تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-66-5
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٠١

وأن يجوّز تأثير إنكاره ، فلو غلب على ظنّه أو علم عدم التأثير لم يجب ، وقد جعله أصحابنا شرطا على الإطلاق ، والأولى أن يكون شرطا لما يكون باليد واللسان دون القلب.

وأن لا يكون المأمور أو المنهيّ مصرا على الاستمرار ، فلو ظهر منه أمارة الامتناع سقط الوجوب.

وأن لا يكون على الآمر والناهي ولا على أحد من المؤمنين بسببه مفسدة ، فلو ظنّ توجّه الضرر إليه أو إلى أحد من المؤمنين بسببه ، سقط الوجوب.

٢٩٧٢. السادس : مراتب الإنكار ثلاثة : بالقلب واللسان واليد ، فالأوّل يجب مطلقا وهو أوّل المراتب ، فإذا علم أنّ فاعل المنكر ينزجر بإظهار الكراهية وجب ، وكذا لو عرف احتياجه إلى الهجر وجب ، ولم يجب الزائد.

ولو لم يؤثر انتقل إلى الإنكار باللسان بالوعظ والزجر ، ويستعمل الأيسر أوّلا ، فإن أفاد ، وإلّا انتقل إلى ما فوقه ، ولو لم ينزجر وافتقر إلى اليد كالضرب وشبهه جاز.

ولو افتقر إلى الجراح ، قال السيّد : يجوز ذلك بغير إذن الإمام (١) وقال الشيخ :

ظاهر مذهب شيوخنا الإمامية أنّ هذا الجنس من الانكار لا يكون إلّا للأئمّة أو لمن يأذن له الإمام. قال وكان المرتضى يخالف في ذلك ويقول : يجوز فعل ذلك بغير إذنه (٢) وأفتى به الشيخ في التبيان (٣) وهو الأقوى عندي.

__________________

(١) نقله عنه الشيخ الطوسي في الاقتصاد : ١٥٠ ، والمصنف في المختلف : ٤ / ٤٧٥ ؛ والتذكرة : ١ / ٤٦٤ ـ الطبعة الحجرية ـ.

(٢) الاقتصاد : ١٥٠.

(٣) التبيان : ٢ / ٥٤٩ و ٥٦٦ في ذيل الآية ١٠٤ و ١١٤ من سورة آل عمران.

٢٤١

٢٩٧٣. السابع : لا يجوز لأحد إقامة الحدود غير الإمام أو من نصبه الإمام لإقامتها ، وقد رخّص في حال غيبة الإمام أن يقيم الإنسان الحدّ على مملوكه إذا لم يخف ضررا على نفسه ولا ماله ولا على أحد من المؤمنين ، وقال الشيخ : وقد رخّص أيضا في حال الغيبة إقامة الحدّ على الولد والزوجة مع الأمن (١) ومنعه ابن إدريس ذ (٢).

وهل يجوز للفقهاء إقامة الحدود حال الغيبة؟ جزم به الشيخان (٣) ، وهو قويّ عندي ، ويجب على الناس مساعدتهم على ذلك.

٢٩٧٤. الثامن : لا يجوز الحكم والقضاء بين الناس إلّا للإمام أو من أذن له الإمام ، وقد فوّض الأئمّة عليهم‌السلام ذلك إلى فقهاء شيعتهم المأمونين ، المحصّلين لمدارك الأحكام ، الباحثين عن مآخذ الشريعة ، القيمين بنصب الأدلّة والأمارات في حال الغيبة.

فينبغي لمن عرف الاحكام ، واستجمع شرائع الحكم الآتية في باب القضاء من الشيعة الحكم والإفتاء ، وله بذلك أجر جزيل وثواب عظيم مع الأمن على نفسه وماله والمؤمنين ، فإن خاف على أحدهم لم يجز له التعرض له على حال.

٢٩٧٥. التاسع : إذا طلب أحد الخصمين المرافعة إلى قضاة الجور ، كان متعدّيا للحقّ ، مرتكبا للمآثم مخالفا للإمام ويجب على كلّ متمكّن منعه عن ذلك ومساعدة غريمه على الترافع إلى قضاة الحقّ.

__________________

(١) النهاية : ٣٠١.

(٢) السرائر : ٢ / ٢٤.

(٣) الشيخ المفيد : المقنعة : ٨١٠ ، والشيخ الطوسي : النهاية ٣٠١.

٢٤٢

٢٩٧٦. العاشر : إذا ترافع خصمان إلى فقيه عارف بالأحكام جامع لشرائط الحكم ، وجب عليه الحكم بينهما على مذهب أهل الحقّ ، ولا يجوز أن يحكم بينهما بمذاهب أهل الخلاف ، فإن اضطرّ إلى الحكم بينهما على مذاهب أهل الخلاف ، جاز له ذلك ما لم يبلغ الدماء ، فانّه لا تقية فيها على حال.

ويجتهد في تنفيذ الأحكام على الوجه الحقّ ، ما أمكن.

٢٩٧٧. الحادي عشر : كما يجب على الفقيه العارف بالأحكام القضاء كذلك يجب عليه الفتيا حال الغيبة بالحقّ إذا أمن الضرر ، ولم يخف على نفسه ولا على أحد من المؤمنين.

ويجب عليه أن يفتي عن معرفة لا عن تقليد. روى الشيخ في الصحيح عن الباقر عليه‌السلام : من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه (١).

ولو خاف على نفسه من الإفتاء بالحقّ ، جاز له مع الضرر وخوفه الإفتاء بمذاهب أهل الخلاف لهم أو السكوت للضرورة مع المكنة.

٢٩٧٨. الثاني عشر : يجوز لفقهاء أهل الحقّ أن يجمعوا بالناس الصلوات كلّها من الفرائض الخمس والعيدين استحبابا مؤكّدا مع عدم الخوف ، أمّا الجمعة فاختلف علماؤنا ، فأجازها بعضهم ، ومنع سلّار (٢) وابن إدريس (٣) من ذلك ، وهو قويّ.

__________________

(١) التهذيب : ٦ / ٢٢٣ برقم ٥٣١.

(٢) المراسم : ٢٦١.

(٣) السرائر : ٢ / ٢٦ ـ باب ذكر الأمر بالمعروف ...

٢٤٣

٢٩٧٩. الثالث عشر : لا يجوز لأحد أن يعرض نفسه للتولّي من قبل الظالمين إلّا أن يعلم أنّه لا يتعدّى الواجب ولا يرتكب القبيح ، ويتمكّن من وضع الأشياء مواضعها ، فإن غلب على ظنّه خلاف ذلك لم يجب التعرّض له ، فإن أكره على الدخول جاز حينئذ ، ويجتهد على إنفاذ الأحكام بالحقّ.

تمّت القاعدة الأولى وهي العبادات من كتاب التحرير وهو آخر جزء الأوّل منه ، ويتلوه في الثاني إن شاء الله تعالى القاعدة الثانية في المعاملات.

[وفرغ من تسويده مصنّفه حسن بن يوسف بن المطهر في ليلة الثلاثاء عاشر ربيع الأوّل من سنة تسعين وست مائة] (١).

والحمد لله رب العالمين

وصلّى الله على سيد المرسلين محمد النبي وآله الطاهرين

__________________

(١) ما بين المعقوفتين موجود في نسخة ب.

٢٤٤

القاعدة الثانية في العقود

وفيه كتب :

كتاب المتاجر

٢٤٥
٢٤٦

وفيه مقدّمة ومقاصد

أمّا المقدّمة

ففيها مباحث :

٢٩٨٠. الأوّل : يجوز طلب الرزق بالمعاش في الحلال بالإجماع ، قال الله تعالى : (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) (١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من المروّة استصلاح المال» (٢) ، وفيه فضل كثير وثواب عظيم.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله» (٣).

وقال عليه‌السلام : «نعم العون على تقوى الله الغنى» (٤).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إنّ الله يحبّ المحترف الأمين» (٥).

وقال عليه‌السلام : «اتّجروا بارك الله لكم فإنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إنّ

__________________

(١) الملك : آية ١٥.

(٢) الوسائل : ١٢ / ٤٠ ، الباب ٢١ من أبواب مقدمات التجارة ، الحديث ٤ و ٥.

(٣) الوسائل : ١٢ / ٤٢ ، الباب ٢٣ من أبواب مقدمات التجارة ، الحديث ١ (عن أبي عبد الله عليه‌السلام).

(٤) الوسائل : ١٢ / ١٦ ، الباب ٦ من أبواب مقدمات التجارة ، الحديث ١.

(٥) الوسائل : ١٢ / ٤ ، الباب ١ من أبواب مقدمات التجارة ، الحديث ٦.

٢٤٧

الرزق عشرة أجزاء تسعة في التجارة وواحد في غيرها» (١).

وقال عليه‌السلام : «تعرضوا للتجارة ، فانّ لكم فيها غنى عمّا في أيدي الناس» (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : «إنّ الله تبارك وتعالى ليحبّ الاغتراب في طلب الرزق» (٣).

وعنه عليه‌السلام قال : أوحى الله عزوجل إلى داود عليه‌السلام : «إنّك نعم العبد لو لا انّك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئا ، فبكى داود عليه‌السلام فأوحى الله عزوجل إلى الحديد : أن لن لعبدي داود. فألان الله تعالى له الحديد ، فكان يعمل كلّ يوم درعا ويبيعها بألف درهم ، فعمل عليه‌السلام ثلاث مائة وستّين درعا ، فباعها بثلاث مائة وستّين ألفا ، واستغنى عن بيت المال» (٤).

وقال عليه‌السلام : «غنى يحجزك عن الظلم خير من فقر يحملك على الإثم» (٥).

وقال عليه‌السلام : «لا خير فيمن لا يحبّ جمع المال من حلال ، فيكفّ به وجهه ، ويقضي به دينه ويصل به رحمه» (٦).

وقال عليه‌السلام : ما فعل عمر بن مسلم؟ قيل : أقبل على العبادة وترك التجارة. قال :

__________________

(١) الوسائل : ١٢ / ٥ ، الباب ١ من أبواب مقدمات التجارة ، الحديث ١٢.

(٢) الوسائل : ١٢ / ٤ ، الباب ١ من أبواب مقدمات التجارة ، الحديث ٦.

(٣) الوسائل : ١٢ / ٥٠ ، الباب ٢٩ من أبواب مقدمات التجارة ، الحديث ١.

(٤) التهذيب : ٦ / ٣٢٦ برقم ٨٩٦ ، وسائل الشيعة : ١٢ / ٢٢ ، الباب ٩ من أبواب مقدمات التجارة ، الحديث ٣.

(٥) الوسائل : ١٢ / ١٧ ، الباب ٦ من أبواب مقدمات التجارة ، الحديث ٧.

(٦) الوسائل : ١٢ / ١٩ ، الباب ٧ من أبواب مقدمات التجارة ، الحديث ١.

٢٤٨

ويحه أما علم أنّ تارك الطلب لا يستجاب له ، انّ قوما من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نزل (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (١) أغلقوا الأبواب ، وأقبلوا على العبادة ، وقالوا : قد كفينا ، فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأرسل إليهم [فقال :] (٢) ما حملكم على ما صنعتم؟ فقالوا : يا رسول الله تكفّل الله عزوجل بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة ، فقال : انّه من فعل ذلك لم يستجيب الله له ، عليكم بالطلب ، إنّي لأبغض الرجل فاغرا فاه (٣) إلى ربّه يقول : ارزقني ، ويترك الطلب (٤).

وقال الصادق عليه‌السلام : «كفى بالمرء إثما ان يضيّع من يعول» (٥).

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ملعون ملعون من يضيع من يعول» (٦).

وروي عن الكاظم عليه‌السلام انّه قال :

«اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدا ، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا» (٧).

والأخبار في ذلك كثيرة (٨).

٢٩٨١. الثاني : ينبغي لمن أراد التجارة أن يتفقّه فيها ، ليعرف كيفيّة الاكتساب ، ويميّز صحيح العقد وفاسده ، ويسلم من الربا. وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام يغتدي كلّ

__________________

(١) الطلاق : ٣.

(٢) ما بين المعقوفتين موجود في المصدر.

(٣) الفغر : الفتح (أي فاتحا فاه) لاحظ مجمع البحرين.

(٤) الفقيه : ٣ / ١١٩ برقم ٥٠٩ ؛ ولاحظ الوسائل : ١٢ / ١٥ ، الباب ٥ من أبواب مقدمات التجارة ، الحديث ٧ و ٨.

(٥) الوسائل : ١٢ / ٤٤ ، الباب ٢٣ من أبواب مقدمات التجارة ، الحديث ٨.

(٦) الوسائل : ١٢ / ٤٣ ، الباب ٢٣ من أبواب مقدمات التجارة ، الحديث ٧.

(٧) الوسائل : ١٢ / ٤٩ ، الباب ٢٨ من أبواب مقدمات التجارة ، الحديث ٢.

(٨) لاحظ الوسائل : ١٢ / ٣ ـ ٥٢ ؛ الفقيه : ٣ / ١١٩ ؛ والتهذيب : ٦ / ٣٢١.

٢٤٩

يوم بكرة من القصر يطوف في الأسواق ، ومعه الدّرّة على عاتقه ، فيقف على أهل كل سوق فينادي : «يا معشر التجار اتّقوا الله عزوجل» فإذا سمعوا صوته عليه‌السلام ألقوا ما في أيديهم ، وارعوا إليه بقلوبهم ، وسمعوا (١) بآذانهم ، فيقول :

«قدّموا الاستخارة ، وتبرّكوا بالسهولة ، واقربوا (٢) من المبتاعين ، وتزيّنوا بالحلم ، وتناهوا عن اليمين ، وجانبوا الكذب ، وتجافوا عن الظلم ، وانصفوا المظلومين ، و (لا تَقْرَبُوا الزِّنى) (٣) (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ) ، و (لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ ، وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)».

فيطوف عليه‌السلام في جميع الأسواق بالكوفة ثمّ يرجع فيقعد للناس (٤).

٢٩٨٢. الثالث : ينبغي للتاجر أن يسوّي بين الناس في البيع والشراء ، فيكون الصبيّ بمنزلة الكبير ، والساكت بمنزلة المماكس ، والمستحيي بمنزلة البصير المداقّ.

٢٩٨٣. الرابع : إذا قال التاجر لغيره : هلم أحسن إليك ، باعه من غير ربح ، وكذلك إذا عامله مؤمن ، فليجتهد ألّا يربح عليه ، فإن اضطرّ قنع باليسير منه.

٢٩٨٤. الخامس : إذا قال إنسان للتاجر : اشتر لي متاعا ، لم يجز أن يعطيه من عنده وإن كان أجود ، إلّا بعد البيان.

٢٩٨٥. السادس : يستحبّ الإقالة للمستقيل وإعطاء الراجح وأخذ الناقص ، ولا يجوز العكس ، ويكره لمن لا يعرف الكيل والوزن أن يتولّاهما.

__________________

(١) في النهاية : وتسمّعوا.

(٢) في المصدر والنهاية : واقتربوا.

(٣) كذا في النسختين وفي المصدر والنهاية : «الرّبا».

(٤) الكافي : ٥ / ١٥١ ، باب آداب التجارة ، الحديث ٣ ؛ والنهاية : ٣٧١.

٢٥٠

٢٩٨٦. السابع : يستحبّ التسامح في البيع والشراء والقضاء والاقتضاء.

٢٩٨٧. الثامن : يكره له أن يدخل السوق أوّلا ، ومن سبق إلى مكان من السوق غير مملوك كان أحقّ به إلى الليل.

٢٩٨٨. التاسع : يستحبّ له الدعاء عند دخول السوق بالمنقول ، وأن يكبّر الله تعالى ثلاثا إذا اشترى ، وأن يتشهّد الشهادتين ويسأل الله أن يبارك له فيما يشتريه ويخير له فيما يبيعه.

وإذا تعسّر عليه نوع من التجارة انتقل إلى غيره ، ولو ربح في نوع منها ، داوم عليه ، وإذا حصل المشتري بادر إلى البيع ، ولا يترك الشراء للغلاء ، ولا يطلب الغاية في ما يبيع ويشتري من الربح ، بل يقنع باليسير.

٢٩٨٩. العاشر : ينبغي أن يتجنّب في تجارته خمسة أشياء : مدح البائع ، وذمّ المشتري ، وكتمان العيوب ، واليمين على البيع ، والربا.

٢٩٩٠. الحادي عشر : يكره السوم والمقاولة في البيع والشراء ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، ومعاملة سفلة الناس والأدنين منهم ، وذوي العاهات والمحارفين والأكراد ومخالطتهم ومناكحتهم ومعاملة أهل الذمّة وتزيين المتاع بإظهار جيّده وإخفاء رديّه ، بل يمزجه ، ولو كان الرديّ ممّا لا يظهر للحسّ حرم.

٢٩٩١. الثاني عشر : ينبغي معاملة من نشأ في خير ، ويكره الاستحطاط من الثمن بعد العقد قبل التفرق وبعده.

٢٩٩٢. الثالث عشر : من باع شيئا لغيره ، لم يجز أن يشتريه لنفسه ، وإن زاد في قيمته على ما يطلب في الحال إلّا بإذن مالكه.

٢٥١

٢٩٩٣. الرابع عشر : الغشّ حرام ، وهو إظهار الجيّد وإخفاء الرديّ فيما لا يمكن معرفته ، كشوب اللبن بالماء ، ولهذا يكره البيع في المواضع المظلمة الّتي يخفى فيها العيوب.

٢٩٩٤. الخامس عشر : يكره أن يدخل الرجل على سوم أخيه ، وحرّمه في المبسوط (١) ، وأن يزيد وقت النداء ، بل يزيد وقت سكوت المنادي ، ولو دخل على سوم أخيه وتعاقد البيع ، صحّ وإن فعل حراما أو مكروها.

٢٩٩٥. السادس عشر : روي انّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لا يبع بعضكم على بيع بعض»(٢).

ومعناه النهي عن قول الرجل للمشتري في مدة الخيار : أنا أبيعك مثل هذه السلعة بأقلّ أو خيرا منها بالثمن أو أقلّ ، وكذا يتناول النّهي من (٣) جاء إلى البائع في مدّة الخيار فدفع إليه أكثر من الثمن ، ولو خالف ، انعقد البيع مع فسخ أحد المتعاقدين وإن فعل حراما.

٢٩٩٦. السابع عشر : النجش حرام وهو الزيادة لا للشراء بل ليغرّ (٤) المشتري فيزيد ، ولو اشترى مع النجش صحّ الشراء ، فإن ظهر الغبن تخيّر المغبون (٥) على ما يأتى.

ولا فرق بين أن يكون النجش بمواطاة البائع أو لا ، ولو قال البائع : أعطيت

__________________

(١) المبسوط : ٢ / ١٦٠.

(٢) رواه البيهقي في سننه : ٥ / ٣٤٤ ؛ وفي المبسوط : ٢ / ١٦٠ «لا يبيعنّ أحدكم على بيع أخيه».

(٣) في «أ» ممّن.

(٤) في «ب» : لتغيّر.

(٥) كذا في «ب» ولكن في «أ» : فإن ظهر عنهما الغبن تخيّر المغبون.

٢٥٢

كذا ، فاشتراها به ، ثمّ بان كذبه ، كان للمشتري الخيار مع الغبن.

٢٩٩٧. الثامن عشر : بيع التلجئة (١) باطل. وهو المواطاة على الاعتراف بالبيع من غير بيع خوفا من ظالم.

٢٩٩٨. التاسع عشر : نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ان يبيع حاضر لباد(٢) ، وهو من يدخل البلدة من غير أهلها ، سواء كان بدويّا أو من بلدة أخرى ، ومعناه النهي عن أن يكون سمسارا له يعرفه السعر ، بل ينبغي أن يتولّى البدويّ البيع لنفسه ، ليشتريها الناس برخص ، ويتّسع عليهم السعر.

وهل هو تحريم قال في المبسوط : نعم (٣) وهو قول ابن إدريس (٤). وقال في النهاية بالكراهية (٥).

وانما يحرم بأن يقصد الحاضر تولّي البيع للبادي ، وأن يكون البادي جاهلا بالسعر ، وأن يجلب السلعة للبيع ، ولو خالف انعقد البيع ، ولو أشاد (٦) الحاضر على البادي من غير أن يباشر البيع ، فالوجه الكراهة ؛ ولا بأس بالشراء للبادي.

٢٩٩٩. العشرون : في تلقّي الركبان للشيخ قولان : أحدهما التحريم (٧) والثاني

__________________

(١) قال المصنف في نهاية الأحكام : ٢ / ٤٥٦ ، بيع التلجئة باطل ، وهو أن يخاف أن يأخذ الظالم ملكه ، فيواطي رجلا على أن يظهر أنه اشتراه منه ليحفظه من الظالم ، ولا يريد بيعا حقيقيا ، لأنهما لم يقصدا البيع فكانا كالهازلين.

(٢) لاحظ الوسائل : ١٢ / ٣٢٧ ، الباب ٣٧ من أبواب آداب التجارة ، أحاديث الباب.

(٣) المبسوط : ٢ / ١٦٠.

(٤) السرائر : ٢ / ٢٣٦.

(٥) النهاية : ٣٧٥.

(٦) يقال : أشاد الضالة أي عرّفها والمراد التعريف بالقيمة.

(٧) المبسوط : ٢ / ١٦٠ ؛ والخلاف : ٣ / ١٧٢ ، المسألة ٢٨٢ من كتاب البيوع.

٢٥٣

الكراهية (١). وهو أن يخرج إلى الراكب القاصد للبلد ، فيشتري منهم قبل معرفتهم بالسعر في البلد ، ولو خالف واشترى ، انعقد البيع ، ومع الغبن يتخيّر المغبون ، ولا خيار مع عدمه ، والخيار انّما هو للبائع خاصّة.

والأقرب انّ الخيار فيه وفي النجش ليس على الفور.

ولو تلقّاهم وباعهم ، فهو بمنزلة الشراء ، يثبت لهم الخيار مع الغبن الفاحش ، ولو خرج غير قاصد للشراء ، فلقي الركب اتّفاقا ، لم يكره الشراء ولا البيع ، ولو تلقّى الجلب في أوّل السوق بعد دخوله ، لم يكن به بأس.

وحدّ التلقّي أربعة فراسخ ، فإن زاد كان تجارة وجلبا ولم يكن تلقّيا.

٣٠٠٠. الواحد والعشرون : نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الاحتكار(٢) وفي تحريمه للشيخ قولان : أحدهما التحريم (٣) وهو قول أبي الصلاح (٤) وابن إدريس (٥) وابن بابويه (٦) والثاني الكراهية (٧) هو قول المفيد (٨) وسلّار (٩). والأوّل أقوى.

ومعنى الاحتكار هو حبس الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن ـ وفي الملح قولان ـ مع احتياج الناس وعدم الباذل سوى المحتكر ، ولا احتكار في ما عداها.

__________________

(١) لاحظ النهاية : ٣٧٥.

(٢) لاحظ الوسائل : ١٢ / ٣١٢ ، الباب ٢٧ من أبواب آداب التجارة.

(٣) النهاية : ٣٧٤.

(٤) الكافي في الفقه : ٣٦٠.

(٥) السرائر : ٢ / ٢١٨.

(٦) المقنع : ٣٧٢ ؛ والفقيه : ٣ / ١٦٨ برقم ٧٤٤ ـ ٧٥٣.

(٧) المبسوط : ٢ / ١٩٥.

(٨) المقنعة : ٦١٦.

(٩) المراسم : ١٦٩.

٢٥٤

وقال ابن بابويه : يثبت في الزيت ، وبه رواية حسنة (١).

٣٠٠١. الثاني والعشرون : انّما يثبت الاحتكار في هذه إذا استبقاها للزيادة في الثمن ، ولو استبقاها للقوت أو الزرع لم يكن محتكرا.

٣٠٠٢. الثالث والعشرون : يجب على الإمام إجبار المحتكر على البيع مع تحقّق الاحتكار ، وقال الشيخ : حدّه في الرخص أربعون يوما ، وفي الغلاء ثلاثة أيام (٢). والحقّ ما قلناه ، وهل له اجبارهم على التسعير؟ قال المفيد (٣) وسلّار (٤) : نعم. وقال أكثر علمائنا : ليس له ذلك ، وهو الوجه عندي.

٣٠٠٣. الرابع والعشرون : نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيعين في بيعة(٥). فقيل : البيع بثمن حالا وبأزيد مؤجّلا ، وقيل : أن يبيعه شيئا بشرط أن يشتري منه آخر (٦) ومنعه ابن إدريس (٧) ولا بأس به عندي.

٣٠٠٤. الخامس والعشرون : نهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع حبل الحبلة (٨) وهو أن يبيع بثمن مؤجل إلى نتاج الناقة ، وعن المجر (٩) وهو بيع ما في الأرحام ، وعن بيع

__________________

(١) المقنع : ٣٧٢ ، الفقيه : ٣ / ١٦٨ برقم ٧٤٤.

(٢) النهاية : ٣٧٤ و ٣٧٥.

(٣) المقنعة : ٦١٦.

(٤) المراسم : ١٨٢.

(٥) سنن البيهقي : ٥ / ٣٤٣.

(٦) لاحظ المبسوط : ٢ / ١٥٩ ؛ وسنن البيهقي : ٥ / ٣٤٣.

(٧) السرائر : ٢ / ٢٤٠.

(٨) في سنن البيهقي : ٥ / ٣٤٠ : نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع حبل الحبلة ، وكان بيعا يبتاعه أهل الجاهلية ، كان يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة وتنتج الّتي في بطنها.

(٩) سنن البيهقي : ٥ / ٣٤١.

قال الحلّي في السرائر : ٢ / ٢٤٠ : ونهى عن بيع المجر ـ بالميم المفتوحة والجيم المسكنة والراء ـ وهو بيع ما في الأرحام ، ذكره أبو عبيدة ، وقال ابن الأعرابي : المجر الّذي في بطن الناقة ، وقال : المجر الربا ، والمجر القمار ، والمجر المحاقلة والمزابنة.

٢٥٥

عسيب الفحل وهو نطفته ، وعن الملاقيح وهو ما في بطون الأمّهات ، والمضامين وهي ما في أصلاب الفحول ، وعن الملامسة وهو أن يبيعه غير مشاهد ، على أنّه متى لمسه وقع البيع ، وعن المنابذة وهو أن يقول : أن نبذته إليّ فقد اشتريته بكذا ، وعن بيع الحصاة وهو أن يقول : ارم هذه الحصاة فعلى أيّ ثوب وقعت فهو لك بكذا.

٢٥٦

المقصد الأوّل : فيما يحرم التكسب به ويكره

وفيه فصلان

[الفصل] الأوّل : فيما يحرم التكسب به

وفيه تسعة وعشرون بحثا :

٣٠٠٥. الأوّل : النجس ضربان : ذاتيّ النجاسة كالميتة والدم والخمر والفقاع والخنزير وشبهه.

وما يعرض له ، وهو ضربان : أحدهما ما لا يمكن تطهيره.

كالمائعات الّتي عرضت النجاسة ، والثاني يمكن تطهيره ، كالثياب. فالأوّل وأوّل الثاني لا يجوز بيعه ولا شراؤه ولا التكسّب به ، إلّا الأدهان النجسة لفائدة الاستصباح تحت السماء.

وثاني الأخير يجوز التكسب به.

٣٠٠٦. الثاني : السرجين النجس يحرم بيعه ، وغير النجس يجوز بيعه ، وأبوال ما لا يؤكل لحمه نجسة يحرم التكسّب بها ، وفي بول ما يؤكل

٢٥٧

لحمه قولان : أحدهما الجواز ؛ قاله السيّد (١) والشيخ منع إلّا بول الإبل خاصّة للاستشفاء به (٢).

٣٠٠٧. الثالث : يجوز بيع كلب الصيد وشراؤه ، وفي كلب الزرع والماشية والحائط قولان : أقربهما الجواز ، وغير ذلك من الكلاب يحرم التكسّب به إجماعا منّا. وكذا يجوز إجارة الكلاب المنتفع بها ، والوصية بها ، وهبتها.

ويحرم إتلاف المعلّم ، وعلى المتلف الغرم ، وإن كان أسود بهيما (٣). ويباح قتل العقور.

ويحرم اقتناء ما عدا الكلاب الأربعة ، ويجوز تربية الجرو الصغير لأحد الأمور المذكورة ، واقتناء أحد الأربعة ، ولو هلكت ماشية فأراد شراء غيرها أو حصد زرعه ، ابيح له اقتناؤه إلى ان يشتري او يستجد زرعا آخر. ويجوز لمن لا يصيد أن يقتني كلب الصيد.

٣٠٠٨. الرابع : يحرم اقتناء الأعيان النجسة إذا خلت من المنفعة كالخنزير وشبهه ، ولو كان فيه منفعة جاز اقتناؤه كالكلب والسرجين لتربية الزرع ، والخمر للردّ إلى الخلّ ، وكذا يحرم اقتناء الموذيات كالحيّات والعقارب والسباع.

٣٠٠٩. الخامس : الأقرب عندي جواز بيع الماء النجس لإمكان تطهيره.

٣٠١٠. السادس : يحرم التكسب بكلّ ما يكون المقصود منه حراما ، كآلات اللهو مثل العود والزمر ، وهياكل العبادة ، كالصليب والصنم ، وآلات القمار ،

__________________

(١) الانتصار : ٤٢٤ ، المسألة ٢٤٢.

(٢) النهاية : ٣٦٤.

(٣) في مجمع البحرين : في الحديث يكره الحرير المبهم للرجال ، أي الخالص الّذي لا يمازجه شي‌ء ، ومنه الأسود المبهم.

٢٥٨

كالشطرنج والنرد والأربعة عشر ، وبيع العنب ليعمل خمرا ، وكذا العصير ، ولو باعه كذلك بطل العقد ، وكذا بيع الخشب ليعمل صنما ، ويجوز بيع ذلك كلّه على من يعمله إذا لم يبعه لذلك على كراهية.

ويحرم التوكيل في بيع الخمر ، وإن كان الوكيل ذميّا وكذا الشراء ، وكذا يحرم إجارة السفن والمساكن للمحرّمات واتّخاذها للمناكير.

ولو آجرها لمن يعمل ذلك لا بشرطه جاز ، ولو آجر سفينته أو دابّته لحمل الخمر جاز ، ما لم يحملها للشرب فيحرم ، ولو كان البيت في السواد حرم إجارته لذلك ، كما لو كان في المدينة.

ولو استأجر ذمّي دار مسلم وأراد بيع الخمر فيها سرّا ، لم يكن للمالك منعه ، ولو آجره لذلك ، فالأقرب التحريم للعموم.

٣٠١١. السابع : يحرم بيع السلاح لأعداء الدين وعمله لهم عند قيام الحرب وعدم الهدنة ، ويجوز بيع ما يكن (١) من السلاح كالدروع والخفاف ، ولا فرق في التحريم بين جميع آلات الحرب ولا بين إسلام العدوّ وكفره.

٣٠١٢. الثامن : الغناء حرام ، وتعليمه وأجر المغنية كذلك ، وقد وردت رخصة بإباحة أجر المغنّية في العرائس إذا لم تتكلّم بالباطل ، ولا تلعب بالملاهي كالعيدان والقصب ، بل تكون ممّن تزفّ العروس ، وتتكلّم عندها بإنشاد الشعر والقول البعيد من الفحش والباطل ، وما عدا ذلك حرام في العرس وغيره.

٣٠١٣. التاسع : النائحة بالباطل أجرها حرام ، ولا بأس بأجر النائحة إذا لم

__________________

(١) ما يكن : ما ستر من الحر والبرد ، والكنّ : السترة. مجمع البحرين.

٢٥٩

تعتمد قول الباطل ، وإن كان مكروها خصوصا مع الشرط.

٣٠١٤. العاشر : القمار حرام ، وكذا ما يؤخذ بسببه ، حتّى لعب الصبيان بالجوز والخاتم والشطرنج.

٣٠١٥. الحادي عشر : الغشّ بما يخفى حرام ، كشوب اللبن بالماء ، وكذا تدليس الماشطة وتزيين الرجل بالحرام.

٣٠١٦. الثاني عشر : عمل الصور المجسّمة حرام ، وكذا أخذ الأجرة عليه.

٣٠١٧. الثالث عشر : تحرم معونة الظالمين بالمحرّم.

٣٠١٨. الرابع عشر : الغيبة حرام ، وكذا استماعها ، وهجاء المؤمنين ، والكذب عليهم ، والنميمة ، وسبّ المؤمنين ، والسعي في القبيح ، ومدح من يستحقّ الذم وبالعكس ، والأمر بشي‌ء من ذلك ، وأخذ الأجرة عليه ، والتشبيب بنساء المؤمنين.

٣٠١٩. الخامس عشر : يحرم حفظ كتب الضلال ونسخها لغير النقض أو الحجّة ، ونسخ التوراة والإنجيل وتعليمهما وأخذ الأجرة عليه.

٣٠٢٠. السادس عشر : تعلّم السحر وتعليمه والشعبذة والكهانة والقيافة حرام ، وأخذ الأجرة عليه ، والسحر كلام يتكلّم به أو يكتبه ، [أ] ورقيّة ، أو يعمل شيئا يؤثّر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة. قال الشيخ : لا حقيقة له وانّما هو تخييل (١) وقيل : له حقيقة. وعلى الوجهين ، إن استحلّه ، فالوجه انّه يكفر ، وإلّا فلا.

__________________

(١) الخلاف : ٥ / ٣٢٨ ، المسألة ١٤ من كتاب كفّارة القتل.

٢٦٠