لكن إستشكل عليه الشيخ الأعظم والمحقّق الخراساني والمحقّق النائيني رحمهما الله بامور عديدة نلخّصها في أمرين :
أحدهما : أنّ الحديث أسند الحجب إلى الله تعالى ، وهو حينئذٍ ظاهر فيما سكت الله عنه ولم يأمر نبيّه بالإبلاغ ، لا ما بيّنه واختفى عنهم بعروض الحوادث الذي هو المبحوث عنه في المقام.
ثانيهما : أنّ كلمة « العباد » ظاهرة في العموم المجموعي ، أي جميع المكلّفين والحجب عن العباد صادق في الموارد التي يكون الحكم محجوباً عن مجموع المكلّفين لا عن بعضهم دون بعض ، ومحلّ النزاع في ما نحن فيه من النوع الثاني كما لا يخفى.
لكن في تهذيب الاصول يصرّ على تمامية الدلالة ، والمعتمد في كلامه كلمة « موضوع عنهم » فيقول : « إنّ الظاهر المتبادر من قوله « موضوع عنهم » هو رفع ما هو المجهول ، لا رفع ما لم يبيّن من رأس ولم يبلغ ، بل لم يأمر الرسل بإظهاره فإنّ ما كان كذلك غير موضوع بالضرورة ، ولا يحتاج إلى البيان مع أنّه مخالف لظاهر « موضوع عنهم » (١).
وقال في مقام الجواب عن الإشكال الأوّل : « إنّ الظاهر من الحجب هو الحجب الخارج عن اختيار المكلّف لا الحجب المستند إلى تقصيره وعدم فحصه ... وعندئذٍ يكون إسناد الحجب إليه على سبيل المجاز ، ومثله كثير في الكتاب والسنّة ، فإنّ مطلق تلك الأفعال يسند إليه تعالى بكثير من دون أن يكون خلاف الظاهر في نظر العرف ».
وفي مقام الجواب عن الإشكال الثاني قال : « إنّ المطابق للذوق السليم هو أن يكون المراد : كلّ من حجب الله على شيء عنه فهو مرفوع عنه سواء كان معلوماً لغيره أو لا ( لا أن يكون المراد ما حجب الله علمه عن مجموع المكلّفين ولا أن يكون المراد ما حجب الله علمه عن كلّ فرد فرد من أفراد المكلّفين ) كما هو المراد من قوله صلىاللهعليهوآله في حديث الرفع : « رفع عن امّتي ما لا يعلمون » على أنّ مناسبة الحكم والموضوع يقتضي ذلك ، فإنّ الظاهر أنّ المناط للرفع هو الحجب عن المكلّف ، وحجبه عن الغير وعدمه لا دخل له لذلك كما لا يخفى » (٢).
لكن الحقّ أنّ ظهور كلمة العباد في العموم الاستغراقي وظهور الحجب في الإسناد الحقيقي مقدّم على ظهور كلمة « موضوع عنهم » في رفع ما هو المجعول ( لا رفع ما لم يبيّن من رأس ولم
__________________
(١) تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ١٧٣ ، طبع جماعة المدرّسين.
(٢) تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ١٧٢ ـ ١٧٣ ، طبع جماعة المدرّسين.