الضرر المحتمل ، فتكون قاعدة قبح العقاب بلا بيان واردة على قاعدة دفع الضرر عكس ما توهّمه المستشكل.
هذا ـ وهنا جواب آخر في كلمات المحقّق النائيني رحمهالله وهو « أنّ حكم العقل بلزوم دفع المقطوع والمظنون والمحتمل من الضرر يكون للإرشاد لا يستتبع حكماً مولوياً شرعياً على طبقه لأنّ حكم العقل في باب العقاب الاخروي واقع في سلسلة معلولات الأحكام ، وكلّ حكم عقلي وقع في هذه السلسلة لا يستتبع الحكم المولوي الشرعي وليس مورد القاعدة الملازمة وإلاّ يلزم التسلسل ، فحكم العقل بلزوم دفع الضرر المظنون بل المحتمل يكون إرشادياً وطريقياً لا يترتّب على مخالفته سوى ما يترتّب على المرشد إليه » (١).
وإن كان المراد من الضرر العقاب الاخروي بالمعنى الثاني فاجيب عنه بأنّ هذه الآثار ليست مترتّبة على نفس الأعمال بل إنّها تترتّب على الإطاعة والعصيان لا غير ، والأفعال الطبيعيّة التي لم توجب إطاعة أو معصية وبعداً أو قرباً لا أثر لها من هذه الجهة.
وإن اريد بالضرر الضرر الدنيوي فاجيب عنه أيضاً بأنّ الكبرى والصغرى كلتيهما ممنوعتان :
أمّا الكبرى : فلأنّه ليس كلّ ضرر ممّا يحكم العقل بلزوم دفعه بل هناك أضرار طفيفة يتحمّلها العقلاء لأجل أغراض دنيوية غير ضرورية وإن كان الضرر من المقطوع فضلاً عن المحتمل.
وأمّا الصغرى : فلأنّه ليس مناطات الأحكام دائماً هى الضرر بل المصالح والمفاسد ( التي تكون مناطات الأحكام غالباً ) لا تكون من سنخ الضرر ، والذي يلازم احتمال الحرمة إنّما هو احتمال المفسدة لا احتمال الضرر ، ولا ملازمة بين الضرر والمفسدة ، بل ربّ مفسدة توجب المنفعة فضلاً عن الضرر كما في أكل الربا ، وربّ مصلحة توجب الضرر فضلاً عن المنفعة كما في الإنفاق في سبيل الله تعالى.
لكن الإنصاف أنّ الكبرى والصغرى كلتيهما تامّتان في الجملة لا بالجملة :
أمّا الكبرى : فلأنّ الأضرار الدنيويّة على قسمين : مهمّة وغير مهمّة ، والعقل يحكم فيما إذا
__________________
(١) فوائد الاصول : ج ٣ ، ص ٢١٧ ، طبع جماعة المدرّسين.