إجراء الاصول النافية في جميع الأطراف فلا يجب الموافقة القطعيّة أيضاً.
ثمّ قال : « ما المراد من عدم إمكان إرتكاب الجميع؟ هل المراد منه عدم الإمكان في تمام العمر أو في مدّة معيّنة؟ وعلى الثاني ما هو مقدار هذه المدّة؟ » فأجاب عنه « بأنّ الميزان عدم إمكان الإرتكاب بحسب العادة لا في تمام العمر ولا في مدّة معيّنة » (١).
أقول ويرد عليه :
أوّلاً : بأنّ ما ذكر من الضابطة لا يخلو من إبهام مع ملاحظة ما اختاره نفسه من عدم الفرق بين الإرتكاب التدريجي والدفعي في حرمة المخالفة القطعيّة للعلم الإجمالي ، لأنّه حينئذٍ إن اريد من عدم التمكّن من الجمع بين الأطراف عدم التمكّن منها ولو تدريجاً فلا ريب في فساده إذ ما من شبهة غير محصورة إلاّويتمكّن المكلّف من الجمع بين الأطراف ولو تدريجاً طول حياته ولو باختلاط بعض الأطراف ببعض ، وإن اريد بذلك عدم التمكّن في زمان معيّن فهو يحتاج إلى تحديده بزمان معيّن ، ولا دليل على التعيّن.
ثانياً : يلزم منه أن يكون الكثير في الكثير من الشبهات غير المحصورة لجريان الضابطة المذكورة فيه لعدم إمكان إرتكاب الجميع عادةً مع أنّ الوجدان حاكم على عدم وجود الفرق بين الكثير في الكثير ( كما إذا علمنا إجمالاً بحرمة الف شاة من عشرة آلاف شاة ) والقليل في القليل ( كما إذا علمنا بحرمة شاة واحدة في عشر شياة ) لأنّ النسبة في المثالين واحدة وهى العشر.
الوجه العاشر : ما أفاده المحقّق العراقي رحمهالله وهو أنّ المناط في كون الشبهة غير محصورة هو أن تكون كثرة الأطراف بحدّ يوجب ضعف الاحتمال في كلّ واحد من الأطراف بحيث يكون موهوماً بدرجة لا يعتني العقلاء بذلك الاحتمال ، بل ربّما يحصل له الاطمئنان بالعدم ، وتوهّم منافاة الاطمئنان بالعدم في كلّ واحد منها مع العلم الإجمالي بوجود الحرام في بعضها لضرورة مضادّة العلم بالموجبة الجزئيّة مع الظنّ بالعدم في كلّ طرف بنحو السلب الكلّي ، مدفوع بأنّه كذلك في فرض اقتضاء ضعف الاحتمال في كلّ طرف الاطمئنان بعدم التكليف فيه تعييناً حتّى مع ملاحظة الأفراد الاخر مع أنّ المدّعى إنّما هو اقتضاء ضعف الاحتمال في كلّ طرف
__________________
(١) راجع فرائد الاصول : ج ٤ ، ص ١١٧ ـ ١١٩ ، طبع جماعة المدرّسين ؛ وأجود التقريرات : ج ٢ ، ص ٢٧٦ ، مطبعة أهل البيت.