٣ ـ جواز المخالفة مطلقاً سواء كانت قطعيّة أو احتماليّة ، وهو المحكي عن العلاّمة المجلسي رحمهالله.
ومنشأ النزاع والاختلاف في المقام هو أنّ العلم الإجمالي هل هو علّة تامّة لحرمة المخالفة ووجوب الموافقة : أو يكون علّة ناقصة لهما؟ وفيه مذاهب ثلاثة :
١ ـ كونه علّة تامّة بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعيّة والاحتماليّة معاً وأنّ العقل يحكم مستقلاً بها ولا يمكن ردعه من جانب الشارع المقدّس ، وهو المنسوب إلى المحقّق الخراساني رحمهالله في المقام.
٢ ـ كونه مقتضياً في كلا المقامين ، فيمكن إيجاد المانع من ناحية الشارع ، وهو مقتضى القول المنسوب إلى العلاّمة المجلسي رحمهالله ومختار المحقّق الخراساني رحمهالله في مبحث القطع.
٣ ـ التفصيل بين المخالفة القطعيّة والاحتماليّة بأن يكون العلم الإجمالي علّة تامّة في الاولى ومقتضياً في الثانية وهو مختار الشيخ الأعظم رحمهالله.
والظاهر أنّ ما ذهب إليه المحقّق الخراساني رحمهالله في المقام ( مبحث الاشتغال ) ليس عدولاً عمّا أفاده في مبحث القطع كما توهّمه بعض ، حيث إنّه قال هناك : « إنّ التكليف حيث لم ينكشف به تمام الانكشاف وكانت مرتبة الحكم الظاهري معه محفوظة جاز الإذن من الشارع بمخالفة احتمالاً بل قطعاً ... نعم كان العلم الإجمالي كالتفصيلي في مجرّد الاقتضاء لا في العلّية التامّة فيوجب تنجّز التكليف أيضاً لو لم يمنع عنه مانع عقلاً » وقال : « إنّ التكليف المعلوم بينهما ( المتباينين ) ... إن كان فعليّاً من جميع الجهات بأن يكون واجداً لما هو العلّة التامّة للبعث أو الزجر الفعلي مع ما هو عليه من الإجمال والتردّد والاحتمال فلا محيص عن تنجّزه وصحّة العقوبة على مخالفته ، وحينئذٍ لا محالة يكون ما دلّ بعمومه على الرفع أو الوضع أو السعة أو الإباحة ممّا يعمّ أطراف العلم مخصّصاً عقلاً لأجل مناقضتها معه ، وإن لم يكن فعليّاً كذلك ـ ولو كان بحيث لو علم تفصيلاً لوجب إمتثاله وصحّ العقاب على مخالفته ـ لم يكن هناك مانع عقلاً ولا شرعاً عن شمول أدلّة البراءة الشرعيّة للأطراف » ( انتهى ).
ولا يخفى أنّ المقصود من كلامه الأوّل أنّه إذا علم بالتكليف إجمالاً فحيث إنّه لم ينكشف تمام الانكشاف كانت رتبة الحكم الظاهري محفوظة ، للشكّ في وجوب التكليف في كلّ واحد من الأطراف وبه يتحقّق موضوع النافي فيجري بلا مانع ، بخلاف ما إذا علم به تفصيلاً فلا يبقى