أو الحياة فإنّه كثيراً ما يترك بعض آراء الحي أيضاً في زمان حياته لظهور رأي أقوى منه.
٢ ـ الاستصحاب ، وهو استصحاب بقاء الرأي أو بقاء الحكم.
أمّا استصحاب بقاء الرأي فإستشكل في بأنّ الميّت لا رأي له.
إن قلت : إنّ هذا ينافي القول ببقاء النفس الناطقة ، بل قد يقال : إنّ الإنسان يكون بعد مماته أعلم وأفقه ( فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ).
قلنا : إنّ مسألة بقاء النفس الناطقة ونحوها من التدقيقات العقليّة لا يفهمها العرف فإنّه يحكم ببطلان الرأي بعد الموت وبأنّ الميّت لا رأي له ، ولا ريب في أنّ المعتبر في باب الاستصحاب إنّما هو بقاء الحالة السابقة عند العرف فتأمّل.
وأمّا استصحاب الحكم ( بأن يقال : كانت صلاة الجمعة واجبة على المقلّد فالآن أيضاً واجبة عليه ) فإستشكل فيه المحقّق الخراساني بأنّ الأمارات الشرعيّة لا يتولّد منها الحكم ، بل مفادها إنّما هو المنجّزية والمعذورية فحسب.
ولكن قد مرّ الإشكال في أصل المبنى كراراً.
والصحيح في المقام أن يقال : أمّا استصحاب بقاء الرأي فالحقّ أنّه لا حاجة إليه لأنّ آراء الفقيه ليست عبارة عن الصورة الذهنيّة له حتّى تضمحلّ بموته ، بل إنّ آراءه هى نفس ما كتبه في كتبه الفقهيّة ، وهو ممّا لا شكّ فيه حتّى يستصحب بقاؤه ، والمحتاج إلى الاستصحاب إنّما هو بقاء حجّية هذه الآراء المكتوبة وهو نفس استصحاب بقاء الحكم ، وقد ذكرنا في محلّه أنّ إجراء الاستصحاب في الشبهات الحكميّة مشكل جدّاً.
إن قلت : لو جاز تقليد الميّت بحكم الاستصحاب لجاز تقليد الحي إذا عرضه النسيان أيضاً لبقاء آرائه في كتبه مع أنّه غير جائز.
قلنا : لا نسلّم عدم الجواز بالنسبة إلى آرائه السابقة ، نعم لا يجوز الإعتماد على آرائه في الحال.
الثالث : إطلاقات أدلّة التقليد ، لصدق عنوان أهل الذكر مثلاً على الميّت أيضاً بلحاظ زمان صدور الرأي فإنّ المشتقّ حقيقة فيمن تلبّس بالمبدأ حال النسبة لا حال النطق.
وإن شئت قلت : لابدّ أن يكون من يرجع إليه العامي من أهل الذكر والعلم عند صدور الرأي منه ، ولا شكّ أنّه كان كذلك حال صدور هذه الآراء.