تعلموا » ، وممّا يؤكّد هذا المعنى ما مرّ كراراً من أنّ الأمارات الشرعيّة جلّها ـ لولا كلّها ـ امضاءات لبناءات العقلاء ، ولا إشكال في أنّها طرق إلى الواقع عندهم فقط.
وأمّا القسم الرابع : وهو أنّ يكون المراد من التصويب جعل أحكام ظاهريّة مماثلة لمؤدّيات الطرق والأمارات فقد قلنا سابقاً أنّه هو الصحيح المختار ، بل لا يسمّى هذا تصويباً.
والدليل عليه : أنّ أدلّة حجّية الأمارات ظاهرة في الجعل والإنشاء ، وليس مفادها مجرّد المنجّزية أو المعذّرية ، والشاهد عليه هو السيرة العمليّة للفقهاء وارتكازهم الفقهي والمتشرّعي ، حيث إنّهم يعبّرون في رسائلهم العمليّة عن مؤدّيات الأمارات بالواجب والحرام ، ويحكمون بأنّ هذا واجب وذاك حرام ، لا أنّك معذور إن كان هذا حراماً ولست معذوراً إن كان هذا واجباً.
ولكن ـ كما عرفت ـ فإنّ تسمية هذا بالتصويب خلاف الاصطلاح ، لأنّ مصطلح الفقهاء فيه إنّما هو في الأحكام الواقعيّة.
ثمّ إنّه قد مرّ في أوائل البحث عن أقسام التصويب في ذيل هذا القسم ، أنّه قد يكون في سلوك هذه الطرق مصالح أهمّ من المصالح الواقعيّة التي تفوت المكلّف ، وهى التي يعبّر عنها بالمصالح السلوكيّة ، وبهذا يندفع ما أورد على حجّية الأمارات من أنّ لازمه تفويت المصلحة أو القاء العبد في المفسدة كما لا يخفى.
نعم ، قد إستشكل بعض الأعلام في المحاضرات في هذا القسم ( وبتعبير آخر في هذا المعنى للسببية ، وبتعبير ثالث في المصلحة السلوكيّة ) من جهتين :
الاولى : « أنّه لا ملزم للالتزام بهذه المصلحة لتصحيح اعتبار الأمارات وحجّيتها ( ودفع الإشكال المزبور ) والسبب في ذلك أنّ اعتبار الأمارات من دون أن ترتّب عليه مصلحة وإن كان لغواً فلا يمكن صدوره من الشارع الحكيم ، إلاّ أنّه يكفي في ذلك ترتّب المصلحة التسهيلية عليه ، حيث إنّ تحصيل العلم الوجداني بكلّ حكم شرعي لكلّ واحد من المكلّفين غير ممكن في زمان الحضور فضلاً عن زماننا هذا ، ولو أمكن هذا فبطبيعة الحال كان حرجيّاً لعامّة المكلّفين في عصر الحضور فما ظنّك في هذا العصر ، ومن الواضح أنّ هذا منافٍ لكون الشريعة