موضوعي ينقّح حال الموضوع ، وإلاّ فلو كان في المقام أصل جارٍ من ناحية الموضوع لكان حاكماً على الأصل الحكمي سواء في الشبهة الموضوعيّة أم الحكميّة ، فالأولى نظير استصحاب عدم ذهاب ثلثي العصير العنبي فيما إذا شككنا في ذهاب الثلثين وعدمه ، فهو حاكم على أصالة الإباحة ومانع عن جريانها ، لأنّه بمنزلة الأصل السببي وأصالة الإباحة أصل مسبّبي ، وسيأتي البحث عنهما ولزوم تقديم الأوّل على الثاني ، والثانية نظير استصحاب جلل الحيوان فيما إذا شككنا في أنّ إستبراء الجّلال يتحقّق عند الشارع بسبعة أيّام أو بعشرة أيّام ، فهو حاكم على أصالة الحلّية لنفس العلّة ، وهى أنّ الشكّ في الحلّية مسبّب عن الشكّ في بقاء الجلل وعدمه. فاستصحاب بقاء الجلل أصل سببي وأصالة الحلّية أصل مسبّبي.
ومن هنا يظهر أنّ المراد من الموضوع في قولك : « الأصل الموضوعي » في المقام ما هو في مقابل الحكم سواء كان موضوعاً جزئيّاً كما في المثال الأوّل في الشبهة الموضوعيّة ، أو موضوعاً كلّياً كما في المثال الثاني في الشبهة الحكميّة ، فليس المراد منه الموضوع الخارجي حتّى يكون جزئياً في جميع الموارد وتكون الشبهة موضوعيّة دائماً.
كما يظهر ضعف ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله في المقام حيث قال : إنّ المراد من الأصل الموضوعي في ما نحن فيه ليس خصوص الأصل الجاري في الموضوع مقابل الحكم الشرعي ، بل كلّ أصل محرز متكفّل للتنزيل يكون حاكماً على أصالتي البراءة والاشتغال ، وقال في صدر كلامه : « ونعني بـ ( الأصل المتكفّل للتنزيل ) أن يكون مفاد الأصل إثبات المؤدّى بتنزيله منزلة الواقع بحسب الجري العملي سواء كان المؤدّى موضوعاً خارجياً أو حكماً شرعيّاً » (١).
أقول : الظاهر إنحصار هذا الأصل ( المتكفّل للتنزيل على مبناه ) في الاستصحاب ، وأمّا وجه ضعف كلامه هذا أنّه ينتقض بجميع الموارد التي يقدم فيه الاستصحاب على البراءة مع عدم كونه أصلاً موضوعياً بالنسبة إليها ومن قبيل السبب بالنسبة إلى مسبّبه ، بل الوجه في تقدّمه عليها إنّما هو أخصّية أدلّة الاستصحاب بالنسبة إلى أدلّة البراءة ( كما سيأتي في محلّه ) نظير ما إذا شككنا في حلّية شيء مع العلم بأنّ حالته السابقة هى الحرمة فاستصحاب الحرمة
__________________
(١) راجع فوائد الاصول : ج ٣ ، ص ٣٨٠.