البغداديّين لا يحكمون بمحاليّة الانقلاب المذكور ، كما في ضرب اليتيم.
نعم في قوله : لا يمكن مفارقتها إيّاه ، إلمام بمذهب البصريّين لكنّه ليس على الإطلاق ، بل كلامه في الضروري العقلي دون النظري منه ، فحينئذ ينشعب من ذلك مذهب ثالث هو أنّ الضروريّ حسنه وقبحه ذاتيّ ؛ لامتناع المفارقة ، والنظري غيري.
قال : ( المبحث الثاني في النظري. ولوجوبه وجوه ثلاثة :
الأوّل : أنّه شرط في العلم بالثواب والعقاب على الضروري ، وشرط الواجب المطلق واجب.
أمّا الصغرى : فلأنّ العلم بالجزاء موقوف على معرفة المجازي ، ومعرفة قدرته الذاتيّة العامّة ؛ لتوقّف المجازاة عليها. ومعرفة علمه كذلك ؛ حذرا من النقص ، أو الإيفاء لغير الفاعل. ومعرفة حياته ؛ ليصحّ عليه الوصفان.
ومعرفة قدمه ووجوب وجوده ؛ ليمتنع عدمه وعدم صفاته ، وتمتنع الحاجة عليه ؛ حذرا من أخذ المستحقّ ، ويمتنع شبهه للحوادث. ومعرفة وحدته ؛ لامتناع اجتماع واجبين ومعرفة عدله ؛ ليؤمن إخلاله بالواجب ، ويحكم بحسن أفعاله. وتعليلها بالأغراض ، وبعث الأنبياء ، ونصب الأوصياء ؛ لتوقّف التكليف بالسمعي عليه.
وهنالك يعلم كيفيّة الجزاء ، وما يمكن إسقاطه منه كعقاب الفاسق وثواب المرتدّ. والجزاء موقوف على المعاد. وهذا القدر وما يتعلّق به هو المبحوث عنه في المعارف العقليّة.
وأمّا الكبرى : فلأنّه لولاه لزم خروج الواجب المطلق عن كونه واجبا ، أو التكليف بالمحال ).
أقول : هذا هو المبحث الثاني من الثلاثة الموضوعة لتفصيل الوجه. وقد ذكر