بقي هنا شيء :
وهو ما أفاده بعض الأعلام فيمن له ملكة الاجتهاد ولم يجتهد بالفعل ، أو اجتهد شيئاً قليلاً ، من عدم جواز الرجوع إليه في التقليد ، وعدم نفوذ قضائه وتصدّيه للُامور الحسبيّة ، من باب أنّ الأدلّة اللفظيّة المستدلّ بها على جواز التقليد من الآيات والروايات أخذت في موضوعها عنوان العالم والفقيه وغيرهما من العناوين غير المنطبقة على صاحب الملكة ، وكذلك الحال في السيرة العقلائيّة ، لأنّها إنّما جرت على رجوع الجاهل إلى العالم ، وصاحب الملكة ليس بعالم فعلاً ، فرجوع الجاهل إليه من قبيل رجوع الجاهل إلى مثله ، هذا إذا لم يتصدّ للاستنباط بوجه ، وأمّا لو استنبط من الأحكام شيئاً طفيفاً فمقتضى السيرة العقلائيّة جواز الرجوع إليه فيما استنبطه من أدلّته ، فإنّ الرجوع إليه من رجوع الجاهل إلى العالم ، فإنّ إستنباطه بقيّة الأحكام وعدمه أجنبيان عمّا استنبطه بالفعل ، نعم قد يقال : إنّ الأدلّة اللفظيّة رادعة عن السيرة ، إذ لا يصدق عليه عنوان الفقيه أو العالم بالأحكام ، ولكن الإنصاف أنّ الأدلّة اللفظيّة لا مفهوم لها وإنّها غير رادعة.
هذا كلّه في جواز التقليد وعدمه ، وأمّا نفوذ قضائه وعدمه فالصحيح عدم نفوذ قضائه وتصرّفاته في أموال القصر ، وعدم جواز تصدّيه لما هو من مناصب الفقيه ، وذلك لأنّ الأصل عدمه ، لأنّه يقتضي أن لا يكون قول أحد أو فعله نافذاً في حقّ الآخرين إلاّفيما قام عليه الدليل ، وهو إنّما دلّ على نفوذ قضاء العالم أو الفقيه أو العارف بالأحكام أو غيرها من العناوين الواردة في الأخبار ، ولا يصدق شيء من ذلك على صاحب الملكة (١). ( انتهى )
أقول : في ما أفاده مواقع للنظر :
أوّلاً : قد مرّ أنّ حصول ملكة الاجتهاد من دون ممارسة عملية مجرّد فرض لا واقع له خارجاً.
ثانياً : سلّمنا ، ولكن لا إشكال في أنّ سيرة العقلاء لم تستقرّ على الرجوع إلى مثله ، ولا أقلّ من عدم إحرازها.
ثالثاً : أنّه لم يبيّن الفرق في كلامه بين جواز التقليد وجواز التصدّي للقضاء في جريان
__________________
(١) التنقيح : ج ١ ، ص ٣٢ ، طبعة مؤسسة آل البيت.