أقول : حصول الشيء مع غيره قد يكون عنه ؛ لحصول المعلول مع العلّة ومنه ( كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ ) (١) وقد يكون عنده ولا أثر له فيه كحصول المعلولين مع الآخر ، والفوز عند النذير.
إذا عرفت هذا فحصول تلك الغايات عند العبادات بمقتضى الآيات المذكورات محتمل لكلّ من الأمرين ، فهو أعمّ منهما ، ولا دلالة للعامّ على الخاصّ المعيّن.
قال : ( وأمّا الثاني ؛ فلجواز إرادة القائل بالأمر والنهي ما فسّرناه ، فلا يرد عليه ما ذكروه ).
أقول : هذا الإيراد الثاني من المصنّف على الوجه الثاني المصحّح لمذهب اللطف بزعم أهله ، وهو إبطال ما عداه من الأقوال ليصحّ هو ، وقد أبطل صاحب اللطف مذهب الأمر والنهي بضعف مبناه ، وهو هدم قاعدة الحسن والقبح ، وهدم الغرض من فعله تعالى.
فقال المصنّف في الإيراد : جاز أن يكون الأشعري بنى ذلك على غير ما ذكرت ، بل على ما ذكرناه آنفا ، وهو إسقاط الوسائط والعجز عن إدراك الوجه وعدم صلاح اللطف والشكر له ، كما عرفت ذلك عند إيراد مذهب الأشعري ، فلا يرد عليه ضعف المبنى.
قال : ( وأمّا الترك فلا يلزم من المخاطبة بالأفعال أن لا يكون الوجوب لأجل ما يتضمّن الترك من المفسدة. ووجوب سبق البيان ممنوع ، والساهي غير مكلّف ).
أقول : هذا الإيراد الثالث على الوجه الثاني الذي أبطل به صاحب اللطف المذهب الرابع ، وهو اللطف في الترك ، فقال في إبطاله : كان يجب إعلام المكلّف بالترك أوّلا.
وقال المصنّف : ذلك غير لازم ، فإنّه لا يلزم من وجوب الشيء وجوب الإعلام بغايته ، بل عدم الإعلام أولى ؛ لكون الانقياد حينئذ أدلّ على التسليم ، وأخلص من
__________________
(١) الطور (٥٢) : ٢١.