في يومنا هذا ،
كما أشرنا إليه سابقاً في أوائل مبحث الاجتهاد والتقليد في الأمر الثاني ( حيث إنّ
أمر التشريع فيها إنّما هو بيد جماعة تسمّى بشورى التقنين لا فرد فرد من علمائهم
ومتخصّصيهم ، وهم يضعون لقطر من أقطار الأرض ، والواضعون جماعة كثيرة من العقلاء ،
مندوبون عن الجماهير ، بخلاف القول بالتصويب ، لأنّهم قد يكون في بلد واحد ، أو
قرية من القرى مجتهدون متعدّدون ، ويكون لكلّ واحد منهم رأي وتقنين على حسب ظنّه
الشخصي ).
وهذا هو الذي سبّب
انسداد باب الاجتهاد في أواخر القرن الرابع من ناحية زعماء القوم بعد ما أحسّوا
خطراً عظيماً ، وهو اضمحلال الدين وهدم نظام الامّة ، لاختلاف الآراء جدّاً ،
فحدّدوها في الأربعة المعروفة ، وسدّوا باب الاجتهاد على السائرين.
وقد أشار إلى هذا
المعنى في خلاصة التشريع الإسلامي فقال : إنّ سدّ باب الاجتهاد نشأ من أربعة عوامل
:
الأوّل
: توجّه العلماء
إلى المسائل السياسيّة وانغمارهم فيها ، وتخلّفهم عن المسائل العلميّة الفقهيّة ،
فاضطرّوا إلى القول بأنّ المجتهد والقادر على الاستنباط هم العلماء الأوّلون فحسب.
الثاني
: تحزّب المجتهدين
ودخول كلّ واحد منهم في حزب وخطّ سياسي خاصّ فكان ينبغي على كلّ حزب الحصول على
دليل من الروايات والآيات على حقّانية حزبه.
الثالث
: تحاسد العلماء
وظهور تصرفات سيّئة قبيحة في سلوكيات بعضهم حيث يتشبث بكلّ وسيلة دنيئة لتسقيط من
انتهى إلى رأي جديد ونظر حديث في مسألة باجتهاده والعمل على تشويه سمعته وتزييف
أراءه ولهذا لم يجترأ أحد على الاجتهاد والاستنباط لئلا يقع في معرض تحاسد
الآخرين.
الرابع
: معالجة الفوضى
الفقهيّة بالجمود وسدّ باب الاجتهاد ( انتهى كلامه ).
أقول
: الأهمّ من هذه
الوجوه هو الوجه الأخير ، فإنّ القول بالتصويب أوجب الوقوع في فوضى عظيمة ، وبالتالي
أوجب سدّ باب الاجتهاد ، وتسبب في فقر فقهي شديد في المسائل المستحدثة ، ولذلك رجع
بعضهم في الأزمنة الأخيرة ، وإعتقد بفتح باب الاجتهاد.
هذا ـ بخلاف
الإماميّة التابعين لمكتب أهل البيت عليهمالسلام فلا يترتّب على قولهم بالإنفتاح
__________________