صغرى كون الاحتياط في الشبهات من مصاديق التقوى الواجبة ، فإنّها عبارة عن الإتيان بالواجبات والاجتناب عن المحرّمات ، وأمّا ترك الشبهات فهو مرتبة عالية من التقوى ولا دليل على وجوبها بجميع مراتبها كما أنّ الاجتناب عن المكروهات أيضاً من مراتبه وهو غير واجب.
الطائفة الثانية : ما دلّ على النهي عن القول بغير علم :
منها قوله تعالى : ( إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَاتَعْلَمُونَ ) (١).
ومنها قوله تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ... وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) (٢).
وتقريب الاستدلال بها أنّ الحكم بترخيص الشارع لمحتمل الحرمة إفتراء وقول عليه بغير علم حيث إنّه لم يأذن فيه.
والجواب عنها : أنّ الترخيص في محتمل الحرمة حكم ظاهري ثابت بأدلّة قطعيّة ، فليس هو قو بغير علم بل إنّه صادق في الحكم بوجوب الاحتياط لعدم دليل عليه.
الطائفة الثالثة : ما دلّ على النهي عن الإلقاء في التهلكة ، وهى قوله تعالى : ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (٣) بتقريب أنّ الإقدام في الشبهات مصداق من مصاديق الإلقاء في التهلكة.
ويرد عليه : أنّ الاستدلال بها غير تامّ صغرى وكبرى ، أمّا الصغرى ، فلأنّ كون إرتكاب المشتبهات من مصاديق الإلقاء في التهلكة أوّل الدعوى ومصادرة بالمطلوب لعدم دليل عليه ، وأمّا الكبرى ، فلأنّ النهي الوارد في هذه الآية يكون من قبيل النواهي الواردة في باب الإطاعة لأنّ التهلكة عبارة عن العقاب الاخروي الناشيء من العصيان ، وقد مرّ في مبحث الأوامر والنواهي أنّ الواردة منها في باب الإطاعة إرشاديّة وإلاّ يلزم التسلسل المحال ، فلا دلالة لهذه الآية على الحرمة ، هذا إذا كان المراد من التهلكة ما ذكرنا من العقاب الاخروي ، وأمّا إذا كان بمعنى الهلاكة الدنيويّة فلا ربط لها بالمقام كما لا يخفى.
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ١٦٩.
(٢) سورة الأعراف : الآيه ٣٣.
(٣) سورة البقرة : الآية ١٩٥.