بالعالم الملتفت بخلاف الصورتين الأوّليين لعموم الدليل فيهما ، اللهمّ إلاّ أن يكون هناك قاعدة حاكمة عليه كقاعدة لا تعاد وحديث رفع النسيان وشبه ذلك.
أمّا المقام الثاني : أي الذي تصل النوبة إليه بعد فقدان الدليل الاجتهادي فيأتي فيه كلّ واحد من الأقوال الثلاثة المطروحة في الأقل والأكثر الارتباطيين ( القول بالاشتغال مطلقاً والقول بالبراءة مطلقاً والقول بالتفصيل بين البراءة العقليّة والبراءة النقليّة ) لأنّ المقام من صغريات ذلك البحث لأنّا نعلم إجمالاً بتعلّق التكليف بالجزء أو الشرط ونشكّ في اطلاقه لحالتي الذكر والنسيان ( وهو الأكثر ) أو اختصاصه بحال الالتفات فقط ( وهو الأقل ) فالمختار حينئذٍ في ما نحن فيه هو البراءة عقلاً ونقلاً كما مرّ هناك ، والمراد من البراءة النقليّة هنا إنّما هو مفاد فقرة « رفع ما لا يعلمون » من حديث الرفع ، لا فقرة « رفع النسيان » لأنّها من الأدلّة الاجتهاديّة ، وحاكمة على اطلاق أدلّة الجزئيّة والشرطيّة لو كان هناك اطلاق.
أمّا المقام الثالث : فقد وقع الأعلام ( القائلون باختصاص أوامر الجزئيّة والشرطيّة بحال الذكر ) في حلّ مشكلة تعدّد الخطابين في حيص وبيص ، فذهب المحقّق النائيني رحمهالله إلى عدم إمكان توجّه الخطاب إلى الناسي ، وتصحيح صلاته من طريق وجود الملاك ( ملاك المحبوبيّة ) وذهب جماعة إلى إمكان توجّه الخطاب إليه وذكروا لتصحيحه طرقاً ثلاثة :
الأوّل : ما ذكره الشيخ الأعظم رحمهالله وهو أنّه يكفي في تصحيح عبادة الناسي اعتقاده توجّه أمر الملتفت إليه فيأتي بالفاقد للجزء بداعي إطاعة الأمر بالصلاة ، وإنّما الخطأ في التطبيق.
وأورد على هذا الوجه : بأنّ الخطأ في التطبيق متوقّف على تصوير خطاب للناسي في الرتبة السابقة ، وهو محلّ الكلام والإشكال.
الثاني : أن يكلّف الملتفت بتمام المأمور به ، والناسي بما عدا المنسي ، لكن لا بعنوان الناسي حتّى يلزم الانقلاب إلى الذاكر بمجرّد توجّه الخطاب إليه بل بعنوان آخر عام ، ملازم لجميع مصاديقه ، كعنوان الصائم إذا فرض كونه ملازماً لمصاديق النسيان فيقال : « أيّها الصائم أقم الصّلاة بتسعة الأجزاء ».
ويرد عليه : إنّ اختيار عنوان ملازم عام في جميع الموارد أمر مشكل جدّاً أو محال.
الثالث : أن يوجّه الخطاب بالنسبة إلى تسعة أجزاء مثلاً بعنوان أيّها المكلّفون ، وبالنسبة إلى الجزء العاشر بعنوان أيّها الذاكر. وهذا وجه جيّد.