ثمّ سلّم المصنّف قبحه شاهدا تسليم جدل ، ومنعه غائبا ليبطل القياس بإظهار الفرق ، وهو الثواب الجزيل الذي هو أنفع من العوض ، فلا يقبح.
ثمّ أكّد المصنّف عدم قبحه بأنّ الله أمر به في كتابه ، والأمر حقيقة في الوجوب ، والقبيح لا يأمر به لحكمته ، ينتج في الشكل الثاني الأمر بالشكر ليس بقبيح ، وهو المطلوب.
قال : ( واحتجّ أصحاب الشكر بثلاثة أوجه : الأوّل : أنّ نعم الله سبحانه لا تحصى ، كما قال تعالى : ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها ) (١). فيجب أبلغ أقسام الشكر ، والعبادة صالحة لذلك ، فصرفها إليه أولى ).
أقول : لمّا فرغ المصنّف رحمهالله من تقرير حجّة أصحاب اللّطف واعتراضهم على المذاهب الباقية وإيراداته على ذلك ما قد عرفته ، شرع في الحجّة لمذهب الشكر ، وقد أوردها عنهم من ثلاثة أوجه :
الأوّل : الله منعم بأجلّ النعم ، وهو ظاهر فيجب شكره بأبلغ الشكر ، وهو ضروريّ ، والعبادة صالحة لذلك فتصرف إليه.
قال : ( الثاني : أنّ العبادة ـ فعالة ـ من التعبّد الذي هو الخضوع ، وهو معنى الشكر ).
أقول : العبادة : هي الذلّة والخضوع ومنه طريق معبّد إذا كان مذلّلا بكثرة الوطء ، وبعير معبّد إذا كان مطليّا بالقطران.
وتقرير هذا الوجه : أنّ العبادة هي الخضوع ، والخضوع هو الشكر ، فالعبادة هي الشكر.
قال : ( الثالث : ما اشتهر من قول كثير من المتكلّمين : إنّ العبادة كيفيّة في الشكر ).
__________________
(١) إبراهيم (١٤) : ٣٤.