الاحتماليّة باعثيّة ومحرّكية كما في سائر الأغراض والمصالح والمفاسد والمضارّ والمنافع وإلاّ يلزم تعطيل الزراعات والتجارات والصناعات وغيرها حيث إنّ الحصول على المنفعة فيها أمر احتمالي في الغالب فكما يتحرّك العبد في منافعه الشخصيّة بالاحتمال والظنّ كذلك يمكن أن يتحرّك وينبعث في المنافع الاحتماليّة لمولاه.
وللمحقّق الأصفهاني رحمهالله هنا بيانان : أحدهما : مبنيّ على ما تبنّاه في حقيقة الحكم فقال : « إنّ الحكم الحقيقي متقوّم بنحو من أنحاء الوصول لعدم معقوليّة الإنشاء الواقعي في إنقداح الداعي ، وحينئذٍ فلا تكليف حقيقي مع عدم الوصول فلا مخالف للتكليف الحقيقي فلا عقاب » (١).
الثاني : ما حاصله إنّ الواجب على العبد إنّما هو عدم الخروج عن رسم العبودية ، ومخالفة ما قامت عليه الحجّة خروج عن رسم العبوديّة (٢).
أقول : أمّا البيان الأوّل فمبناه غير مقبول ، لأنّ للحكم مراحل ، وكلامه بالنسبة إلى بعض مراحله ليس تامّاً فإنّه إذا تيقّن العبد بغرض المولى فهو مسؤول في قباله بحكم العقل وإن لم يبيّن المولى غرضه ولم يصدق عليه عنوان الحكم ، وبتعبير آخر : سلّمنا أنّ الحكم متقوّم بالبيان ولكن الأغراض ليست متقوّمة به ( على الأقل الأغراض اليقينية ) وما ذهب إليه صحيح إذا دار وجوب الإطاعة مدار الأحكام فقط لا الأحكام والأغراض كليهما مع أنّ الصحيح هو الثاني لا الأوّل.
وأمّا البيان الثاني فإنّه أيضاً مصادرة على المطلوب لأنّا نعتقد بأنّ لاخروج عن رسم العبوديّة كما يصدق بمخالفة ما قامت عليه الحجّة كذلك يصدق في المحتملات والمشكوكات.
فتلخّص من جميع ما ذكرنا أنّ العقل لا يحكم بقاعدة قبح العقاب بلا بيان بل يحكم بخلافه ، نعم إنّها قاعدة عقلائيّة استقرّ عليها بناء العقلاء ، والفرق بين الصورتين إنّه إذا كانت القاعدة قاعدة عقليّة فلا معنى لتحديدها والاستثناء منها بالنسبة إلى مورد دون مورد لأنّ القاعدة العقليّة لا استثناء فيها ولا تخصيص ما دام الموضوع باقياً بخلاف القاعدة العقلائيّة فإنّه لابدّ من تعيين حدودها وقيودها ، وهى في المقام أربعة على الأقل :
__________________
(١) نهاية الدراية : ج ٢ ، ص ١٩٠ ، من الطبع القديم.
(٢) نهاية الدراية : ج ٢ ، ص ١٩١ ، من الطبع القديم.