أمّا الصورة الاولى : فقد قيل بوجوب الاحتياط بالاجتناب عن كلّ معاملة يحتمل كونها ربوية في تمام اليوم أو الشهر.
إن قلت : إنّ الحكم فرع وجود موضوعه ومع عدم تحقّق الموضوع لوجوب الاحتياط وهو العلم الإجمالي بوجود حرام فعلي في الحال ، لا علم للمكلّف بتوجّه النهي إليه في الحال أيضاً فلا تنجّز له ، لما مرّ من أنّ المنجّز إنّما هو العلم إجمالاً بوجود تكليف فعلي.
وقد اجيب عن هذا ، بأنّ التكليف فعلي من باب أنّه من قبيل الواجب المعلّق الذي يكون الوجوب فيه فعليّاً والواجب استقبالي (١).
أقول : قد مرّ في البحث عن الواجب المطلق والمشروط عدم معقولية الواجب المعلّق وإنّه نحو تناقض وتلاعب بالألفاظ ، نعم يمكن أن يقال : بأنّ العقل يحكم في هذه الموارد بوجوب الاجتناب وجوباً تهيّؤيّاً من باب المقدّمة ، كما يصحّ أن يقال أيضاً : بأنّ العقل مستقلّ بقبح الإقدام على ما يؤدّي إلى تفويت غرض المولى كحكمه بقبح الإقدام في الأغراض الشخصيّة في إذا علم مثلاً بأنّ الغذاء في هذا المطعم مسموم ليوم من أيّام الاسبوع فكما يجب الاحتياط بالاجتناب عن جميع الأطراف في الأغراض الشخصيّة كذلك يجب الاحتياط بالنسبة إلى أغراض المولى.
أمّا الصورة الثانية : فالحال فيها ظهر بما ذكرنا في الصورة الاولى ، فإن قلنا بإمكان الواجب المعلّق فهو ، وإلاّ يثبت وجوب الاحتياط من طريق حفظ غرض المولى ، وكذلك الحال في الصورة الثالثة ، وعلى أي حال يجب الاحتياط في التدريجيات بالإجتناب عن جميع الأطراف من باب حكم العقل بلزوم حفظ غرض المولى.
وإن أبيت عن ذلك وأردت أن تثبت الوجوب من طريق فعليّة التكليف فنقول : لا إشكال في عدم وجوب الاحتياط في الصورة الثالثة لأنّ المفروض فيها كون الزمان قيداً للوجوب ، فليس التكليف فعليّاً حتّى يوجب تنجّز العلم الإجمالي ، كما لا إشكال في أنّ الوجوب في الصورة الاولى والثانية متوقّف على قبول إمكان الواجب المعلّق.
__________________
(١) راجع نهاية الأفكار : القسم الثاني من الجزء الثالث ، ص ٣٢٤.