تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-66-5
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٠١

٣٥٩٠. الثالث : تصحّ الإقالة في جميع ما تناوله العقد وفي بعضه ، سواء كان سلما أو غيره.

٣٥٩١. الرابع : إذا أقاله ردّ الثمن إن كان باقيا ، ومثله إن كان تالفا ، وقيمته إن لم يكن مثليّا ، ولو دفع عرضا (١) عنه لم أستبعد جوازه مع التراضي ، سواء كان باقيا أو تالفا ، بخلاف ما لو أقاله بغير الجنس.

٣٥٩٢. الخامس : قال الشيخ : إذا أخذ الدنانير بدل الدراهم ، أو بالعكس ، وجب القبض قبل التفرّق ، لأنّه صرف ، وإن أخذ عرضا آخر ، جاز أن يفارقه قبل القبض (٢).

٣٥٩٣. السادس : لا تسقط أجرة الدلّال بالبيع الأوّل ، ولا الكيّال ، ولا الوزّان ولا الناقد.

٣٥٩٤. السابع : لو تقايلا بالثمن رجع كلّ عرض (٣) مالكه ، فلو كان العوض تالفا ، فالوجه صحّتها ، وكان الحكم كما قلناه في الثمن ، ولو اختلفا في قدر الثمن بعد الإقالة ، فالوجه قبول قول المشتري مع اليمين. وعدم البيّنة ، ولم أظفر فيهما بكلام لأحد سبق.

__________________

(١) في «ب» : عوضا.

(٢) المبسوط : ٢ / ١٨٧.

(٣) في «أ» : عوض.

٤٤١
٤٤٢

كتاب الديون وتوابعها

وفيه مقاصد

٤٤٣
٤٤٤

المقصد الأوّل : في الديون

وفيه فصول

[الفصل] الأوّل : في كراهية الدّين

وفيه عشرة مباحث :

٣٥٩٥. الأوّل : يكره للإنسان الدّين مع الاختيار ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام :

«إياكم والدّين فإنّه مذلّة بالنّهار ، ومهمة بالليل ، وقضاء في الدنيا ، وقضاء في الآخرة» (١).

وفي الصحيح عن عبد الرّحمن بن الحجّاج عن الصادق عليه‌السلام : قال :

«نعوذ بالله من غلبة الدّين ، وغلبة الرجال ، وبوار الأيّم» (٢). وقال الباقر عليه‌السلام : «كل ذنب يكفّره القتل في سبيل الله عزوجل إلّا الدّين

__________________

(١) الوسائل : ١٣ / ٧٧ ، الباب ١ من أبواب الدّين والقرض ، الحديث ٤.

(٢) التهذيب : ٦ / ١٨٣ برقم ٣٧٧ ؛ والوسائل : ١٣ / ٧٦ ، الباب ١ من أبواب الدّين والقرض الحديث ١ ، وفيه «تعوّذوا». والأيّم : المرأة الّتي لا زوج لها.

٤٤٥

لا كفّارة له إلّا أداؤه ، أو يقضي صاحبه (١) ، أو يعفو الّذي له الحق» (٢).

وفي الصحيح عن معاوية بن وهب قال : قلت : لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّه ذكر لنا أنّ رجلا من الأنصار مات وعليه ديناران ، فلم يصلّ عليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال :

صلّوا على صاحبكم حتّى ضمنهما عنه بعض قرابته ، فقال أبو عبد الله :

ذلك الحقّ ، ثمّ قال : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما فعل ذلك ليتّعظوا وليردّ بعضهم على بعض ، ولئلّا يستخفّوا بالدّين» (٣).

٣٥٩٦. الثاني : لو اضطرّ إلى الدّين جاز ، وزالت الكراهية ، فقد روي في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مات وعليه دين ، وكذلك الحسن والحسين عليهما‌السلام (٤) وعن الكاظم عليه‌السلام قال :

«من طلب هذا الرزق من حلّه ليعود به على عياله ونفسه كان من المجاهدين (٥) في سبيل الله عزوجل ، فإن غلب عليه فليستدن على الله عزوجل وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يقوت به عياله ، فإن مات ولم يقضه ، كان على الإمام قضاؤه فإن لم يقضه كان عليه وزره ، انّ الله عزوجل يقول : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ

__________________

(١) ولعلّ المراد من قضاء صاحبه ، هو الوصيّ والوليّ ، فيصحّ عندئذ العطف ، كما في هامش المصدر.

(٢) الوسائل : ١٣ / ٨٣ ، الباب ٤ من أبواب الدّين والقرض ، الحديث ١.

(٣) التهذيب ٦ / ١٨٣ ، باب الديون وأحكامها ، الحديث ٣٧٨ ؛ والوسائل : ١٣ / ٧٩ ، الباب ٢ من أبواب الدّين والقرض ، الحديث ١.

(٤) الوسائل : ١٣ / ٧٩ ، الباب ٢ من أبواب الدّين والقرض ، الحديث ١ ؛ والتهذيب : ٦ / ١٨٣ برقم ٣٧٨.

(٥) وفي المصدر : «كان كالمجاهد».

٤٤٦

وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ) (١) فهو فقير مسكين مغرم» (٢).

٣٥٩٧. الثالث : لو كان له مال جاز أن يستدين ، لتمكّنه من القضاء ، وإن كان الأولى تركه ، وكذا لو استدان مع الحاجة وكان له وليّ يقضيه عنه ، جاز أن يستدين أيضا ، روى الشيخ عن سلمة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل منّا يكون عنده الشي‌ء يتبلغ به وعليه دين أيطعمه عياله حتّى يأتي الله عزوجل بيسره (٣) فيقضي دينه؟ أو يستقرض على ظهره في خبث الزمان وشدّة المكاسب؟ أو يقبل الصدقة؟ قال :

«يقضي بما عنده دينه ، ولا يأكل أموال الناس إلّا وعنده ما يؤدّي إليهم حقوقهم ، إنّ الله تعالى يقول و (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) (٤) ولا يستقرض على ظهره إلّا وعنده وفاء ، ولو طاف على أبواب الناس فردّوه باللقمة واللقمتين والتمرة والتمرتين إلّا أن يكون له وليّ يقضي من بعده ، وليس منّا من ميّت يموت إلّا جعل الله عزوجل له وليّا يقوم في عدته ودينه فيقضي عدته ودينه» (٥).

٣٥٩٨. الرابع : يجب على من استدان أن ينوي القضاء مع القدرة ، روى الشيخ

__________________

(١) التوبة : ٦١.

(٢) التهذيب : ٦ / ١٨٦ برقم ٣٨١ ، والوسائل : ١٣ / ٨٠ ، الباب ٢ من أبواب الدّين والقرض ، الحديث ٢.

(٣) كذا في التهذيب ؛ وفي الوسائل «بميسرة» وفي النسخ الّتي بأيدينا «أمره».

(٤) النساء : ٢٩.

(٥) التهذيب : ٦ / ١٨٥ برقم ٣٨٣ ؛ والوسائل : ١٣ / ٨٠ ـ ٨١ ، الباب ٢ من أبواب الدّين والقرض أشار إليه في ذيل الحديث ٥.

٤٤٧

في الصحيح عن ابن رباط قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول :

«من كان عليه دين فنوى (١) قضاءه كان معه من الله عزوجل حافظان يعينانه على الأداء عن أمانته ، فإن قصرت نيّته عن الأداء ، قصر عنه من المعونة بقدر ما نقص من نيّته» (٢).

وعن أبي حمزة الثمالي عن الباقر عليه‌السلام قال :

«من حبس حقّ امرئ مسلم وهو يريد (٣) أن يعطيه إيّاه مخافة إن خرج ذلك الحقّ من يديه أن يفتقر كان الله أقدر على أن يفقره منه ، أن يغني نفسه بحبس ذلك الحق (٤).

٣٥٩٩. الخامس : من وجب عليه الحجّ ، ثمّ فقد الاستطاعة ، جاز له أن يستدين ويقضي الحجّ ، فإن لم يجب عليه أوّلا ، لم يستحبّ له الاستدانة للحجّ ، ولو استدان ثمّ حجّ به من غير تقدّم وجوب ، لم يجزئه على ما تقدّم.

٣٦٠٠. السادس : يكره لصاحب الدّين النزول على المستدين ، فإن فعل فلا يقيم عنده أكثر من ثلاثة أيّام.

٣٦٠١. السابع : من لا يجد (٥) شيئا ، كان قبول الصدقة له أفضل من الاستدانة.

__________________

(١) في المصدر : «ينوي».

(٢) التهذيب : ٦ / ١٨٥ برقم ٣٨٤ ؛ ولاحظ الوسائل : ١٣ / ٨٦ ، الباب ٥ من أبواب الدّين والقرض ، الحديث ٣.

(٣) في المصدر : «يقدر».

(٤) التهذيب : ٦ / ١٨٩ برقم ٣٩٩ ، ولاحظ الوسائل : ١٣ / ٨٨ ، الباب ٧ من أبواب الدّين والقرض ، الحديث ١.

(٥) في «أ» : لم يجد.

٤٤٨

٣٦٠٢. الثامن : إذا أهدى المدين شيئا للمدين (١) لم تكن تجري عادته به ، استحبّ له احتسابه من الدّين ، وليس بواجب.

٣٦٠٣. التاسع : إذا استدان والتجأ إلى الحرم ، لم تجز لصاحب الدّين ملازمته فيه ، ولو وجده في الحرم ، وهو موسر مليّ ، فالوجه جواز مطالبته فيه.

٣٦٠٤. العاشر : يجب على المدين ترك الإسراف في النّفقة ، وليقتصد فيها ، ولا يجب عليه التقتير ، ومع مطالبة المدين يجب عليه دفع جميع ما يملكه إليه ، عدا دار سكناه ، وثياب بدنه وخادمه ، وقوت يومه وليلته له ولعياله.

الفصل الثاني : في القرض

وفيه أربع وعشرون بحثا :

٣٦٠٥. الأوّل : القرض فيه فضل كثير وثواب جزيل ، وروي أنّه أفضل من الصدقة بمثله في الثواب (٢) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين ، إلّا كان كصدقة مرّة» (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رأيت ليلة أسري بي على باب الجنّة مكتوبا ، الصدقة

__________________

(١) المدين ـ بفتح الميم ـ هو الغريم ويقال له المديون أيضا ، وأمّا المدين ـ بضم الميم وكسر الدال ـ فهو الّذي له الدّين ، يقال : أدان زيد عمرا ، فزيد مدين وعمرو مدان.

(٢) مستدرك الوسائل : ١٣ / ٣٩٥ ، الباب ٦ من أبواب الدّين والقرض ، الحديث ١.

(٣) المغني لابن قدامة : ٤ / ٣٥٢ ، باب القرض.

٤٤٩

بعشر أمثالها ، والقرض بثمانية عشر» (١).

وقال الصادق عليه‌السلام في قوله تعالى : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ) (٢) قال : يعني بالمعروف القرض. (٣)

وقال الباقر عليه‌السلام :

«من أقرض قرضا إلى ميسرة كان ماله في زكاة و (كان) (٤) هو في صلاة من الملائكة عليه حتّى يقضيه (٥).

وهو مستحبّ بالنسبة إلى المقرض ، جائز بالنسبة إلى المقترض ، وقد يكره مع الغنى ، وليس الإقراض بواجب ، ويستحبّ للمتقرض إعلام المقرض بحاله.

٣٦٠٦. الثاني : القرض عقد يشتمل على إيجاب ، مثل أقرضتك أو تصرّف

__________________

(١) مستدرك الوسائل : ١٣ / ٣٩٥ ، الباب ٦ من أبواب الدّين والقرض ، الحديث ٣.

أقول : إنّ في المقام لصاحب الحدائق كلاما حول وجه أفضلية القرض على الصدقة نأتي بنصّه :

إنّ ظاهر الخبر انّ درهم الصدقة بعشرة ، ودرهم القرض بعشرين. وعند التأمل في ذلك لا إشكال ، لأنّ المفاضلة والمضاعفة انّما هي في الثواب ، ولا ريب انّه إذا تصدّق بدرهم فانّه انّما يصير عشرة باعتبار ضمّ الدرهم المتصدق به حيث انّه لا يرجع ، والحاصل من الثواب الّذي اكتسبه بالصدقة في الحقيقة مع قطع النظر عن ذلك الدرهم انّما هو تسعة ، وعلى هذا فثواب القرض وهو ثمانية عشر ضعف التسعة ، لأنّ المفاضلة والمضاعفة انّما هي في الثواب المكتسب.

ولك أن تقول : انّ درهم الصدقة لمّا لم يكن بعشرة إلّا من حيث عدم رجوع الدرهم ، فدرهم القرض لمّا كان يرجع بعينه ويرجع ما قابله من الثواب المخصوص بتلك العين ، يكون الباقي ثمانية عشر ، وعلى كلّ من التقديرين فالمضاعفة حاصلة. الحدائق الناضرة : ٢٠ / ١٠٧ ـ ١٠٨.

(٢) النساء : ١١٣.

(٣) الفقيه : ٣ / ١١٦ ، برقم ٤٩٢ باب الدّين والقروض.

(٤) ما بين القوسين موجود في المصدر.

(٥) الفقيه : ٣ / ١١٦ برقم ٤٩٤.

٤٥٠

فيه ، أو انتفع به وعليك ردّ عوضه ، أو ما أشبه ذلك ، وعلى قبول كقوله : قبلت ، أو ما دلّ على الرضا بالإيجاب من غير حصر في عبارة.

ولا يصحّ إلّا من جائز التصرّف ، ولو قال : ملّكتك على أن تردّ عوضه ، فهو قرض ، ولو قال : ملّكتك ، وأطلق ، ففي كونه هبة نظر ، ولو اختلفا فالوجه أنّ القول قول الواهب.

٣٦٠٧. الثالث : إذا أقرضه وجبت إعادة المثل ، فإن شرط في القرض الزيادة حرم ، ولم يفد الملك ، سواء شرط زيادة عين أو منفعة ، ولو ردّ عليه أزيد في العين أو الصفة من غير شرط ، لم يكن به بأس ، سواء كان العرف يقتضي ذلك أو لا ، ولا تقوم العادة في التحريم مقام الشرط ، ولا فرق في التحريم مع الشرط بين الرّبوي وغيره.

٣٦٠٨. الرابع : يجوز أن يقرضه شيئا ، ويشترط عليه إعادته في أرض أخرى ، ويكتب به سفتجة ، ولو شرط في القرض ، أن يوجره داره ، أو يبيعه شيئا ، أو يقرضه المقترض مرّة أخرى ، جاز أيضا ، أمّا لو شرط أن يوجره داره بأقلّ من أجرتها ، أو يستأجر منه بأكثر ، أو على أن يهدي له هدية ، أو يعمل له عملا ، فالوجه التحريم ولو فعل ذلك من غير شرط كان جائزا.

ولو شرط رهنا على القرض ، أو كفيلا به جاز ، بخلاف ما لو شرط رهنا على قرض آخر أو كفيلا ، ولو شرط أن يقرضه شيئا آخر صحّ ، ولم يلزم الوعد.

٣٦٠٩. الخامس : قال الشيخ (١) إذا أعطاه الغلة وأخذ منه الصحاح ، شرط ذلك

__________________

(١) في «أ» : ولو شرط رهنا وكفيلا على القرض أو كفيلا به.

٤٥١

أو لم يشرط ، لم يكن به بأس (١) وفيه إشكال مع الشرط.

٣٦١٠. السادس : لا يكره إقراض المعروف بحسن القضاء ، وقد كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معروفا بحسن القضاء ، ولم يكره إقراضه.

٣٦١١. السابع : لو شرط في القرض أن يوفّيه أنقص ممّا أقرضه ، ففي التحريم إشكال ، سواء كان ممّا يجري فيه الربّا ، أو لا ، ولو شرط المكسر عوض الصحيح (٢) ، أو تأجيل الحالّ ، لغى الشرط وصحّ القرض.

٣٦١٢. الثامن : لو اقترض من رجل نصف دينار فدفع إليه دينارا صحيحا ، وقال : نصفه قضاء ونصفه وديعة ، أو سلما في شي‌ء صحّ ، وللمقرض الامتناع من قبوله.

ولو اشترى بالنصف الباقي من الدينار سلعة جاز ، إلّا أن يشرط فيقول : أقرضتك صحيحا بشرط أن آخذ منك بنصفه الباقي سلعة ، فالوجه عدم الجواز. ولو لم يشرط (٣) جاز ، ولو ترك النصف الآخر وديعة ، جاز واشتركا فيه.

فلو أرادا كسره جاز ، ولو اختلفا لم يجبر الممتنع على كسره.

٣٦١٣. التاسع : القرض لا يثبت فيه خيار للمقترض ولا للمقرض.

بل للمقرض المطالبة في الحالّ ، وللمقترض الدفع عاجلا ، وليس لأحدهما الامتناع من حقّ صاحبه.

٣٦١٤. العاشر : يثبت الملك في القرض بالعقد والقبض ، وهو عقد لازم من

__________________

(١) النهاية : ٣١٢.

(٢) في «أ» : عن الصحيح.

(٣) في «أ» : ولو لم يشترط.

٤٥٢

جهة المقرض ، جائز من جهة المقترض على معنى أن للمقترض ردّ العين أو المثل ، ولو طلب المقرض العين لم يجبر المقترض على دفعها ، وقول الشيخ في الخلاف (١) ضعيف.

فإن ردّ المقترض العين سليمة ، وجب على المقرض القبول وإن تغيّر سعرها ، وإن ردّها ناقصة لم يجب ، سواء كان النقص في عين ، أو صفة ، وفي وجوب قبول العين على المقرض في غير المثل إشكال.

٣٦١٥. الحادي عشر : للمقرض المطالبة بالقرض في الحالّ جملة ولو أقرضه تفاريق ، ولو أجّل القرض لم يتأجّل ، وكذا كلّ دين حالّ لم يتأجّل ، سواء كان بزيادة فيه أو لا ، وكذا لو كان مؤجّلا فحلّ ، لم يصحّ تأجيله إلى آخر ، وسواء في ذلك القرض وبدل المتلف (٢) وثمن المبيع ، والأجرة والصداق وعوض الخلع ، نعم يستحبّ له الوفاء ، ويجوز تعجيل المؤجّل بإسقاط بعضه وبدونه مع التراضي.

٣٦١٦. الثاني عشر : يجوز قرض المكيل والموزون إجماعا ، وكذلك يجوز قرض غيرهما ممّا يثبت في الذّمة ، سلما ، وكذا يجوز إقراض غير المثلي كالجواهر والحيوان وأشباههما ، وللشيخ رحمه‌الله قول بالمنع في إقراض ما ليس بمثليّ (٣) ويجوز إقراض الرقيق ، سواء كان عبدا أو أمة ، وسواء أقرض الأمة لمحرم لها ، كالأب والأخ ، أو لغيره.

٣٦١٧. الثالث عشر : لا يجوز إقراض المكيل والموزون جزافا ، وكذا لو قدّره

__________________

(١) الخلاف : ٣ / ١٧٧ ، المسألة ٢٩٢ من كتاب البيوع.

(٢) في «ب» : «وبدل السلف».

(٣) لاحظ المبسوط : ٢ / ١٦١.

٤٥٣

بمكيل معيّنة ، أو بصنجة (١) معيّنة غير معروفين عند العامة. ولو كانت الدراهم ممّا يتعامل بها عددا ، اشترط تعيين العدد ويردّ عددا ، وإن استقرض (٢) وزنا ردّ وزنا ، وكذا كل معدود ، ويجب معرفة عدده وقت الإقراض.

٣٦١٨. الرابع عشر : كلّ مثل يجب ردّ مثله ، سواء كان ممّا يكال أو يوزن ، أو لا ، وسواء رخص أو غلا ، أو لا ، ولو تعذّر المثل ردّ القيمة يوم تعذّر المثل ، ولو لم يكن مثليّا ، وجب ردّ القيمة يوم الإقراض ، ولو اختلفا في القيمة ، فالقول قول الغارم.

٣٦١٩. الخامس عشر : يجوز إقراض الخبز عددا ووزنا ، فإن استقرض عددا ، ردّه عددا ، وإن استقرض وزنا ، ردّه وزنا ، (٣) ولو شرط أن يعطيه أكثر ، أو أجود ، حرم.

ولو كان لجماعة ماء فاحتاج بعضهم أن يسقي في غير نوبته ، فاستقرض من نوبة غيره ليردّ عليه بدله في يوم نوبته ، لم يكن به بأس.

٣٦٢٠. السادس عشر : لو استقرض من ينعتق عليه ، عتق بالقبض ، ولو استقرض جارية ، جاز له وطؤها بعد الاستبراء إن وجب. (٤)

٣٦٢١. السابع عشر : لو أفلس غريمه فأقرضه ألفا ليوفّيه كلّ شهر شيئا معلوما ، جاز ، ولو كانت له عليه حنطة ، فأقرضه ما يشتري به حنطة ، ويوفّيه إياها ،

__________________

(١) الصنجة (والسنجة) : صنجة الميزان : ما يوزن به كالرطل والأوقية. المعجم الوسيط.

(٢) في «أ» : وإن أقرض.

(٣) في «ب» : ردّه كذلك.

(٤) قال ابن قدامة في المغني : ٤ / ٣٥٦ : ومتى احتاج إلى وطئها استقرضها فوطئها ثمّ ردّها ، كما يستعير المتاع فينتفع به ثمّ يردّه.

٤٥٤

جاز أيضا. ولو أراد أن يبعث نفقة لعياله ، فأقرضها رجلا على أن يدفعها إلى عياله جاز.

ولو أقرض أكّاره (١) ما يشتري به عاملة يعمل في أرضه ، أو بذرا يبذره فيها من غير شرط جاز.

٣٦٢٢. الثامن عشر : لو اقترض من غيره دراهم فاشترى بها منه سلعة ، فطلعت زيوفا (٢) لزم البيع ، ولا يرجع عليه بشي‌ء ، إن وقع الشراء بالعين وكان البائع عالما بالعيب ، ولو باعه بدراهم في الذّمة ، ثم قبض هذه عوضها (٣) ولم يعلم بالعيب ، وجب له دراهم خالية من العيب ، ويردّ هذه على المشتري ، ويردّها المشتري عليه وفاء عن القرض ، ويبقى الثمن في الذّمة سليما ، ولو حسبها على البائع وفاء عن القرض ، ودفع الثمن جيّدا ، جاز.

٣٦٢٣. التاسع عشر : لو أقرضه وقال : إذا متّ فأنت في حلّ ، كان وصيّة ، ولو قال : إن متّ فأنت في حلّ ، لم يصحّ. (٤)

٣٦٢٤. العشرون : لو أقرضه تسعين [دينارا] بمائة عددا ، والوزن واحد ، جاز ، إذا كانت لا تنفق في مكان إلّا بالوزن ، وكذا لو كانت تنفق برءوسها.

ولو قال : اقترض لي من فلان مائة ولك عشرة ، فلا بأس ، لأنّه جعالة على مباح.

__________________

(١) الأكّار : الزرّاع ، جمعه «أكرة» الصحاح : ٢ / ٥٨٠.

(٢) في مجمع البحرين : درهم زيف : أي ردي‌ء.

(٣) في «أ» : عوضا.

(٤) لأنّ الثاني معلّق على الشرط ، والابراء لا يصحّ تعليقه ، ولكن الفرق بين التعبيرين ضئيل خارج عن متفاهم العرف فكلاهما على وزان واحد.

٤٥٥

ولو قال : اكفل عنّي ولك ألف قيل : لم يجز (١) ، لأنّ الكفيل يلزمه الدّين ، ويجب على المكفول عنه قضاؤه مع الأداء كالقرض ، ومع العوض يكون جارا للمنفعة.

٣٦٢٥. الواحد والعشرون : لو استقرض دراهم وجب عليه ردّ مثلها في الوزن والصفة ، ولا يردّها بسكّة مخالفة لسكّة القرض (٢) ، ولو سقطت تلك الدراهم وجاءت غيرها لم يكن عليه إلّا الدراهم الّتي اقترضها ، أو سعرها بقيمة الوقت الّذي اقترضها فيه ، كذا ؛ قاله الشيخ (٣) ، وبه رواية صحيحة. (٤)

ولا يجب على المقترض ردّ النقد الحادث. وفي رواية ضعيفة السند عن الرضا عليه‌السلام ان عليه دراهم تجوز بين الناس كما اخذ ما ينفق بين الناس (٥). وجمع الشيخ بينهما بأنّه يأخذ منه ما ينفق بين الناس يعني بقيمة الدراهم الأولى مما ينفق بين الناس ، لأنّه يجوز أن تسقط الدراهم الاولة (٦) حتى لا يكاد تؤخذ أصلا ، فلا يلزمه أخذها وهو لا ينتفع بها ، وانّما له قيمة دراهمه الأولة ، وليس له المطالبة بالدراهم الّتي تكون في الحال (٧).

٣٦٢٦. الثاني والعشرون : إذا أقرضه في بلد ثمّ طالبه به في بلد آخر ، لم يجب عليه حمله إلى بلد المطالبة. ولو طالبه بالقيمة لزم ، ولو تبرّع المستقرض (٨)

__________________

(١) لاحظ المغني لابن قدامة : ٤ / ٣٦٥.

(٢) في «ب» : بسكة القرض.

(٣) النهاية : ٣٨٤.

(٤) التهذيب : ٧ / ١١٧ برقم ٥٠٧ ؛ والاستبصار : ٣ / ٩٩ برقم ٣٤٣.

(٥) الاستبصار : ٣ / ١٠٠ برقم ٣٤٥.

(٦) في المصدر «الأولى».

(٧) الاستبصار : ٣ / ١٠٠ في ذيل الحديث ٣٤٥.

(٨) في «ب» : المقترض.

٤٥٦

بدفع المثل وامتنع المقرض ، كان له ذلك وإن لم تكن في حمله مئونة.

٣٦٢٧. الثالث والعشرون : لو أقرض ذمّي ذمّيا خمرا ثم أسلما أو أحدهما بطل القرض ، ولم يجب على المقترض شي‌ء ، سواء كان هو المسلم أو الآخر.

٣٦٢٨. الرابع والعشرون : مال القرض إن بقى بحاله وجبت الزكاة على المقترض ، إن كان مما تجب فيه ، ولو شرط الزكاة على القارض ، قال الشيخ : صحّ ولزمت الزكاة القارض (١) والوجه خلافه.

الفصل الثالث : في بيع الدّين

وفيه ثمانية مباحث :

٣٦٢٩. الأوّل : الدّين المؤجّل لا يجوز بيعه مطلقا إلّا بعد حلول الأجل ، والحالّ يجوز بيعه على من هو عليه وعلى غيره بحالّ وإن لم يكن معيّنا ، ولا يجوز بيعه بدين آخر.

٣٦٣٠. الثاني : الدّين إن كان ربويّا وجب فيه المساواة قدرا مع اتّفاق الجنسيّة لا مع اختلافها ، وإن لم يكن ربويّا جاز بيعه بمثله ، أو أزيد أو أنقص بجنسه أو بغيره ، وقال الشيخ : لو باع الدّين بأقلّ ممّا له على المدين ، لم يلزم المدين أكثر ممّا وزن المشتري من المال (٢) وليس بمعتمد.

__________________

(١) النهاية : ٣١٢.

(٢) النهاية : ٣١١ ـ باب بيع الديون والارزاق ـ.

٤٥٧

٣٦٣١. الثالث : لا يجوز بيع الرزق الّذي على السلطان قبل قبضه ، وكذا لا يجوز بيع أهل الزكوات والأخماس قبل قبضها.

٣٦٣٢. الرابع : إذا دفع إلى صاحب الدّين عروضا على أنّها قضاء ، ولم يساعره ، احتسب بقيمتها يوم القبض ، ولا يلزمه ردّ المثل ، أمّا لو أعطاه قرضا عليه ، فانّه يردّ مثله.

٣٦٣٣. الخامس : الدّين لا يتعيّن ملكا لصاحبه إلّا بقبضه ، فلو جعله مضاربة قبل قبضه ، لم يصحّ.

٣٦٣٤. السادس : والقسمة لا تصحّ في الدّين ، فلو كان لأثنين مال في ذمم جماعة ، ثمّ تقاسما به ، كان ما يحصل لهما ، وما يتوى (١) منهما.

٣٦٣٥. السابع : الذمّي إذا باع ما لا يصحّ للمسلم تملّكه ، كالخمر والخنازير جاز دفع الثمن إلى المسلم عن حقّ له ، ولو كان البائع مسلما لم يجز.

٣٦٣٦. الثامن : لو باع الدّين كان ضامنا له ، فإن وفّى الّذي عليه الدّين المشتري ، وإلّا رجع على البائع بالدّرك ؛ قاله الشيخ رحمه‌الله (٢).

__________________

(١) أي ما يهلك. وفي التذكرة : ٢ / ٤ : كان الحاصل لهما والتالف منهما.

(٢) النهاية : ٣١١.

٤٥٨

الفصل الرابع : في دين المملوك

وفيه أحد عشر بحثا :

٣٦٣٧. الأوّل : المملوك لا يملك شيئا وإن ملّكه مولاه ، ولا يجوز له أن يتصرّف في نفسه بإجارة ، ولا استدانة ، ولا غير ذلك من وجوه التصرّفات ، ولا فيما في يده ببيع ، ولا هبة ، ولا إقراض ، ولا غير ذلك ، إلّا بإذن مولاه.

ثمّ هو قسمان : مأذون له ، وغير مأذون ، فغير المأذون لا يتصرّف إلّا بإذن مولاه ، على ما تقدّم ، إلّا في الطلاق والخلع ، وليس له أن يقبل الهبة ، ولا الوصيّة ، ولا يصحّ ضمانه ولا شراؤه.

وأمّا المأذون له في التجارة ، فيجوز له كلّ ما يندرج تحت اسم التجارة ، أو كان من لوازمه ، فليس له أن ينكح ولا يؤاجر نفسه ، ولا يتعدّى النوع الّذي رسم له الاتّجار فيه ، ولا يأذن لعبده في التجارة إلا بالأذن.

٣٦٣٨. الثاني : العبد غير المأذون إذا استدان بغير إذن مولاه ، كان لازما لذمّته ، يتبع به إذا أعتق وأيسر. وإلّا فلا ، ولا يتعلّق برقبته. ولو استدان المأذون له في الدّين ، تعلّق بذمّة المولى إن استبقاه أو أراد بيعه ، وإن أعتقه فللشيخ قولان : أحدهما أنّه يتبع به العبد (١) والآخر يلزم المولى (٢) وعندي في ذلك تردّد.

ولو استدان المأذون له في التجارة لأجلها ، لزم المولى أداؤه ، وإن كان لا

__________________

(١) ذهب إليه في النهاية : ٣١١.

(٢) واختاره في الاستبصار : ٤ / ٢٠ في ذيل الحديث ٦٤.

٤٥٩

لأجلها كان كغير المأذون ، وقيل : يستسعى العبد (١) وليس بمعتمد.

٣٦٣٩. الثالث : إذا مات مولى المأذون ، أخذ دين العبد من تركته ، فإن ضاقت التركة ، شارك غريم العبد غرماء المولى بالحصص.

٣٦٤٠. الرابع : لو أذن له في التجارة في نوع ، فاتّجر في غيره ، كان ما يستدينه عليه في ذمّته.

٣٦٤١. الخامس : إذ اشترى غير المأذون أو اقترض ، لم يصحّ ، ويرجع البائع والمقرض في العين ، سواء كانت في يد العبد أو المولى ، ولو تلفت في يد العبد ، كان له المثل في ذمّته ، يتبعه به بعد العتق ، وإلّا فالقيمة ، وان تلفت في يد المولى ، كان له المثل أو القيمة على السيّد في الحال ، وإن شاء طالب به العبد مع عتقه ويساره.

وعند القائلين بالتمليك ، ينبغي صحّة البيع والقرض ، وللبائع والمقرض الرجوع فيه ، إذا كان في يد العبد. وإن تلف تبعه بالمثل أو القيمة بعد العتق ، وإن كان في يد سيّده ، لم يكن للبائع ولا للمقرض أخذه ، ويرجع البائع والمقرض على العبد مع عتقه ويساره.

٣٦٤٢. السادس : إذا أذن له في الشراء ، انصرف إلى النقد ، ولو أذن له في النسيئة جاز ، وكان الثمن في ذمّة المولى ، ولو تلف الثمن ، وجب على المولى عوضه.

٣٦٤٣. السابع : إذا أذن له في الضمان ، احتمل تعلّقه بكسبه أو بذمّته.

٣٦٤٤. الثامن : إذا ثبتت جناية العبد بالبيّنة ، كان لوليّ الجناية استيفاء القصاص

__________________

(١) لاحظ المبسوط : ٢ / ١٦٤.

٤٦٠