك(١) ، ويجوز قتله.

٢٦٨١. العشرون : الرباط فيه فضل كثير ، وهو الإقامة عند الثغر لحفظ المسلمين ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«رباط ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه ، فإن مات ، جرى عليه عمله الّذي كان يعمل ، وأجري عليه رزقه وأمن الفتّان» (٢).

وأقلّه ثلاثة أيّام وأكثره أربعون يوما ، فإن زاد كان جهادا وثوابه ثواب المجاهدين.

ويتأكّد استحباب المرابطة حال ظهور الإمام ، وأفضل الرباط المقام بأشدّ الثغور خوفا لشدة الحاجة هناك.

٢٦٨٢. الواحد والعشرون : إذا رابط حال ظهور الإمام ، فإن سوّغ له القتال جاز له ، وإن كان مستترا أو لم يسوّغه له ، لم يجز ابتداء ، بل يحفظ الكفّار من الدخول إلى بلاد الإسلام ، ويعلم المسلمين بأحوالهم ، ويقاتلهم إن قاتلوه ويقصد الدفاع (٣) عن نفسه وعن الإسلام لا الجهاد.

ويكره له نقل الأهل والذريّة إلى الثغور المخوفة ، ولو عجز عن المرابطة

__________________

(١) في «ب» : قتل ابنه المشرك.

(٢) صحيح مسلم : ٧ / ٥١ ، كتاب الجهاد ، باب فضل الرباط في سبيل الله ؛ والمغني لابن قدامة : ١٠ / ٣٧٥.

قال النووي في شرح صحيح مسلم : ١٣ / ٦١ في شرح الحديث : إنّ الفتّان في رواية الأكثرين بضمّ الفاء جمع فاتن ، وفي رواية الطبري بالفتح ، وفي رواية أبي داود في سننه من فتاني القبر.

(٣) في «أ» : ويقصد الدفع.

١٣٥

بنفسه ، فرابط فرسه (١) ، أو غلامه أو جاريته أو أعان المرابطين ، كان له في ذلك ثواب عظيم.

٢٦٨٣. الثاني والعشرون : لو نذر المرابطة ، وجب عليه الوفاء به ، سواء كان الإمام ظاهرا أو مستترا ، إلّا أنّه لا يبدأ العدوّ بالقتال ، ولا يجاهدهم إلّا على وجه الدفع.

ولو نذر أن يصرف من ماله شيئا إلى المرابطين في حال ظهور الإمام ، وجب عليه الوفاء به ، وإن كان في حال استتاره قال الشيخ : لا يجب الوفاء به بل يصرفه في وجوه البرّ (٢) ، والوجه وجوب الوفاء به. قال الشيخ : ولو خاف الشنعة من تركه ، وجب عليه حينئذ صرفه إلى المرابطة (٣). والوجه وجوب الصرف مطلقا.

ولو آجر نفسه لينوب عن غيره في المرابطة ، فإن كان الإمام ظاهرا وجب عليه الوفاء به ، وإن كان غائبا ، قال الشيخ : «لا يلزمه الوفاء به. ويردّ عليه ما أخذه.

فإن لم يجده فعلى ورثته ، فإن لم يكن له ورثة لزمه الوفاء به» (٤) ، والوجه لزوم الإجارة مطلقا ، وإذا قتل المرابط كان شهيدا ، وثوابه ثواب الشهيد (٥).

__________________

(١) في «أ» : فربط فرسه.

(٢) و (٣) و (٤) المبسوط : ٢ / ٩ ؛ والنهاية : ٢٩١.

(٥) في «ب» : ثواب الشهداء.

١٣٦

الفصل الثاني : في كيفية الجهاد ومن يجب قتاله

وفيه خمسة وعشرون بحثا :

٢٦٨٤. الأوّل : من يجب قتاله أصناف ثلاثة : البغاة ، وأهل الذّمة إذا أخلّوا بالشرائط ، وغيرهم من أصناف الكفّار ، وكلّ من يجب جهاده يجب على المسلمين النفور إليهم ، إمّا لكفّهم (١) ، أو لنقلهم إلى الإسلام ، فإن بدءوا بالقتال ، وجب جهادهم ، وإلّا فحسب المكنة ، وأقلّه في كلّ عام مرة ، ولو اقتضت المصلحة التأخير عن ذلك ، جاز بهدنة وغيرها ، ويجوز فعله في السنة مرّتين وأكثر ، ويجب مع المصلحة.

٢٦٨٥. الثاني : إنّما يجوز قتال المشركين بعد دعائهم إلى محاسن الإسلام وإلزامهم بشرائعه (٢). والداعي هو الإمام أو من نصبه ، وصورة الدّعاء : أن يطلب منهم الانقياد إلى الالتزام بالشريعة والعمل بها والإسلام وما تعبدنا الله به.

وانّما يشترط الدعاء في من لم تبلغه الدعوة ، ولا عرف بالبعثة ، أمّا العارفون بها وبالتكليف بتصديقه ، فإنّه يجوز قتالهم ابتداء من غير أن يدعوهم الإمام سواء كان الكافر حربيّا أو ذميّا ، والدعاء أفضل.

ولو بدر إنسان فقتل كافرا قبل بلوغ الدعوة إليه أساء ولا قود عليه ولا دية ، قاله الشيخ رحمه‌الله. (٣)

__________________

(١) في «ب» : امّا لكفرهم.

(٢) في «أ» : والتزامهم لشرائعه.

(٣) المبسوط : ٢ / ١٣.

١٣٧

٢٦٨٦. الثالث : الكفّار ثلاثة أصناف : من له كتاب ، وهم اليهود والنصارى ، لهم التوراة والإنجيل. فهؤلاء يطلب منهم أحد الأمرين : إمّا الإسلام أو الجزية ، ومن لهم شبهة كتاب ، وهم المجوس ، وحكمهم ، حكم أهل الكتاب.

ومن لا كتاب له ، ولا شبهة كتاب ، كعبّاد الأوثان ، ومن لا دين له يتديّن به ، وبالجملة كلّ من عدا الأصناف الثلاثة ، فانّه لا يقبل منهم إلّا الإسلام ، فإن أجابوا ، وإلّا قتلوا ، ولا يقبل منهم الجزية ، وإن كانوا عجما (١) ، أو كانوا من كفّار قريش.

٢٦٨٧. الرابع : الجهاد للدفع يجب على المقلّ والمكثر ، ولا يجوز لأحد التخلف إلّا مع الحاجة ، إمّا لحفظ المكان والأهل والمال (٢) ، أو لمنع الإمام من الخروج ، فإن أمكن استخراج إذن الإمام في الخروج إليهم ، وجب إذنه وإلّا فلا.

ولو نودي بالنفير والصلاة ، فان أمكن الجمع بأن يكون العدوّ بعيدا ، صلّوا ثمّ خرجوا ، وإلّا كان النفير أولى وصلّوا على ظهور دوابّهم ، ولو كانوا في الصلاة أو خطبة الجمعة أتمّوها.

ولا ينبغي أن تنفر الخيل إلّا عن حقيقة الأمر ، ولا أن يخرجوا مع قائد معروف بالهرب ، بل يخرجوا مع شفيق على المسلمين شجاع ، وإن كان معروفا بالمعصية.

ولا ينبغي للإمام ان يخرج معه من يخذل الناس ، ويزهدهم في الجهاد ، كمن يقول : الحرّ شديد ، أو لا يؤمن هزيمة هذا الجيش ، ولا الموجف ، وهو الّذي يقول : قد هلكت سريّة المسلمين ، ولا مدد لهم ، ولا طاقة لكم بالكفّار

__________________

(١) في «أ» : «إعجاما» والعجم بفتحتين هم الفرس. مجمع البحرين.

(٢) في «أ» : إمّا لحفظ المكان أو الأهل والمال.

١٣٨

لكثرتهم وقوّتهم ، ولهم مدد وصبر ، ولا من يعين على المسلمين بالتجسّس للكفّار ، ومكاتبتهم بأخبار المسلمين ، واطلاعهم على عوراتهم وإيواء جاسوسهم ، ولا من يوقع العداوة بين المسلمين ، ويسعى بينهم بالفساد.

ولو خرج أحدهم لم يكن له سهم ولا رضخ (١).

ولو كان الأمير أحد هؤلاء قعد الناس عنه.

٢٦٨٨. الخامس : يجوز إخراج النساء للانتفاع بهنّ ، ويستحبّ إخراج العجائز منهنّ ، ويكره الشواب (٢).

٢٦٨٩. السادس : يجوز للإمام الاستعانة بأهل الذمّة في حرب الكفّار بشرطين : أن يكون في المسلمين قلّة يحتاج معها إليهم ، وأن يكونوا ممّن يوثق بهم ، ويرضخ لهم ، ولا يبلغ به سهم المجاهدين من المسلمين (٣).

٢٦٩٠. السابع : ينبغي للأمير الرفق بأصحابه في السير ، ولا يميل مع موافقه في المذهب والنسب على مخالفه (٤) فيهما ، وأن يستشير أهل الرأي ، ويتخيّر لأصحابه المنازل الجيّدة ، كموارد المياه ، ومواضع العشب. ويحمل من نفقت دابّته (٥) مع وجود الفضل وتجوز العقبة (٦) ، ولو خاف

__________________

(١) الرّضخ : العطاء اليسير. مجمع البحرين.

(٢) في «ب» : «الشباب» والصحيح ما في المتن. والشوابّ جمع شابّة ، كدابّة ودوابّ ، مجمع البحرين.

(٣) في «ب» : سهم المجاهد من المسلمين.

(٤) في «أ» : مع موافقيه في المذهب والنسب على مخالفيه.

(٥) في «ب» : من تعقب دابته.

(٦) قال في التذكرة : وتجوز العقبة بأن يكون الفرس الواحد لاثنين لما فيه من الارفاق. تذكرة الفقهاء : ١ / ٤١٦ ـ الطبعة الحجرية ـ.

١٣٩

رجل تلف آخر لموت دابّته ، قيل : يجب بذل فاضل مركوبه ، ليجي‌ء به صاحبه.

٢٦٩١. الثامن : الجهاد موكول إلى نظر الإمام واجتهاده ، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه سائغا ، وينبغي له أن يرتّب قوما على أطراف البلاد رجالا يكفّون من بإزائهم من المشركين ، ويأمر بعمل حصون (١) لهم وخنادق ، ويجعل في كلّ ناحية أميرا يقلّده أمر الحرب وتدبير الجهاد (٢) شجاعا ناصحا عارفا ، ولو احتاجوا إلى المدد ، استحبّ للإمام ترغيب الناس في الترداد إليهم كلّ وقت ، والمقام عندهم.

٢٦٩٢. التاسع : ينبغي للإمام أن يبدأ بقتال من يليه ، ولو كان الأبعد أشدّ خطرا وأعظم ضررا ، كان الابتداء بقتاله أولى ، وكذا لو كان قريبا ، وأمكنه الفرصة من الأبعد ، أو كان الأقرب مهادنا ، أو منع من قتاله مانع ، ويستحبّ له أن يتربّص بالمسلمين مع القلّة ويؤخّر الجهاد حتّى يشتدّ أمر المسلمين.

٢٦٩٣. العاشر : إذا التقى الصفّان حرم الفرار بشرطين : أن لا يزيد الكفّار على الضعف من المسلمين ، وأن يقصد بفراره الهرب من الحرب ، ولا يحرم لو قصد التحرّف لقتال ، كأن يطلب الأمكن للقتال ، كاستدبار الشمس أو الرّيح ، أو يرتفع عن هابط ، أو يمضي إلى موارد المياه ، أو ليستند إلى جبل ، وكذا لا يحرم لو قصد التحيّز إلى فئة ، سواء بعدت المسافة أو قصرت (٣) ، وقلّت الفئة أو كثرت.

ولو غلب على ظنّه الهلاك لم يجز الفرار ، وقيل : يجوز ، ولو غلب

__________________

(١) في «ب» : بعمل حصور.

(٢) في «ب» : ويدبر الجهاد.

(٣) في «ب» : أو قربت.

١٤٠