المستقلاّت العقليّة بعد الفحص واليأس عن الدليل ( وسيأتي مقدار الفحص الواجب ) ، بل قال شيخنا العلاّمة الحائري رحمهالله في درره : إنّ هذه قاعدة مسلّمة عند العدليّة لا شبهة لأحد فيها ( إلاّ أن يكون هناك رافع يعني البيان ) (١).
لكن يمكن التشكيك في هذه القاعدة بوصف أنّها قاعدة عقليّة محضة بعد ذكر مقدّمة في ملاك وجوب إطاعة الله وقبح معصيته ، فنقول : الملاك في وجوب الإطاعة إمّا أن يكون وجوب شكر المنعم فتجب طاعته تبارك وتعالى بالإطلاق من باب أنّها من مصاديق شكر المنعم الحقيقي المطلق كما تجب طاعة الوالدين في الجملة على الولد من باب أنّهما منعمان له في الجملة ، أو يكون الملاك الحكمة فإنّ حكمة الباري تعالى تقتضي وجود مصلحة في أوامره ومفسدة في نواهيه ، فيحكم العقل بوجوب الإطاعة عن أوامره ونواهيه للحصول على مصالحها ومفاسدها ، أو يكون الملاك المالكية والمولويّة فالعقل يحكم بأنّ ترك الطاعة بالنسبة إلى الموالي العرفيّة فضلاً عن المولى الحقيقي ظلم قبيح.
ثمّ نقول : أمّا الملاك الأوّل : فيمكن النقاش فيه بأنّ مردّه إلى قولنا : هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان ، أي وجوب الإحسان في مقابل الإحسان ، وهو لا يتصوّر بالنسبة إلى الباري تعالى لأنّه يتوقّف على وجوب الفقر والحاجة ، تعالى الله عنها علوّاً كبيراً.
ولذلك أرجع علماء علم الكلام هذه القاعدة إلى قاعدة وجوب دفع الضرر ببيان أنّ عدم شكر المنعم قد يكون لسلب النعمة وحصول الضرر على المنعَم ( بالفتح ) وحينئذٍ لا تكون هذه القاعدة من المستقلاّت العقليّة ومن مصاديق قاعدة حسن العدل وقبح الظلم.
وأمّا الملاك الثاني : ( وهو الحكمة ) ، فيناقش فيه أيضاً بأنّ لازمه إرشادية جميع الأوامر والنواهي الشرعيّة كأوامر الطبيب ونواهيه ، فيتوجّه إلى المكلّف العاصي نفس المفسدة الموجودة في متعلّق النهي فحسب أو سلب المصلحة اللازمة في الأوامر منه مع إنّا نقول بالمولويّة واستحقاق ثواب وعقاب اخرويّين يترتّبان على الفعل والترك.
وأمّا الملاك الثالث : فهو الأصل والصحيح في وجوب الإطاعة وقبح المعصية لأنّ رجوعه إلى قبح الظلم بمعناه الواسع وهو وضع الشيء في غير موضعه.
__________________
(١) درر الفوائد : ص ٤٢٧ ، طبع جماعة المدرّسين.