التكوين وعالم التشريع ، وكون ترك الشرب أمراً عدميّاً إنّما هو بلحاظ عالم التكوين ، وأمّا في عالم التشريع فلا إشكال في أنّ لترك الشرب أثراً وثقلاً وكلفة لولا حديث الرفع بلحاظ ترتّب الكفّارة عليه ، فيمكن للشارع رفعه بهذا الحديث.
الأمر الثامن : قد ورد في ذيل الحديث ثلاثة عناوين ينبغي فهمها وتوضيحها وإن كانت خارجة عن موضوع البراءة ، وهى : الحسد ، والطيرة ، والوسوسة في التفكّر في الخلق ( بناءً على ما ورد في مرفوعة محمّد بن أحمد الهندي المذكورة سابقاً ) أو التفكّر في الوسوسة في الخلق ( بناءً على ما ورد في معتبرة حريز بن عبدالله المذكورة سابقاً أيضاً ).
أمّا الحسد فلا إشكال في أنّ المراد منه في الحديث تلك الحالة النفسانية التي توجب عدم تحمّل الإنسان نعمة أعطاها الله تعالى أخاه المؤمن قبل إظهارها عملاً ، وأمّا إذا أقدم على عمل لإزالتها فلا إشكال أيضاً في كونه معصية ولا يكون حينئذٍ مشمولاً للحديث الشريف.
إن قلت : هذه الحالة النفسانيّة قبل إبرازها في مقام العمل أمر غير اختياري فلا معنى لحرمتها لولا الحديث حتّى ترفع إمتناناً.
قلنا : يمكن عادةً رفع هذه الحالة بالمجاهدات والرياضات النفسانيّة والتفكّر في أنّها ملكة رذيلة توجب خسّة النفس ودنائتها فيكون رفعها تحت اختيار الحاسد ، ويمكن للشارع عدم رفعها بوجوب تهذيب النفس فيكون رفعه للوجوب منّة على العباد.
أمّا الطيرة فهى من مادّة الطير ، بمعنى التشأّم وقراءة الطالع بالطيّور ، ثمّ توسّع في ذلك حتّى عمّت سائر طرق التشأّم ، فإنّ العرب في الجاهلية كانت تلتزم وتعتني بما يتشأّم بالطيور وغيرها ، وكانت الطيور تسدّهم عن مقاصدهم ، فللشارع المقدّس أن يمضي تلك الالتزامات ، ولكنّه ردع عنها إمتناناً حتّى لا يتعطّل حياتهم لُامور لا واقع لها.
وأمّا الوسوسة في التفكّر في الخلق ( أو التفكّر في الوسوسة في الخلق ) فالمراد من الخلق في هذه الجملة يمكن أن يكون على أحد معنيين :
الأوّل : أن يكون بمعنى الخالق ، أي خالق الله عزوجل ، فيتفكّر في أنّه مَن خَلَقَ الباري تعالى؟
وهو سؤال يشكل جوابه على العوام ( وإن كان واضحاً عند المحقّقين لأنّ الحاجة إلى الخالق تتصوّر بالنسبة إلى كلّ حادث أو ممكن الوجود ، والله تبارك وتعالى لا يكون حادثاً أو