فهو ما مرّ في كلام المحقّق الأصفهاني رحمهالله من أنّ الصفات الحقيقيّة والاعتباريّة لا تعرض إلاّ للوجود الخارجي ، ولا وجود لعنوان أحدهما لا بعينه في الخارج فلا يتعلّق به وصف الحجّية بل هو أمر إنتزاعي ذهني.
وإن شئت قلت : الغرض من جعل شيء حجّة إنّما هو بعث المكلّف إليه وانبعاثه عنه في مقام العمل ، ولا إشكال في عدم إمكان البعث إلى عنوان أحدهما لا بعينه ، لعدم إمكان انبعاث المكلّف عنه عملاً ، نعم يمكن الانبعاث إلى كليهما تخييراً ولكن لا ربط له بما نحن فيه.
وأمّا الثاني : فهو أنّه لا دليل على حجّية أحدهما لا بعينه في مقام الانبعاث ، إذ إنّ أدلّة حجّية الأمارات كمفهوم آية النبأ لا تعمّ أحد العدلين ( مثلاً ) لا بعينه. وبعبارة اخرى : ليس عنوان أحدهما لا بعينه مصداقاً من مصاديق خبر العادل في مفهوم الآية ( إن جاءكم عادل فلا تبيّنوا ).
الوجه الثاني : ما استدلّ به بعض الأعلام ، وهو أنّ الخبرين المتعارضين يشتركان في نفي الثالث بالدلالة الالتزاميّة فيكونان معاً حجّة في عدم الثالث ، وتوهّم أنّ الدلالة الالتزاميّة فرع الدلالة المطابقيّة وبعد سقوط المتعارضين في المدلول المطابقي لا مجال لبقاء الدلالة الالتزاميّة لهما في نفي الثالث ـ فاسد فإنّ الدلالة الالتزاميّة إنّما تكون فرع الدلالة المطابقية في الوجود لا في الحجّية » (١).
ولكن يرد عليه :
أوّلاً : أنّ هذا صحيح في مقام الثبوت لا في مقام الإثبات لأنّ أدلّة الحجّية في مقام الإثبات إنّما تعمّ الدلالة الالتزاميّة بتبع الدلالة المطابقيّة ومن طريقها وفي طولها لا في عرضها ، وبعد فرض عدم شمولها للمدلول المطابقي لا يبقى مجال لحجّية المدلول الالتزامي ، وبعبارة اخرى : أدلّة حجّية الأمارات لا تشمل شيئاً من المتعارضين من أوّل الأمر للزوم التناقض ، فلا يبقى مورد للدلالة الالتزاميّة كما لا يبقى مورد للدلالة المطابقيّة.
وثانياً : أنّه مخالف للسيرة العقلائيّة والإرتكازات العرفيّة ، فإنّها قائمة على سقوط الدلالة الالتزاميّة بتبع الدلالة المطابقيّة ، فإذا أخبر ثقة بقدوم زيد يوم الجمعة وأخبر ثقة آخر بقدومه
__________________
(١) فوائد الاصول : ج ٤ ، ص ٧٥٥ و ٧٥٦ ، طبعة جماعة المدرّسين.