ولكن يرد عليه : أنّ الإطلاقات منزّلة على بناء العقلاء ولا تعدّ دليلاً مستقلاً برأسها.
فظهر أنّ الدليل السالم عن المناقشة للطائفة الثانية ( القائلين بالجواز ) إنّما هو بناء العقلاء ، كما أنّ الدليل السالم عن المناقشة للطائفة الاولى إنّما هو الإجماع.
وقد إستشكل في الإجماع أوّلاً : بأنّه مدركي ، ومدركه أمّا أصالة عدم الحجّية أو إنصراف الإطلاقات إلى الأحياء. ولكن قد مرّ الجواب عنه آنفاً.
وثانياً : بأنّه لا يكون كاشفاً عن رأي المعصوم عليهالسلام لعدم اتّصال المجمعين بزمانه ، من باب أنّ التقليد المبحوث عنه أو الاجتهاد المصطلح اليوم أمر حادث في زماننا ولم يكن رائجاً في ذلك الزمان.
ولكن يرد عليه أيضاً : أنّ التقليد بهذا المعنى الحديث ولو في مستواه البسيط كان موجوداً في ذلك الزمان أيضاً ، وأنّ الأئمّة عليهمالسلام كانوا يرجعون الناس إلى أصحابهم الموجودين في البلاد الإسلاميّة ، خصوصاً إذا لاحظنا أنّ مسلمي سائر البلاد لم يكن بإمكانهم الرجوع إلى الإمام عليهالسلام في مسائلهم الشرعيّة وحاجاتهم الدينيّة ، بل كانوا يرجعون فيها إلى علماء البلاد قطعاً ، والعلماء أيضاً يستنبطونها من الأدلّة الموجودة بأيديهم بعد علاج تعارضها وحمل المطلق على المقيّد والعام على الخاصّ والأخذ بأنواع المرجّحات ، إلى غير ذلك ممّا كان من وظيفة المجتهد حتّى في تلك الأعصار.
أضف إلى ذلك أنّ تقليد الحي إنّما هو رمز بقاء المذهب وتحرّكه في جميع شؤونه وتجدّده عصراً بعد عصر وجيلاً بعد جيل ، بل هو رمز لإزدهار علم الفقه وتقدّمه على مرّ الدهور والليالي والأيّام ، بل الإنصاف أنّ الثورات الإصلاحيّة بيد العلماء والفقهاء في تاريخ التشيّع أثر من آثار هذا الأمر ، كما شاهدناها في ثورة عصرنا ، وذلك أنّ الناس لو كانوا مقلّدين لشيخ الطائفة مثلاً فسوف لا يهتمّون بالأحكام الصادرة من جانب الفقهاء الموجودين لا سيّما قائد الثورة.
وبالجملة : أنّ القول بكفاية تقليد الميّت كلمة توجب المسرّة لأعدائنا لأنّها مانعة عن حركة الأحياء وقيادتهم ، وهو الفارق الأساسي بين علماء الشيعة وعلماء السنّة ، وسرّ نشاط الطائفة الاولى وركود الطائفة الثانية.