كذلك لا يمكن المساعدة على ما ذكره المحقّق النائيني رحمهالله من إرجاع القيود إلى الموضوع ( كالعصير المغلي وكالمستطيع في مسألة الحجّ ).
فالصحيح في حلّ الإشكال تحليل ماهية الواجب المشروط ، فنقول : قد مرّ في محلّه أنّ فيه مذهبين : مذهب الشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله من أنّ القيود الموجودة في الواجب المشروط ترجع إلى الواجب لا الوجوب ، أي أنّها ترجع إلى مفاد المادّة لا الهيئة ، ولذلك ترجع عنده جميع الواجبات المشروطة إلى الواجبات المعلّقة في الواقع واللبّ ، ومذهب المشهور وهو أنّ القيود قيود للوجوب ( لا الواجب ) كما هو ظاهر القضيّة الشرطيّة ، ولكن المعضلة الكبرى في هذا القول الذي يجب حلّها هو أنّ إنشاء الوجوب نوع من الإيجاد ، وهو شيء أمره دائر بين النفي والإثبات ، فكيف يتصوّر فيه التعليق؟ ولذا ذهبوا إلى بطلان التعليق في العقود.
وقد مرّ منّا في محلّه من الواجب المشروط طريق لحلّ هذا الإشكال ممّا ينحلّ به إشكال التعليق في الإنشاء وإشكال الاستصحاب التعليقي في المقام أيضاً ، وحاصله : أنّ الأحكام على قسمين : قسم منها تنجيزي كقولك لزيد : « إذهب إلى السوق » ، وقسم منها تعليقي ، وهو ما يصدر بعد فرض شيء كقولك : « إن جاءك زيد فأكرمه » ، فالقضيّة الشرطيّة عبارة عن إنشاء حكم بعد فرض خاصّ ، وهو مفاد إنّ الشرطيّة أو كلمة « اگر » في اللغة الفارسية عند مراجعة الوجدان ، فقولك : « إن جاءك زيد فأكرمه » عبارة اخرى عن قولك : « يجب عليك إكرام زيد على فرض مجيئه » فالقيد وهو مجيء زيد راجع إلى مفاد الهيئة وهو وجوب الإكرام ، لا مفاد المادّة وهو نفس الإكرام.
وإن شئت قلت : المتكلّم قد يرى أنّ زيداً قد قدم فيقول : « قم ياغلام وأكرمه » واخرى يعلم أنّ زيداً لم يجيء بعد ، ولكن يتصوّر ويفرض قدومه فيُظهر شوقه إلى إكرامه حينئذٍ ، فينشىء وجوب الإكرام في هذا الفرض الذي هو مفاد « ان » و « اگر » ، فيقول : « إن جاءك زيد فأكرمه » ، فليس هناك تعليق في إنشائه ، كما أنّه ليس هناك إنشاء فعلي ، بل هو إنشاء بعد فرض ، فلذا لا أثر له إلاّبعد تحقّق ذاك الفرض ، فإنّ هذا هو المعنى المعقول في القضيّة الشرطيّة.
ولذلك قلنا في محلّه أنّ التعليق في العقود ليس بمحال عقلاً بل هو من قبيل القضيّة الشرطيّة فيمكن أن يقال : « بعتك إن جاءك زيد » فيكون هو تمليكاً على فرض ، نعم المانع من صحّته الإجماع أو عدم كون مثل هذا العقد عقلائياً ، وبهذا يظهر أنّ للحكم التعليقي ( أي الحكم على فرض ) أيضاً حظّ من الوجود فيمكن أن يستصحب.