تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-66-5
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٠١

والنسطورية (١) والملكية والفرنج والروم والأرمن وغيرهم ممّن يتدين بالإنجيل ويعمل بشريعة عيسى عليه‌السلام.

٢٨٥٠. السادس : بنو تغلب ابن وائل من العرب من ربيعة بن نزار انتقلوا في الجاهليّة إلى النصرانية ، وانتقل أيضا من العرب قبيلتان أخريان وهم تنوخ ، وبهراء فصارت القبائل الثلاث من أهل الكتاب تؤخذ منهم الجزية كما تؤخذ من غيرهم ولا تؤخذ منهم الزكاة مضاعفة.

٢٨٥١. السابع : لا يحلّ ذبائح أهل الكتاب ولا مناكحتهم وإن كانوا من بني تغلب.

٢٨٥٢. الثامن : لو غزا الإمام قوما فادّعوا انّهم أهل كتاب (٢) دخلوا فيه قبل نزول القرآن ، أخذ منهم الجزية ، ولم يكلّفهم البيّنة ، ويشترط عليهم نبذ العهد والمقاتلة إن بان كذبهم ، فإن ظهر كذبهم وجب قتالهم ، وانّما يظهر باعترافهم بأجمعهم انّهم عبّاد وثن.

ولو اعترف بعضهم انتقض عهد المعترف ، ولو شهدوا على الآخرين لم تقبل ، ولو أسلم منهم اثنان وعدلوا ثمّ شهدوا (٣) انّهم ليسوا من أهل الذمّة انتقض العهد وقوتلوا.

__________________

(١) هم أصحاب نسطور الحكيم الّذي ظهر في زمان المأمون ، وتصرف في الأناجيل برأيه وقال : إنّ الله تعالى واحد ذو أقانيم ثلاثة : الوجود والعلم والحياة. ويظهر من كلام ابن خلدون انّ النسطورية ينسبون إلى نسطوريوس البطرك ، بالقسطنطينية ويقول باقنومين وجوهرين ، وانّ مريم لم تلد إلها وإنّما ولدت إنسانا وانّما اتّحد به في المشيئة لا في الذات ، وليس هو إلها حقيقة بل بالموهبة والكرامة. لاحظ تاريخ ابن خلدون : ٢ / ١٧٨.

(٢) في «ب» : أهل الكتاب.

(٣) كذا في النسختين والأصحّ «عدلا ثمّ شهدا».

٢٠١

ولو دخل عابد وثن في دين أهل الكتاب قبل نزول القرآن ، وله ولد صغير وكبير ، فأقاما على عبادة الاوثان ، ثمّ جاء الإسلام ، فإن الصغير يقرّ على دين الذمة إن بذل الجزية دون الكبير (١).

٢٨٥٣. التاسع : في سقوط الجزية عن الفقير من أهل الكتاب قولان ، أشهرهما انّه لا يسقط ، بل ينتظر بها إلى وقت يساره ، ويؤخذ منه ما قرّر عليه في كلّ عام حال فقره ؛ اختاره الشيخ (٢) وأسقط الجزية المفيد (٣).

٢٨٥٤. العاشر : يسقط الجزية عن الصبيّ ، فإذا بلغ طولب بالإسلام أو بذل الجزية ، فإن امتنع منهما صار حربا ، فإن اختار الجزية عقدها الإمام بحسب ما يراه ، ولا اعتبار بجزية أبيه.

ولو كان الصبي ابن عابد وثن وبلغ ، طولب بالإسلام خاصّة ، فإن امتنع صار حربا ، ولو بلغ الصبي مبذّرا لم يزل الحجر عنه ، ويكون ماله في يد وليّه.

ولو أراد عقد الأمان بالجزية ، أو المصير إلى دار الحرب ، كان له ذلك ، وليس لوليّه منعه عنه ، ولو أراد أن يعقد أمانا ببذل جزية كثيرة ، فالوجه عندي انّ لوليّه منعه عن ذلك.

__________________

(١) قال المصنّف في التذكرة : ولو دخل عابد وثن في دين أهل الكتاب قبل نزول القرآن وله ابنان صغير وكبير فأقاما على عبادة الأوثان ، ثم جاء الإسلام ونسخ كتابهم ، فانّ الصغير إذا بلغ وقال : إنّني على دين أبي ، وبذل الجزية أقرّ عليه وأخذ منه الجزية لأنّه تبع أبيه في الدين لصغره ، وأمّا الكبير فإن أراد أن يقيم على دين أبيه وتبذل الجزية لم يقبل ، لأنّ له حكم نفسه ولا يصح له الدخول في الدين بعد نسخه. تذكرة الفقهاء : ١ / ٤٤٥ ـ ٤٤٦ ـ الطبعة الحجرية ـ.

(٢) المبسوط : ٢ / ٣٨.

(٣) نقله عنه المصنف أيضا في التذكرة : ١ / ٤٤٦ ـ الطبعة الحجرية ـ ولكن استظهر في مختلف من كلام الشيخ المفيد ، الوجوب. لاحظ المختلف : ٤ / ٤٥٠.

٢٠٢

٢٨٥٥. الحادي عشر : لو صالح الإمام قوما على أن يؤدّوا الجزية عن أبنائهم غير ما يدفعون عن أنفسهم ، فان كانوا يؤدّون الزائد من أموالهم جاز ، ويكون زيادة في جزيتهم ، وإن كان من أموال أولادهم لم يجز.

٢٨٥٦. الثاني عشر : لو بلغ سفيها لم تسقط الجزية عنه ، فإن اتّفق هو ووليّه على بذل الجزية وعقداها جاز ، وإن اختلفا قدّم قول وليّه وإن لم يعقد أمانا صار حربا.

٢٨٥٧. الثالث عشر : الإمام إذا عقد الذمة لرجل دخل هو وأولاده الأصاغر وأمواله في الأمان ، فإذا بلغ أولاده لم يدخلوا في ذمّة أبيهم وجزيته إلّا بعقد مستأنف.

ولو كان أحد أبويه وثنيّا ، فإن كان الأب ، لحق به ولم تقبل منه الجزية بعد البلوغ بل يقهر على الإسلام ، فإن امتنع ردّا إلى مأمنه وصار حربا (١) ، وإن كانت الأمّ ، لحق بالأب واقرّ في دار الإسلام ببذل الجزية.

٢٨٥٨. الرابع عشر : تسقط الجزية عن المجنون المطبق ، ولو لم يكن مطبقا ، فإن لم ينضبط ، اعتبر حاله بالأغلب ، وإن انضبط احتمل اعتبار الأغلب والتلفيق.

٢٨٥٩. الخامس عشر : لا تؤخذ الجزية من النساء ، ولو بذلتها عرفها الإمام أن لا جزية عليها ، فإن ذكرت أنّها تعلمه ، وطلبت دفعها ، جاز أخذها هبة ، ولو شرطته على نفسها لم يلزمها وجاز لها الرجوع في ما يجوز الرجوع في الهبة.

ولو بعثت من دار الحرب تطلب عقد الذمّة وتصير إلى دار الإسلام ، عقد

__________________

(١) في «ب» : وصار حربيّا.

٢٠٣

لها الذمّة ومكنت بشرط التزام أحكام الإسلام ، ولا يؤخذ منها شي‌ء.

ولو كان في حصن رجال وصبيان ونساء ، فامتنع الرجال من أداء الجزية ، وطلبوا الصلح على أنّ الجزية على النساء والصبيان [دون الرجال] لم يجز، وبطل الصلح إن فعل.(١)

ولو طلب النساء ذلك ، ودعوا (٢) أن تؤخذ منهنّ الجزية ، ويكون الرجال في أمان ، لم يصحّ ، ولو قتل الرجال أو لم يكن في الحصن سوى النساء فطلبن عقد الذمّة بالجزية لم يجز ذلك ، ويتوصّل إلى فتح الحصن ويسبين.

وقال الشيخ : يلزمه عقد الذمّة لهنّ ، على أن يجري عليهنّ أحكام الإسلام ولا يأخذ منهن شيئا ، فإن أخذه ردّه (٣) ولو دخلت الحربيّة دار الإسلام للتجارة بأمان ، لم يكن عليها أن تؤدي شيئا.

٢٨٦٠. السادس عشر : تؤخذ الجزية من الشيخ الفاني والزمن. والأقرب مساواة الأعمى لهما ، وتؤخذ من أهل الصوامع والرهبان.

٢٨٦١. السابع عشر : الأقرب عدم سقوط الجزية عن العبد ، واختار الشيخ سقوطها ٤ ولا فرق بين أن يكون لذميّ أو لمسلم ، ويؤدّيها مولاه عنه ، ولو كان نصفه حرّا ونصفه رقّا ، اخذ منه نصيب الحريّة ومن مولاه نصيب الرقيّة ، ولو اعتق فإن كان حربيّا لم يقرّ بالجزية بل يقهر على الإسلام. قال ابن الجنيد : ولا يمكن من اللحوق بدار الحرب بل يسلم أو يحبس ٥ وإن كان ذمّيا لم يقرّ في دار الإسلام إلّا ببذل الجزية أو يسلم.

__________________

(١) أي وإن عقد الصلح.

(٢) هكذا في النسخ والتذكير باعتبار لفظ الجمع.

(٣) و (٤) المبسوط : ٢ / ٤٠.

(٥) نقله عنه المصنف في التذكرة أيضا : ١ / ٤٤٧ ـ الطبعة الحجرية ـ.

٢٠٤

المطلب الثاني : في قدرها ووقتها

وفيه ثلاثة عشر بحثا :

٢٨٦٢. الأوّل : اختلف علماؤنا فقال بعضهم : إنّ لها قدرا مؤقتا ، وهو ما قدّره علي عليه‌السلام على الفقير اثنا عشر درهما ، وعلى المتوسّط أربعة وعشرون ، وعلى الغنيّ ثمانية وأربعون درهما في كلّ سنة (١) وقال آخرون : إنّها مقدّرة في طرف القلة دون الكثرة ، فلا يؤخذ من كل كتابي اقلّ من دينار واحد ، ولا يقدّر في طرف الزيادة ؛ قاله ابن الجنيد (٢).

الثالث ما ذهب إليه الشيخان انّها غير مقدّرة لا في طرف القلة ولا في طرف الكثرة بل هي منوطة بنظر الإمام (٣) وهو الأقوى عندي.

٢٨٦٣. الثاني : تجب الجزية بآخر الحول ، ويجوز أخذها سلفا ، ولا تجب بأوّله.

٢٨٦٤. الثالث : تؤخذ الجزية مما تيسّر من أموالهم من الأثمان والعروض على قدر تمكّنهم ، ولا يلزمهم الإمام بعين من ذهب أو فضّة. ومع بذل الجزية يحرم قتالهم إجماعا.

__________________

(١) نسب المصنف هذا القول في التذكرة إلى أبي حنيفة وأحمد بن حنبل. تذكرة الفقهاء : ١ / ٤٤٧ ـ الطبعة الحجرية ـ.

(٢) لاحظ المختلف : ٤ / ٤٤٩.

(٣) المقنعة : ٢٧٢ ؛ المبسوط : ٢ / ٣٨ ؛ النهاية : ١٩٣ ؛ الخلاف : ٥ / ٥٤٥ ، المسألة ٩ من كتاب الجزية.

٢٠٥

٢٨٦٥. الرابع : لا تتداخل الجزية ، بل إذا اجتمعت عليه جزية سنتين أو أكثر ، استوفيت منه أجمع.

٢٨٦٦. الخامس : يتخير الإمام في وضع الجزية إن شاء على رءوسهم ، وإن شاء على أرضيهم ، وهل يجوز له أن يجمع بينهما : عن رءوسهم شيئا وعن أرضيهم شيئا؟ منع الشيخان من ذلك (١) وقال أبو الصلاح : يجوز (٢) وهو الأقوى عندي.

٢٨٦٧. السادس : يجوز أن يشترط عليهم في عقد الذمّة ضيافة من يمرّ بهم من المسلمين ، ولو لم يشترطها لم تكن واجبة عليهم. ويجب أن تكون الضيافة المشترطة زائدة عن أقلّ ما يجب عليهم من الجزية ، وأن تكون معلومة ، بأن يشترط عددا معلوما للضيافة في كلّ سنة.

والأقرب جواز ان يشترط ضيافة ما زاد على ثلاثة أيام لكلّ واحد ، وتعيين القوت قدرا وجنسا ، وتعيين جنس الادم من لحم وسمن أو زيت وشيرج وقدره ، وتعيين علف الدوابّ من الشعير والتبن والقتّ (٣) لكلّ دابّة شي‌ء معلوم.

ولا يكلّفوا الذبيحة ولا ضيافتهم بأرفع من طعامهم إلّا مع الشرط ، وينبغي أن تكون الضيافة على قدر الجزية ، فيكثرها على الغنيّ ، ويقلّلها على الفقير ، ويوسطها على المتوسّط ، ولو تساووا ساوى بينهم.

وينبغي أن يكون نزول المسلمين في فواضل منازلهم وفي بيعهم وكنائسهم ، ويؤمرون بأن يوسعوا أبواب البيع والكنائس ، وأن يعلوها لمن يجتاز

__________________

(١) المقنعة : ٢٧٣ ؛ والنهاية : ١٩٣.

(٢) الكافي في الفقه : ٢٤٩ و ٢٦٠.

(٣) في مجمع البحرين : القتّ ـ بفتح تاء مشددة ـ : الرطب من علف الدواب ويابسه.

٢٠٦

بهم من المسلمين ، فيدخلونها (١) ركبانا ، فإن لم تسعهم بيوت الأغنياء نزلوا بيوت الفقراء ولا ضيافة عليهم ، وإن لم تسعهم لم يكن لهم إخراج أرباب المنازل منها ، ولو كثروا فمن سبق إلى منزل كان أحقّ به ، ولو جاءوا دفعة استعملوا القرعة.

٢٨٦٨. السابع : إذا شرطت عليهم الضيافة فإن وفوا بها فلا بحث ، وإن امتنع بعضهم أجبر عليه ، ولو امتنعوا أجمع قهروا عليه ، ولو احتاجوا إلى المقاتلة قوتلوا ، فإذا قاتلوا نقضوا العهد وخرقوا الذمّة ، فإن طلبوا منه بعد ذلك ، العقد على أقلّ ما يراه الإمام أن يكون جزية لهم ، لزمه إجابتهم ولا يتقدّر بقدر.

٢٨٦٩. الثامن : إذا أدّوا الجزية لم يؤخذ منهم غيرها ، سواء اتّجروا في بلاد الإسلام أو لم يتّجروا إلّا في أرض الحجاز.

٢٨٧٠. التاسع : اختلف في الصغار. فقال ابن الجنيد : عندي أن يكون مشروطا عليهم وقت العقد أن تكون أحكام المسلمين جارية عليهم إذا كانت الخصومات بين المسلمين وبينهم ، أو تحاكموا إلينا في خصوماتهم ، وأن تؤخذ منهم وهم قيّام على الأرض (٢) وقال الشيخ : هو التزام أحكامنا وجريانها عليهم (٣).

٢٨٧١. العاشر : ينبغي أن لا يشقّ عليهم في أخذها ولا يعذّبون إذا أعسروا عن أدائها.

٢٨٧٢. الحادي عشر : إذا مات الذمّي بعد الحول لم تسقط عنه الجزية ، وأخذت من تركته ، ولو مات في أثنائه ففي مطالبته بالقسط نظر ، أقربه المطالبة.

__________________

(١) في «أ» : فيدخلوها.

(٢) نقله عنه المصنف أيضا في المختلف : ٤ / ٤٤٧.

(٣) المبسوط : ٢ / ٣٨.

٢٠٧

وتقدّم الجزية على الوصايا ، والوجه مساواتها للدين ، ولو لم يخلّف شيئا لم يطالب الورثة بشي‌ء ، ولو أفلس كان الإمام غريما يضرب مع الغرماء بقدر الجزية ، ولو سلفها الإمام ، ردّ على ورثته بقدر ما بقي من السنة.

٢٨٧٣. الثاني عشر : لو أسلم الذمّي قبل أدائها ، فإن كان قبل الحول سقطت ، ولا يؤخذ منه القسط ، وإن كان بعده فقولان : أحدهما السقوط ، والثاني عدمه ، والأوّل أقوى.

ولا فرق بين أن يسلم ليسقط عنه الجزية أو يسلم لا لذلك.

٢٨٧٤. الثالث عشر : لو أسلم في أثناء الحول وقد استسلف الإمام الجزية ، ردّ عليه قسط باقي الحول ، والأولى عدم ردّ ما مضى.

المطلب الثالث : فيما يشترط على أهل الذمة

وفيه ستة أبحاث :

٢٨٧٥. الأوّل : لا يجوز عقد الذمّة المؤبدة إلّا بشرطين : أن يلتزموا عطاء الجزية في كلّ حول ، وأن يلتزموا أحكام الإسلام ، ولا يصحّ عقد الهدنة إلّا للإمام أو نائبه ، فلو شرط عليهم في الهدنة شرطا فاسدا مثل أن يشترط عدم الجزية ، أو إظهار المناكير ، أو إسكانهم الحجاز ، أو إدخالهم المساجد أو الحرم ، فسد الشرط.

وفي فساد العقد إشكال.

٢٨٧٦. الثاني : ينبغي للإمام أن يشترط عليهم كلّما فيه نفع للمسلمين ورفعة لهم ، وجملة ما يشترط عليهم ستّة أقسام :

٢٠٨

[أحدها :] يجب شرطه ولا يجوز تركه ، وهو شرط الجزية عليهم والتزام أحكام الإسلام ، فلو أخلّ بهما أو بأحدهما عمدا أو نسيانا لم ينعقد الهدنة.

[الثاني :] وما لا يجب شرطه والإطلاق يقتضيه ، وهو أن لا يفعلوا ما ينافي الأمان ، من العزم على حرب المسلمين ، أو إمداد المشركين بالمعونة ، وهذان القسمان ينتقض العهد بمخالفتهما ، سواء شرط ذلك في العقد أو لم يشترط.

[الثالث :] وما ينبغي اشتراطه ممّا يجب عليهم الكف عنه ، من ترك الزنا بالمسلمة وعدم إصابتها باسم النكاح ، ولا يفتنوا مسلما عن دينه ، ولا يقطع عليه الطريق ، ولا يؤوي للمشركين عينا ، ولا يعين على المسلمين بدلالة أو بكتبة كتاب إلى أهل الحرب فيخبرهم بأحوال المسلمين ، ولا يقتلوا مسلما ولا مسلمة ، فمتى فعلوا شيئا من ذلك ، كان تركه شرطا في العقد ، نقضوا العهد ، وإلّا فلا ، بل يحدّهم الإمام إن أوجبت الجناية حدّا ، وإلّا يعزّرهم.

[الرابع :] وما فيه غضاضة على المسلمين مثل ذكر ربّهم أو كتابهم أو نبيّهم أو دينهم بسوء ، فإن نالوا بالسبّ لله تعالى أو لرسوله وجب قتلهم ، وكان نقضا للعهد ، وإن ذكروهما بدون السب أو نالوا كتاب الله أو دين الإسلام بما لا ينبغي ، نقضوا العهد إن شرط عليهم الكفّ ، وإلّا فلا.

[الخامس :] وما يتضمّن المنكر ولا ضرر على المسلمين فيه ، وهو أن لا يحدثوا كنيسة ولا بيعة في دار الإسلام ، ولا يرفعوا أصواتهم بكتبهم ، ولا يضربوا ناقوسا ، ولا يطيلوا أبنيتهم على بناء المسلمين ، ولا يظهروا الخمر والخنزير في بلاد الإسلام ، فهذا كلّه يجب عليهم الكفّ وإن لم يشترط ، فإن خالفوا وكان تركه

٢٠٩

مشترطا نقضوا العهد ، وإلّا فلا ، وقوبلوا بما تقتضيه الجناية. وقال الشيخ : لا يكون نقضا للعهد وان شرط عليهم (١).

[السادس :] أن يتميّزوا عن المسلمين ، وينبغي للإمام أن يشترط عليهم في عقد الهدنة التميز في لباسهم وشعورهم وركوبهم وكناهم ، فيلبسوا ما يخالف لونه سائر ألوان الثياب ، ويأخذهم بشدّ الزنار (٢) في وسطهم إن كانوا نصارى ، وإلّا فبعلامة كخرقة يجعلها فوق عمامة.

وينبغي أن يختم في رقبته خاتم رصاص أو نحاس أو حديد أو يضع فيه جلجلا (٣) أو جرسا ليمتاز به (٤) ، وكذا يأمر نساءهم بلبس شي‌ء يفرق بينهنّ وبين المسلمات ، بأن يشددن الزنّار وتغيّر أحد الخفّين بأن يكون أحدهما أحمر والآخر أبيض.

ولا يمنعوا من فاخر الثياب. ولا يفرقون شعورهم ، ولا يركبون الخيل بل ما عداها بغير سروج ، ويركبون عرضا رجلاه إلى جانب وظهره إلى آخر ، ويمنعون تقليد السيوف وحمل السلاح واتّخاذه ، ولا يكنّوا بكنى المسلمين كأبي القاسم وأبي عبد الله وأبي محمد ، ولا يمنعون من الكنى بالكليّة.

٢٨٧٧. الثالث : المستأمن ـ وهو المعاهد ـ هو الّذي يكون له أمان بغير ذمّة ، فيجوز للإمام أن يؤمّنه دون الحول بعوض وغيره ، ولو أراد أن يقيم حولا وجب عليه العوض ، فإذا عقد له الأمان ، فإن خاف الإمام الخيانة ، نبذ

__________________

(١) المبسوط : ٢ / ٤٤.

(٢) الزنّار ـ كتفّاح ـ شي‌ء يكون على وسط النصارى واليهود ، والجمع زنانير. مجمع البحرين.

(٣) الجلجل : الجرس الصغير يعلّق في أعناق الدواب وغيرها. مجمع البحرين.

(٤) في «ب» : ليمتازوا به.

٢١٠

إليه الأمان وردّه إلى دار الحرب.

٢٨٧٨. الرابع : ينبغي للإمام إذا عقد الذمّة أن يكتب أسماءهم وأسماء آبائهم وعددهم وحليتهم(١) ويعرّف على كل عشرة عريفا (٢) وإذا عقدوا الذمة عصموا أنفسهم وأولادهم الأصاغر من القتل ، والسبي والنهب ما داموا على الذمّة ، ولا يتعرّضوا لكنائسهم وبيعهم وخمورهم وخنازيرهم ما لم يظهروها.

ولو ترافعوا إلينا تخيّر الحاكم بين الحكم عليهم بحكم المسلمين ، وبين ردّهم إلى حاكمهم.

ومن أراق لهم من المسلمين خمرا أو قتل خنزيرا ، فإن كان مع التظاهر فلا شي‌ء عليه ، وإن كان مع استتارهم به وجب عليه القيمة عند مستحلّيه.

٢٨٧٩. الخامس : لا يجوز أخذ الجزية من المحرّمات على المسلمين ، كالخمر والخنزير ، ويجوز أخذها من ثمن ذلك.

٢٨٨٠. السادس : إذا مات الإمام وقد ضرب لما قرّره من الجزية أمدا معيّنا ، أو اشترط الدوام ، وجب على القائم بعده إمضاء ذلك.

المطلب الرابع : في أحكام الأبنية والمساكن والمساجد

وفيه اثنا عشر بحثا :

٢٨٨١. الأوّل : لا يجوز لأهل الحرب أن يدخلوا دار الإسلام إلّا بإذن الإمام ،

__________________

(١) حلية الإنسان ما يرى من لونه وظاهره.

(٢) العريف : القيّم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يلي أمورهم ، ويتعرف الأمير منه أحوالهم.

لسان العرب.

٢١١

ويجوز له الإذن للمصلحة بعوض وغير عوض مع الحاجة ، كنقل الميرة وأداء الرسالة.

ولو كان تاجرا لا يحتاج المسلمون إلى تجارته كالعطر وشبهه ، لم يأذن له إلّا بعوض يراه مصلحة ، سواء كان عشر أموالهم أو لم يكن ، ولو أذن بغير عوض لمصلحة جاز.

ولو أطلق الإذن ولم يشترط العوض ولا عدمه ففي العوض إشكال.

وقوّى الشيخ عدمه (١) فإن شرط الإمام شرطا دائما بأن يأخذ منهم العشر كلّ سنة أو أقلّ أو أكثر أخذ منهم ، وإلّا أخذ ما يراه مصلحة.

ولو دخل الحربيّ بغير أمان وقال : أتيت برسالة ، قبل قوله ، ولو قال : أمّنني مسلم ، لم يقبل إلّا بالبينة ، ولو لم يدّع شيئا كان للإمام قتله واسترقاقه وأخذ ماله.

٢٨٨٢. الثاني : لا يجوز لمشرك ذمّي أو حربي سكنى الحجاز ، ونعني بالحجاز مكّة والمدينة واليمامة وخيبر وينبع وفدك ومخاليفها يسمى حجازا لحجزه بين نجد وتهامة ، قال الأصمعي (٢) وأبو عبيدة (٣) : جزيرة العرب ما بين عدن إلى ريف العراق طولا ، ومن جدّة والسواحل إلى أطراف الشام عرضا ، وقد تطلق جزيرة العرب على الحجاز.

ويجوز لهم دخول الحجاز بإذن الإمام للتجارة ، ويجوز للإمام أن يأذن لهم

__________________

(١) المبسوط : ٢ / ٤٩.

(٢) عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع البصري اللغوي النحوي صاحب النوادر ، مات حدود سنة ٢١٦ ه‍ «لاحظ الكنى والألقاب : ٢ / ٣٢».

(٣) أبو عبيدة معمر بن المثنى اللغوي البصري ، مولى بني تميم ، أخذ عنه أبو حاتم والمازني وغيرهم ، مات سنة (٢١١ ه‍). لاحظ وفيات الأعيان : ٥ / ٢٣٥.

٢١٢

في مقام ثلاثة أيّام ، فإذا اقام في بلد ثلاثة أيّام انتقل عنه إلى بلد آخر ، وانّما يأذن الإمام مع المصلحة كحمل الميرة.

٢٨٨٣. الثالث : لو دخل الحجاز مشرك بغير إذن الإمام عزّر ولا يقتل ولا يسترق ، وإن كان جاهلا لم يعزّر وينهى عن المعاودة ، ولو دخل بإذن وأقام ثلاثة أيّام ، جاز أن ينتقل إلى غيره من بعض مواضع الحجاز ثلاثة أيّام ، وهكذا لو مرض بالحجاز جازت له الإقامة ، ولو مات دفن في مكانه.

٢٨٨٤. الرابع : يجوز له الاجتياز في أرض الحجاز بإذن وغيره ، قاله الشيخ (١) فإن اجتاز لم يمكّن من المقام أكثر من ثلاثة أيّام ، ولو كان له دين على رجل فأراد الإقامة لاقتضائه لم يكن له ذلك ، ووكّل فيه.

قال الشيخ : لا يمنعون من ركوب بحر الحجاز ، ولو كان فيه جزائر وجبال منعوا من سكناها ، وكذا سواحل بحر الحجاز (٢).

٢٨٨٥. الخامس : لا يجوز لهم دخول الحرم لا اجتيازا ولا استيطانا ولا دخول الكعبة ، فإن قدم بميرة لأهل الحرم منع من الدخول إليه ، وإن أراد أهل الحرم الشراء منه خرجوا إلى الحلّ (٣) وابتاعوا منه.

ولو جاء رسولا إلى الإمام بعث إليه ثقة يسمع رسالته ، ولو امتنع من أدائها إلّا مشافهة خرج الإمام إليه من الحرم ، ولو دخل الحرم عالما بالتحريم عزّر ، ولو كان جاهلا لم يعزّر إلّا أن يعاود بعد النهي.

فإن مرض في الحرم نقله منه ، ولو مات لم يدفن فيه.

__________________

(١) و (٢) المبسوط : ٢ / ٤٨.

(٣) في «ب» : «إلى الجبل» وهو تصحيف.

٢١٣

فان دفن فيه ، قال الشيخ : ترك على حاله (١) والوجه نبشه وإخراجه إلّا ان يتقطّع.

ولو صالحهم الإمام على دخول الحرم بعوض ، قال الشيخ : جاز ذلك ، ووجب دفع العوض ، وإن كان خليفته وكان العوض فاسدا ، بطل [المسمّى] وله أجرة المثل (٢).

ولو صالح الرجل أو امرأة على الدخول إلى الحجاز بعوض جاز ، ولو صالح المرأة على سكنى دار الإسلام غير الحجاز بعوض ، لم يلزمها.

٢٨٨٦. السادس : لا يجوز لذمّي ولا لغيره من أصناف الكفّار دخول المسجد الحرام بالإجماع بإذن وغيره ، وكذا غيره من المساجد عندنا ، ولا يجوز للمسلم أن يأذن له في ذلك.

٢٨٨٧. السابع : إذا وفد قوم من المشركين إلى الإمام أنزلهم في فضول منازل المسلمين ، فإن لم يكن لهم فضول منازل جاز أن ينزلهم في دار ضيافة إن كانت ، وإلّا أسكنهم في أفنية الدور والطرقات ، ولا يمكّنهم من دخول المساجد.

٢٨٨٨. الثامن : البلاد الّتي ينفذ فيها أحكام المسلمين ثلاثة :

أحدها : ما أنشأه المسلمون وأحدثوه واختطوه كالبصرة وبغداد والكوفة ، فلا يجوز إحداث كنيسة فيها ولا بيعة ولا بيت لصلاتهم ولا صومعة راهب إجماعا ، ويجوز إبقاء ما وجد من البيع والكنائس.

الثاني : ما فتحه المسلمون عنوة فهو للمسلمين ، ولا يجوز إحداث بيعة

__________________

(١) و (٢) المبسوط : ٢ / ٤٨.

٢١٤

ولا كنيسة ولا صومعة لراهب فيه ، وما كان قبل الفتح فإن هدمه المسلمون وقت الفتح ، لم يجز استجداده أيضا ، وإن لم يهدموه قال الشيخ : لا يجوز إقراره (١).

الثالث : ما فتح صلحا على أنّ الأرض لهم ، فلهم تجديد ما شاءوا فيها واظهار الخمور والخنازير وضرب الناقوس ، وإن صولحوا على أنّ الأرض للمسلمين ويؤدّون الجزية ، فالحكم في البيع والكنائس على ما يقع عليه الصلح ، إن شرط إقرارهم عليها أو على إحداث ذلك وإنشائه جاز ، وإن شرط عليهم أن لا يحدثوا شيئا أو يخربوها جاز أيضا ، ولو لم يشترطوا شيئا لم يجز تجديد شي‌ء ، وإذا شرطوا التجديد ينبغي أن يعيّن مواضع البيع والكنائس.

٢٨٨٩. التاسع : كلّ موضع لا يجوز لهم إحداث شي‌ء فيه إذا أحدثوا فيه جاز نقضه وتخريبه ، وكلّ موضع لهم إقراره لا يجوز هدمه ، فلو انهدم تردّد الشيخ في جواز إعادته (٢) ويجوز رمّ (٣) ما تشعّث منها وإصلاحه.

٢٨٩٠. العاشر : دور أهل الذمّة إن كانت محدثة مثل أن يشتري الذمّي عرصة يستأنف فيها بناء ، فليس له أن يعلوا على بناء المسلمين ولا أن يساويه ، بل يجب أن يقصر عنه ، وإن كانت مبتاعة تركت على حالها وإن كانت أعلى من المسلمين ، وكذا لو كان للذمّي دار عالية فاشترى المسلم دارا إلى جانبها أقصر منها ، فإنّه لا يجب على الذمّي هدم علوه.

ولو انهدمت دار الذمّي العالية فأراد تجديدها ، لم يجز له العلو على المسلم ولا المساواة ، وكذا لو انهدم ما ارتفع لم يكن له إعادته ، ولو تشعّث منه

__________________

(١) و (٢) المبسوط : ٢ / ٤٦.

(٣) رممت الشي‌ء رمّا ومرمّة إذا أصلحته. مجمع البحرين.

٢١٥

شي‌ء ولم ينهدم جاز رمّه وإصلاحه ، ولا يجب أن يكون أقصر من بناء المسلمين بأجمعهم في ذلك البلد ، وانما يلزمه أن يقصره عن بناء محلّته.

٢٨٩١. الحادي عشر : لا ينبغي تصدير أهل الذمّة في المجالس ولا بدأتهم بالسلام ، وإذا سلّموا على المسلم اقتصر في الردّ على قوله : وعليكم.

٢٨٩٢. الثاني عشر : مصرف (١) الجزية مصرف الغنيمة

سواء للمجاهدين وكذلك ما يؤخذ منهم على وجه المعاوضة لدخول بلاد الاسلام.

الفصل السابع : في المهادنة وتبديل أهل الذمّة دينهم ونقض العهد

وفيه مطالب :

[المطلب] الأوّل : في المهادنة

وفيه اثنان وعشرون بحثا :

٢٨٩٣. الأوّل : الهدنة والموادعة والمعاهدة : وضع القتال وترك الحرب إلى مدّة بعوض وغيره ، وهي مشروعة بالنصّ والإجماع ، وانما يجوز مع المصلحة للمسلمين إمّا لضعفهم عن المقاومة أو لرجاء الإسلام أو لبذل الجزية

__________________

(١) في «ب» : يصرف.

٢١٦

والتزام أحكام الإسلام ، ولو لم تكن المصلحة للمسلمين لم تجز مهادنتهم.

٢٨٩٤. الثاني : إذا اقتضت المصلحة الهدنة وجب ذكر المدة ، ولا يجوز مطلقا إلّا أن يشترط الإمام الخيار لنفسه متى شاء ، وكذا لا يجوز إلى مدّة مجهولة ، وإذا اشترط مدّة معلومة لم يجز أن يشترط نقضها من شاء منهما ، ويجوز أن يشترط الإمام لنفسه ، وأن يشترط لهم أن يقرّهم ما شاء ، ولا يجوز ما أقرّهم الله (به) (١).

٢٨٩٥. الثالث : إذا اقتضت المصلحة المهادنة ، وكان في المسلمين قوة لم يجز للإمام أن يهادنهم أكثر من سنة ، ويجوز أن يهادنهم أربعة أشهر فما دون ، وهل يجوز أقلّ من سنة وأكثر من أربعة؟ قال الشيخ : الاظهر انه لا يجوز (٢) ، ولو قيل بالجواز مع المصلحة كان قويا ، ولو لم يكن في المسلمين قوّة ، واقتضت المصلحة مهادنتهم أكثر من سنة لمكيدة يثبت بها إعداد قوّة ، أو ليتفرّغ لعدوّ وهو أشدّ نكاية من الّذي يهادنه ، أو لغيره جاز.

قال الشيخ : وابن الجنيد : تتقدّر الزيادة بعشر سنين ، فلا يجوز الزيادة عليها. فلو عقده أزيد من عشر سنين بطل الزائد خاصة (٣).

٢٨٩٦. الرابع : لو أراد حربيّ دخول دار الإسلام رسولا أو مستأمنا ، فإن كان لقضاء حاجة من نقل ميرة أو تجارة أو أداء رسالة يحتاج إليها المسلمون ، جاز للإمام الإذن بعوض وغيره يومين وثلاثة ، وإن أراد الإقامة قال الشيخ : يجوز إلى أربعة أشهر لا أزيد (٤) ، والوجه عندي الجواز مع المصلحة.

٢٨٩٧. الخامس : الهدنة ليست واجبة على كلّ تقدير سواء كان بالمسلمين

__________________

(١) ما بين القوسين موجود في «أ».

(٢) و (٣) و (٤) المبسوط : ٢ / ٥١.

٢١٧

قوّة أو ضعف ، ويجوز على غير مال ، ولو صالحهم الإمام على مال يدفعه إليهم جاز مع الضرورة لا بدونها ، وهل دفع المال مع الضرورة واجب؟ الأقرب عدمه ، وإذا بذل المال لم يملكه الآخذ.

ويجوز أن يهادنهم عند الحاجة على وضع شي‌ء من حقوق المسلمين في أموال المهادنين ، وأن يضع بعض ما يجوز تملكه من أموال المشركين بالقدرة عليهم حفظا لأصحابهم وتحرّزا من دوائر الحروب.

٢٨٩٨. السادس : لا يجوز عقد الهدنة ولا الذمّة بالجزية إلّا من الإمام أو نائبه ، أمّا عقد الأمان ، فيجوز لآحاد الرعايا أن يؤمّنوا آحاد المشركين.

٢٨٩٩. السابع : إذا عقد الهدنة وجب عليه حمايتهم من المسلمين وأهل الذمّة ، ولا يجب من أهل الحرب ولا حماية بعضهم من بعض ، ولو أتلف مسلم أو ذمّي عليهم شيئا ضمنه ، ولو أغار عليهم قوم من أهل الحرب فسبوهم لم يجب عليه استنقاذهم. والوجه انّه يجوز للمسلمين شراؤهم.

٢٩٠٠. الثامن : الشرط الصحيح في عقد الهدنة لازم مثل ، أن يشترط عليهم مالا أو معونة للمسلمين ، والفاسد يبطل العقد مثل أن يشترط ردّ النساء والسلاح.

ولو شرط ردّ من جاء مسلما من الرجال فجاء مسلم فأرادوا أخذه ، فإن كان ذا عشيرة يحفظونه من الافتتان ، جاز ردّه بمعنى انّه لا يمنعهم من أخذه إذا طلبوه ، ولا يجبره على المضيّ معهم ، ولا يمنعه من الرجوع إليهم إن اختار ذلك وله أن يأمره سرّا بالهرب أو المقاتلة ، وإن كان مستضعفا لم يجز ردّه.

ولو شرط في الصلح ردّ الرجال مطلقا لم يجز ، ويبطل الصلح ، ومع

٢١٨

بطلانه لا يردّ من جاء منهم رجلا كان أو امرأة ، ولا يردّ البدل عنها بحال.

ولو جاء صبيّ ووصف الإسلام لم يردّ ، ولا يردّ المجنون ولو بلغ أو أفاق ، فإن وصفا الإسلام كانا مع المسلمين ، وان وصفا الكفر ، فإن كان ممّن لا يقرّ أهله عليه ، الزما بالإسلام أو ردّا إلى مأمنهما ، وإن كان ممّن يقرّ أهله عليه ، الزما بذلك أو الجزية.

ولو جاء عبد (مسلم) (١) حكمنا بحريّته ، ولو جاء سيّده لم يردّ عليه هو ولا ثمنه.

٢٩٠١. التاسع : ردّ النساء المهاجرات إلينا عليهم حرام على الإطلاق ، فلو صالحهم الإمام على ردّ من جاء من النساء مسلمة لم يجز الصلح ، ولو طلبت امرأة أو صبيّة الخروج من عند الكفّار جاز لكلّ مسلم إخراجها ، وتعيّن عليه ذلك مع المكنة.

٢٩٠٢. العاشر : إذا عقد الهدنة مطلقا فجاءنا منهم إنسان مسلما أو بأمان لم يجب ردّه إليهم ، ولا يجوز ذلك ، سواء كان حرّا أو عبدا أو رجلا أو امرأة.

ولو أطلق الهدنة ثمّ جاءت امرأة مسلمة أو جاءت كافرة وأسلمت لم يجز ردّها ، فإن جاء أبوها أو أخوها أو أحد أنسابها لم تدفع إليه ، ولو طلب احدهم مهرها (٢) لم يدفع إليه.

ولو جاء زوجها أو وكيله بطلبها لم تسلم إليه ، وإن طلب مهرها ولم يكن قد سلّمه إليها فلا شي‌ء له وكذا لو لم يسمّ شيئا ، وإن كان قد سلّمه ردّ عليه ما

__________________

(١) ما بين القوسين موجود في «أ».

(٢) في «ب» : ما أمهرها.

٢١٩

دفعه ، ولو سمّى مهرا فاسدا وأقبضها كالخمر لم يكن له المطالبة به ولا بقيمته.

وكل موضع يجب فيه ردّ المهر فانّه يكون من بيت مال المسلمين المعدّ للمصالح ، وانّما يردّه لو قدمت إلى بلد الإمام أو بلد خليفته ومنع من ردّها إليه ولو قدمت إلى بلد غيرهما وجب على المسلمين منعه من أخذها ، ولا يلزم الإمام أن يعطيهم شيئا ، سواء كان المانع من ردّها العامّة أو رجال الإمام ، ولا يردّ عليه ما أنفقه في العرس ولا ما يهديه إليها أو يكرمها به.

٢٩٠٣. الحادي عشر : لو قدمت وأسلمت ثمّ جنت لم تردّ وردّ مهرها ، ولو اشتبه وقوع الإسلام في السلامة أو الجنون لم تردّ ولا يردّ مهرها ، فإن أفاقت فأقرّت بالإسلام ردّ مهرها عليه ، وإن أقرّت بالكفر ردّت عليه.

ولو جاءت مجنونة ولم يعلم حالها لم يردّ عليه ، ولا يردّ مهرها ، فإن أفاقت وذكرت أنّها أسلمت ردّ عليه مهرها ، ومنع منها. وإن ذكرت انّها لم تسلم ردّت عليه.

٢٩٠٤. الثاني عشر : لو قدمت صغيرة ووضعت الإسلام لم تردّ إليهم. قال الشيخ : ولا يجب ردّ المهر إلّا أن تبلغ وتقيم على الإسلام ، وإن لم تقم ردّت (١).

٢٩٠٥. الثالث عشر : لو قدمت مسلمة ثمّ ارتدّت وجب عليها أن تتوب ، فإن امتنعت حبست دائما ، وضربت أوقات الصلوات ، ولا تقتل ، فإن جاء زوجها وطلبها لم تردّ عليه ، ويردّ عليه مهرها.

٢٩٠٦. الرابع عشر : لو جاءت مسلمة ، فجاء زوجها يطلبها ، فمات أحدهما

__________________

(١) المبسوط : ٢ / ٥٤.

٢٢٠