أن تكون النبوّة ناشئة من كمال النفس ) فلا ريب في عدم صحّته لما سيأتي في بيان وجه المختار ، وهكذا الوجه الثالث ( وهو أن يكون المراد من النبوّة أحكام شريعة من اتّصف بها واستصحابها هو استصحاب بعض أحكامها ) لما سيأتي أيضاً بل الصحيح إنّما هو المعنى الثاني ( وهو كون النبوّة من المناصب المجعولة ) كما يشهد عليه قوله تعالى : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ) (١) حيث إنّ النبوّة والإمامة فيما يهمّنا في المقام على وزان واحد ، وقوله تعالى : ( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) (٢) ، وقوله تعالى : ( وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ) (٣) فإنّ هذه الآيات ونظائرها صريحة أو كالصريحة في كون النبوّة منصباً من المناصب المجعولة من ناحية الشارع فإنّ التعبير بالجعل والاختيار كالصريح في هذا المعنى ، نعم هذا مقام لا يعطيه الحكيم إلاّلمن تمّت القابلية فيه.
ثانياً : هيهنا وجه رابع في المراد من النبوّة وهو أن يكون المراد منها مجموع الأحكام والتعاليم الموجودة في تلك الشريعة السابقة ، وهذا هو الصحيح المختار لأنّ من المسلّم أنّ انقضاء شريعة موسى وعيسى عليهماالسلام ليست بمعنى عزلهما عن ذلك المنصب الإلهي أو بمعنى تنزّلهما عن تلك المرتبة من كمال النفس ، بل إنّها بمعنى إنقضاء أمد شريعتهما وخروجها عن كونها ديناً رسميّاً للعباد ، ولا يخفى أنّ هذا المعنى أيضاً لا يمكن استصحاب بقائه عند الشكّ فيه ، لما مرّ من عدم وجود الدليل على الاستصحاب من غير ناحية الشريعة الإسلاميّة ولغيّره ممّا مرّ ذكره ، ولو فرضنا وجود الدليل على الاستصحاب في نفس الشريعة السابقة فأيضاً لا يمكن التمسّك به لإثبات بقاء أحكام تلك الشريعة ، لما أفاده بعض الأعلام من « أنّ حجّية الاستصحاب من جملة تلك الأحكام فيلزم التمسّك به لإثبات بقاء نفسه وهو دور ظاهر » (٤).
ثالثاً : لو فرضنا كون النبوّة أمراً تكوينياً فلا يمكن الإيراد على جريان الاستصحاب فيه بعدم ترتّب أثر عملي شرعي عليه لأنّ وجوب الإعتقاد القلبي به وعقد القلب عليه أثر عملي جانحي شرعي ، وإن كان الكاشف عنه هو العقل ، نظير وجوب المقدّمة.
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ١٢٤.
(٢) سورة الأنعام : الآية ١٢٤.
(٣) سورة طه : الآية ١٣.
(٤) مصباح الاصول : ج ٣ ، ص ٢١٤ ، طبع مطبعة النجف.