هو الأقل أو الأكثر ، مع أنّه ليس كذلك ، فإنّ الواجب الواقعي لو كان هو الأكثر لم يكن وجوب الأقل منجّزاً ، إذ وجوب الأقل حينئذٍ يكون مقدّمياً ومن باب تبعية وجوب المقدّمة لوجوب ذي المقدّمة في التنجّز ، والمفروض عدم تنجّز وجوب ذي المقدّمة وهو الأكثر لجريان البراءة فيه على الفرض ، فليس وجوب الأقلّ ثابتاً على كلّ تقدير ، مع أنّ المعتبر في الانحلال وجوب كذلك ، وهذا خلف.
وأمّا محذور لزوم عدم الانحلال من الانحلال فتوضيحه : إنّ انحلال العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي والشكّ البدوي منوط بالعلم بوجوب الأقلّ تفصيلاً ، وهذا العلم التفصيلي موقوف على تنجّز وجوب الأقلّ مطلقاً ، نفسياً كان أو غيريّاً ، وتنجّز وجوبه الغيري يقتضي تنجّز وجوب الأكثر نفسيّاً حتّى يترشّح منه الوجوب على الأقل ، ويصير واجباً غيريّاً ، ولا يخفى أنّ تنجّز وجوب الأكثر يقتضي عدم الانحلال ، فلزم من الانحلال عدم الانحلال وهو محال.
أقول : لا يخفى رجوع الإشكال الثاني إلى الأوّل ، لأنّ الخلف أيضاً يؤول إلى ما يلزم من وجوده عدمه.
وقد أخذ المحقّقون في الجواب عنهما ، وكلّ اختار طريقاً لحلّ المشكلتين.
فقال المحقّق النائيني رحمهالله : يرد عليه أمران :
الأوّل : إنّ ذلك مبنى على أن يكون وجوب الأقل مقدّمياً على تقدير أن يكون متعلّق التكليف هو الأكثر ، إلاّ أنّ ما نحن فيه ليس من هذا القبيل ، لما تقدّم من أنّ وجوب الأقلّ لا يكون إلاّنفسيّاً على كلّ تقدير ، لأنّ الأجزاء إنّما تجب بعين وجوب الكلّ ، ولا يمكن أن يجتمع في الأجزاء كلّ من الوجوب النفسي والغيري.
الثاني : إنّ دعوى توقّف وجوب الأقل على تنجّز التكليف بالأكثر لا تستقيم ، ولو فرض كون وجوبه مقدّمياً ، وسواء اريد من وجوب الأقلّ تعلّق التكليف به أو تنجّزه ، فإنّ وجوب الأقل على تقدير كونه مقدّمة لوجود الأكثر إنّما يتوقّف على تعلّق واقع الطلب بالأكثر ، لا على تنجّز التكليف به ، لأنّ وجوب المقدّمة يتبع وجوب ذي المقدّمة واقعاً وإن لم يبلغ مرتبة التنجّز ، وكذا تنجّز التكليف بالأقل لا يتوقّف على تنجّز التكليف بالأكثر بل يتوقّف على العلم بوجوب نفسه ، فإنّ تنجّز كلّ تكليف إنّما يتوقّف على العلم بذلك التكليف ، ولا دخل لتنجّز تكليف آخر في ذلك (١).
__________________
(١) راجع فوائد الاصول : ج ٤ ، ص ١٥٦ ـ ١٥٨ ، طبع جماعة المدرّسين.