الثاني ، وربّما لا نقدر مع ذلك أن نبني بناءً بأنفسنا ، وهكذا في فنّ الخطابة وغيرها من سائر الفنون.
وكيف كان يمكن تلخيص موازين الأعلميّة في عدّة امور :
١ ـ أن يكون أعلم في معرفة مباني الفقه ( اصول الفقه ) وكيفية الورود في المسألة والخروج عنها ، ( أي يكون أعلم بالمباني ).
٢ ـ أن يكون أعلم بمنابع الأحكام من الآيات والروايات ورجال الحديث وسائر الأدلّة الأربعة ( أي يكون أعلم بالمبادىء ).
٣ ـ أن يكون أدقّ وأعمق نظراً.
٤ ـ أن يكون أقوى حفظاً وأشدّ تسلّطاً على الفروع فإنّ مسائل الفقه مع إفتراق بعضها عن بعض وانبثاثها وانتشارها في أبواب مختلفة تكون ذا إرتباط ونسج خاصّ في كثير منها ، كما لا يخفى على الخبير.
٥ ـ أن يكون أعرف في تشخيص الموضوعات العرفيّة ومذاق أهل العرف ، فإنّ لمعرفة الموضوعات دخل تامّ في معرفة الأحكام هذا أولاً.
وثانياً : أنّ كثيراً من مسائل الشرع امضاء لما عند العقلاء فلابدّ للعلم بها من معرفة مذاق العقلاء والعرف والإرتكازات العقلائيّة والمناسبات العرفيّة.
٦ ـ أن يكون أكثر ممارسة في المسائل الشرعيّة لكثرة الرجوع إليه في أبواب مختلفة من الفقه ، ولهذا فاحتمال أعلميّة من تربّى في الحوزات العلميّة الكبرى يكون أكثر من احتمال أعلميّة غيره ممّن ترعرع في غيرها ، كما أنّه كذلك في سائر الفنون كالطبابة مثلاً فإنّ من داوى الجرحى وعالج كثيراً من المجروحين في أيّام الحرب يصير أقوى ملكة في الطبابة وعملية الجراحة من غيره.
٧ ـ أن يكون له حسن سليقة واعتدالها وذهن مستقيم في اختيار الرأي ، لا طبع سقيم واعوجاج في السليقة.
ولا يخفى أنّ كثيراً من أعاظم الفقه مثل الفقيه الماهر صاحب الجواهر أو الشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله كانوا واجدين لجميع هذه الخصوصيات كما هو ظاهر لمن تتبّع آثارهم.