الذي من جهة عدم قابلية المحل واللاحرجيّة القهريّة يرتفع قهراً بواسطة البلوغ ، إذ معنى هذا العدم عدم وضع قلم التكليف عليه وبعد التكليف والبلوغ تبدّل هذا العدم قطعاً ووضع عليه قلم التكليف فلا مورد للاستصحاب » (١).
أقول : إنّ ما ذكره بالنسبة إلى عدم التكليف في غير المميّز صحيح لا غبار عليه إلاّ أنّ المستصحب ليس هو هذا العدم بل إنّه العدم المتّصل بزمان البلوغ المتقدّم عليه بزمان يسير.
وإن شئت قلت : إنّه عبارة عن العدم حال كون الصغير مميّزاً ومراهقاً ، حيث إنّه لا شكّ في أنّ حال الصبي في هذا الزمان لا يختلف عن حاله أوّل البلوغ من حيث القابلية وعدمها ، ولذلك نقول بشرعية عبادات الصبي كما اختاره المحقّقون وإنّه مشمول للخطابات الاستحبابيّة ، فإنّه المراد من رفع القلم عند رفع الإلزام عنه ، أي رفع الواجبات والمحرّمات ، كما أنّه مقتضى التعبير بالرفع المقابل للوضع حيث يناسب وجود أمر ثقيل يثقل على عاتق المكلّف كما مرّ بيانه في حديث الرفع.
ومنها : أنّ استصحاب عدم الحرمة معارض مع استصحاب عدم الإباحة ، لأنّ المرفوع قبل البلوغ جميع الأحكام الخمسة حتّى الإباحة.
وقد ظهر جوابه ممّا مرّ آنفاً من أنّ المرفوع في حديث رفع القلم إنّما هو خصوص الإلزامات ، مضافاً إلى أنّ التعارض يتصوّر فيما إذا كانت الإباحة من الامور الوجودية القابلة للجعل لا ما إذا كانت من الامور العدمية وعبارة عن مجرّد عدم الحرمة والوجوب كما قيل.
ومنها : ما سيأتي من المختار في مبحث الاستصحاب من عدم حجّية الاستصحاب في الشبهات الحكميّة خلافاً لما ذهب إليه مشهور الاصوليين بعد الشيخ رحمهالله.
هذا كلّه هو أدلّة الاصوليين للبراءة في الشبهات الحكميّة التحريميّة ، وحاصل أكثرها عدم العقاب بلا بيان ، ولذا لا موضوع لها في صورة تمامية أدلّة الأخباريين ، والتعبير بالأكثر يكون في مقابل بعض تلك الأدلّة من قبيل رواية « كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي » بناءً على أنّ المراد من مرجع الضمير في كلمة « فيه » النهي الخاصّ. إذ إنّه لا حكومة لأدلّة أخباريين على هذا الدليل وأمثاله كما هو واضح.
__________________
(١) راجع منتهى الاصول : ج ٢ ، ص ٣٢١ ، للمحقّق البجنوردي رحمهالله تقريراً لكلام استاذه.