وأمّا القسم الخامس : فهو نظير ما إذا دلّت رواية على حرمة المواقعة قبل الغسل وبعد انقطاع الدم ، ودلّت رواية اخرى على جوازها ، فهل تقدّم الاولى على الثانية لكونها موافقة مع استصحاب الحرمة ، أو لا؟ فيه ثلاثة أقوال :
١ ـ تقديم الموافق للأصل ، وهذا ما نسب إلى المشهور ، ويشهد عليه أنّهم في الفقه يعتبرون الموافقة مع الأصل من المرجّحات للأحكام.
٢ ـ تقديم المخالف للأصل ، وهذا أيضاً منسوب إلى المشهور ، ويشهد عليه ما كان يعنون سابقاً في الاصول من أنّه إذا دار الأمر بين الناقل والمقرّر كان الترجيح للناقل ( المخالف للأصل ) عند المشهور ، بل قد يدّعي عليه الإجماع.
ويمكن دفع هذا التهافت ( في النسبة إلى المشهور ) بأنّ البحث عن الناقل والمقرّر مختصّ بالاصول العقليّة ، ويبحث عنه عقيب البحث عن الحظر والإباحة الذي هو من شقوق مبحث البراءة العقليّة ، بينما النسبة الاولى إلى المشهور مرتبطة بالبراءة الشرعيّة.
٣ ـ ما ذهب إليه جمع من الأعاظم منهم الشيخ الأعظم والمحقّق الخراساني والمحقّق النائيني رحمهالله ، وهو عدم مرجّحية الأصل مطلقاً لا المخالف والا الموافق.
واستدلّ للقول الأوّل بوجهين :
أحدهما : أنّ مطابق الأصل مظنون ، وكلّ ظنّ مرجّح ، واجيب عنه :
أوّلاً : بأنّ الأصل العملي لا يوجب ظنّاً بالحكم ، حيث إنّه وظيفة عملية للشاكّ فحسب.
وثانياً : سلّمنا ، ولكنّه مبنيّ على التعدّي من المرجّحات المنصوصة ، والمختار عدمه كما مرّ ، فكلّ من الصغرى والكبرى لهذا الوجه ممنوعة.
ثانيهما : أنّ الأخذ بموافق الأصل يوجب تخصيص دليل واحد ، وهو أدلّة حجّية خبر الواحد بالنسبة إلى الدليل المخالف ، ولكن الأخذ بمخالف الأصل يوجب تخصيص دليلين : وهما أدلّة حجّية خبر الواحد وأدلّة حجّية الأصل ، ولا إشكال في أولوية الأوّل.
والجواب عنه واضح ، وهو أنّ الاصول ليست في رتبة الأمارات حتّى يوجب الأخذ بالخبر المخالف ( وهو أمارة من الأمارات ) تخصيص أدلّة حجّية الأصل ، أعني أنّه مع الأخذ بالخبر المخالف لا تصل النوبة إلى الاصول حتّى يلزم تخصيص أدلّتها ، بل إنّها خارجة حينئذٍ تخصّصاً أو من باب الورود أو الحكومة.